ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

وسط تضارب مصالح «الإليزيه» والكتل... وتحديات الاقتصاد

يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي
يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي
TT

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي
يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية، ثم مفاوض عن الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا إبان عملية «البريكست» (الخروج من الاتحاد) البالغة التعقيد التي طالت 6 سنوات، كان حلم بارنييه مزدوجاً: أن يتوّج مسيرته الأوروبية بأن ينتخب رئيساً للمفوضية، حيث يحل محل الألمانية أورسولا فون دير لاين، التي فازت بولاية ثانية العام الحالي، أو أن ينتخب رئيساً للجمهورية الفرنسية. غير أن حلمه المزدوج خاب مرتين. في المرة الأولى، قال لـ«الشرق الأوسط»، خلال محادثة جانبية بمناسبة اجتماعية حصلت في قصر الإليزيه، إنه «لا يتمتع بدعم من السلطات الفرنسية»، مشيراً بذلك إلى الرئيس إيمانويل ماكرون. وحلّت الخيبة الثانية عام 2021 عندما كان بارنييه يسعى للترشح عن اليمين الجمهوري الفرنسي التقليدي لرئاسة الجمهورية. لكن أعضاء الحزب فضّلوا عليه فاليري بيكريس، رئيسة منطقة باريس (إيل دو فرانس)، التي خرجت من الدورة الأولى بحصولها على 4.78 % فقط من أصوات الناخبين، وهي أسوأ نتيجة حصل عليها مرشح يميني منذ إطلاق الجنرال شارل ديغول «الجمهورية الخامسة» عام 1958.

بعد خيبتي رئاسة المفوضية الأوروبية ورئاسة الجمهورية الفرنسية، ومسيرة سياسي تربو على 50 سنة، وجد ميشال بارنييه (73 سنة) رئيس الحكومة الفرنسية الجديد نفسه سياسياً متقاعداً.

وحقاً، لم يكن الرجل يتوقع أن يُستدعى لترؤس الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية التي شهدت تصدّر «الجبهة الشعبية الجديدة» التي تضم أحزاب اليسار و«الخضر»، وحصول اليمين المتطرف ممثلاً بحزب «التجمع الوطني» الذي تتزعمه مارين لوبن، على مجموعة نيابية كبرى، وخصوصاً تراجع معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون.

الديغولي القديم

خلال الأيام الأخيرة التي أعقبت تعيينه في مهمته الجديدة، حلا لبارنييه أن يُذكّر بانطلاق التزامه السياسي عندما كان يافعاً - في سن الرابعة عشرة - متأثراً بدعوات الجنرال شارل ديغول، بطل فرنسا الحرة، وفكره وسياسته.

كذلك، يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين، لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب، بل اليمين الاجتماعي. ويؤكد تأثره بوالدته دونيز دوران، حيث حرص في أول تصريحاته، بعد تسميته، على التذكير بالتزامها السياسي اليساري، وحدبها الاجتماعي (مساعدة الضعفاء) وأنها لقّنته احترام الآخر والحوار والتسامح.

لقد كان لافتاً خلال عملية التسلم والتسليم، أن بارنييه ردّ على رئيس الوزراء المودّع غبريال أتال، الذي ألمح الى أنه «أصغر» رئيس للحكومة عرفته فرنسا (35 سنة)، بأن هذه الصفة «لا تدوم طويلاً». وذكّره بأنه شخصياً كان أصغر نائب دخل الندوة البرلمانية، وهو في سن الـ27 سنة.

والمفارقة هنا أن ماكرون عيّن في ولايته الثانية، التي بدأت ربيع عام 2022، أصغر رئيس حكومة (أتال)... والآن أيضاً أكبرهم سناً بشخص بارنييه. ثم إن الأخير كان تقلّد مناصب محلية، عندما كان على المقاعد الجامعية. وبعد تعيينه، ركزت الوسائل الإعلامية الفرنسية والأجنبية على مُراكمته خبراته السياسية وتمرّسه في المفاوضات المعقّدة، التي قيّض له أن يخوضها عندما شغل عدة مناصب وزارية في عهدي الرئيسين اليمينيين جاك شيراك (1995 ــ 2007) ونيكولا ساركوزي (2007 ــ 2012). وكان أبرزها اثنان: وزارة الخارجية، ولاحقاً وزارة الزراعة.

بارنييه... الدرّة النادرة

ما كان لميشال بارنييه أن يغدو رئيساً للحكومة لو جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة مختلفة. فخلال السنوات السبع التي أمضاها ماكرون في قصر الإليزيه، عيّن 4 رؤساء حكومات، خامسهم بارنييه، إذ سبقه إدوار فيليب وجان كاستيكس وإليزابيت بورن وغبريال أتال، وكلهم كانوا منتمين إلى تياره السياسي، مع أن الأخيرين ما كانا متمتعين بالأكثرية المطلقة في البرلمان.

أما في حالة بارنييه، فإن الأمور جاءت مختلفة تماماً بسبب تشكّل 3 مجموعات نيابية. هي: «الجبهة الشعبية الجديدة» اليسارية ومجموعة الوسط الداعمة لماكرون و«التجمع الوطني» اليميني المتطرف. والحال أن أياً منها يرفض التعاون مع الآخرين.

رهان ماكرون الفاشل

رهان الرئيس الفرنسي كان على تفكيك تحالف اليسار عبر سحب الحزب الاشتراكي منه وتشكيل «جبهة جمهورية» تمتد من اليسار الاشتراكي (المعتدل) وصولاً إلى اليمين التقليدي (المعتدل)، وتكون كتلته المكوّنة من 166 نائباً بمثابة بيضة القبان، إلا أن هذا الرهان فشل.

وبعدما استبعد ماكرون نهائياً لوسي كاستيه، مرشحة اليسار و«الخضر»، بحجة أن أي حكومة ترأسها ستسقط في البرلمان لدى أول اختبار، بينما المطلوب «المحافظة على الاستقرار المؤسساتي»، جرّب مرشحاً اشتراكياً هو برنار كازنوف، وآخر هو كزافييه برتراند من حزب «اليمين الجمهوري» الحاصل على 47 نائباً، ثم تييري بوديه، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي بصفته منبثقاً عن المجتمع المدني.

لكن الثلاثة سقطوا في امتحان الديمومة لأسباب سياسية وشخصية مختلفة يطول الخوض في تفسيرها.

الهدية المسمومة

كان ماكرون، الذي تنتهي ولايته الثانية في عام 2027، يبحث عن الرجل المنقذ لعهده من جهة، ولفرنسا من جهة ثانية، من الأزمة السياسية التي أفضت إليها الانتخابات التي أفرزت نتائجها وضعاً سياسياً بالغ التعقيد.

فهو من جهة، اعترف أخيراً بأن معسكره خسر الانتخابات. لكنه، في المقابل، لا يريد رئيساً للحكومة يفكّك ما سعى لبنائه خلال السنوات المنصرمة، متمسكاً باستمرار انتهاج سياسة ليبرالية اقتصادية مشجعة لاستقطاب الاستثمارات، ولا تتراجع عن الإصلاحات والقوانين التي أدخلها، ومنها تعديل سن التقاعد وقانون العمل والرعاية الاجتماعية، فضلاً عن قانون الهجرات.

أما الأهم من هذا وذاك، فهو أن ماكرون كان يبحث عن شخصية لا تواجه رفضاً تلقائياً، لكنها تستطيع التحاور مع الجميع بحيث لا تطرح الثقة به منذ لحظة تشكيل حكومته، فضلاً عن احترام صلاحيات الرئاسة التي يكفلها الدستور. ولأنه رئيس الحكومة العتيد لن يكون بالضرورة من معسكره، أراده ماكرون أن يكون ليناً و«دبلوماسياً» بحيث يسهل معه «التعايش» على رأس السلطة التنفيذية.

في عددها ليوم الأربعاء الماضي، كشفت صحيفة «لوموند» تفاصيل ما جرى، وما دفع ماكرون إلى تسمية بارنييه. إذ أفادت أن ألكسيس كوهلر، أمين عام الرئاسة، هو من زكّى ترشيح بارنييه، وكان صلة الوصل بينه وبين ماكرون قبل أن يستدعيه الأخير لأول لقاء معه في قصر الإليزيه.

لوبن وملف الهجرة

بيد أن العامل الحاسم الذي ثبّت اختيار بارنييه كان قبول مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف، به رئيساً للحكومة. ذلك أنها ترى أنه لا خلافات شخصية بينه وبين حزبها من جهة، ولأن لديه، من جهة أخرى، مواقف تراها متجانسة ومتقاربة من مواقفها في مسائل يعدّها اليمين المتطرّف حيوية. ومن هذه المسائل: ملف الهجرة، وضرورة السيطرة على حدود البلاد الخارجية، وتأكيده احترام الجميع وانفتاحه على تعديل قانون التقاعد، وليس إلغاؤه، واستعداده للبحث في قانون انتخابي جديد يعتمد النسبية... الأمر الذي يلائم «التجمع الوطني» بعكس قانون الدائرة الصغرى ذي الدورتين المعمول به راهناً. ولو اعتمدت النسبية لكانت لوبن قد حصلت على الأكثرية المطلقة.

بناءً على هذه المعطيات، وعدت لوبن بألا يحجب «التجمع» الثقة عن بارنييه، بعكس جبهة اليسار. وللعلم، لو صوّت اليسار واليمين المتطرف معاً على سحب الثقة من رئيس الحكومة الجديد، فإنه سيسقط حكماً باعتبار أن لديهما 337 نائباً، أي بزيادة 48 نائباً عن العدد المطلوب لإسقاط الحكومة.

في المقابل، هذا الاختيار من ماكرون حوّل لوبن إلى «صانعة رؤساء الحكومات» الذين سيكونون كالخاتم في إصبعها، بحيث تكون قادرة على إسقاطه عندما ترى أن سياسة بارنييه لا تلائمها ولا تجاري مصالح حزبها. ومن هنا، جاء هجوم اليسار و«الخضر» على ماكرون واتهامه بـ«التواطؤ» مع لوبن.

تساؤلات مشروعة

هل سيكون بارنييه قادراً على الصمود رئيساً للحكومة؟

في حديثه المطوّل للقناة الأولى في التلفزيون الفرنسي، عرض بارنييه «فلسفة» حكمه الموعود وانفتاحه على الجميع، فهو يريد أن يدشن «عصراً جديداً» في طريقة الحكم، حيث «رئيس الجمهورية يرأس، والحكومة تحكم». والأهم من ذلك أنه نوّه بـ«القدرة على التفاوض، وجعل الناس يعملون معاً، ودأبه على احترام الجميع والإصغاء لما يقولونه».

وفي رسالة مباشرة إلى اليمين المتطرف، أكد أنه «سيحترم» الـ11 مليوناً الذين صوّتوا له في الدورة الأولى، رغم تأكيده أنه «لا شيء مشترك يجمعه باليمين المتطرف على صعيد الطروحات أو الآيديولوجيا». وإذ استبعد دخول وزراء من هذا الحزب في حكومته، أبدى استعداده للبحث في القانون الانتخابي، قائلاً: «لا خطوط حمراء» تمنعه من ذلك، غير أنه لم يلتزم بأي شيء محدد.

بالتالي، يريد بارنييه حكومة من مختلف الألوان، بما في ذلك اليسار. ولذا كثّف مشاوراته مع قادة الأحزاب والمجموعات البرلمانية. لكنه يواجه مجموعة تحديات لا تنحصر بالجوانب السياسية، بل أبرزها اقتصادي مالي. إذ يتعيّن على الحكومة أن ترفع إلى مكتب المجلس النيابي مشروع الميزانية لعام 2024، وأن تعمل على خفض العجز الذي وصل راهناً إلى 5.6 في المائة، بينما المعيار الأوروبي يتوقف عند عتبة 3 في المائة.

هذا، وسبق للاتحاد فتح تحقيق رسمي بخصوص مالية فرنسا، التي إن أرادت احترام المعايير، فعليها العثور على 110 مليارات يورو إضافية حتى عام 2027. وبالتوازي، تواجه فرنسا مشكلة ديونها التي تتجاوز 3000 مليار يورو، وخدمة الديون تطأ بقوة على ميزانيتها.

الملفان الصعبان

وعليه، ثمة ملفان يهددان بإسقاط بارنييه: الأول ميزانية الدولة، والثاني اقتراح إلغاء قانون التقاعد الذي أقره البرلمان العام الماضي بصعوبة بالغة رغم تعبئة نقابية وسياسية واسعة طالت شهوراً. والواقع أن اليمين المتطرف قدّم رسمياً اقتراح قانون لمكتب المجلس بهذا الشأن، علماً أن إسقاط قانون التقاعد هو أيضاً مطلب يساري بامتياز. وبالمناسبة، بارنييه ليس من أنصار المحافظة على القانون الذي يرفع سن التقاعد إلى 64 سنة فقط، بل سبق له اقتراح 65 سنة.

وبجانب التحديات الإضافية، التي سيواجهها رئيس الحكومة الجديد، ثمة ملفات الهجرة، والقدرة الشرائية، والخدمات العامة (كالمدارس والصحة)، وقبل ذلك كله إشعار المواطن أن صوته لم يذهب سدى، وأن تغييراً حصل في وجوه المسؤولين وفي السياسة المتبعة.

من هنا، تبدو الهدية التي قدّمها ماكرون لبارنييه «مسمّمة»، فهل ستساعد الأخير خبرته السياسية وكياسته على شغل منصبه الجيد، وتحقيق شيء ما من الوعود؟

الجواب في الآتي من الأيام.

فرنسا: سيناريوهات سياسية للمستقبل

ما زالت انتخابات الرئاسة الفرنسية بعيدة، إذ لن يحين أوانها إلا مع ربيع عام 2027. ولكن منذ اليوم، السكاكين السياسية مشحوذة، وأول المبادرين كان إدوار فيليب، رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب «هورايزون» (آفاق) المنتمي إلى «المعسكر الرئاسي»، إلى جانب حزب الرئيس إيمانويل ماكرون «النهضة» أو «معاً من أجل الجمهورية» وحزب «الحركة الديمقراطية» الوسطي، الذي يرأسه السياسي المخضرم فرنسوا بايرو، أول الداعمين لماكرون، الذي يدين له بفوزه الأول في الانتخابات الرئاسية في عام 2017، بيد أن التركيبة السياسية اليوم، في ظل غياب أكثرية نيابية تدعم الحكومة، التي يجهد ميشال بارنييه لتشكيلها، تجعل كل السيناريوهات ممكنة، بما في ذلك لجوء ماكرون إلى حل المجلس النيابي مرة جديدة بحلول يونيو (حزيران) المقبل، أي بعد مرور سنة كاملة على حلّه للمرة الأولى، وهو ما ينص عليه الدستور. إقدام ماكرون على خطوة كهذه مرجح، لأن الأمر كان بيد الرئيس الفرنسي، الذي مارس حكماً عامودياً خلال 7 سنوات، حيث الحلّ والربط في القضايا، كبيرها وصغيرها. لكن الأمور تغيّرت اليوم بفعل هزيمة معسكره في الانتخابات النيابية الأخيرة واضطراره إلى تسمية رئيس للحكومة من خارج معسكره، وتحديداً من اليمين التقليدي، الممثل بحزب «اليمين الجمهوري» الذي لم ينفك، خلال السنوات السبع المنقضية، عن التنديد بسياسات حكوماته المتعاقبة. بيد أن مواقفه تغيّرت بعدما سُمي أحد أعضائه، ميشال بارنييه، لرئاسة الحكومة. وسارع الأخير إلى رسم «خارطة طريق» لكيفية تعامله مع رئيس للجمهورية ينزع للسيطرة، بتأكيده أن «الرئيس يرأس والحكومة تحكم».إحدى قواعد السياسة أن «الكلام شيء والممارسة شيء آخر». لذا، يرى محللون أن ماكرون لن يتردد بحلّ المجلس النيابي إذا وجد أن الأمور لا تسير لصالحه، وأن «إرثه» السياسي والاقتصادي مهدد. لكنّ ثمة خطراً آخر قد يكون محدقاً به، وعنوانه «هشاشة» الحكومة التي يجهد بارنييه لتشكيلها، والتي يمكن أن تسقط في البرلمان بسحب الثقة منها إذا رأى اليمين المتطرف أن مصلحته تكمن في سقوطها، أو أنها تنتهك «الخطوط الحمراء» التي رسمها. وليس سراً أن اليسار و«الخضر»، في إطار «الجبهة الشعبية الجديدة» عازمون عند أول فرصة على طرح الثقة بها، لأنهم يرون أساساً أن السلطة سرقت منهم، وأن بارنييه لا يتمتع بالشرعية لممارستها كونه يجيء من صفوف حزب حلّ في المرتبة الرابعة في الانتخابات الأخيرة، وليس له إلا 47 نائباً في البرلمان الجديد.إذا تحقق هذا السيناريو، فإن الأزمة السياسية ستتفاقم، لأن المعطيات الأساسية للتركيبة السياسية لن تتغير. وبالتالي سيجد الرئيس ماكرون نفسه أمام حائط مسدود، بحيث لن يكون من مخرج أمامه سوى الاستقالة، مع أنه أكد غير مرة أنه باقٍ في منصبه حتى آخر يوم من ولايته الثانية، ولن يتخلى عن مسؤولياته في أي ظرف كان. احتمال الاستقالة يبرر مسارعة إدوار فيليب، الذي استقبل ماكرون الخميس في إطار الاحتفال بتحرير مدينة لو هافر، بشمال البلاد، من الاحتلال النازي، إلى الإعلان رسمياً عن ترشحه للرئاسة، سواءً في أوانها العادي (عام 2027) أو إذا قُدّم موعدها بسبب استقالة ماكرون. وليس فيليب الوحيد الذي يتحضر لهذا الاحتمال. فرئيس الحكومة السابق غبريال أتال يرنو بدوره إلى احتلال هذا المنصب، وكان يراهن على مواصلة ممارسة السلطة لفترة أطول بحيث تكون الرافعة لتحقيق طموحاته الرئاسية، ولذا ظهرت شبه القطيعة مع ماكرون والأجواء الجليدية التي تطبع علاقاتهما. ويرأس أتال راهناً المجموعة النيابية المشكلة من الحزب الرئاسي. وبالطبع، ثمة مرشحون ثابتون، مثل جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري، ومارين لوبن زعيمة «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، وكلاهما يترشحان للمرة الرابعة. ثم هناك لوران فوكييز وكزافييه برتراند، الأول رئيس حزب «اليمين الجمهوري»، والثاني أحد أعضائه، وكاد يصل إلى رئاسة الحكومة، لولا الفيتو الذي رفعته لوبن بوجهه.


مقالات ذات صلة

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع بليز كومباووري (أ.ف.ب)

بوركينا فاسو... 9 سنوات من مواجهة «الجماعات المسلحة»

لم تعرف بوركينا فاسو (أعالي الفولتا) استقراراً سياسياً لعقود طويلة، فمنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960 شهدت تسعة انقلابات عسكرية؛ كان آخِرها الانقلاب الذي قاده

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)

ألمانيا أمام تحدي اليمين المتطرف وتداعيات صعوده السياسي

مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)
مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)
TT

ألمانيا أمام تحدي اليمين المتطرف وتداعيات صعوده السياسي

مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)
مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)

قبل 4 سنوات كانت نسبة التأييد لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، على المستوى الوطني، لا تتعدى 12 في المائة. ومع أن تأييده في الولايات الألمانية الشرقية التي كانت تحت الحكم السوفياتي حتى عام 1990 كان أعلى، فهناك أيضاً لم يتخطَّ آنذاك عتبة 20 في المائة. الأمر تغيّر الآن، وبات الحزب المراقَب من قبل الاستخبارات بسبب شكوك بأنه يعمل ضد الدستور والديمقراطية، ثاني أقوى حزب في ألمانيا. فعلى الصعيد الوطني وصلت نسبة التأييد له إلى 17 في المائة متخطياً بشعبيته شعبية الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الحاكم الذي تعطيه آخر الاستطلاعات 15 في المائة فقط، ثم إن «البديل من أجل ألمانيا» صار الحزب المفضل في الولايات الشرقية، ويحتل الصدارة منذ أشهر، حيث تتجاوز نسبة تأييده 30 في المائة في بعض الولايات. وأثبتت الانتخابات المحلية في ولايتَي ثورينجيا وساكسونيا الأحد الماضي شعبية الحزب المتطرف؛ إذ حصد في ثورينجيا نسبة 33 في المائة من الأصوات، وغدت هذه الولاية الأولى التي تعيد حزباً يمينياً متطرفاً إلى الطليعة منذ النازيين. أما في ساكسونيا فحاز الحزب نسبة قاربت 41 في المائة من الأصوات. ولكن رغم هذين الإنجازين لن يتمكّن الحزب من الحكم؛ لكون كل الأحزاب الأخرى ترفض التحالف معه، وهو أمر ضروري في نظام انتخابي يولّد عدداً كبيراً من الأحزاب التي لا تحصد أي منها غالبية مطلقة. ومع أن ألمانيا معتادة على التحالفات، ازداد هذا الأمر صعوبة اليوم في ظل صعود «البديل من أجل ألمانيا» وتنامي شعبيته. ومع أنه لن يحكم في الولايتين رغم حصده عدداً كبيراً من الأصوات، فتمثيله القوي في ولاية ثورينجيا يمكّنه من تعطيل القوانين التي يتطلّب إقرارها ثلثَي الأصوات.

بيورن هوكه زعيم تنظيم "البديل" في ثورينجيا يحيي مؤيديه (رويترز)

شعبية حزب «البديل من أجل ألمانيا»، بلا شك، تتزايد في عموم ألمانيا، لكن الواضح أن ولايات الشرق هي معقله الأول ومركز ثقله الأساسي. وحقاً، محللون كثر قالوا بعد نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة إنها أثبتت أن الهوة بين الولايات الشرقية والغربية تتزايد، وإن ولايات الشرق ما زالت مشكلة بالنسبة لألمانيا. وقد يكون في هذا شيء من الحقيقة.

لقد أظهرت دراسة نُشرت الصيف الماضي وأجرتها جامعة لايبزيغ - التي تقع في ولاية ساكسونيا (شرق) - أن نصف سكان الولايات الشرقية «يتوقون لحكم الرجل القوي» أو لقيادة «حزب واحد»، وفي هذا أصداء للعقود التي عاشها سكان تلك الولايات تحت الحكم السوفياتي. كذلك بيّن البحث «تشكيكاً كبيراً» بالديمقراطية لدى سكان الولايات الشرقية حيث يعيش نحو خُمس سكان ألمانيا. وقال نصف المُستَفتين إنهم يؤيدون حظراً على استقبال المسلمين، في حين أيد 70 في المائة منهم مزاعم المُعادين للأجانب بأن هؤلاء يأتون إلى ألمانيا لاستغلال نظام الرعاية الاجتماعي. وفي المقابل، وجد البحث أن الأفكار المعادية للسامية منتشرة جداً، وأن واحداً من كل 3 مستفتين يرى أن «تأثير اليهود ما زال كبيراً جداً». وبذا استخلص معدّو البحث أن «رسائل الأحزاب اليمينية المتطرفة تجد أصداء قوية عند جزء كبير من السكان» في الشرق.

حزب زارا فاغنكنشت

من جهة ثانية، بيّنت الحصيلة ليس فقط تقدم حزب «البديل» في الانتخابات الأخيرة، بل أيضاً بروز حزب جديد يحمل الكثير من أفكار «البديل»، أسسته الزعيمة السابقة لحزب «دي لينكا» اليساري المتطرف زارا فاغنكنشت إثر انشقاقها عن حزبها.

يحمل الحزب الجديد الذي أُسس مطلع العام اسم زعيمته، المولودة في مدينة يينا بولاية ثورينجيا، والتي عاشت في «جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) السابقة»، وكانت ناشطة في الحزب الشيوعي، قبل أن تتحوّل بعد انهيار «جدار برلين» إلى «دي لينكا». ورغم أن حزب «تحالف زارا فاغنكنشت» قام على أسس عقائدية يسارية، فهو يروّج لأفكار يمينية فيما يتعلق بالهجرة، ويؤيد روسيا، ويشكك في حلف شمال الأطلسي (ناتو). هذا الحزب انتزع أصواتاً كثيرة من «دي لينكا» والاشتراكيين وحتى «الخضر»، في ولايتَي ساكسونيا وثورينجيا، وحصل في الأولى على نسبة قاربت 12 في المائة من الأصوات، وفي الثانية على 13 في المائة، ما حوّل الحزب لاعباً أساسياً لا بد من التحالف معه لتشكيل حكومة. لكن، بينما تظهر هذه النتائج أن الهجرة تتصدّر هموم الناخبين في الولايات الشرقية، فإنها تبيّن أيضاً تأثير الأزمة الاقتصادية التي سببتها الحرب الأوكرانية، والذي يبدو أقسى في ولايات الشرق الأكثر فقراً من ولايات الغرب.

على أي حال، مع أن فاغنكنشت رفضت تحالف حزبها مع «البديل» رغم التشابه الكبير في برنامجيهما إزاء الهجرة ودعم روسيا، عليها الآن الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومتين في الولايتين مع حزب تختلف معه في نقاط كثيرة، هو الاتحاد الديمقراطي المسيحي؛ إذ حل هذا الحزب اليميني الوسطي الذي قادته المستشارة السابقة أنجيلا ميركل ثانياً في ثورينجيا بـ23 في المائة من الأصوات، في حين نال في ساكسونيا 32 في المائة؛ أي تخلّف بفارق ضئيل جداً لا يزيد على النقطة عن «البديل».

شرط «مفاوضة» موسكو

فاغنكنشت تشترط على الديمقراطيين المسيحيين والأحزاب الأخرى التي تريد الدخول في تحالف معها، إعلان تأييدها لدعم «مفاوضات سلام» بين روسيا وأوكرانيا، ورفضها خطط الولايات المتحدة بإرسال صواريخ بعيدة المدى إلى ألمانيا العام المقبل وإبقائها على الأراضي الألمانية ضمن قوات «ناتو».

هذا، ومع أن الحكومات المحلية غير معنية بالسياسة الخارجية، تصر فاغنكنشت على تضمين هذه التعهدات في أي ائتلاف حكومي محلي يتشكّل. لكن تعهدات كهذه صعبة بالنسبة للديمقراطيين المسيحيين الذين يؤيدون الدعم الحكومي لأوكرانيا، بل ينتقدون الحكومة «لتقصيرها» بتقديم دعم كافٍ لكييف.

أمام كل هذه الخلافات، يتوقع أن تستغرق عملية تشكيل الحكومتين المحليتين أشهراً من التفاوض تدخل فيها الأحزاب الألمانية تجارب جديدة غير واضحة نهايتها، إلا أنها قد تكون مؤشراً لمستقبل الحالة السياسية التي تغدو اعتيادية في ألمانيا في حال انعكست النتائج، وإن بشكل أقل دراماتيكية، على المستوى الوطني في الانتخابات العامة العام المقبل.

تحليل اتجاهات الشباب

أيضاً، هذه نسبة مرتفعة شكلت مفاجأة لكثيرين. وللعلم، ينشط سياسيو «البديل» على منصة «تيك توك» بكثافة، والحزب من أكثر الأحزاب نجاحاً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الشباب.

وفي دراسة أجراها باحثون في جامعة بوتسدام بولاية براندنبرغ (شرق)، حول استخدام الأحزاب لمنصة «تيك توك»، التي تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب، تبين أن نجاح «البديل» على هذه المنصة ساهم على الأرجح بنجاح الحزب في ساكسونيا وثورينجيا. وقال البروفيسور رولاند فرفيبي، أحد مُعدّي الدراسة، إن «الشباب ما بين 16 و24 سنة يحصلون على معلوماتهم السياسية فقط من (تيك توك)، وهذا يجعل المنصة بالغة التأثير». وفي تحليل معدّي الدراسة لبيانات على «تيك توك»، استخلصوا أنه خلال الأسابيع التي سبقت الانتخابات، كانت الفيديوهات التي تروّج لحزب «البديل» تصل إلى المستخدمين بكثافة أكبر بكثير من الفيديوهات التي تروّج للأحزاب الأخرى.

وفي تحليلهم، خلق الباحثون 30 حساباً وهمياً لأشخاص مولودين في عام 2006 ويعيشون في ثورينجيا وساكسونيا وبراندنبرغ - التي تجري انتخابات محلية في نهاية الشهر الجاري - وحلل الباحثون أكثر من 75 ألف فيديو ظهر على الحسابات في الأسابيع السابقة للانتخابات. وتبيّن أنه يظهر أمام المستخدمين ما معدله 9 فيديوهات أسبوعياً لحزب «البديل» مقابل فيديو واحد للديمقراطيين المسيحيين أو «تحالف زارا فاغنكنشت»، وأقل بكثير للأحزاب الأخرى.

وأيضاً تبين أن الفيديوهات التي تظهر للمستخدمين لا تتماشى مع أعداد الفيديوهات التي تنتج من قبل الأحزاب. ووجد البحث أن الاشتراكيين، مثلاً، أنتجوا عدداً أكبر بكثير من الفيديوهات المتعلقة بالانتخابات من «البديل»، لكن ذلك لم ينعكس فيما يظهر للمستخدمين. ووفق فرفيبي، فإن أحد الأسباب قد يكون أن شبكة من المستخدمين في منصة «تيك توك» يروّجون لفيديوهات الحزب اليميني المتطرف وهم أنفسهم ينشطون على المنصة بشكل كبير. وبالفعل، حسب دراسة أخرى نُشرت في يونيو (حزيران) الماضي، فإن «البديل» هو من أكثر الأحزاب الألمانية نشاطاً على «تيك توك».

زارا فاغنكنشت (رويترز)

ملامح قلق اقتصادي

أياً كانت الأسباب، فإن نتائج صعود «البديل من أجل ألمانيا» قد تصبح مرئية أكثر في الولايات الشرقية، حيث بدأت الشركات تتخوف من الآثار السلبية لهذا الصعود على الاقتصاد. وغداة صدور النتائج، قالت مونيكا شنيتزر رئيسة «المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين» معلّقة إن الشركات التي تتخذ من ثورينجيا وساكسونيا مقراً لها «قد تكون في وضع صعب في المنافسة على العمالة الماهرة»، مضيفة أن المؤسسات التعليمية في الولايتين تعاني أصلاً من نقص في العمالة، وهذا الوضع قد يتفاقم نتيجة موقف «البديل» من المهاجرين.

أما مارسيل فراتشير رئيس «المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية»، فقد حذّر من هروب رؤوس الأموال من الولايتين، وقال إن سياسات «البديل» التي تروّج للحمائية الاقتصادية، وخفض الهجرة، وتخفيف التنوع والانفتاح، «قد تؤدي إلى هروب الشركات والعمالة الماهرة».

هذا المناخ المعادي للمهاجرين لم يخلقه فقط «البديل» وحزب فاغنكنشت، بل ساهم فيه أيضاً الاتحاد الديمقراطي المسيحي نفسه، الذي مال خطابه المتعلق بالهجرة إلى الشعبوية، وخاصة منذ انتخاب فريدريش ميرتز زعيماً له. بالطبع، يحاول ميرتز باعتماده خطاباً متشدّداً تجاه الهجرة انتزاع أصوات من «البديل»، لكن هذا الخيار تسبب بمناخ معادٍ للهجرة تفاقم في ولايات الشرق، وبات يخيف أصحاب الأصول المهاجرة. ولكن، إذا كان حزبا فاغنكنشت وميرتز يدعوان للحد من الهجرة، وربما حتى وقف استقبال اللاجئين، فإن «البديل» يذهب أبعد بكثير من ذلك مع أنه قد لا يعكس بتصريحاته العامة خططه لأسباب قانونية؛ إذ إن نيّات الحزب ظهرت في نهاية العام عندما كُشف عن اجتماع سرّي شارك فيه نواب من الحزب ومستشار زعيمته أليس فايدل، ناقش ترحيل ملايين المهاجرين من ألمانيا، بينهم مَن يحملون جنسيات ألمانية، لكنهم يتحدّرون من أصول مهاجرة.

الكشف عن الاجتماع أثار استياءً سياسياً واجتماعياً كبيراً في ألمانيا بسبب أصدائه التاريخية والاجتماع الشهير الذي عقده النازيون قبل «الهولوكوست» وناقشوا فيه «الحل الأخير»، إلا أن «البديل» ما زال ينفي أن تكون هذه سياسته، ويزعم قادته حرصهم على اللعب ضمن ما هو مسموح في القانون، خوفاً من حظر الحزب المراقَب.

عموماً، الفوز المزدوج للمتطرفين في الولايات الشرقية يراه البعض نتيجة لضعف الحكومة الفيدرالية. وهذا ما عبر عنه راينر دولغار رئيس «رابطة أصحاب الأعمال الألمانية»، الذي حذّر من أن صعود «البديل» إنما يعكس «قلقاً عاماً وعميقاً وانعدام الثقة في أن ألمانيا تتحرك بالاتجاه الصحيح». وأردف بأن نتائج الانتخابات «تنبيه واضح للحكومة الائتلافية... وعلى أي حكومة أن تحافظ على الأعمال والتماسك الاجتماعي».

كان لافتاً في نتائج الانتخابات مدى تأثير حزب «البديل من أجل ألمانيا» على الشباب

المستشار الألماني أولاف شولتز (رويترز)

انتخابات براندنبرغ المقبلة... الاختبار الصعب للاشتراكيين و«الخضر»

قد تكون الانتخابات المقبلة في ولاية براندنبرغ المحيطة بالعاصمة برلين، الاختبار الأكبر والأخطر للأحزاب الحكومية، خاصة الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) بقيادة المستشار الألماني أولاف شولتس. فعلى عكس ولايتَي ثورينجيا وساكسونيا، حيث لم يكن للاشتراكيين أصلاً وجود قوي، يقود الاشتراكيون الحكومة الحالية في براندنبرغ، وكان حزبهم حصل في الانتخابات الماضية على 26 في المائة من نسبة الأصوات مقابل 23 في المائة آنذاك لحزب «البديل من أجل ألمانيا». هذا العام تشير الاستطلاعات إلى انقلاب الوضع، وحلول «البديل» أولاً بنسبة أصوات تصل إلى 27 في المائة مقابل 23 في المائة للاشتراكيين. كذلك سيكون حزب «الخضر» الشريك في الحكومة أيضاً أمام تحدٍّ جدي، هو البقاء في الحكومة وتجنب انخفاض نسبة أصواته عن نسبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان. ووفق الاستطلاعات، يبدو «الخضر» على حافة الحصول على 5 في المائة، في انخفاض كبير عن 11 بالمائة في الانتخابات الماضية. من جهة ثانية، مع أن الولايات الشرقية الخمس قد لا تعكس وضع البلاد بشكل كامل، خاصة أن عدد سكانها ككل لا يزيد على 14.5 في المائة (مليون من أصل 83 مليون ألماني)، فهي تشكّل مؤشراً لتزايد الامتعاض من الحكومة وتراجع الثقة بالأحزاب الكبيرة. فالخلافات المستمرة داخل الحكومة الائتلافية، والوضع الاقتصادي المتدهور - أولاً بسبب جائحة «كوفيد-19»، ثم بسبب الحرب في أوكرانيا - زادا من تراجع الثقة بالأحزاب الحاكمة، ثم إن تحول حزب «الخضر» من حزب مُسالم تاريخياً إلى حزب يدعم الحرب في أوكرانيا، وساعد في إبقاء مرافق الفحم مفتوحة رغم تعهداته بإغلاقها رداً على وقف الغاز الروسي، أبعد عنه كثيرين من مناصريه. يبقى أنه ما زال هناك عام واحد يفصل ألمانيا عن انتخاباتها العامة، وفيه تأمل الأحزاب التقليدية أن تتمكن من مواجهة «البديل من أجل ألمانيا» ووقف تقدمه... وزحفه نحو الولايات الغربية.