فندق «بالميرا»... ذاكرة بعلبك العابق بالذكريات وعطر فيروز ونينا سيمون

بناه المهندس اليوناني ميكماليس باركلي عام 1872

ملحق فندق بالميرا الذي تطبعه العصرنة والحداثة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)
ملحق فندق بالميرا الذي تطبعه العصرنة والحداثة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)
TT

فندق «بالميرا»... ذاكرة بعلبك العابق بالذكريات وعطر فيروز ونينا سيمون

ملحق فندق بالميرا الذي تطبعه العصرنة والحداثة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)
ملحق فندق بالميرا الذي تطبعه العصرنة والحداثة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)

إذا ما قصدت مدينة بعلبك، وزُرت قلعتها الأثرية، فلا بد أن يأتي من يشير لك إلى فندق «بالميرا» الواقع في مقابلها، فهو يشكل مَعلماً أثرياً مرت عليه شخصيات سياسية وفنية، فلا يمكن أن تزور القلعة من دون أن تلقي نظرة على «بالميرا» الواقف أبداً شاهداً على تاريخ لبنان الذهبي.

أبقى أصحاب الفندق من آل الحسيني على معالم هذا المكان كما هو من دون خدش هويته. غرفه الـ27 لا تزال مفروشة بالأثاث نفسه الذي غمرها منذ افتتاحه، أما الملحق، الذي استُحدث فيه مؤخراً، ويضم 5 غرف جديدة، فجرى تصميمه ليتماشى مع المبنى القديم ولكنه يحمل بصمات الحداثة.

تختصر ريما الحسيني، زوجة صاحب الفندق علي الحسيني، والمشرفة عليه، لـ«الشرق الأوسط»: «إنه ذاكرة بعلبك». شهد أهم محطات الفن والفرح فيها على مدى مساحته المحاطة بالحدائق، وهو، مع الوقت، تحوَّل إلى متحف صغير؛ لما يحتوي عليه من قِطع أثرية ولوحات فنية نادرة بريشة أجانب ولبنانيين.

أوان من النحاس قديمة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)

تصميم هندسي بورجوازي

شُيّد الفندق على يد المهندس اليوناني ميمكاليس باركلي في عام 1872 على أرض تزيد مساحتها عن 200 متر مربع. يقع عند مدخل بعلبك الجنوبي، وجرى تخطيط البناء بحيث يطل بواجهته الأساسية على الأطلال الرومانية. أما اسمه فيعود إلى التمثال النصفي لزنوبيا، أحضره معه باركلي من تدمر أثناء رحلته. ولا يزال هذا التمثال موجوداً في القاعة الرئيسية بالفندق.

يتألف فندق بالميرا من طابقين جرى بناؤهما على الطراز البورجوازي الرائج في تلك الحقبة، ويحيط به سور من الأعمدة الدائرية والقضبان الحديدية، وبجانبه حديقة مزروعة بعدة أشجار معمرة، كما يزدان بقطع أثرية من تيجان وأعمدة، وتماثيل نصفية من الحقبة الرومانية، أما حديقته فتتوسطها نافورة مياه مبنية من الحجر الصخري على الطراز القديم.

أحد أركان فندق بالميرا (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)

«بالميرا» صفحة تاريخ ذهبية

ما إن تطأ قدماك أرض الفندق حتى تشعر بنسمة هواء من التاريخ تلمس مُحياك. تتوغل فيه لتستكشف صفحاته، بدءاً من مدخل يتكون من ثلاث قناطر. حيطان مزخرفة وشبابيك وشُرفات تطل منها على لبنان العراقة. تتوقف عند بهوه الفسيح، محاولاً أن تحصى أعداد وأسماء رسامين كثيرين تركوا لوحاتهم في غماره.

يتألف مدخل الفندق من ثلاث قناطر مرتكزة على أعمدة مزخرفة. ومن شبابيكه وشرفاته تطل على قلعة بعلبك الرومانية، وهو ما دفع كثيرين للإقامة فيه ضمن تجربة فريدة يعبرون فيها الزمن. مرّ فندق بالميرا بعدة مراحل إعمارية، وكان يتألف، منذ البداية، من طابق واحد، حيث قام مالك الفندق اليوناني ميكماليس باركلي بعرضه للمزاد. وبعد وفاته في الحرب العالمية الأولى، قام بشرائه خبير الآثار اللبناني ميخائيل ألوف بـ1400 عثملية ذهب. قام بترميمه، وأضاف طابقاً ثانياً، وقام بتوسعته حتى أصبح يتألف من 27 غرفة، وصالة كبيرة، ومدخل، ومطعم.

أما الملحق الذي بُني له مؤخراً فيتألف من 5 غرف، وجرى إطلاق أسماء محددة على كل منها؛ تكريماً للشخصيات التي أقامت به.

ومن الفنانين التشكيليين، الذين تركوا لوحاتهم فيه، عمر الأنسي، وأمين الباشا، وجان كوكتو؛ فهذا الأخير له مجموعة من رسوماته هناك كان قد تركها في الفندق، على أثر إقامته فيه لمدة طويلة في الستينات.

التمثال النصفي للملكة زنوبيا (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)

شخصيات مرت على «بالميرا»

كثيرة هي الأسماء التي اتخذت من «بالميرا» محطة أساسية لها أثناء زيارتها مدينة الشمس بعلبك. ومن بين تلك الشخصيات وديع الصافي، ونصري شمس الدين، ومارسيل خليفة، وصباح، والأخوان الرحباني. ومن الشخصيات التاريخية التي زارته الجنرال غورو في عام 1920، والقيصر الألماني وليام الثاني عام 1889، فمهد وقتها الطريق إلى بعثات أثرية لاستكشاف بعلبك التاريخ. وبين فريد الأطرش، وأم كلثوم، ودريد لحام، إلى فيتزجرلد وأرغون لا بد من التوقف عند فيروز، ونينا سيمون.

فالأولى كانت تنزل في هذا الصرح السياحي، في كل مرة أحيت فيها مهرجانات بعلبك. وكانت غرفتها المفضلة تحمل رقم 26. وتطل على قلعة بعلبك، ويسودها الهدوء والسكينة، لكنها اختارت الإقامة في ملحق الفندق على أثر تجديده وتحديثه. وفي عام 2006 مكثت هناك نحو أسبوعين متتاليين. واليوم تعرف الغرفة التي نزلت فيها باسمها «غرفة فيروز». وتعلق ريما الحسيني، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كانت مميزة بإطلالتها وبجلساتها وهدوئها، لم تكن يوماً متطلبة، أو تعطي أي ملاحظة لموظفي الفندق. معرفتي بها كانت بمثابة هدية تلقيتها في بقعة من لبنان الجميل».

ومن زوار هذا الفندق أيضاً الممثلة الفرنسية فاني أردان، وهي كانت تمضي ساعات طويلة تحت شجرة التوت في حديقة الفندق، أما نينا سيمون فكانت مغرَمة بالطبيعة، وتمضي معظم وقتها مساءً تحت سماء بعلبك المضاءة بالنجوم.

السجل الذهبي للفندق يتألف من جزأين؛ الأول من عام 1889 إلى 1907، والثاني من 1907 إلى اليوم. وسجل في هذا الكتاب كل من زار الفندق، حيث كتب زواره مشاعرهم عن بعلبك والفندق من صفحات أصبحت تاريخية، ولأهمية الكتاب تُرجم إلى عدة لغات.

مطعم الفندق أكلات لبنانية بعلبكية

يشهد فندق بالميرا، اليوم، حركة سياحية ملحوظة، بعد فترة من الشلل شهدها في فترة الجائحة، وهو يخصص لزواره مائدة لبنانية بامتياز تحضِّرها يومياً ربات منازل في بعلبك. وتوضح ريما الحسيني، زوجة صاحب الفندق علي حسين الحسيني، لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما يتذوقه زائر فندق بالميرا هو صناعة محلية بمكونات بعلبكية، لقد آثرت أن تطبع مدينة الشمس موائد مطعمنا».

وترى المدير التنفيذي لفندق بالميرا أن الطعام بمثابة لغة تواصل بحد ذاتها، أما الأطباق التي يقدمها فتتضمن مازات لبنانية شهيرة ومعروفة كالتبولة، والبابا غنوج، والفتوش، والحمص بالطحينة، وأطباق اللحوم على أنواعها.

ومن الأطباق البعلبكية، التي تزين مائدة «بالميرا» الصفيحة البعلبكية باللحم، وتلك المحضرة بالبقول. ويُعدّ طبق «كواج» من الأشهر في الفندق، وهو نموذج مشهور عن الأكلات البعلبكية. ويتألف من مجموعة خضر مطبوخة في الفرن. وتتابع ريما الحسيني: «لدينا أيضاً مذاقات مختلفة لأطباق الأرز والكباب الهندي، وهو طبق مشهور عندنا في بعلبك. وكذلك سَلَطة الراهب (تتألف من الباذنجان المشوي المتبّل بالليمون الحامض).

ويقصد الفندق سياحٌ ومقيمين ليتذوقوا خصيصاً طبق «كبة البطاطا» المشهورة به سيدات بعلبك. «هي أطباق نحاول أن نجددها، حسب كل موسم خضر وبقول، فنضفي ثقافة طعام خاصة على مطعم بالميرا».


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.