السـؤال الكبير الذي يرتسم، اليوم، في أفق الكنيسة الكاثوليكية لم يعد حول صحة البابا فرنسيس، بقدر ما هو حول ماذا بعد رحيله. ماذا سيبقى من إرث هذا الحبر الأعظم الذي كسر عشرات التقاليد التي كانت راسخة في السدة البابوية منذ قرون، وتحوّل بسرعة إلى قشعريرة سَرَت في جسد الكنيسة المترهلة تحت وطأة الجمود والفضائح والدسائس؟ ماذا سيكون موقف الكنيسة بعده من المهاجرين الذين يشكلون أبرز ظواهر هذا العصر، هو الذي غسل أرجلهم، أفارقة ومسلمين ومعتقلين؟
أحد الكرادلة المقرّبين من برغوليو يقول: «ماذا بعد فرنسيس؟ ثمة تغييرات عميقة حصلت منذ وصوله، ورياح جديدة تهبّ على الكنيسة وانفتاح غير مسبوق في أوساط الكوريا، لكن ليس واضحاً ما يمكن أن يحصل مع البابا الجديد». ويضيف: «الإجابة عند الناس وفي الذهنيات. لقد شهدنا مناقشات صارخة وخيبات متتالية، وعلينا أن ننتظر ونفكّر في الأمد البعيد».
في غضون ذلك، يستمر ماراثون المصلّين أمام مستشفى «جيميلّي» في العاصمة الإيطالية روما على وقْع البيانات الطبية المقتضبة التي تفيد عن وضع البابا الصحي. وتُواصل الدوائر الفاتيكانية أنشطتها كالمعتاد تحت العين الساهرة لوزير خارجية الكرسي الرسولي الكاردينال بارولين، الذي يتواصل يومياً مع فرنسيس. لكن ثمة مهامّ محددة لا يمارسها سوى البابا، مثل تعيين الأساقفة والكرادلة، والموافقة على إجراءات التطويب والتقديس وتوجيه المواعظ إلى المؤمنين مرتين في الأسبوع. وعندما يتعذّر على البابا أن يمارس مهامه حضورياً، تنتقل إدارة الكنيسة إلى كوريا روما، تحت إشراف وزير الخارجية الذي يدير الشؤون الدبلوماسية والإدارية، ويقوم مقام «رئيس حكومة الفاتيكان».
وفي أروقة الفاتيكان المُسربلة بالأسرار، بدأت تُسمَع التكهنات والترجيحات حول هوية البابا المقبل الذي يعتقد البعض أنه يجب أن «يعود» إيطالياً بعد ثلاثة باباوات «أجانب»، في حين يرى آخرون أن ثمة حظوظاً كبيرة في أن يكون أميركياً أو ناطقاً بالإسبانية يمثل ما لا يقل عن 40 في المائة من الكاثوليك في العالم.
كلمة أخيرة... لا بد منها في تقييم تجربة البابا فرنسيس، هي أن البعض يأخذون عليه أنه في بعض الملفات الشائكة، مثل التحرّش الجنسي، لم يذهب بعيداً في التدابير التطهيرية وإجراءات التحقيق والملاحقة وكشف الحقائق. وهذا، ربما لمعرفته بجسامة هذا الملف وتداعياته الضخمة المحتملة على صعيد السُّمعة والتعويضات المالية. ولكن، يقول المنتقدون أيضاً إن «الخطوات الخجولة»، والتعيينات التي قام بها، لم تمسّ البنية الأساسية. وبالتالي، كلها قد تذهب هباءً بعد رحيله إذا قرّر خلفُه ألا يتابعها والسير على خطاه.