ليبيا: حسابات الخصوم تفتح الأبواب «على المجهول»

أطراف الأزمة السياسية «يعمّقون الانقسام» ويتمسّكون بالسلطة

مركباات عسكرية أثناء إحدى جولات المواجهات في ليبيا (أ.ب)
مركباات عسكرية أثناء إحدى جولات المواجهات في ليبيا (أ.ب)
TT

ليبيا: حسابات الخصوم تفتح الأبواب «على المجهول»

مركباات عسكرية أثناء إحدى جولات المواجهات في ليبيا (أ.ب)
مركباات عسكرية أثناء إحدى جولات المواجهات في ليبيا (أ.ب)

شرعت الأزمة الليبية أبواباً جديدةً على مستقبل غامض، دفعت إليه حسابات سياسية وعسكرية لخصوم وأفرقاء في بلد يغرق في الفوضى منذ 14 سنة، وتتنازعه سلطتان متصارعتان بين شرق وغرب البلاد، وسط طيف واسع من الأهداف والطموحات الإقليمية والدولية. من طرابلس إلى بنغازي، تطول المسافات، وتتوزَّع معها أهداف وطموحات الخصومة مع حكومة في العاصمة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وميليشيات متنازعة؛ سعياً لمخاض معادلة نفوذ جديدة في غرب ليبيا. وفي الجبهة الأخرى بشرق البلاد، هناك قوة اسمها «جيش وطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، وظهيره السياسي في مجلس النواب وحكومته، الذين لا يُخفون أحلام السيطرة على عموم ليبيا، بعدما دان لهم ثلثاها تقريباً. وبين مشروعَيْن في ليبيا وُلدا مع انهيار نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في 2011، ونضجا في غمار حربَين أهليَّتين عامَي 2014 و2019، يغوص الليبيون في رمال متحركة، في ظل وجود دوامة مبادرات أممية وإقليمية طافت عواصم غربية وعربية.

اليوم في طرابلس لم يعد هناك صوت يعلو فوق صوت «حملة عسكرية» تشنها حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة ضد ميليشيات أضنت الليبيين، لكن هذه «الحملة العسكرية» لم تسلم من شكوك حول أهداف شخصية تهدف لبسط السيطرة السياسية والعسكرية على غرب ليبيا، وفق رؤية متابعين.

الدبيبة، الذي عزَّز قواته بحلفاء ميليشياويين من مصراتة (مسقط رأسه) والزنتان، بات يقف عند نقطة مواجهة تصعب معها الرجعة، وفق محللين، خصوصاً بعد عملية أطلقها في مايو (أيار) الماضي بالقضاء على «حليف الأمس»، الميليشياوي عبد الغني الككلي الشهير بـ«غنيوة»، وقوته «دعم الاستقرار».

محطة استنفار

وهكذا تقف العاصمة الليبية عند محطة استنفار على وقع تقديرات وحسابات الدبيبة، مشحونة بالتحشيدات العسكرية لحلفائه من طرابلس ومصراتة، وهم جميعاً قادة ميليشياويون انخرطوا في وزارتَي الدفاع والداخلية، ليبدأ بعدها التأهب لخصم آخر يتمثل في ميليشيا «الردع» بقيادة عبد الرؤوف كارة. ومع اعتقاد محللين بأن طرابلس ماضيةٌ بقوة نحو جولة اقتتال جديدة قد تغيِّر خريطة مشهد الفصائل المتصارعة، فإن «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية» لا يستبعد توجُّهاً أميركياً «نحو التخلص من بعض الأجسام المسلحة بالعاصمة لصالح قيادة موحدة»، وفق رؤية مدير المركز، شريف بوفردة.

وفي زاوية بعيدة عن مشهد «طرابلسي» ملبّد بالغيوم، سارع الدبيبة إلى إطلاق مبادرة على وقع مظاهرات أسبوعية حاشدة ضد حكومته، تضمَّنت إعادة هيكلة وزارية على أساس ما قال إنها «الكفاءة، والبُعد عن المحاصصة»، ثم إطلاق مشروع الاستفتاء الوطني، ووضع آلية واقعية لتأمين الانتخابات.

بيد أن مبادرة الدبيبة لم تجد آذاناً مصغية، وعدّتها أطراف سياسية «محاولة للالتفاف على المطالب الشعبية بإقالة حكومة فقدت شرعيتها بعد استقالة غالبية وزرائها، ورفض الشارع لاستمرارها»، وهي رؤية تكتل ليبي يُعرف بـ«الوطن بالجميع».

ومع ذلك، لم تغب عن طرابلس تحركات المبعوثة الأممية هانا تيتيه، ونائبتها ستيفاني خوري، سواء مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، أو الدبيبة، أو فعاليات قبلية وشعبية واجتماعية، لاحتواء التوتر في طرابلس، واستكشاف انطباعاتهم حول خريطة طريق صاغتها لجنة خبراء ليبيين برعاية أممية.

حفتر (رويترز)

المجلس الرئاسي

أما عن المجلس الرئاسي الليبي فإنه يقف، وفق مراقبين، على أرضية رخوة، وتتنازعه فيها مطالب وضغوط شعبية بالإطاحة بحكومة الدبيبة، وهما (الحكومة والمجلس) مَن جاء بهما للسلطة «مؤتمر جنيف» 2021. وبحسب تقديرات متابعين للشأن الليبي، فإن مبادرات المجلس الرئاسي ومراسيمه، التي أطلقها الأشهر الماضية بخصوص «الاستفتاء على العملية السياسية»، تبقى مُكبَّلة بـ«صلاحيات محدودة» أنتجها «اتفاق الصخيرات» المُقرّ في المغرب عام 2015، وقلّصها «اتفاق جنيف» المُبرَم في سويسرا عام 2021.

ومن ثم، فإن البُعد الأهم الذي يتحكم في مسارات المجلس الرئاسي، أعلى سلطة تنفيذية مفترضة في ليبيا، أنه لا يحظى بظهير عسكري يدعم قراراته ويضعها موضع التنفيذ، وهذا في واقع ليبي تهيمن عليه شبكات النفوذ المسلح، أو حسب المحلل الليبي محمد الأمين، مثل «القائد الذي يصدر أوامر في مدينة لا يسمعه فيها أحد».

وللعلم، لم يكن الوضع أفضل حالاً مع «المجلس الأعلى للدولة» (الاستشاري)، وهو أحد الأطراف الفاعلة في العملية السياسية، والوريث الشرعي لـ«المؤتمر الوطني العام» السابق. ذلك أن حساباته السياسية في المشهد الليبي لا تزال غامضة، وهو رهينة رأب انقسام بين خالد المشري ومحمد تكالة، المتخاصمَين على رئاسته، منذ 9 أشهر.

ورغم تفاؤل ساد أخيراً بشأن قرب إنهاء الخصومة في المجلس الاستشاري، سواء بانتخابات جديدة أو تنفيذ أحكام القضاء بين تكالة والمشري، فإن دور المجلس الأعلى للدولة قد يحتاج إلى فسحة من الوقت لإطلاق موقف سياسي متماسك. وهذه، وفق المحلل السياسي أيوب الأوجلي «نقطة يترقبها مجلس النواب، شريكه في جولات تسوية سياسية سابقة».

تطورات شرق ليبيا

أما في شرق ليبيا، فقد كانت المناورات السياسية السريعة أكثر حضوراً في حسابات البرلمان الليبي، إذ سارع الخطى على مدار جلستين في مايو الماضي؛ لاستطلاع برامج 14 مرشحاً لرئاسة «حكومة جديدة»، على الرغم من يقينه مسبقاً بمعارضة حكومة الدبيبة لهذه الخطوة، لكنه، في أي حال، يعتمد على التوترات بطرابلس بوصفها من أهم مبرّراته المعلنة لتحركه المفاجئ. وهنا تباينت تقديرات سياسيين وأكاديميين بشأن خطوة تلقي ترشيحات رئاسة الحكومة من جانب البرلمان، إذ عدَّها البعض، ومنهم فيضي المرابط، أستاذ الدراسات المستقبلية بجامعة طرابلس، ضمن «مشروع صناعة الأزمة الذي يديره مجلسا النواب والأعلى الدولة». وفي المقابل، ينظر سياسيون ليبيون إلى تحرك «النواب» بوصفه «محاولة استباقية لإلقاء الكرة في ملعب البعثة الأممية»، التي رسمت 4 مسارات تبدأ من «تشكيل حكومة موحدة»، وقد تنتهي إلى عملية سياسية جديدة تطيح بكل الأجسام السياسية الأخرى، من بينها البرلمان. وفي هذا السياق، بدا منطقياً لمهتمين بالشأن الليبي تجاهل مجلس النواب تحذيرات أطلقها عددٌ من أعضائه من الإقدام على تشكيل «حكومة جديدة»، إلى جانب رسالة رئيسه عقيلة صالح إلى المجتمعَين المحلي والدولي بأن «التأخير في إنجاز هذا الاستحقاق سيؤدي إلى الفوضى، ويهدد وحدة البلاد».

أما بالنسبة للمشهد العسكري في شرق البلاد، فإن المشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني»، يرصد ما يجري من اقتتال بين الفصائل المسلحة في طرابلس، وهو الذي سبق أن خاض معركة انتهت عند أبوابها في عامي 2019 و2020، بهدنة تستمر حتى الآن. بل إن حفتر فتح باباً للتأويلات نحو «تحرك جديد» قد يشنُّه على العاصمة، يقتنص فرصة اقتتال ميليشيات العاصمة، وذلك بتعهّده بأن «القوات المسلحة الليبية ستكون لها الكلمة الفاصلة في اللحظة الحاسمة». وجاء كلامه هذا خلال احتفال عسكري نُظِّم في مدينة بنغازي، قاعدة الشرق الليبي، بمناسبة الذكرى الـ11 لـ«عملية الكرامة». ومع ذلك، فإن مراقبين من بينهم المحلل السياسي أيوب الأوجلي، المقرّب من القيادة العامة، رأى أن تصريح حفتر «لا يعني المواجهة المباشرة مع خصوم القيادة العامة». وأردف قائلاً إن «الجيش الوطني الليبي لن يتخلى عن الشعب في حال حصول أي مكروه، أخذاً في الاعتبار حالة الغضب الشعبي ضد حكومة طرابلس».

الدبيبة (رويترز)

غيوم سياسية وعسكرية

في أي حال، الغيوم السياسية والعسكرية لم تعرقل التحركات الأممية الممدودة بين طرابلس وبنغازي من جانب مبعوثة الأمين العام هانا تيتيه ونائبتها ستيفاني خوري، لتختبر مساراً أممياً آخر سبقه مبعوثون آخرون. لكن الظاهر للعيان أن المسار الأممي لحل الأزمة الليبية ما عاد يحظى بثقة كبيرة لدى قطاعات من الليبيين، بل واتخذ مشهداً غير مسبوق بمظاهرات أمام مقر البعثة الأممية في جنزور (غرب العاصمة).

أيضاً، في خضم الحسابات المُعقَّدة للخصوم في ليبيا، فإن السيطرة الكاملة على العاصمة الليبية طرابلس تبقى «الكعكة الكبرى» أو «الهدف الذي يوحِّد الأفرقاء السياسيين والعسكريين»، كما يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي. وبالتالي، تظل الأطراف السياسية المتمسكة بالسلطة في ليبيا - التي لم تسلم من انتقادات المبعوثين الأمميين - تعمل منفردةً لتحقيق ما يراها البعض «مكاسب شخصية»، بينما الأزمة على حالها، ما قد يفتح الباب على كل الاحتمالات.

في خضم الخصومات الليبية تبقى السيطرة الكاملة على طرابلس «الكعكة الكبرى»

14 سنة من تعاقب الحكومات... والأزمة الليبية مستمرة

لم تنعم ليبيا بالاستقرار السياسي والأمني منذ اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط) 2011»، بل عاشت في حلقة مفرغة من الانقسامات المزمنة على مدار 14 قرابة سنة. وطوال هذه الفترة توالت على البلاد 8 حكومات، ثلاث منها لم يُعترَف بها دولياً. البداية مع حكومات ما بعد القذافي. كانت حكومة الدكتور عبد الرحيم الكيب، قد أدت اليمين الدستورية بتكليف من «المجلس الانتقالي الليبي» في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011. حكومة الكيب التي أنهت مهام «المكتب التنفيذي» برئاسة الراحل الدكتور محمود جبريل، قرّرت الاعتماد على ما قالت إنها حكومة كفاءات، لكنها آثرت الاستقالة بعد 11 شهراً أمضتها في السلطة، لتشهد ليبيا أول تجربة تداول سلمي حكومي للسلطة من الكيب إلى خلفه علي زيدان. أما حكومة زيدان التي تولت السلطة في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 فقد كانت على موعد مع حادث خطير وغير مسبوق، حين خطفت إحدى الميليشيات المسلحة رئيس الحكومة نفسه، تزامناً مع تصاعد أعمال الاقتتال وتنامي دور الميليشيات المسلحة في العاصمة، وتحديداً في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2013. لم يطل عمر حكومة زيدان بعد هذه الواقعة سوى بضعة أشهر، إذ صوَّت «المؤتمر الوطني العام»، (آنذاك)، بحجب الثقة عنها في 11 مارس (آذار) 2014 وتكليف وزير الدفاع عبد الله الثني، بمهام رئيس الحكومة لحين انتخاب رئيس حكومة جديد. وفي 12 مارس (آذار) من العام ذاته أدى الثني، اليمين الدستورية رئيساً مؤقتاً للحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء دائم، غير أنه ظل في هذا المنصب حتى سبتمبر (أيلول) 2020، علماً بأن حكومته لم تحظَ باعتراف دولي. وبعد «عملية الكرامة» التي أطلقتها قوات «الجيش الوطني الليبي» في شرق ليبيا في مايو (أيار) 2014، أقال «المؤتمر الوطني العام» -المنعقد حينذاك في طرابلس- الثني، وكلف بدلاً منه عمر الحاسي. وفي مطلع أبريل (نيسان) 2015 سلَّم الحاسي رئاسة «حكومة الإنقاذ» لنائبه خليفة الغويل، فشهدت ليبيا وجود حكومتين: الأولى في بنغازي والأخرى في طرابلس. وبدأ المشهد المنقسم تُرسم معالمه، فمع وجود حكومة الثني المدعومة من البرلمان في شرق البلاد، كانت هناك حكومة الغويل في طرابلس المدعومة هي الأخرى من «المؤتمر الوطني». بعد «اتفاقية الصخيرات» الموقعة يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، باتت حكومة الثني تتنازع السلطة مع حكومة «الوفاق الوطني» برئاسة فائز السراج، المعترف بها دولياً. ولكن بعدما شنت قوات «الجيش الوطني» بقيادة حفتر حربها على طرابلس (2019-2020)، طرحت الأمم المتحدة «خريطة طريق جديدة»، رعتها المبعوثة الأممية السابقة بالإنابة حينها ستيفاني ويليامز، وأسفرت عن خروج حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة إلى النور. بعد 3 أيام من المشاورات بين أعضاء البرلمان الليبي، حصلت حكومة الدبيبة على ثقة غالبية النواب في جلسة رسمية في 10 مارس (آذار) 2021، برئاسة عقيلة صالح، في مدينة سرت. مع هذا، ما لبث شبح الانقسام السياسي أن عاد مجدداً، ففي21 سبتمبر (أيلول) 2021 قرر مجلس النواب سحب الثقة من حكومة الدبيبة، ليكلف بعدها فتحي باشاغا بتشكيل «حكومة جديدة» منحها الثقة مطلع مارس (آذار) من عام 2022. لكن حكومة باشاغا أخفقت بتسلم مهامها من حكومة «الوحدة الوطنية»، بسبب رفض الأخيرة تسليم السلطة إلاّ لجهة منتخبة، الأمر الذي أعاد البلاد إلى مربع الانقسام السياسي بين حكومة معترف بها دولياً في طرابلس (حكومة الدبيبة) وأخرى غير معترف بها، وتتخذ من بنغازي وسرت مقراً لها (حكومة باشاغا). والواقع، أنه طيلة فترة تولي باشاغا السلطة في شرق البلاد، حاول عبر قوات عسكرية موالية له دخول طرابلس بالقوة لتسلم مهامه، لكن الدبيبة رفض تسليم السلطة، مؤكداً أنه لم يتخلَّ عن منصبه حتى إجراء الانتخابات العامة.وفي 16 مايو (أيار) 2023، أصدر البرلمان الليبي قراراً يقضي بتعليق مهام باشاغا، وإحالته إلى التحقيق وكلّف أسامة حماد رئيساً جديداً للحكومة، وبقي في منصبه حتى اللحظة.


مقالات ذات صلة

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟

حصاد الأسبوع 
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟

أثار تطور الأوضاع السياسية في السودان مخاوف واسعة، أولاً من خطوة تحالف «تأسيس» المؤيد لـ«قوات الدعم السريع» بإعلان هيكله القيادي، وقرب تشكيله «حكومة» في مناطق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
حصاد الأسبوع جاء إلى السلطة معتمداً على إرث من محاربة الفقر والاستعمار والاستغلال ومعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية

يويري موسيفيني... طامح لولاية سابعة بعد أربعة عقود من الحكم

متعهداً بـ«تنمية اقتصاد بلاده»، أعلن رئيس أوغندا يويري موسيفيني، البالغ من العمر 81 سنة، اعتزامه الترشح لولاية رئاسية سابعة، مستكملاً مسيرة بلغت نحو أربعة عقود

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
حصاد الأسبوع عيدي آمين  آ ب

«لؤلؤة أفريقيا»... أوغندا أمام تحديات سياسية واقتصادية

في شرق القارة الأفريقية تقع أوغندا، التي تُعرَف بـ«لؤلؤة أفريقيا». وهي دولة غير ساحلية، لكنها تزخر بالغابات المطيرة والبحيرات والتنوع البيئي والحيوي. كذلك،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع لولا خلال قمة العشرين في ريو دي جانيرو (إيبا - ايفي)

«لولا» يضطر إلى التخلي عن حلم قيادة البرازيل نحو دور عالمي

عندما وقف لويس إينياسيو لولا دا سيلفا «لولا» أمام القاضي، وهو على أبواب الثمانين من عمره، يدافع عن براءته من التهم التي كانت موجهة إليه إبّان عهد الرئيس

حصاد الأسبوع آثار القصف الإسرائيلي على طهران (رويترز)

الصين وإيران وإسرائيل... لعبة التوازن في شرقٍ يتغير

تعود العلاقات بين الصين وإيران إلى آلاف السنين حين كانت «طريق الحرير» القديمة الرابط الحيوي بين حضارتين عظميين. في عمق التاريخ هذا، لم تكن تلك الطرق مجرد مسارات

وارف قميحة ( بيروت)

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
TT

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)

أثار تطور الأوضاع السياسية في السودان مخاوف واسعة، أولاً من خطوة تحالف «تأسيس» المؤيد لـ«قوات الدعم السريع» بإعلان هيكله القيادي، وقرب تشكيله «حكومة» في مناطق سيطرتها، وثانياً من تعثّر تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش - وتتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة - من تقطيع أوصال السودان وتجزئته. معارضون وموالون للطرفين أبدوا قلقهم العميق على وحدة البلاد، وحذّروا من احتمالات ولادة دولة داخل دولة، أو تجزئة البلاد إلى دولتين، كسابقة انفصال جنوب السودان، وولادة دولة جديدة في الإقليم السوداني. وأثار هؤلاء أسئلة عن تنازع «الشرعية» بين الحكومتين «غير الشرعيتين»، وتعميق حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي ولدتها الحرب في السودان. في نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، أعلن «تحالف السودان التأسيسي» - اختصاراً «تأسيس» - يوم الثلاثاء الماضي تشكيل هيئته القيادية برئاسة قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ونائبه رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال» عبد العزيز آدم الحلو، وهي خطوة وصفت بأنها تمهيد لاقتراب تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع».

تكوَّن تحالف «تأسيس» خلال فبراير (شباط) الماضي في العاصمة الكينية، نيروبي، من «قوات الدعم السريع»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان - المجلس الانتقالي»، و«تجمّع قوى تحرير السودان»، وهي حركات مسلحة في دارفور وجنوب كردفان، إلى جانب قوى وأحزاب سياسية على رأسها «حزب الأمة القومي» برئاسة فضل الله برمة ناصر، و»الحزب الاتحادي الديمقراطي»، تيار محمد الحسن الميرغني.

«حكومة السلام والوحدة»

ووقَّع أعضاء هذا التحالف على إعلان سياسي ودستور انتقالي. وقالوا إنهم سيشكلون حكومة تحمل اسم «حكومة السلام والوحدة» وتنطلق من مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وتتجه للسيطرة على كل السودان. إلا أن تشكيل «الحكومة» تعثّر أو تأخر كثيراً، إذ بعد إعلان الهيئة القيادية للتحالف وتصريحات مسؤولين فيه، توقَّع مراقبون كثر أن يكون تشكيل تلك الحكومة وشيكاً.

في الجهة الأخرى، تعثّر أيضاً تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش. وبعدما أصدر عبد الفتاح البرهان، رئيس «مجلس السيادة» الانتقالي وقائد الجيش، مرسوماً عيّن بموجبه الموظف الأممي السابق كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء، واجهت درويش تعقيدات عدة أبرزها الخلافات على تسنم كراسي الوزارة، لا سيما مع حلفاء الجيش في «القوات المشتركة» الدارفورية التي تقاتل إلى جانبه «الدعم السريع».

والحال أن لدى كل من «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة» السودانية بقيادة جبريل إبراهيم، إصراراً على الاحتفاظ بوزارتَي المالية والمعادن، بلغ حد تلميح بعض قياداتهما لفض الشراكة مع الجيش، بل وقد تصل الأمور حد «التحالف مع قوات الدعم السريع».

في هذه الأثناء، لا تعترف القوى المدنية الرافضة لاستمرار الحرب في تحالف «صمود» على الأقل، بشرعية أي من الحكومتين المزمعتين. إذ ترى أن الحكومة التي يرعاها الجيش «ثمرة انقلاب عسكري» ضد حكومة «الثورة» بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، كما لا ترى في حكومة التحالف الموعودة، سوى خطوة تهدد وحدة البلاد وسيادتها.

البرهان (آ ف ب

مناطق السيطرة

راهناً، يتوزَّع كل من الجيش و«قوات الدعم السريع» السيطرة على السودان. فالحكومة الموالية للجيش تسيطر على ولايات الوسط والشرق والشمال (سنار، ومعظم النيل الأزرق، ومعظم جنوب كردفان، والقضارف، وكَسَلا، والبحر الأحمر، ونهر النيل، والشمالية)، وتتقاسم مع «قوات الدعم السريع» السيطرة على شمال كردفان.

أما «قوات الدعم السريع» فتسيطر على ولايات دارفور الخمس (جنوب، وغرب، وشرق، ووسط، وشمال دارفور)، باستثناء الفاشر. وثمة جيوب تسيطر عليها «حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد النور. وأجزاء تسيطر عليها «القوات المشتركة»، وولاية غرب كردفان، باستثناء مدينة بابنوسة، وأجزاء واسعة من ولاية شمال كردفان، والأجزاء الشمالية من جنوب كردفان، وبعض المناطق في جنوبها تسيطر عليها «الحركة الشعبية».

دولة أم دولتان؟

مراراً، أكد قادة «قوات الدعم السريع» أن الهدف من خطوتها «سد الفراغ الإداري في مناطق سيطرتها»، وأن «الدعم السريع يعمل على توحيد البلاد وتحريرها» من سيطرة خصومه الإسلاميين، وفي الوقت ذاته لا يعترف بحكومة الجيش. لكن الخطوة (تشكيل حكومة) أثارت قلقاً كبيراً على المستويين المحلي والدولي، خشية إعادة تجربة انفصال جنوب السودان، كحد أعلى، أو على الأقل الانتقال إلى حكومتين في دولة واحدة.

بما يخصه، الجيش بحكم تحالفه مع «القوات المشتركة»، وهي حركات دارفورية مسلحة، لا يمكنه الكلام عن فصل دارفور والأقاليم الغربية، لكن بعض حلفائه الإسلاميين، لا يخفون رغبتهم في التخلص من الغرب أسوة بما فعلوه مع جنوب السودان. وفي الوقت نفسه يغض الجيش الطرف عن تحرك مجموعات محسوبة على شمال ووسط البلاد، تدعو علانية لفكرة فصل غرب السودان عن وسطه وشماله، تحت ذرائع التمايز التاريخي والثقافي، وهي كالذرائع التي أدت لانفصال جنوب السودان.

وحقاً، حذّر المبعوث الأميركي السابق إلى السودان، توم بيريلليو، من دعوات التقسيم التي بدأ صوتها يرتفع، وما قد تؤدي إليه من كوارث، فقال: «تقسيم السودان قد يزّج العالم في عقود من الحرب». وحذَّر من إنشاء حكومات موازية تؤدي إلى ازدياد الاستقطاب، وتعجِّل في تشظي البلاد إلى دويلات متناحرة.

دور الإسلاميين

بدأ المحلل السياسي محمد لطيف حواراً مع «الشرق الأوسط» بسؤال: «لماذا الحرب»؟ وأردف: «بصفتي مراقباً أقول إن الدلائل كلها تؤكد أن الحرب اندلعت من أجل استعادة الإسلاميين السلطة... وخطوة تحالف (تأسيس) وإن زعم العكس، لن تتعدى كونها أداة ضغط على الجيش وحلفائه للعودة إلى منصة التفاوض».

لطيف استبعد أن يسفر الضغط عن إعادة الجيش إلى مائدة التفاوض، مضيفاً: «من التجربة التاريخية، فإن التيار المسيطر على المشهد ليس حريصاً على وحدة البلاد، وليس منزعجاً من تشظيها». وتابع: «سمعنا أصواتاً كثيرة جداً تتكلم عن ضرورة ذهاب دارفور، لأن قوات الدعم السريع بحسب تصورهم تمثل دارفور. ولذا لا تشكل خطوة الدعم السريع ضغطاً على خصومه، بل سترضي بعض غلاتهم».

وما إن كانت الجهود التي أعلنتها إدارة الرئيس ترمب وحلفاؤه أخيراً قادرة على دفع الطرفين إلى مائدة الحوار، قال لطيف: «هذا يتوقف على قدرتهم على التأثير على قيادة الجيش تحديداً».

مؤتمر في واشنطن

من جهة أخرى، وفي تطور جديد، أعلن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، تنظيم مؤتمر على المستوى الوزاري في واشنطن قريباً؛ لبحث الأزمة في السودان، يشارك فيه وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأميركي.

وأكد بولس وفق صحيفة «سودان تربيون»، أن هدف المؤتمر إحياء المبادرة الرباعية التي تسعى لإيجاد حل سلمي للنزاع الدائر في السودان.

هنا، أوضح لطيف أن العالم ينتظر من قيادة الجيش أن تنفصل عن التيارات الرئيسة الداعمة لها، وعلى رأسها تيار «الإسلاميين» الذين يقفون حجر عثرة أمام أي تفاوض لوقف الحرب. وأضاف: «إذا نجح أي طرف في إبعادهم، فيمكن تحقيق الهدف النهائي، والعودة لطاولة التفاوض».

وحول تصريحات قائد «الدعم السريع» الأخيرة عن الرفض للعودة إلى التفاوض، قال لطيف إنها «شكل من أشكال المناورة... لكن الإشكال الأكبر أن المعركة أصبحت بين (الدعم السريع) والحركة الإسلامية، فإذا نجح العالم في فصل أو تحجيم العلاقة بين الجيش بصفته قوة رسمية، وحلفائه السياسيين، فيمكن العودة لمنصة التفاوض».

تحذير... وتشديد على وحدة السودان

من جهته، حذّر محمد الفكي محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق الذي أطيح به بانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، من تشكيل حكومة في بورتسودان، وقال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «من باب المسؤولية الوطنية، يجب وقف تشكيل الحكومة، وبدء عملية سياسية تحفظ وحدة السودان». ثم حذَّر سليمان من احتمالات مواجهة بين أطراف تحالف «بورتسودان»، وناشد قائد الجيش البرهان إيقاف تشكيل الحكومة؛ لأن «تشكيل حكومة في ظل الانقسام الحالي ينذر بتفتيت البلاد».

وفق الفكي لا علاقة للصراع الدائر في بورتسودان بما تسمى «حرب الكرامة»، لأن الأخيرة «حرب سافرة على السلطة... والدليل على ذلك أن نسبة 25 في المائة من كراسي الوزارة الجاري التنافس عليها محصورة بوزارات بعينها». ثم أوضح أن الهدف من تشكيل حكومة في بورتسودان، وتكليف كامل إدريس رئيساً لها، لم يتحقق، و«الحكومة التي يتجه لتشكيلها ستكون مصيبة» وقد تؤدي إلى فض التحالف، وتابع: «الوضع أكثر تعقيداً. قد نجد أنفسنا في دولتين، إذا استمر الانقسام، ولن ينتهي في حدوده، وسينتهي بتفكك البلاد».

صراع السلطة بين الجنرالين يفاقم الأزمة الإنسانية وقد يؤدي إلى كوارث

«الإسلاميون» ضد وقف الحرب

في هذه الأثناء، خلال لقاء تلفزيوني، شنّ أمين حسن عمر، القيادي الإسلامي المتشدد والوزير السابق في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، هجوماً عنيفاً على دعاة وقف الحرب. وقال إنهم «ليس شركاء في الوطن بل شركاء للدعم السريع (الجنجويد بحسب عبارته)»، وبعدما وصفهم بـ«أعداء الوطن»، دعا إلى محاكمتهم بوصفهم «شركاء في الحرب وفي تأجيجها». وأضاف: «هم مجموعة الأفراد الذين يكوّنون ما يُعرف بـ(تقدم)، والآن هم في (صمود)... إنهم يمثلون هذا العنوان والظهير الذي استندوا إليه».

عمر شكك أيضاً في إعطاء رئيس الوزراء صلاحيات كاملة، ووصفه بأنه «أمر متوهم... هذه ظروف استثنائية، لن تعالج بالتمسك بالحقوق بل التسويات، لا سيما أنه رئيس وزراء معين». وأردف: «صانع المُلك هو مجلس السيادة، الذي يملك سلطة التعيين، لو لم يتدخل سيكون له نفوذ، وسيظل رئيس الوزراء مقيداً».

"حميدتي" (آف ب - غيتي)

لسنا دعاة انفصال

أما علاء الدين عوض نقد، الناطق الرسمي باسم الهيئة القيادية لتحالف «تأسيس»، فقال إن «أياماً فقط» تفصل بينهم وتشكيل الحكومة في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وإن تأخير إعلانها يعود إلى دواعٍ أمنية وتنسيق سياسي، إلى جانب جهود يبذلونها مع أطراف إقليمية ودولية.

وحول مكان إقامة الحكومة، أوضح نقد أن أجهزتها ستكون موزّعة الرقعة الجغرافية في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» وحلفائها، و«يمكن أن تكون في كاودا - تحت سيطرة الحركة الشعبية بجنوب كردفان، أو نيالا».

أيضاً، نفى نقد بشدة سعي تحالفه «تأسيس» للانفصال عن السودان، قائلاً: «السودان دولة واحدة، ونحن ننشئ حكومة سلام، ليس من غاياتها تقسيم البلاد، بل مناهضة تقسيم السودان، الذي يقوم به الطرف الآخر وحكومة الإسلاميين».

وأوضح نقد أن «حكومته» المُزمعة ستتضمن جهازاً تنفيذياً وبرلماناً وجهازاً قضائياً. وتابع: «نحن مستمرون في تحرير السودان من الإسلاميين المسيطرين، ولن نعمل على تقسيم السودان. مَن يسعى لفصل السودان هو جيش الإسلاميين. نحن لن ننشئ حكومتنا في دارفور، ونترك بقية السودان للجماعات الإسلامية الإرهابية».

وعلّق نقد على الجاري تداوله بأن هدف حكومة «تأسيس» الضغط على الجيش لإجباره على الجلوس على مائدة التفاوض، فقال: «محمد حمدان دقلو، قال لن يعودوا إلى منبر جدة، فكيف سنضغطهم للجلوس على طاولة المفاوضات؟ كل المفاوضات السابقة ذهب إليها (الدعم السريع) وخربها الجيش السوداني، لذلك لا يمكن بعد أكثر من سنتين وخراب للتفاوض، أن نعمل على التفاوض معهم».

وأضاف: «لن نذهب إلى أي تفاوض. نحن نتقدم عسكرياً لنحرر السودان من المؤتمر الوطني الذي يرعى المطلوبين للعدالة الجنائية». واستطرد: «كنا ننادي بالفصل بين الإسلاميين والجيش في بداية الحرب. لكن باستمرارها، اتضح للناس أن الجيش هو جيش الإسلاميين. نحن سنعمل على تكوين جيش جديد من (الدعم السريع)، والحركات المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان، وما تبقى من الجيش السوداني».