السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟

المبعوث الأميركي السابق حذّر من دعوات التقسيم التي بدأ صوتها يرتفع


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
TT

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)

أثار تطور الأوضاع السياسية في السودان مخاوف واسعة، أولاً من خطوة تحالف «تأسيس» المؤيد لـ«قوات الدعم السريع» بإعلان هيكله القيادي، وقرب تشكيله «حكومة» في مناطق سيطرتها، وثانياً من تعثّر تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش - وتتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة - من تقطيع أوصال السودان وتجزئته. معارضون وموالون للطرفين أبدوا قلقهم العميق على وحدة البلاد، وحذّروا من احتمالات ولادة دولة داخل دولة، أو تجزئة البلاد إلى دولتين، كسابقة انفصال جنوب السودان، وولادة دولة جديدة في الإقليم السوداني. وأثار هؤلاء أسئلة عن تنازع «الشرعية» بين الحكومتين «غير الشرعيتين»، وتعميق حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي ولدتها الحرب في السودان. في نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، أعلن «تحالف السودان التأسيسي» - اختصاراً «تأسيس» - يوم الثلاثاء الماضي تشكيل هيئته القيادية برئاسة قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ونائبه رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال» عبد العزيز آدم الحلو، وهي خطوة وصفت بأنها تمهيد لاقتراب تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع».

تكوَّن تحالف «تأسيس» خلال فبراير (شباط) الماضي في العاصمة الكينية، نيروبي، من «قوات الدعم السريع»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان - المجلس الانتقالي»، و«تجمّع قوى تحرير السودان»، وهي حركات مسلحة في دارفور وجنوب كردفان، إلى جانب قوى وأحزاب سياسية على رأسها «حزب الأمة القومي» برئاسة فضل الله برمة ناصر، و»الحزب الاتحادي الديمقراطي»، تيار محمد الحسن الميرغني.

«حكومة السلام والوحدة»

ووقَّع أعضاء هذا التحالف على إعلان سياسي ودستور انتقالي. وقالوا إنهم سيشكلون حكومة تحمل اسم «حكومة السلام والوحدة» وتنطلق من مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وتتجه للسيطرة على كل السودان. إلا أن تشكيل «الحكومة» تعثّر أو تأخر كثيراً، إذ بعد إعلان الهيئة القيادية للتحالف وتصريحات مسؤولين فيه، توقَّع مراقبون كثر أن يكون تشكيل تلك الحكومة وشيكاً.

في الجهة الأخرى، تعثّر أيضاً تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش. وبعدما أصدر عبد الفتاح البرهان، رئيس «مجلس السيادة» الانتقالي وقائد الجيش، مرسوماً عيّن بموجبه الموظف الأممي السابق كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء، واجهت درويش تعقيدات عدة أبرزها الخلافات على تسنم كراسي الوزارة، لا سيما مع حلفاء الجيش في «القوات المشتركة» الدارفورية التي تقاتل إلى جانبه «الدعم السريع».

والحال أن لدى كل من «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة» السودانية بقيادة جبريل إبراهيم، إصراراً على الاحتفاظ بوزارتَي المالية والمعادن، بلغ حد تلميح بعض قياداتهما لفض الشراكة مع الجيش، بل وقد تصل الأمور حد «التحالف مع قوات الدعم السريع».

في هذه الأثناء، لا تعترف القوى المدنية الرافضة لاستمرار الحرب في تحالف «صمود» على الأقل، بشرعية أي من الحكومتين المزمعتين. إذ ترى أن الحكومة التي يرعاها الجيش «ثمرة انقلاب عسكري» ضد حكومة «الثورة» بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، كما لا ترى في حكومة التحالف الموعودة، سوى خطوة تهدد وحدة البلاد وسيادتها.

البرهان (آ ف ب

مناطق السيطرة

راهناً، يتوزَّع كل من الجيش و«قوات الدعم السريع» السيطرة على السودان. فالحكومة الموالية للجيش تسيطر على ولايات الوسط والشرق والشمال (سنار، ومعظم النيل الأزرق، ومعظم جنوب كردفان، والقضارف، وكَسَلا، والبحر الأحمر، ونهر النيل، والشمالية)، وتتقاسم مع «قوات الدعم السريع» السيطرة على شمال كردفان.

أما «قوات الدعم السريع» فتسيطر على ولايات دارفور الخمس (جنوب، وغرب، وشرق، ووسط، وشمال دارفور)، باستثناء الفاشر. وثمة جيوب تسيطر عليها «حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد النور. وأجزاء تسيطر عليها «القوات المشتركة»، وولاية غرب كردفان، باستثناء مدينة بابنوسة، وأجزاء واسعة من ولاية شمال كردفان، والأجزاء الشمالية من جنوب كردفان، وبعض المناطق في جنوبها تسيطر عليها «الحركة الشعبية».

دولة أم دولتان؟

مراراً، أكد قادة «قوات الدعم السريع» أن الهدف من خطوتها «سد الفراغ الإداري في مناطق سيطرتها»، وأن «الدعم السريع يعمل على توحيد البلاد وتحريرها» من سيطرة خصومه الإسلاميين، وفي الوقت ذاته لا يعترف بحكومة الجيش. لكن الخطوة (تشكيل حكومة) أثارت قلقاً كبيراً على المستويين المحلي والدولي، خشية إعادة تجربة انفصال جنوب السودان، كحد أعلى، أو على الأقل الانتقال إلى حكومتين في دولة واحدة.

بما يخصه، الجيش بحكم تحالفه مع «القوات المشتركة»، وهي حركات دارفورية مسلحة، لا يمكنه الكلام عن فصل دارفور والأقاليم الغربية، لكن بعض حلفائه الإسلاميين، لا يخفون رغبتهم في التخلص من الغرب أسوة بما فعلوه مع جنوب السودان. وفي الوقت نفسه يغض الجيش الطرف عن تحرك مجموعات محسوبة على شمال ووسط البلاد، تدعو علانية لفكرة فصل غرب السودان عن وسطه وشماله، تحت ذرائع التمايز التاريخي والثقافي، وهي كالذرائع التي أدت لانفصال جنوب السودان.

وحقاً، حذّر المبعوث الأميركي السابق إلى السودان، توم بيريلليو، من دعوات التقسيم التي بدأ صوتها يرتفع، وما قد تؤدي إليه من كوارث، فقال: «تقسيم السودان قد يزّج العالم في عقود من الحرب». وحذَّر من إنشاء حكومات موازية تؤدي إلى ازدياد الاستقطاب، وتعجِّل في تشظي البلاد إلى دويلات متناحرة.

دور الإسلاميين

بدأ المحلل السياسي محمد لطيف حواراً مع «الشرق الأوسط» بسؤال: «لماذا الحرب»؟ وأردف: «بصفتي مراقباً أقول إن الدلائل كلها تؤكد أن الحرب اندلعت من أجل استعادة الإسلاميين السلطة... وخطوة تحالف (تأسيس) وإن زعم العكس، لن تتعدى كونها أداة ضغط على الجيش وحلفائه للعودة إلى منصة التفاوض».

لطيف استبعد أن يسفر الضغط عن إعادة الجيش إلى مائدة التفاوض، مضيفاً: «من التجربة التاريخية، فإن التيار المسيطر على المشهد ليس حريصاً على وحدة البلاد، وليس منزعجاً من تشظيها». وتابع: «سمعنا أصواتاً كثيرة جداً تتكلم عن ضرورة ذهاب دارفور، لأن قوات الدعم السريع بحسب تصورهم تمثل دارفور. ولذا لا تشكل خطوة الدعم السريع ضغطاً على خصومه، بل سترضي بعض غلاتهم».

وما إن كانت الجهود التي أعلنتها إدارة الرئيس ترمب وحلفاؤه أخيراً قادرة على دفع الطرفين إلى مائدة الحوار، قال لطيف: «هذا يتوقف على قدرتهم على التأثير على قيادة الجيش تحديداً».

مؤتمر في واشنطن

من جهة أخرى، وفي تطور جديد، أعلن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، تنظيم مؤتمر على المستوى الوزاري في واشنطن قريباً؛ لبحث الأزمة في السودان، يشارك فيه وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأميركي.

وأكد بولس وفق صحيفة «سودان تربيون»، أن هدف المؤتمر إحياء المبادرة الرباعية التي تسعى لإيجاد حل سلمي للنزاع الدائر في السودان.

هنا، أوضح لطيف أن العالم ينتظر من قيادة الجيش أن تنفصل عن التيارات الرئيسة الداعمة لها، وعلى رأسها تيار «الإسلاميين» الذين يقفون حجر عثرة أمام أي تفاوض لوقف الحرب. وأضاف: «إذا نجح أي طرف في إبعادهم، فيمكن تحقيق الهدف النهائي، والعودة لطاولة التفاوض».

وحول تصريحات قائد «الدعم السريع» الأخيرة عن الرفض للعودة إلى التفاوض، قال لطيف إنها «شكل من أشكال المناورة... لكن الإشكال الأكبر أن المعركة أصبحت بين (الدعم السريع) والحركة الإسلامية، فإذا نجح العالم في فصل أو تحجيم العلاقة بين الجيش بصفته قوة رسمية، وحلفائه السياسيين، فيمكن العودة لمنصة التفاوض».

تحذير... وتشديد على وحدة السودان

من جهته، حذّر محمد الفكي محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق الذي أطيح به بانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، من تشكيل حكومة في بورتسودان، وقال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «من باب المسؤولية الوطنية، يجب وقف تشكيل الحكومة، وبدء عملية سياسية تحفظ وحدة السودان». ثم حذَّر سليمان من احتمالات مواجهة بين أطراف تحالف «بورتسودان»، وناشد قائد الجيش البرهان إيقاف تشكيل الحكومة؛ لأن «تشكيل حكومة في ظل الانقسام الحالي ينذر بتفتيت البلاد».

وفق الفكي لا علاقة للصراع الدائر في بورتسودان بما تسمى «حرب الكرامة»، لأن الأخيرة «حرب سافرة على السلطة... والدليل على ذلك أن نسبة 25 في المائة من كراسي الوزارة الجاري التنافس عليها محصورة بوزارات بعينها». ثم أوضح أن الهدف من تشكيل حكومة في بورتسودان، وتكليف كامل إدريس رئيساً لها، لم يتحقق، و«الحكومة التي يتجه لتشكيلها ستكون مصيبة» وقد تؤدي إلى فض التحالف، وتابع: «الوضع أكثر تعقيداً. قد نجد أنفسنا في دولتين، إذا استمر الانقسام، ولن ينتهي في حدوده، وسينتهي بتفكك البلاد».

صراع السلطة بين الجنرالين يفاقم الأزمة الإنسانية وقد يؤدي إلى كوارث

«الإسلاميون» ضد وقف الحرب

في هذه الأثناء، خلال لقاء تلفزيوني، شنّ أمين حسن عمر، القيادي الإسلامي المتشدد والوزير السابق في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، هجوماً عنيفاً على دعاة وقف الحرب. وقال إنهم «ليس شركاء في الوطن بل شركاء للدعم السريع (الجنجويد بحسب عبارته)»، وبعدما وصفهم بـ«أعداء الوطن»، دعا إلى محاكمتهم بوصفهم «شركاء في الحرب وفي تأجيجها». وأضاف: «هم مجموعة الأفراد الذين يكوّنون ما يُعرف بـ(تقدم)، والآن هم في (صمود)... إنهم يمثلون هذا العنوان والظهير الذي استندوا إليه».

عمر شكك أيضاً في إعطاء رئيس الوزراء صلاحيات كاملة، ووصفه بأنه «أمر متوهم... هذه ظروف استثنائية، لن تعالج بالتمسك بالحقوق بل التسويات، لا سيما أنه رئيس وزراء معين». وأردف: «صانع المُلك هو مجلس السيادة، الذي يملك سلطة التعيين، لو لم يتدخل سيكون له نفوذ، وسيظل رئيس الوزراء مقيداً».

"حميدتي" (آف ب - غيتي)

لسنا دعاة انفصال

أما علاء الدين عوض نقد، الناطق الرسمي باسم الهيئة القيادية لتحالف «تأسيس»، فقال إن «أياماً فقط» تفصل بينهم وتشكيل الحكومة في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وإن تأخير إعلانها يعود إلى دواعٍ أمنية وتنسيق سياسي، إلى جانب جهود يبذلونها مع أطراف إقليمية ودولية.

وحول مكان إقامة الحكومة، أوضح نقد أن أجهزتها ستكون موزّعة الرقعة الجغرافية في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» وحلفائها، و«يمكن أن تكون في كاودا - تحت سيطرة الحركة الشعبية بجنوب كردفان، أو نيالا».

أيضاً، نفى نقد بشدة سعي تحالفه «تأسيس» للانفصال عن السودان، قائلاً: «السودان دولة واحدة، ونحن ننشئ حكومة سلام، ليس من غاياتها تقسيم البلاد، بل مناهضة تقسيم السودان، الذي يقوم به الطرف الآخر وحكومة الإسلاميين».

وأوضح نقد أن «حكومته» المُزمعة ستتضمن جهازاً تنفيذياً وبرلماناً وجهازاً قضائياً. وتابع: «نحن مستمرون في تحرير السودان من الإسلاميين المسيطرين، ولن نعمل على تقسيم السودان. مَن يسعى لفصل السودان هو جيش الإسلاميين. نحن لن ننشئ حكومتنا في دارفور، ونترك بقية السودان للجماعات الإسلامية الإرهابية».

وعلّق نقد على الجاري تداوله بأن هدف حكومة «تأسيس» الضغط على الجيش لإجباره على الجلوس على مائدة التفاوض، فقال: «محمد حمدان دقلو، قال لن يعودوا إلى منبر جدة، فكيف سنضغطهم للجلوس على طاولة المفاوضات؟ كل المفاوضات السابقة ذهب إليها (الدعم السريع) وخربها الجيش السوداني، لذلك لا يمكن بعد أكثر من سنتين وخراب للتفاوض، أن نعمل على التفاوض معهم».

وأضاف: «لن نذهب إلى أي تفاوض. نحن نتقدم عسكرياً لنحرر السودان من المؤتمر الوطني الذي يرعى المطلوبين للعدالة الجنائية». واستطرد: «كنا ننادي بالفصل بين الإسلاميين والجيش في بداية الحرب. لكن باستمرارها، اتضح للناس أن الجيش هو جيش الإسلاميين. نحن سنعمل على تكوين جيش جديد من (الدعم السريع)، والحركات المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان، وما تبقى من الجيش السوداني».


مقالات ذات صلة

ألمانيا تبدأ مسيرة بناء جيش قوي... وتبني عقيدة قتالية

حصاد الأسبوع جنود ألمان في ليتوانيا (آ ف ب)

ألمانيا تبدأ مسيرة بناء جيش قوي... وتبني عقيدة قتالية

عندما استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب المستشار الألماني فريدريك ميرتس في البيت الأبيض، الشهر الماضي، بدا راضياً عن خطط ألمانيا بزيادة إنفاقها الدفاعي،

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل (آ ب)

الاتحاد الأوروبي أمام تحدي بناء استراتيجية دفاعية جديدة

في خضم تصاعد غير مسبوق للتوترات الجيوسياسية وتزايد المخاوف الأمنية، تجد القارة الأوروبية نفسها أمام تحدٍ وجودي يفرض عليها إعادة تعريف أسس منظومتها الدفاعية.

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع سكوت كينيث هومر بيسينت، 63 سنة، غير انتماءه السياسي ككثيرين غيره من «الحزب الديمقراطي» إلى «الحزب الجمهوري» وتحول إلى واحد من أبرز حلفاء الرئيس ترمب

سكوت بيسينت... وزير الخزانة الأميركي ثري يميني مرشح لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي

رغم أن وزير الخزانة الأميركي يعد الخامس على خط الخلافة الرئاسية في حالات الطوارئ، لكن نادراً ما كان من بين الشخصيات السياسية البارزة التي تحظى بالأضواء،

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (آ ب)

بيسينت... بين حسابات الاقتصاد وطموحات السياسة

من القواعد غير المكتوبة، أن يتجنّب وزراء الخزانة الأميركيون التدخل في عمل الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، الذي يُعتبَر مؤسسة مستقلة. ويؤمن معظم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع جاء إلى السلطة معتمداً على إرث من محاربة الفقر والاستعمار والاستغلال ومعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية

يويري موسيفيني... طامح لولاية سابعة بعد أربعة عقود من الحكم

متعهداً بـ«تنمية اقتصاد بلاده»، أعلن رئيس أوغندا يويري موسيفيني، البالغ من العمر 81 سنة، اعتزامه الترشح لولاية رئاسية سابعة، مستكملاً مسيرة بلغت نحو أربعة عقود

فتحية الدخاخني ( القاهرة)

خوسيه مانويل آلباريس... الوجه الشاب البارز للدبلوماسية الإسبانية

آلباريس، واجه انتقادات شديدة في مجلس النواب لدى مرافعته عن قرار الاصطفاف إلى جانب المغرب في أزمة «الصحراء»
آلباريس، واجه انتقادات شديدة في مجلس النواب لدى مرافعته عن قرار الاصطفاف إلى جانب المغرب في أزمة «الصحراء»
TT

خوسيه مانويل آلباريس... الوجه الشاب البارز للدبلوماسية الإسبانية

آلباريس، واجه انتقادات شديدة في مجلس النواب لدى مرافعته عن قرار الاصطفاف إلى جانب المغرب في أزمة «الصحراء»
آلباريس، واجه انتقادات شديدة في مجلس النواب لدى مرافعته عن قرار الاصطفاف إلى جانب المغرب في أزمة «الصحراء»

عندما اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مساء الثلاثاء الفائت في آخر دورة للمجلس قبل بداية العطلة الصيفية، توافقوا على أن الوضع الإنساني في غزة ما زال «لا يطاق»، وأن إسرائيل انتهكت التزاماتها في مجال حقوق الإنسان. لكنهم، في المقابل، لم يتفقوا على أي خطوة لمعاقبة حكومة بنيامين نتنياهو التي كان وزير خارجيتها قد أكّد مطلع هذا الأسبوع في بروكسل أن الاتحاد لن يفرض أي عقوبات على بلاده، وكرّر أن التقرير الذي كانت وضعته الدائرة القانونية في المجلس الأوروبي، وأكّد الانتهاكات الإسرائيلية بموجب المادة الثانية من اتفاقية الشراكة بين الطرفين، ليس سوى سلسلة من الافتراءات التي لا أساس لها وتعدٍّ على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. معظم العواصم الأوروبية اختارت الصمت أمام هذا الرد الإسرائيلي «الفج» - كما وصفه أحد الدبلوماسيين الأوروبيين - الذي حمل في طياته اتهاماً للاتحاد الأوروبي بالتواطؤ مع أعداء إسرائيل والتحريض على معاداة السامية. وحده وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل آلباريس عاد ليرفع الصوت مندّداً بما وصفه بأنه «نيل من كرامة الاتحاد»، وطالب مرة أخرى بتعليق اتفاقية الشراكة مع الدولة العبرية.

أبصر خوسيه مانويل آلباريس النور في العاصمة الإسبانية مدريد عام 1972، أي قبل ثلاث سنوات من رحيل الديكتاتور الإسباني فرنشيسكو فرنكو، ونشأ في كنف أسرة متواضعة جداً كانت تسكن واحداً من أفقر أحياء المدينة. وكان العديد من أفراد الأسرة قد هاجر إلى المنافي بعد نهاية الحرب الأهلية، بينما تعرّض الباقون، ومنهم والده، لملاحقات النظام العسكري ومضايقاته.

كان تفوق آلباريس لافتاً في مرحلة الدراسة الثانوية، ونال منحة للالتحاق بكلية الحقوق في جامعة دوستو الخاصة العريقة التي يديرها الآباء اليسوعيون في بلاد الباسك، بينما كانت الشرطة السياسية تسجن والده بتهمة التحريض على مظاهرات ضد نظام فرنكو الذي كان بدأ يخطط لمرحلة انتقال السلطة وتنصيب الأمير خوان كارلوس خلفاً له.

طموح... ويساري

بعد نيل الشاب الطموح إجازة الحقوق حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الإدارية، والتحق بجامعة باريس - السوربون الفرنسية حيث تخصّص في إدارة التراث الثقافي. ثم عاد إلى مدريد ليفوز بالمركز الأول في امتحان الدخول إلى معهد الدراسات الدبلوماسية الذي كان حِكراً على أبناء الدبلوماسيين والعائلات الميسورة الموالية للنظام. ويذكر آلباريس في إحدى المقابلات أن تجربته في ذلك المعهد كانت «صادمة»، وأنها أيقظت لديه الرغبة في النشاط السياسي، فقرر الانخراط في الحزب الاشتراكي العمالي الذي كان والده ناشطاً في صفوف النقابة العمالية التابعة له.

وقبيل تخرجه في المعهد الدبلوماسي، أسّس آلباريس «منتدى البحوث الدولية» في مدريد مع مجموعة صغيرة من زملائه شكّلوا لاحقاً الدائرة الضيّقة لمستشاري بيدرو سانشيز عندما فاز بزعامة الحزب الاشتراكي. وبعد تولّيه عدة مناصب دبلوماسية في أميركا اللاتينية وأوروبا، كان آخرها سفيراً لدى فرنسا، استدعاه سانشيز ليكون مستشاره الخاص للعلاقات الدولية بعد وصوله المفاجئ إلى رئاسة الحكومة عام 2018.

الطريق إلى الواجهة

في المؤتمر الذي عقده الحزب الاشتراكي في بلنسية عام 2020، وتكرّست فيه زعامة سانشيز رغم معارضة العديد من القيادات الوازنة في الحزب، كُلّف آلباريس وضع الإطار العام لسياسة الحزب الدولية والأوروبية، وانتُخب عضواً في اللجنة الفيدرالية. وخلال تلك الفترة، توطّدت علاقته بسانشيز الذي كانت تخلّت عنه وجوه بارزة في الحزب وراحت تخطّط لإسقاطه.

وفي صيف عام 2021، بعدما كان سانشيز قد كلّف آلباريس تنسيق العلاقات الخارجية للحزب، عيّنه وزيراً للخارجية في حكومته الثانية، ثم عاد وثبّته في المنصب نفسه عند تشكيل حكومته الثالثة عام 2023.

أحد المقربين من الوزير الشاب يقول إنه بعد إعادة تكليفه حقيبة الخارجية في حكومة سانشيز الثالثة، حرص على أن تكون زيارته الرسمية الأولى إلى بريطانيا. وحقاً كان قد خصّص جزءاً كبيراً من جهوده إبان ولايته الأولى لتحضير الأجواء المناسبة من أجل التوصل إلى اتفاق بين إسبانيا وبريطانيا حول جبل طارق، الذي منذ قرون يشكّل الملفّ الأصعب بالنسبة للدبلوماسية الإسبانية.

أيضاً، أجرى آلباريس جولات عديدة من المفاوضات والاتصالات مع السلطات المحلية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة المحيطة بجبل طارق. وفي أبريل (نيسان) من العام الماضي اجتمع في بروكسل مع نظيره البريطاني، رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيتش، لتوقيع الاتفاق الذي كان يحضّر له منذ سنوات، لكن بعض الشروط التي وضعها الجانب البريطاني في اللحظات الأخيرة أجهضت تلك الخطوة.

ولكن بعد استقالة الحكومة البريطانية، عاد آلباريس ليعقد جولات جديدة من المفاوضات مع نظيره البريطاني (الحالي) ديفيد لامي، إلى أن توصّل الطرفان إلى اتفاق سياسي نهائي حول جبل طارق في 12 يونيو (حزيران) الفائت وصفته مدريد ولندن بـ«التاريخي». وكان من أبرز بنوده إلغاء «البوابة» التي كانت لقرون تفصل بين المستعمرة البريطانية والأراضي الإسبانية المحيطة بها، بحيث تتولّى إسبانيا إجراءات المراقبة الأساسية وفقاً لاتفاقية «شينغن» في مطار وميناء جبل طارق.

ملف الصحراء

تمشيّاً مع التشكيلات الحكومية الثلاثة التي قادها سانشيز، حيث أعضاؤها مناصفة بين الرجال والنساء، حرص آلباريس أيضاً على أن تكون المساواة بين الجنسين من العلامات المميزة للدبلوماسية الإسبانية، وعيّن عدداً من السفيرات في مناصب حساسة، أبرزها الولايات المتحدة والصين.

ومن الملفات الأخرى الحساسة التي نجح آلباريس في معالجتها العلاقات مع المغرب والجزائر، التي كانت دائماً تقتضي من إسبانيا حرصاً شديداً على تحاشي الانحياز لأي من الطرفين على حساب الآخر، خاصة فيما يتعلّق بالنزاع على الصحراء، التي كانت مستعمرة إسبانية وتخلّت عنها مدريد للمغرب بعد «المسيرة الخضراء» الشهيرة التي قادها العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني في أواخر عهد فرنكو. وللعلم، كانت العلاقات بين مدريد والرباط قد تدهوَرت فجأة عندما استقبلت إسبانيا الزعيم الصحراوي إبراهيم غالي ليتعالج في أحد مستشفيات مدريد. لكن بعد التصريحات التي صدرت عن الطرفين المغربي والإسباني على أرفع المستويات، وعدد من اللقاءات الثنائية على مستوى رئيسي الحكومة، توطّّدت العلاقات الثنائية بين مدريد والرباط ضمن إطار واسع من الاتفاقات التي شملت سياسة الهجرة من المنظور «الدائري» الذي استحدثته إسبانيا، ثم واصلت تطبيقه مع دول أخرى، وعدد من البروتوكولات المالية التي تربو قيمتها على المليار يورو، فضلاً عن مشاريع للتعاون الثقافي والتأهيل المهني والتعليم العالي.

وفي مارس (آذار) من عام 2022، وجّه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز رسالة إلى العاهل المغربي أكد فيها أن الاقتراح الذي تقدّمت به الرباط لحل أزمة الصحراء، هو «الأكثر جديّة وصدقية وواقعية»، ما أدّى إلى ردة فعل شديدة من الجزائر التي قرّرت استدعاء سفيرها في مدريد، وعلّقت اتفاقية الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع إسبانيا، وتراجعت عن إعطاء الأولوية في علاقاتها التجارية الخارجية مع إسبانيا لصالح إيطاليا، الأمر الذي تسبّب في خسائر لمدريد قدّرها الخبراء بمليارات الدولارات.

خلال تلك الأزمة، تعرّض آلباريس لحملة انتقادات شخصية قاسية جداً من الجزائر، كما واجه أيضاً انتقادات شديدة في مجلس النواب لدى مرافعته عن قرار الاصطفاف إلى جانب المغرب في أزمة «الصحراء»، بعد موجات الهجرة الكثيفة التي تدفقت على إسبانيا من السواحل المغربية.

غير أنه، في خريف عام 2023، قررت الجزائر تعيين سفير جديد لها في مدريد وأعادت علاقاتها الطبيعية مع إسبانيا. وأيضاً قرّرت إلغاء جميع القيود التي كانت فرضتها على الصفقات المالية مع المصارف الإسبانية التي كانت تسببت في خفض المبادلات التجارية بين الطرفين من 3.7 مليار يورو عام 2022 إلى 332 مليون يورو عام 2023.

وفي قمة «مجموعة العشرين» التي استضافتها جنوب أفريقيا في فبراير (شباط) الفائت، تحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون عن إسبانيا بوصفها «دولة صديقة»، وقال إن العلاقات بين الطرفين «عادت إلى طبيعتها». وكذلك، بعد ذلك بشهرين، وصف وزير الخارجية المغربي علاقات بلاده بإسبانيا بأنها تمرّ بأحسن فتراتها التاريخية.

حرب غزة

لكن، مع نشوب «حرب غزة» في خريف عام 2023، وتدهور الوضع الإنساني في القطاع بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، برز آلباريس لاعباً أساسياً على الصعيدين المحلي والأوروبي. وكان في طليعة من أدانوا الانتهاكات التي ترتكبها حكومة بنيامين نتانياهو، وطالبوا بفرض عقوبات على بعض أعضائها وعلى المستوطنين الضالعين في اعتداءات على سكان الضفة الغربية.وعلى الصعيد الإسباني الداخلي أقنع آلباريس رئيس الحكومة سانشيز بوضع القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني في طليعة أولوياته، انطلاقاً من «اعتقاده الراسخ» - كما قال في إحدى المقابلات - بأن «الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني ليس فحسب موقفاً أخلاقياً تمليه أحكام القانون الدولي والمصالح الأمنية الأوروبية، بل هو أيضاً ما تؤيده الغالبية الساحقة من المواطنين الإسبان، بمن فيهم نسبة كبيرة من أنصار الأحزاب اليمينية».