«دير القمر» وجهة سياحية شهيرة في منطقة الشوف اللبنانية

تزدان بمعالم أثرية وقصور تاريخية وساحات تراثية

قصر المير يوسف شهاب بلدية «دير القمر» حالياً (dek trail رودي شعيا)
قصر المير يوسف شهاب بلدية «دير القمر» حالياً (dek trail رودي شعيا)
TT

«دير القمر» وجهة سياحية شهيرة في منطقة الشوف اللبنانية

قصر المير يوسف شهاب بلدية «دير القمر» حالياً (dek trail رودي شعيا)
قصر المير يوسف شهاب بلدية «دير القمر» حالياً (dek trail رودي شعيا)

تقع بلدة «دير القمر» على مسافة 45 كيلومتراً من العاصمة بيروت. مكانتها المهمة في منطقة الشوف الجبلية تعود لموقعها التاريخي عبر الزمن، فهي شكَّلت عاصمة للأمراء المعنيين، وأُدرجت عام 1945 على لائحة التراث العالمي.

تزدحم هذه البلدة بمعالم أثرية وقصور تاريخية وساحات تراثية. وكانت مقر الإقامة الصيفي للأمراء المعنيين في لبنان. كما أنها تجمع الحداثة في مقاهيها ومراكز التسلية فيها. أما مطاعمها وبيوت الضيافة فتوفر لروادها إقامة مريحة في بيوت تراثية تم تجديدها. وتشتهر بلقمتها الشهية التي تشمل إلى جانب الأطباق اللبنانية العريقة أخرى غربية.

وحسب عالم الآثار الدكتور حارث البستاني، ابن البلدة، فإن «دير القمر» تطوي محطات تاريخية كثيرة. وكما ذكر لـ«الشرق الأوسط» فهي تجمع المشهد اللبناني الحقيقي من كنائس وجوامع وتحكي معالمها بجدرانها وأحجارها روايات لا تنتهي عن تاريخ لبنان أيام الأمراء الشهابيين والمعنيين. وتعد القيصرية (تشكل جزءاً من قصر فخر الدين الثاني) وهي اليوم مقر للمركز الثقافي الفرنسي في لبنان، نموذجاً حياً لتلك الحقبة.

معالم تاريخية رُمِّمت

فندق «دير الأمراء»

يعد فندق ومطعم «دير الأمراء» من المباني التي أُعيد ترميمها منذ مدة زمنية غير طويلة. فقد شيّده في عام 1827 الأمير بشير الشهابي. واختاره مقراً لشاعره الخاص بطرس كرامي الذي كان يُكنّ له احتراماً شديداً. وبعد أن تحول إلى مدرسة لفترة اصبح واحداً من ممتلكات مطرانية الروم الكاثوليك وأُهمل تماماً، فلفت انتباه منذر البستاني الذي قرر أن يستأجره من المطرانية ويحوله إلى فندق ومطعم بعد أن أعاد ترميمه. وهو يتألف من نحو 20 غرفة منامة ومطعم يقدم أطيب المأكولات اللبنانية.

طرقات «دير القمر» العتيقة (dek trail رودي شعيا)

ساحة «دير القمر» المعروفة بالـ«ميدان»

عندما تزور بلدة «دير القمر» أول موقع يطالعك فيها يعجّ بالزوار والسياح الأجانب هو «الميدان». ويُعرف اليوم بـ«ساحة داني شمعون» ابن الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون أحد رجالات البلدة المعروفين. شهدت هذه الساحة في عصر الأمراء المعنيين مبارزات ومباريات فروسية كثيرة، وتتوسطها بركة مياه مستديرة الشكل يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وقربها تقع «المنشية» على مدخل البلدة والتي يعود تاريخها إلى نحو 150 عاماً، وتشكل حديقة عامة مفتوحة أمام زوار البلدة حيث يستطيعون تمضية ساعات جميلة في رحابها.

ومن الساحة تتوجه إلى قاعة العمود التي تشكل امتداداً لها، وتُعرف بهذا الاسم لهندستها القائمة على عمود حجري. كانت هذه القاعة مركزاً لحاكمية الأمير بشير الشهابي.

سرايا الشهابيين

كانت السرايا في الماضي مركزاً لإقامة الأمير بشير الثاني قبل أن ينتقل للسكن في بلدة بيت الدين المجاورة. وهي عبارة عن بناء قديم يتميّز بفناء مستطيل واسع وتُعرف بقصر المير يوسف شهاب. وقد أُقيمت بساحته حفلات ومهرجانات كثيرة. وتم أيضاً عليها تصوير مقاطع أفلام وفيديوكليبات إعلانية. وتتميّز السرايا بتصميمها الشرقي وبوابتها الضخمة المزينة بزخرف وخطوط ونقوش حجرية، وحالياً تُعرف بقصر «دير القمر البلدي» ويحلو لزوار البلدة الوقوف على مداخلها، والتقاط صور تذكارية على درجها.

جولات سياحية سيراً على الأقدام

تحضر في بلدة «دير القمر» متعة التجول بين أزقتها وشوارعها القديمة الضيقة والمرصوصة بأحجار صخرية. وتنظَّم رحلات خاصة للاطلاع عليها وعلى نحو 21 معلماً أثرياً وتاريخياً خلالها. وإذا ما رغب السائح في أن يقوم بها فما عليه سوى الاتصال ببلدية «دير القمر» لتؤمِّن له الدليل السياحي المطلوب. ويقول رودريغ شعيا صاحب (Deq trail) التي تنظم رحلات مماثلة في «دير القمر» لـ«الشرق الأوسط»: « تملك (دير القمر) 32 معلماً تاريخياً ولكن نستطيع التعرف إلى 21 منها خلال ممارسة رياضة المشي. ومن يرغب في إكمال جولته لأماكن أبعد يستطيع أن يستأجر حافلة أو سيارة لذلك».

أماكن عليك زيارتها في «دير القمر»

كثيرة هي الأماكن التي في استطاعتك اكتشافها في أثناء جولتك في «دير القمر». واخترنا لك 3 منها:

جامع الأمير فخر الدين الأول في «دير القمر» (dek trail رودي شعيا)

- جامع الأمير فخر الدين المعني الأول

بُني هذا الجامع في عام 1493 وعُرف باسم الأمير فخر الدين المعني الأول بعد أن رممه في القرن السادس عشر. يتميز المسجد بهندسته البسيطة والتقليدية، فهو يتألف من قاعة صلاة مربعة الشكل مسقوفة بعقد مصلّب ومئذنة مثمّنة الأضلاع.

- كنيسة سيدة التل

تعد هذه الكنيسة وجهة لجميع الطوائف في منطقة الشوف. وكانت المكان الذي يحب ارتياده بشكل دائم الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون. يعود بناؤه إلى أيام الأمير بشير الشهابي الثاني. وقد تم ذلك على أنقاض معبد فينيقي قديم، مكرّس للإلهة عشتروت.

- متحف ماري باز

أنشئ هذا المتحف للشمع على يد سمير باز. ويروي تاريخ لبنان منذ عام 1512 من خلال تماثيل من الشمع لشخصيات تاريخية. ويقع المتحف داخل قصر الأمير فخر الدين المعني الثاني. ويحتوي القصر تماثيل 80 شخصية سياسية وتاريخية وأدبية وفنية على مر تاريخ لبنان من عام 1512 حتى اليوم.

وفي أوائل 1996 بدأ العمل فيه مع عشرة نحاتين فرنسيين لصنع تماثيل لشخصيات لبنانية معروفة. واستخدموا في صناعتها «الفيبر غلاس» والشمع. ويضم تماثيل من الشمع للأمير فخر الدين المعني والشاعر الفرنسي لامارتين، وكذلك أخرى لسياسيين راحلين أمثال كمال جنبلاط وكميل شمعون ورفيق الحريري وإلياس الهراوي، ولفنانين كصباح وماجدة الرومي ووديع الصافي. ويتألف من مستوى واحد للسكن، وطابق آخر حول دار داخلية أرضيتها رخامية.

«بيت القمر» للضيافة

تطول لائحة بيوت الضيافة والمطاعم المنتشرة في بلدة «دير القمر». ونذكر منها على سبيل المثال «منتجع الباشا» ومطعم «الكوارة» و«كاونتري غايت» و«بيت الجبل» و«دير الأمراء» و«ديوان الفرح» وغيرها.

«دير القمر» حيث تحلو الجلسات لتناول الطعام والمنامة (dek trail رودي شعيا)

ومن بيوت الضيافة التي تتضمنها البلدة «بيت القمر».

ويقع في حي الكروم الواقع على تلّة مشرفة في البلدة. ويُعرف بمعالمه الطبيعية المتمثّلة بمساحات شاسعة من الحدائق الغنّاء بالزهور والأشجار. وفي مطعمه تتوزّع الطاولات والكراسي لجلسات مستقلّة. يتألف مبنى «بيت القمر» من ثلاثة طوابق استُوحيت هندستها من العمارة اللبنانية القديمة، وجُهّزت غرفها بأثاث القرية البسيط والأنيق معاً، والمطعّم بأدوات حديثة لتقضي وقتاً عنوانه الاسترخاء لا ينقصك فيه أي وسيلة من وسائل الراحة.

وفي الطابق الأول من مبنى «بيت القمر» يقع مطعم «طاولة» التابع لسوق الطيّب، الشهير بتقديمه الأطباق اللبنانية بمكوّنات طبيعية مائة في المائة. فهذا المطعم الذي يتلاءم تماماً مع مفهوم بيت الضيافة هذا، والمرتكز على الطبيعة وحدها، يقدّم لك أكلات لبنانية صحية ومغذية حُضّرت بأيادي ربّات منزل ذوّاقة في هذا المجال.


مقالات ذات صلة

7 أسباب تجعل موناكو وجهة تستقبل فيها العام الجديد

سفر وسياحة كازينو مونتي كارلو يلبس حلة العيد (الشرق الأوسط)

7 أسباب تجعل موناكو وجهة تستقبل فيها العام الجديد

لنبدأ بخيارات الوصول إلى إمارة موناكو، أقرب مطار إليها هو «نيس كوت دازور»، واسمه فقط يدخلك إلى عالم الرفاهية، لأن هذا القسم من فرنسا معروف كونه مرتعاً للأغنياء

جوسلين إيليا (مونتي كارلو)
يوميات الشرق تنقسم الآراء بشأن إمالة المقعد في الطائرة (شركة ليزي بوي)

حق أم مصدر إزعاج؟... عريضة لحظر الاستلقاء على مقعد الطائرة

«لا ترجع إلى الخلف عندما تسافر بالطائرة» عنوان حملة ساخرة أطلقتها شركة الأثاث «ليزي بوي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق افتتاح تلفريك جديد في جبال الألب (إ.ب.أ)

سويسرا تفتتح أشد عربات التلفريك انحداراً في العالم

افتُتح تلفريك جديد مذهل في جبال الألب البرنية السويسرية. ينقل تلفريك «شيلثورن» الركاب إلى مطعم دوار على قمة الجبل اشتهر في فيلم جيمس بوند.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق سياح يتجولون في أحد شوارع طوكيو (إ.ب.أ)

33 مليون زائر هذا العام... وجهة شهيرة تحطم رقماً قياسياً في عدد السياح

يسافر الزوار من كل حدب وصوب إلى اليابان، مما أدى إلى تحطيم البلاد لرقم قياسي جديد في قطاع السياحة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
سفر وسياحة البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

في مناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، تتنافس بلدات ومدن لبنانية على اجتذاب الزوّار. مدينتا جبيل والبترون كما زغرتا تشكّل وجهات سياحية داخلية محببة.

فيفيان حداد (بيروت)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.