إذا رغبت في الحصول على جرعة أوكسيجين جبلية أصيلة حيث تمضي أوقاتاً مميزة لن تنساها، ما عليك سوى التوجه إلى بلدة جزين الجنوبية.
لقبها «عروسة الشلال» لم يأتِ عن عبث، فهي بمثابة قطعة من الجنة على الأرض لما تضم من مواقع ومعالم أثرية وطبيعية. ومن يقصدها من بيروت التي تبعد على مسافة 77 كيلومتراً منها، سيكرر زيارته لها مرة جديدة. فكمية الأماكن السياحية ستتطلب منه البقاء فيها لأكثر من يوم واحد. فنادق ومطاعم وكنائس وأسواق وأدراج قديمة بانتظارك، أضف إليها المغاور وقصر فريد سرحال والشلالات.
إليك أهم 5 أماكن لا بد من زيارتها في جزين...
شلالات جزين
تعدّ شلالات جزين من الأشهر في لبنان، كما تندرج في المرتبة الخامسة عالمياً؛ نظراً لارتفاعها الذي يتجاوز الـ900 متر؛ ولأنها رمز من رموز هذه البلدة الجنوبية، فلا بد لمن يزورها أن يقصد المطاعم والمقاهي التي تتوزع على جانبيها. تصبح مياه «الشالوف» كما يسميه أهالي جزين غزيرة في فصل الشتاء. وهي نالت لقبها «عروسة الشلال» بسببه؛ إذ يقع في وسطها. وهو ينبع من صخور جزين ويصب في وسط البلدة.
وتأخذ المطاعم والمقاهي الواقعة حوله أسماء ترتبط به ارتباطاً مباشراً أو بالمناظر الطبيعية التي تطل عليها. فكما «مطعم الشلال» كذلك «مطعم الشالوف» و«منظر الحرج»، فجميعها تقع على مشارف الشلال، حيث يمكن لروادها أن يمتّعوا نظرهم بطبيعة جزين والبلدات المحيطة بها مثل بكاسين. وتقدم هذه المطاعم اللقمة اللبنانية الشهية من مازات وأطباق.
أنشئت قرب الشلال حديقة عامة تعرف بـ«بارك جزين». وتنتشر حولها مقاهٍ ومطاعم تقدم أكلات لبنانية، وأخرى من نوع الأطباق السريعة كالبيتزا والهمبرغر.
مغارة قرقماز و«المعبور»
توجد في بلدة جزين مواقع أثرية، من بينها «مغارة قرقماز» المعروفة بـ«فخر الدين». وهي تقع مباشرة في جوف الجبل الذي يصبّ فيه الشلال. وكان الأمير فخر الدين المعني الثاني وابنه قرقماز قد اختبآ فيها هرباً من السلطة العثمانية. ويروي أهل البلدة أن السلطة المذكورة علمت بمكانهما وتمت محاصرتهما بدخان الحرائق، ثم ألقي القبض عليهما وأعدما في الأستانة.
أما «المعبور» فهو اسم يطلق على الطريق الممتدة على طول مدخل بلدة جزين. وكانت في الماضي يستخدمها أهالي منطقة الجنوب للعبور من خلالها متنقلين سيراً على الأقدام من بلدة إلى أخرى. وبقي هذا الاسم يرتبط بهذه الطريق على الرغم من توسيعها. فهي تحولت طريقاً سريعة تنتهي بتمثال للسيدة العذراء «سيدة المعبور». وتحيط بـ«المعبور» من الجانبين مناظر طبيعية من غابات صنوبر وغيرها.
أسواق جزين القديمة
تم ترميم أسواق جزين القديمة من قِبل بلديتها منذ سنوات قليلة. فجرى تغيير أبواب دكاكينها ورصّ أرصفتها من جديد مع الحفاظ على مظهرها التراثي العريق. وتطالعك في تلك الأسواق القديمة التي يقصدها أهالي البلدات المجاورة، كل ما يخطر على بالك من حوانيت ومحال تجارية صغيرة متلاصقة تجد فيها أصنافاً من المونة اللبنانية، بالإضافة إلى الأفران والمخابز المتخصصة ببيع خبز المرقوق القروي والمناقيش بالزعتر وغيرها. كما تجد فيها السكاف والجزار والخياط ومحال بيع الحلويات العربية.
حِرف وهدايا جزين
من يزُر بلدة جزين فلا بد أن يقصد محالها التجارية التي تبيع الأشغال اليدوية. فنساء جزين وربات منازلها يشتهرن بأعمالهن الحِرفية من تطريز وخياطة. أما شهرتها الأكبر فتكمن في صناعة السكاكين والسيوف.
اعتاد رؤساء الجمهورية في لبنان على إهداء سكاكين وسيوف جزين لرؤساء أجانب كذكرى قيّمة يحملونها معهم من لبنان. كما تعتمدها مدرسة الحربية في لبنان لشراء سيوف طلابها. هذه الصناعة هي بمثابة مورد رزق لنصف أهالي البلدة الذين لا يزيد عددهم على 40 ألف شخص. ويتنافس الحرفيون على صناعة هذه الحرفة اليومية في ابتكار الأشكال والرسوم والزخرفة التي تزين القبضات المصنوعة بعض الأحيان من قرون الحيوانات (العاج) أو عظامها، وتأخذ شكل طاووس أو عصفور أو سمكة أو إوزة، وغيرها، وتصبغ بألوان مختلفة كالأزرق أو النبيذي أو الذهبي لتتلاءم مع مختلف الأطباق المقدمة على الموائد. وتعدّ هذه الحرفيات من الهدايا الفاخرة التي يتبادلها اللبنانيون مع بعضهم ومع زوارهم الأجانب. ويختلف زبائن هذه الهدايا تبعاً لسعرها وقيمتها. فعادة ما يختار الأثرياء والطبقة الراقية، المجموعة المؤلفة من أكثر من 100 قطعة مصنوعة من العاج الخالص أو المطعمة بالذهب. وتفوق تكلفتها 10 آلاف دولار. بينما قطع وأوانٍ حرفية أخرى يمكن شراؤها بالقطعة أو أكثر فتتراوح أسعارها بين الـ100 و200 دولار.
قصر فريد سرحال
يعدّ قصر النائب الراحل الدكتور فريد سرحال تحفة أثرية مميزة في لبنان. فهو جمع أحجاره وزخرفته وتماثيله وأرضيته الرخامية من مختلف البلدان. فكان عندما يسافر حول العالم يحمل من كل بلد ما يناسب قصره الذي حلم في بنائه في بلدته الأم جزين. فحملها معه ما أعجبه، من أفغانستان وحلب والهند وغيرها؛ مما حوله متحفاً يتغنى به أهل جزين. يطغى الطابع التراثي الإسلامي على المتحف المزدان بالأشعار العربية، والمنمنمات اليدوية التي برع فيها الـ«جزينيون»، وتدرّب مزارعون على خوض غمارها، بإشراف مباشر من الطبيب سرحال الذي كان حلمه الأساسي أن يكون مهندساً معمارياً.
أمضى الراحل فريد سرحال ثلاثين عاماً يجمع تحفاً من أجل هذا المتحف، زار الشرق الإسلامي كله واشترى الكثير من الأنتيكا والأثاث. ومن منطقة البسطة في بيروت اشترى النراجيل، وزار أوروبا الشرقية والهـند والشام وسوريـا ومصر، وجلب منها «الأوبالين» ومن تركيا الخشبيـات. أما السجاد العجمي والنحاسيات فحملها معه من طهران. وكانت أبواب القصر قد فُتحت خصيصاً لتصوير أحد المسلسلات اللبنانية وهو «ثورة الفلاحين».