إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

على الرغم من الفوائد الاقتصادية التي يؤمنونها

الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)
الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط (آ فب)
TT

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)
الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط (آ فب)

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19 سنة إلى السواحل الإسبانية على متن زورق صغير، ضمن مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين، ومن أم كانت غادرت مسقط رأسها في غينيا الاستوائية بعده بسنة واحدة. وكان النجم الآخر نيكولاس وليامز، الذي سجّل أول هدفي النصر الحاسم في المباراة النهائية من أبوين مهاجرين من غانا، وكلاهما شابان في مقتبل العمر. وفي أواخر الشهر الماضي، وفي ختام جولة أفريقية هدفت إلى تفعيل برامج التعاون والمساعدة التي أطلقتها إسبانيا مع عدد من البلدان «المصدّرة» للهجرة وتلك التي يعبرها المهاجرون في اتجاه أوروبا، قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز في العاصمة السنغالية داكار: «إن معالجة الهجرة في إسبانيا مسألة مبادئ أخلاقية، وتضامن وكرامة، لكنها أيضاً مسألة تعقّل ومنطق». وأضاف: «إن المهاجرين يساهمون بشكل أساسي في الاقتصاد الوطني وفي دعم نظام الضمان الاجتماعي، والهجرة بالنسبة لإسبانيا هي ثروة وتنمية ورفاه».

المشهد غير المألوف في تاريخ الرياضة الإسبانية، كما هذا التحول العميق في العلاقات الإسبانية الأفريقية، انعكاس مباشر لما تؤكده الأرقام والإحصاءات التي باتت تفرض على الخطاب السياسي والاجتماعي الاعتراف بأن السكان الذين يتحدّرون من أصول أجنبية باتوا يشكلون جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية.

الحكومة الإسبانية تفاخر راهناً، بعكس معظم حكومات البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالنتائج التي حقّقتها سياسة استيعاب المهاجرين ودمجهم في المجتمع الإسباني: 12 في المائة من المنتسبين إلى نظام الضمان الاجتماعي هم من الأجانب، وتتراوح أعمار 60 في المائة منهم بين 18 و23 سنة، وهي نسبة أعلى كثيراً من نسبة الإسبان أنفسهم. ومنذ عام 2021 تمكّن 300 ألف مهاجر غير شرعي من تسوية أوضاعهم القانونية، لأن غالبية الذين دخلوا إسبانيا في السنوات الأخيرة المنصرمة فعلوا ذلك عبر الطرق الشرعية بسبب عدم وجود قنوات قانونية لدخولهم، أو لكثرة العراقيل والتعقيدات التي تحول دون ذلك.

إسبانيا في الصدارة

ثم إنه خلال العام الماضي، تصدّرت إسبانيا ترتيب بلدان الاتحاد الأوروبي من حيث نسبة ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إليها، التي بلغت 126 في المائة، وذلك نظراً لتزايد إقبال المهاجرين على سلوك «المسار الأطلسي»، رغم خطورته، نتيجة الاضطرابات التي تشهدها دول منطقة الساحل منذ سنوات. وهذه الاضطرابات تدفع بالآلاف للعبور إلى موريتانيا التي تنطلق من شواطئها موجات المهاجرين باتجاه الجزر الكنارية. وللمرة الأولى منذ بداية أزمة الهجرة الشرعية، صار المهاجرون من مالي هم الأكثر عدداً بين الذين يصلون بطريقة غير شرعية إلى الشواطئ الإسبانية، ما يدلّ على أن الحروب الحالية هي التي تتولّد منها تدفقات المهاجرين اليائسين.

أما اللافت فهو أن نسبة عالية من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى إسبانيا منذ سنوات هم من القاصرين، الأمر الذي جعل أمر استيعابهم وتوزيعهم على مختلف المناطق تحدياً لوجستياً كبيراً بالنسبة للسلطات المحلية، ناهيك أنه يؤجّج الخطاب السياسي الذي صار شعار القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة التي تشهد شعبيتها ارتفاعاً مطرداً منذ سنوات.

قواارب طالبي لجوء وهجرة راسية في جزر الكناري (رويترز)

التعددية العرقية تتزايد

لكن رغم المشاهد المأساوية التي ترافق عادة رحلات العبور على الطرق الخطرة التي يسلكها المهاجرون غير الشرعيين، لا تزال نسبة هؤلاء أقل كثيراً من نسبة المهاجرين الذين يدخلون إسبانيا بطريقة شرعية، والذين جعلوا من إسبانيا بلداً تتزايد فيه تعدّدية الأعراق، حيث إن 18 في المائة من سكانها اليوم أبصروا النور خارج حدودها.

وتفيد أحدث الدراسات أن هذا الازدياد في عدد المهاجرين هو الذي حال دون تراجع العدد الإجمالي للسكان في إسبانيا، خلافاً لمعظم الدول الأوروبية التي ينخفض فيها التعداد السكاني منذ سنوات، علماً بأن 23 في المائة من القاصرين اليوم هم من آباء أو أمهات أجانب. أيضاً، يشكّل المهاجرون حالياً قوة عاملة يستحيل على السوق الإسبانية الاستغناء عنها، إذ بلغت نسبة فرص العمل التي تولّاها الأجانب في النصف الأول من هذه السنة 40 في المائة، استناداً إلى سجلات وزارة العمل، في حين يشكّل المهاجرون 13.6 في المائة من القوة العاملة.

كذلك، تفيد دراسة أعدّها المصرف المركزي الإسباني أن نسبة نشاط المهاجرين هي الأعلى في بلدان الاتحاد الأوروبي، إذ بلغت 78 في المائة في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، ويؤكد الخبراء أن الاقتصاد الإسباني معرّض للانهيار من غير مساهمة المهاجرين. وتبيّن هذا الدراسة، بالأرقام، أن المهاجرين كانوا عنصراً اساسياً للوصول إلى مستوى الرفاه الذي بلغته البلاد خلال العقدين المنصرمين، وأن بقاءهم ضروري للحفاظ على هذا المستوى. وأيضاً ظهر أن ضمان استمرار المعادلة الراهنة بين عدد العاملين والمتقاعدين في عام 2053 يقتضي وجود 24 مليون مهاجر، وأن تجاهل هذه الحقائق ضربٌ من العبث وانعدام المسؤولية تجاه الأجيال القادمة.

تلاقي مصالح بين اليسار واليمين

ليس مستغرباً في ضوء هذا الواقع أن مواقف منظمة أصحاب العمل الإسبانية، المعروفة بميولها اليمينية والمحافظة تقليدياً، تدعم سياسة الحكومة الاشتراكية التي تنهال عليها نيران المعارضة المحافظة واليمينية المتطرفة. وهذا ما دفع رئيس الحكومة الاشتراكي بيدرو سانتشيز للقيام بجولته الأفريقية الثانية في أقل من 6 أشهر، إذ زار كلاً من موريتانيا وغامبيا والسنغال، ووقّع هناك اتفاقات ضمن استراتيجية «الهجرة الدائرية» التي أطلقها، والتي تشمل برامج تأهيل مهني في بلدان المصدر لمواطنيها، تمكّنهم من العمل في إسبانيا بصورة مؤقتة، وخاصة القطاع الزراعي، الذي يعتمد بنسبة عالية على اليد العاملة الأجنبية الرخيصة كالحال في إيطاليا وفرنسا.

وتفيد بيانات وزارة الضمان الاجتماعي الإسبانية أن ما يزيد عن 20 ألف مهاجر تمكّنوا من العمل في البلاد تحت مظلة هذه البرامج، علماً أن معظمهم من التابعية المغربية أو الأميركية اللاتينية. وينصّ البيان المشترك، الذي صَدر عن المباحثات التي أجراها سانتشيز مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، أن الهدف من هذه البرامج هو أن تكون الهجرة آمنة ومنظمة وشرعية بين بلديهما، ضمن إطار الهجرة الدائرية الرائدة في أوروبا، مع التركيز بشكل خاص على الشباب والنساء.

غير أن المسؤولين الإسبان يعترفون، في المقابل، بأن هذه البرامج تحتاج إلى بعض الوقت قبل تنفيذها مشفوعة بدورات تأهيلية وعروض للعمل. وبالتالي، سيكون من الصعب جداً أن تتمكن من احتواء المدّ المتوقع للقوارب الحاملة مهاجرين غير شرعيين هذا الخريف عندما تتحسّن ظروف البحر قبالة سواحل جزر الكناري. وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه منذ مطلع هذا العام حتى منتصف الشهر الماضي، وصل إلى تلك السواحل ما يزيد عن 22 ألف مهاجر غير شرعي، أي أكثر من ضعف الذين وصلوا خلال الفترة نفسها من العام الفائت. وللعلم، فإن المسارات الجديدة للهجرة الشرعية لن تكون كافية لتغطية احتياجات السوق الإسبانية التي تقدّرها المصادر الحكومة بما يزيد عن ربع مليون عامل سنوياً.

الهجرة غير الشرعية

من جهة ثانية، إلى جانب استراتيجية الهجرة الدائرية، تسعى إسبانيا أيضاً إلى التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية التي باتت تشكل الطبق الرئيس على مائدة النقاش السياسي في معظم بلدان الاتحاد الأوروبي، والعامل الأساسي الذي سيحدّد معالم المشهد السياسي في السنوات المقبلة. وراهناً، تسعى مدريد إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية في «بلدان المصدر والعبور»، عن طريق برامج طموحة، مثل الذي وُقّعت في فبراير (شباط) الماضي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، أثناء الزيارة التي قام بها سانتشيز إلى موريتانيا، رفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان دير لاين، وتتضمن مساعدات بقيمة نصف مليار دولار أميركي. ومن المقرر أن يساهم البنك الدولي في برنامج آخر للتنمية الاقتصادية في السنغال، إلى جانب المفوضية الأوروبية والحكومة الإسبانية.

وبعد حزمة الاتفاقات الثنائية الموقعة بين إسبانيا والمغرب لوقف تدفقات الهجرة غير الشرعية، تسعى مدريد أن تكون موريتانيا المنصة الأساسية التي تنطلق منها هذه الاستراتيجية الجديدة في العمق الأفريقي، خاصة في بلدان الساحل التي تحولت إلى مصدر رئيسي لهذه الهجرة بعد الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها منطقة الساحل في السنوات الأخيرة، وانكفاء الدول الغربية عنها في أعقاب الانقلابات التي توالت عليها وفتحت الباب أمام التغلغل العسكري الروسي وتزايد العمليات الإرهابية فيها. وبالفعل، سبّبت هذه الاضطرابات أزمة إنسانية كبيرة في موريتانيا، التي تضم حالياً زهاء 200 ألف لاجئ على حدودها مع مالي، وفقاً لبيانات منظمة الهجرة العالمية.

الواقع أن موريتانيا هي الآن إحدى «واحات» الاستقرار القليلة في وسط ضخامة «صحراء» الاهتزازات السياسية والأمنية. وهذا العامل جعل موريتانيا شريكاً مميزاً للاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي الذي قرر خلال قمته الأخيرة في واشنطن رصد مساعدات مالية لتجهيز القوات المسلحة الموريتانية وتدريبها على مواجهة الحركات المتطرفة والإرهابية الناشطة في البلدان المجاورة. وتقول الأوساط الحكومية، التي حاورتها «الشرق الأوسط»، إن مقاربة سياسة الهجرة والمعضلات الناشئة عنها من القضايا الحيوية التي ينبغي التوافق حولها بين جميع المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ثم إن ظاهرة الهجرة «واقعٌ ينبغي التعاطي معه بعقلانية، وليس مشكلة تتنافس الأحزاب السياسية على كيفية حلها أو معالجتها». وتضيف هذه الأوساط: «إن الخطاب السياسي، الذي يطرح حلولاً أو علاجات لظاهرة الهجرة، يغفل حقيقة أن السكان الأجانب باتوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع والاقتصاد والثقافة في إسبانيا، وأنهم يشكّلون مصدراً هاماً للمواهب والمعارف واليد العاملة».وختاماً، تقرّ إيلما سايز، وزيرة الضمان الاجتماعي الإسبانية، بأن الهجرة غدت تحدياً مشتركاً لجميع البلدان المتطورة، وأحد العوامل التي ستحدد معالم مجتمعات هذه الدول في السنوات المقبلة. وتتابع: «التصدي لظاهرة الهجرة كان المحور الرئيس الذي دارت حوله معظم الحملات الانتخابية أخيراً في بلدان الاتحاد، بما فيها حملة انتخابات البرلمان الأوروبي... لكن جميع المجتمعات التي تسعى منذ سنوات لإيجاد حل شامل ونهائي لها فشلت في مساعيها، وهو ما يدلّ على أنه لا حل لها. وعليه، لا بد من التعايش معها باستيعابها والاستفادة منها».

نسبة عالية من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى إسبانيا من القاصرين

الامين جمال (رويترز)

الهجرة منبر مزايدات... ومصنع لليمين المتطرف

على الرغم من كل الدلائل والقرائن والدراسات الكثيرة التي وضعتها المؤسسات الأوروبية، منذ سنوات، للدفع باتجاه تبريد النقاش السياسي حول ظاهرة الهجرة وسحبها من «بازار» المزايدات والاتهامات، يبدو أنها ستبقى تشكّل الحلبة الرئيسية للمواجهة السياسية بين الحكومات والمعارضات بشقّيها المعتدل والمتطرف.ومن الأدلّة البيّنة على ذلك أن أحزاب المعارضة في إسبانيا رفضت التجاوب مع دعوة رئيس الحكومة بيدرو سانتشيز الأخيرة إلى مقاربة ملف الهجرة خارج الإطار الديماغوجي المعتاد في النقاش السياسي، بل التصدي لها عبر التوافق حول سياسات واقعية طويلة الأمد، والاقتداء بالخطوط العريضة التي وضعتها المفوضية الأوروبية. هذه الخطوط العريضة التي بدأت بتطبيقها بعض الدول الأعضاء كإيطاليا وبلجيكا وهولندا، هدفها تسهيل مسارات الهجرة الشرعية وتنظيمها من بلدان المنشأ إلى الدول الأعضاء التي تستضيف لاحقاً المهاجرين في مختلف القطاعات الاقتصادية. في مطلع العام الحالي، كانت الهجرة تحتل المرتبة التاسعة بين شواغل الإسبان، وفقاً لاستطلاع مركز البحوث الاجتماعية. لكن في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، قفزت إلى المرتبة الرابعة بين مباعث القلق عند المواطن الإسباني، نتيجة متابعته احتدام النقاش السياسي خلال حملة الانتخابات الأوروبية التي كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة تنفخ في نيرانها. وبينما يواصل حزب «فوكس» اليميني المتطرف صعوده مدفوعاً بخطاب عنصري ضد المهاجرين، ظهر في المشهد السياسي الإسباني أخيراً «مخلوق» جديد، نما في مستنقع التطرّف على وسائل التواصل الاجتماعي، اسمه آلفيسي بيريز، الذي حصد في الانتخابات الأوروبية الأخيرة 800 ألف صوت، ومقعداً في البرلمان الأوروبي. ولا شك أن مثل هذه التطورات ستدفع الحزب الشعبي المحافظ إلى الجنوح نحو مزيد من التشدد، وربما التطرف، في مواقفه من الهجرة، كما حصل بالنسبة لكثير من الأحزاب المحافظة التقليدية في أوروبا، بل بعض الأحزاب اليسارية في البلدان الاسكندنافية.


مقالات ذات صلة

ترحيل المهاجرين ضمن مهام ترمب في أول أيامه الرئاسية

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

ترحيل المهاجرين ضمن مهام ترمب في أول أيامه الرئاسية

قالت ثلاثة مصادر مطلعة لـ«رويترز» إنه من المتوقع أن يتخذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عدة إجراءات تنفيذية في أول أيام رئاسته لإنفاذ قوانين الهجرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

ترمب: لن يكون أمامنا خيار سوى تنفيذ «ترحيل جماعي» للمهاجرين غير الشرعيين

قال الرئيس الأميركي المنتخب إن قضية الحدود تعد إحدى أولوياته القصوى، وإن إدارته لن يكون أمامها خيار سوى تنفيذ عمليات «ترحيل جماعي» للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مهاجرون يستمعون إلى التوجيهات قبل عبور الحدود من المكسيك إلى إل باسو بولاية تكساس الأميركية (أ.ف.ب)

الهجرة غير الشرعية تتراجع مع ارتفاع حدة الخطاب الانتخابي الأميركي

تبدو ضفاف نهر يفصل بين المكسيك وأميركا شبه مهجورة، وغدت ملاجئ مخصصة للمهاجرين شبه خاوية، بعد أن كانت مكتظة سابقاً، نتيجة سياسات أميركية للهجرة باتت أكثر صرامة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا السويد تعزز المساعدات للدول القريبة من مناطق النزاع في محاولة لخفض تدفق المهاجرين (إ.ب.أ)

الحكومة السويدية تخصص مساعدات إنمائية للدول التي يتدفق منها المهاجرون

أعلنت السويد أنها ستعزز المساعدات للدول القريبة من مناطق النزاع وعلى طرق الهجرة، في أول بادرة من نوعها تربط بين المساعدات الإنمائية ومحاولة خفض تدفق المهاجرين.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
أوروبا مبنى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (رويترز)

القضاء الأوروبي يدين قبرص لإعادتها لاجئيْن سورييْن إلى لبنان

دانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الثلاثاء، قبرص لاعتراضها في البحر لاجئيْن سورييْن وإعادتهما إلى لبنان، دون النظر في طلب اللجوء الخاص بهما.

«الشرق الأوسط» (ستراسبورغ)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.