تحديات أمام طموح مصر السياحي... لكنها على الطريق الصحيح

مصر تحتاج إلى فكر سياحي (رويترز)
مصر تحتاج إلى فكر سياحي (رويترز)
TT

تحديات أمام طموح مصر السياحي... لكنها على الطريق الصحيح

مصر تحتاج إلى فكر سياحي (رويترز)
مصر تحتاج إلى فكر سياحي (رويترز)

ما أن انقشعت جائحة فيروس كورونا وتدفق سياح بأعداد كبيرة من دول مختلفة عوضا عن السياح الروس والأوكرانيين الغائبين منذ اندلاع الحرب حتى انفتحت شهية مصر السياحية وزاد طموحها إلى سياح أكثر وعائدات أوفر.

وفي أواخر مارس (آذار) الماضي، قال وزير السياحة والآثار أحمد عيسى إن مصر تستهدف تحقيق نمو متواصل في صناعة السياحة بقيادة القطاع الخاص بنسبة تتراوح بين 25 و30 في المائة سنويا.

ويقول مسؤولون وخبراء ومواطنون إن مصر تستحق نصيبا أوفى من صناعة السياحة العالمية، التي قال عيسى في مؤتمر صحافي سابق إن حجمها بلغ 1.5 مليار سائح عام 2019.

فنانون يقدمون عرضًا في الحفل الختامي للمهرجان الدولي العاشر للطبول والفنون التقليدية في القاهرة (إ.ب.أ)

وبنى عيسى طموحات بلاده على أن الإحصاءات تشير إلى زيادة عدد السائحين في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) من العام الجاري بنسبة تجاوزت 30 في المائة بالمقارنة بالفترة نفسها في 2022.

ووصف تلك النتائج بأنها «مبشرة جدا» متوقعا تحقيق رقم قياسي في أعداد السائحين القادمين إلى مصر هذا العام، رغم تراجع عدد السياح الروس بحوالي 40 في المائة والأوكرانيين بأكثر من 80 في المائة في يناير وفبراير.

وأشار وزير السياحة إلى أنه في المقابل تم تسجيل زيادات مطردة في أعداد السائحين القادمين من ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية وإسبانيا وفرنسا، مضيفا أن هناك نموا في أعداد السائحين الإيطاليين بنسبة زادت على 250 في المائة في يناير وفبراير بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

وكانت روسيا وأوكرانيا في صدارة الدول التي يفد منها السائحون إلى مصر.

وقبل المؤتمر الصحافي لوزير السياحة والآثار بأقل من شهرين، أعلن البنك المركزي المصري ارتفاع عائدات السياحة في الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) عام 2022 إلى 4.1 مليار دولار، فيما يمثل زيادة بنسبة 43.5 في المائة بالمقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق.

كما سجل المركزي المصري زيادة عدد السائحين القادمين إلى مصر بمعدل 52.2 في المائة إلى حوالي 3.4 مليون سائح.

أحد منتجعات البحر الأحمر (رويترز)

وبحسب مسؤولين، تطمح مصر إلى أن يقترب عدد السياح من 15 مليون سائح سنويا.

وتقول مصر إن استراتيجيتها للنمو المستهدف لصناعة السياحة تعتمد على التوسع في الرحلات الجوية، وتحسين خدمة السائحين، وزيادة الاستثمارات في القطاع السياحي.

وتعمل وزارة السياحة أيضا على تعزيز جهودها لتنشيط السياحة الثقافية، وقال عيسى إن سائحا من بين كل اثنين يأتي إلى مصر من أجل «تجربة ثقافية واحدة على الأقل»، وإن سائحا من بين كل أربعة يأتي من أجل السياحة الثقافية، بما تعنيه من زيارة المعالم الأثرية والمتاحف، دون سواها.

تحديات

ثمة الكثير من التحديات التي تواجه تحقيق طفرة في المنتج السياحي المصري يكون من شأنها أن تنال الدولة الغنية بالآثار نصيبا أوفر من السياحة في العالم.

في حديث إلى «وكالة أنباء العالم العربي»، قال ناصر تركي عضو لجنة تيسير الأعمال باتحاد الغرف السياحية: «مصر دولة سياحية. فيها كل المقومات. يعني إذا قلنا سياحة الشواطئ عندنا البحر الأحمر والبحر المتوسط. وإذا قلنا سياحة السفاري عندنا صحراء أعتقد أنه لا مثيل لها في العالم. وعندنا محميات طبيعية لا مثيل لها في العالم. وعندنا طقس لا مثيل له في العالم».

وأضاف: «إذا قلنا السياحة النهرية عندنا النيل، أحد أهم أنهار العالم. إذا قلنا السياحة الثقافية أعتقد أنه لا توجد دولة في العالم عندها كم الآثار الموجود عندنا. إذا قلنا سياحة الاستشفاء، عندنا أفضل منتجعات الاستشفاء في مختلف مناطق مصر».

وتابع: «تنقصنا مع ذلك أشياء كثيرة إذا أردنا أن تكون لمصر مكانتها ضمن أوائل الدول الجاذبة للسياح. تنقصنا بعض أشياء أهمها الخدمات المعاونة. لا توجد عندنا وسائل النقل المناسبة للسائح ابتداء من التاكسي (سيارة الأجرة). ليس عندنا التاكسي الذي يعمل بعداد يحسب الأجرة».

ومضى تركي قائلا: «ملف السياحة هو رقم واحد، هو المقدمة، هو القاطرة، هو التنمية، هو الرخاء، هو العملات (الأجنبية). هو كل شيء في الحقيقة». وأشار إلى «أننا نحتاج إلى فكر سياحي. على سبيل المثال أضعنا الساحل الشمالي في منتجعات عقارية. أين الفنادق في الساحل الشمالي؟ الساحل الشمالي يضاهي جميع سواحل الدول الأخرى المطلة على البحر المتوسط مثل فرنسا وإيطاليا وتركيا واليونان وتونس».

الساحل الشمالي (رويترز)

وأكد أن مصر تحتاج إلى «خطة واضحة وأجندة واضحة الكل يشتغل عليها. على سبيل المثال ليس عندنا مواقع إلكترونية مصرية تقدم خدمات للسياحة. ليس عندنا مواقع حجز مصرية تقدم أسعارا منافسة من أجل ألا تسيطر علينا المواقع الأجنبية. قائمة التحديات طويلة».

قال أحمد عبد العزيز ميرا، الذي شغل منصب نائب رئيس الشركة المنفذة لعروض الصوت والضوء التي تروي تاريخ الآثار المصرية في المواقع السياحية «تنقصنا ثقافة السياحة... يأتي السائح ينزل المطار وهو أول شيء يقابله. المطار أول شيء يعطيه انطباعا عن البلد. أول شخص يقابله خارج المطار هو سائق تاكسي، فإذا كان السائق يعمل لمصلحته الشخصية فإنه يكسب لكن بلده كلها تخسر».

وأوضح أنه «ممكن لورقة بردي بدولار واحد أن يأخذ أحد الباعة من السائح ثمنها عشرة دولارات. تجد سائحا متوجها إلى الأهرامات وأبو الهول، لكنه يجد في الطريق أشياء مثل حيوانات نافقة فيلتقط لها صورا».

ولفت ميرا إلى أن «انطباع السائح عن البلد هو التسويق. هناك دول ليس عندها أي شيء من الموجود في مصر لكنها تتفوق علينا في أعداد السائحين»، مشيرا إلى حسن تنظيم المواسم السياحية والعمل بالثقافة السياحية المناسبة.

وزادت على ذلك المرشدة السياحية نهى عوف قائلة لوكالة أنباء العالم العربي إنها قبل أن تعمل في مجال السياحة لم تكن تدرك قيمة الآثار باعتبارها مصدرا للدخل القومي المردودة ثماره على جميع المصريين.

وأضافت أن كثيرا من الناس ينقصهم هذا الإدراك وبالتالي يغيب عنهم ما يعنيه الترحيب بالسائح.

وتابعت: «الترحيب بالسائح لا يعني أن ألتقط معه صورة، إنما أن أتجنب إلقاء النفايات على الأرض في أي موقع سياحي، وأن أكون لطيفا في معاملة السائح، وألا أرفع صوتي في وجوده، وأن أتركه يستمتع بزيارته».

وأيدتها مصرية تساعد زوجها من خلال مرافقة بعض الأفواج السياحية التي ينظمها، قائلة إنه يجب تنظيم تعامل الباعة الجائلين ومقدمي الخدمات الأخرى في أماكن مثل هضبة الأهرام ومدينتي الأقصر وأسوان.

على الطريق الصحيح

شدد الخبير السياحي عاطف عبد اللطيف على أن مصر دولة واعدة بالفعل في صناعة السياحة. وقال لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «الجميع في العالم يفكرون في الحضور إلى مصر. الحضارة المصرية القديمة من الحضارات القليلة في العالم التي تُدرس في جميع أنحاء العالم».

وأقر بأن مصر إلى الآن لم تأخذ نصيبها العادل من السياحة على مستوى العالم.

وأضاف: «نعم هناك تحديات عالمية واجهتنا في الفترة الأخيرة أخطرها الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية. كانت روسيا وأوكرانيا الدولتين الأولى والثانية في التدفق السياحي على مصر ومثلتا شريانا سياحيا عظيما لنا. لكن ربنا عوضنا من دول أخرى إلى حد ما وعوضنا عن السنوات العجاف بعد أحداث 25 يناير 2011 وما تلاها من أعمال عنف».

وتابع: «نحن الآن على الطريق الصحيح ونتوقع زيادة كبيرة في السياحة لمصر».

لكن الخبير السياحي أشار إلى حاجة مصر لزيادة طاقة استيعاب مطاراتها. وتملك مصر مطارات في معظم وجهاتها السياحية، وبدأت في الآونة الأخيرة تشغيل رحلات تجارية من مطار سفنكس في غرب القاهرة بالقرب من الأهرامات والمتحف المصري الكبير المزمع افتتاحه في الأشهر القليلة القادمة.

ومضى عبد اللطيف قائلا: «نحتاج إلى زيادة الطاقة الاستيعابية لمطاراتنا. موضوع الطيران يمثل تحديا كبيرا. نحتاج إلى التوسع في الطيران العارض والطيران الآخر منخفض التكلفة. نحتاج إلى زيادة عدد الفنادق. نحتاج إلى زيادة عدد السفن السياحية الفندقية بين الأقصر وأسوان. نحتاج إلى زيادة عدد المرشدين السياحيين لأننا فقدنا الكثيرين منهم بعد أن غيروا عملهم (خلال فترات تراجع السياحة). نحتاج إلى زيادة عدد العاملين في السياحة وتدريبهم جيدا. أسواق الخليج وأسواق كثيرة أخذت من مصر جزءا كبيرا من العمالة السياحية المدربة خلال الأزمات التي مررنا بها. هناك طلب متزايد وهناك حاجة إلى زيادة مقابلة في الطاقة السياحية لمصر. نحتاج إلى زيادة عدد الرحلات الجوية الداخلية».

«اخترت مصر»

قال مايرون ميسنر، وهو رجل أعمال أميركي من هيوستن بولاية تكساس، للوكالة خلال زيارته للمتحف القومي للحضارة المصرية إنه تواق لزيارة مصر منذ دراسته الابتدائية.

ووصل ميسنر (70 عاما) إلى مصر قبل أسبوع، وقال إنه سيبقى أربعة أيام أخرى فيما وصفها بأنه رحلة طويلة أخذته إلى الأقصر وأسوان ثم إلى الإسكندرية وبعدها السويس لأنه يريد أن يرى قناة السويس.

وأضاف: «أردت أن آتي إلى هنا منذ كنت ولدا صغيرا في السنة الرابعة. مدرستي في السنة الرابعة زارت العالم كله وجاءت بالكثير من المعلومات الشيقة إلى الفصل. وبعد أن أشعلت اهتمامي بالسفر كانت مصر على الدوام من البلاد التي أردت الذهاب إليها. كل عام زوجتي تسمح لي برحلة واحدة بمفردي. هذا العام اخترت مصر».

وتحدث ميسنر عن انطباعه عن مصر فوصفها بأنها «شاسعة. الحجم ضخم. إنها فعلا مدهشة وبها الكثير من الناس ومزدحمة. ولكن عندما تدخل مكانا تجده مريحا للغاية. الشوارع تعج بالحركة أكثر مما تعودت أن أرى. لكن المصريين مدهشون وطيبون للغاية ويُبدون مشاعر الود ويسارعون إلى مد يد العون. إنه تحدٍ أن تأتي إلى هنا بمفردك لكن في مصر الكثير مما يمتعك».

ورأى أن على مصر الترويج لمناطق جاذبة للسياح مثل المتحف القومي للحضارة المصرية من أجل زيادة التدفق السياحي.

وتابع: «من المهم كثيرا أن تروجوا لهذا دوليا بشكل أكبر ليأتي الناس إلى هنا. مصر ليست الأهرام فحسب. إنها أكثر من ذلك بكثير».

أما السائح الفرنسي كليمون، الذي يعيش في لندن ويعمل في صناعة التشييد هناك، فقال للوكالة خلال زيارته، بصحبة زوجته وأطفاله، لمنطقة الحسين في القاهرة القديمة إنه يعرف أن عائدات السياحة تمثل نسبة كبيرة من إجمالي الناتج القومي «وبالتالي من المهم أن يطمئنوا إلى أن هذه الصناعة ماضية في طريقها، وأن يحسنوها. أعتقد أنهم يجب أن يجعلوها مستدامة من خلال تنويع المهارات السياحية وخلق مهارات جديدة وإيجاد مقاصد جديدة داخل البلاد».


مقالات ذات صلة

جويل حجار... «جذور ومسارات عربية» تُتوّج الأحلام الكبرى

يوميات الشرق جويل حجار تؤمن بالأحلام الكبيرة وتخطّي الإنسان ذاته (الشرق الأوسط)

جويل حجار... «جذور ومسارات عربية» تُتوّج الأحلام الكبرى

بالنسبة إلى جويل حجار، الإيمان بالأفكار وإرادة تنفيذها يقهران المستحيل: «المهم أن نريد الشيء؛ وما يُغلَق من المرة الأولى يُفتَح بعد محاولات صادقة».

فاطمة عبد الله (بيروت)
الاقتصاد وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي المهندس صالح الجاسر (واس)

الجاسر: 15 % نمو أعداد المسافرين في السعودية خلال 2024

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي المهندس صالح الجاسر ارتفاع أعداد المسافرين 15 في المائة عام 2024 لتصل إلى أكثر من 128 مليون مسافر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة منتجع ثوال الخصوصية المطلقة والفخامة البسيطة (الشرق الأوسط)

ثُوّال... منتجع على جزيرة سعودية خاصة وسط البحر الأحمر

افتتح منتجع ثُوّال الخاص أبوابه رسمياً ليصبح أول جزيرة خاصة من نوعها بالمملكة العربية السعودية قبالة ساحل جدة، حيث يقدم تجربة فريدة تجمع بين الخصوصية التامة والفخامة الاستثنائية

«الشرق الأوسط» (جدة)
سفر وسياحة دمياط تضم مجموعة من المساجد الأثرية (الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة)

دمياط... وجهة مصرية شاملة ترضي جميع الأذواق

عند اختيار وجهة لقضاء عطلتك قد تشعر بالحيرة بين رحلة مليئة بالنشاطات المتنوعة التي توفرها عطلة مميزة في مدينة صاخبة وبين الحاجة إلى عطلة شاطئية هادئة لكن لماذا تختار نوعاً واحداً فقط عندما يمكنك الاستمتاع بأفضل ما في كلتا التجربتين في بعض المدن حول العالم ومنها محافظة دمياط المصرية التي تستطيع أن تقضي فيها عطلة تلبي جميع متطلباتك على تناقضها.

نادية عبد الحليم (القاهرة)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».