هل تتوسّط الهند لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا؟

وسط حرصها على التوازن في علاقاتها مع الجانبين

مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)
مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)
TT

هل تتوسّط الهند لإحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا؟

مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)
مودي يصافح زيلينسكي إبان زيارته التاريخية لأوكرانيا (رويترز)

هل يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للجلوس على طاولة المباحثات؟ بعد الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى أوكرانيا، التي تُعد الأولى على الإطلاق من جانب رئيس وزراء هندي بعد استقلال أوكرانيا عام 1991، من المرجح أن يسعى مودي بدأبٍ لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، خاصة أنه يجري النظر إليه بوصفه حليفاً وثيقاً لروسيا ورئيسها. تأتي هذه الدفعة الدبلوماسية في وقت حرِج تدخل معه الحرب بين روسيا وأوكرانيا سنتها الثالثة دون أدنى مؤشر على انحسار الحرب. وحقاً أسفرت هذه الحرب عن معاناة إنسانية وخسائر اقتصادية، في حين يشعر المجتمع الدولي بقلق متزايد إزاء تداعياتها العالمية.

جاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى العاصمة الأوكرانية كييف، بعد ستة أسابيع من زيارة له إلى روسيا التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأثارت تلك الزيارة عاصفة انتقادات هائلة من حلفاء غربيين للهند، أشاروا فيها إلى أن نيودلهي تحاشت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. ثم إنه لم يسبق أن خاض رئيس وزراء هندي رحلة بالقطار طوال 10 ساعات، برفقة وفد رفيع المستوى، لزيارة منطقة حرب.

الدبلوماسي الهندي السابق، فيفيك كاتجو، علّق على الأمر بقوله: «يُعدّ مودي واحداً من الزعماء الدوليين القلائل، الذين زاروا موسكو وكييف. وكان قد دعا باستمرار إلى اتخاذ مسار الدبلوماسية والحوار، لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا. وفي الواقع، أكد مودي لبوتين مباشرة، أثناء لقاءٍ جمعهما في أوزبكستان، خلال سبتمبر (أيلول) 2022، أن هذه ليست حقبة حرب. وجاء هذا الكلام بمثابة تعبير واضح، وإن كان غير مباشر، عن رفض مودي العمل العسكري الروسي».

وبالفعل، شدّد الزعيم الهندي، عبر مترجم: «نقول بصوت عالٍ وواضح: إننا ندعم احترام السيادة والسلامة الإقليمية». من جهته، نشر زيلينسكي، عبر قناته على «تلغرام»، مقطع فيديو عن لقائه بمودي، بينما ذكّر مودي بأنه أثناء زيارته لروسيا، الشهر الماضي، أخبر الرئيس الروسي بوتين بأنه «لا يمكن حل المشاكل في ساحة المعركة»، بل يجب علاجها، بدلاً عن ذلك، عبر «الحوار والدبلوماسية»، دون تأخير.

اتصال هاتفي بين مودي وبوتين

كان التساؤل الكبير، قبل زيارة رئيس الوزراء الهندي لأوكرانيا، ما إذا كانت هذه الزيارة محاولة لاحتواء الأضرار الجيوسياسية، على أثر ردود الفعل الغربية الغاضبة تجاه زيارته موسكو، الشهر الماضي، وما إذا كانت هذه رسالة إلى شركاء نيودلهي الغربيين بأن الهند ليست في صف بوتين.

لكن بعد زيارة أوكرانيا، رجّحت مصادر مطّلعة احتمال أن ينجح مودي في دفع الزعيمين المتحاربين، الروسي والأوكراني، للجلوس إلى طاولة التفاوض، وجهاً لوجه فيما يُعدّ أمراً حيوياً لإحلال السلام.

يُذكر أنه في الفترة السابقة، أجرى مودي اتصالاً هاتفياً بالرئيس الروسي، بعد يوم من مكالمته مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي عبّر فيها عن دعم الهند العودة المبكرة إلى مسار السلام والاستقرار.

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الهندية أنه خلال المكالمة الهاتفية مع بوتين، أكد مودي أهمية الحوار والدبلوماسية، بالإضافة إلى «المشاركة الصادقة والعملية بين جميع الأطراف المعنية». ووفقاً لصحيفة الـ«موسكو تايمز»، أبلغ مودي بوتين بدعمه وضع نهاية سريعة للصراع الطاحن الدائر في أوكرانيا، بعد زيارته للأخيرة، الأسبوع الماضي. وأفادت الصحيفة بأن مودي سعى نحو تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على العلاقات الدافئة تاريخياً بين الهند وروسيا، وبين مساعي بناء شراكات أمنية أوثق مع الدول الغربية، بوصفها «حصناً» في مواجهة المُنافس الإقليمي للهند؛ أي الصين.

وقال مودي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنه «تبادل وجهات النظر حول الصراع بين روسيا وأوكرانيا» مع بوتين، وتشارك معه في «رؤيته التي خرج بها من زيارته الأخيرة لأوكرانيا». وأفاد أيضاً بأنه «أكد التزام الهند الراسخ بدعم إقرار حل مبكر ودائم وسِلمي للصراع الدائر».

تجدر الإشارة هنا إلى أنه من المعروف وجود أواصر صداقة تربط بين مودي وبوتين. وتاريخياً، ارتبطت الهند بعلاقات طويلة الأمد مع الاتحاد السوفياتي أولاً، ثم الاتحاد الروسي. وتميزت صلات البلدين بمصالح دفاعية قوية، ودعم موسكو لموقف نيودلهي بشأن قضية كشمير داخل الأمم المتحدة.

وفي هذا الصدد، قال هارش بانت، نائب رئيس الدراسات في مؤسسة «أوبزرفر للأبحاث» بنيودلهي: «أعتقد أن مباحثات مودي تأتي في خِضم جهود هندية لتوصيل رسالة مفادها أنها جادة في استخدام نفوذها لحل هذا الصراع، وإثبات نفسها بصفتها فاعلاً مستقلاً. ولقد سبق أن تعرضت الهند لانتقاد على تأخرها في لعب هذا الدور، في الماضي، لذا فهي تتواصل مع البلدان الأكثر تورطاً في الصراع».

لا خطة سلام مقترحة حتى الآن

في الواقع لم تقترح نيودلهي أي خطة سلام لإنهاء الحرب. ومع ذلك، نظراً لكون الهند واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من روسيا والغرب، فإنها تأمل في دفع عملية التفاوض بين موسكو وأوكرانيا قُدماً. وهنا لا بد من التذكير بأن علاقات الهند بأوكرانيا، منذ استقلال الأخيرة عن الاتحاد السوفياتي، لم تكن وثيقة.

وهنا يوضح فيفيك كاتجو: «الحقيقة أن العلاقات الهندية الأوكرانية بدأت بشكل سيئ، ربما نسينا الآن أن أوكرانيا زوّدت باكستان بأكثر من 300 دبابة قتالية طراز (تي-80)، رغم اعتراضات الهند الشديدة، وأنها كانت أيضاً واحدة من الدول القليلة التي أدانت التجارب النووية التي أجرتها الهند عام 1998. طبعاً ألقى هذا ظلالاً طويلة على العلاقات بين البلدين، لكن مع ذلك، ينبغي عدم السماح لهذه التجارب بالتأثير سلباً على العلاقات الثنائية على الأمد البعيد. ثم إن رد الهند على عمل روسيا في شبه جزيرة القرم عرقل، هو الآخر، النمو الفاعل في العلاقات».

هل تستضيف الهند القمة الثانية للسلام؟

على أية حال، مع تصاعد الضغوط على روسيا وأوكرانيا للجلوس إلى طاولة التفاوض، وإنهاء الحرب التي لم تثمر سوى تفاقم التحديات الاقتصادية العالمية، تحاول الهند إيجاد موطئ قدم لها بصفتها «صانعة سلام». وقد وردت فكرة أن تكون الهند مقراً لقمة سلام بين روسيا وأوكرانيا، إذ قال الرئيس الأوكراني زيلينسكي أخيراً: «أما فيما يخص قمة السلام، أعتقد حقاً أنه يجب عقد قمة السلام الثانية، وسيكون جيداً أن تُعقَد في إحدى دول الجنوب العالمي». وأردف، بعد يوم من استضافته الزعيم الهندي في كييف، قائلاً: «أخبرت رئيس الوزراء مودي بأنه يمكننا عقد قمة السلام العالمية في الهند، إنها دولة كبيرة وديمقراطية عظيمة... الديمقراطية الكبرى».

معلوم أن قمة السلام الأولى عُقدت في سويسرا، خلال يونيو (حزيران) الماضي. وأثناء لقائه زيلينسكي، أكد مودي التزام الهند باحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، مؤكداً أن الحرب يجب تصفيتها عبر الحوار والدبلوماسية، وأن الهند «ليست محايدة، بل تقف بحزم إلى جانب السلام».

ارتبطت الهند بعلاقات طويلة الأمد مع الاتحاد السوفياتي أولاً، ثم الاتحاد الروسي،

وتميّزت صلات البلدين بمصالح دفاعية قوية،

ودعم موسكو لموقف نيودلهي بشأن قضية كشمير

من جهته، أعرب هارش بانت عن اعتقاده أن زيارة مودي لأوكرانيا أكدت رغبة الهند في رؤية نهاية للصراع، «وجلوس كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات... إذ لا ترى الهند احتمالاً للحل دون وجود روسيا على الطاولة». وأوضح بانت: «لا تريد الهند أن يستمر الانفصال بين روسيا والغرب إلى الأبد؛ لأن هذا يعني مزيداً من التقارب بين موسكو وبكين، ثم إن الهند ترغب كذلك في وجود أوروبا مستقرة، تستطيع بعد ذلك لعب دور أكبر في ضمان استقرار المنطقة المُطلة على المحيطين الهندي والهادئ. هذا أمر بالغ الأهمية للهند. الهند لا تريد حتماً أوروبا منهمكة في تحدياتها الداخلية، بدلاً من اضطلاعها بدور عالمي».

زيلينسكي وخطوطه الحمراء

خلال مؤتمر صحافي، بمشاركة عدد من الصحافيين الهنود، بعد مغادرة مودي كييف، رحّب زيلينسكي بزيارة رئيس الوزراء الهندي، لكنه أطلق، ضمن كلامه، عدة مواقف، فقال: «أخبرت رئيس الوزراء مودي بأنه يمكننا عقد قمة سلام عالمية في الهند... لكننا لن نتمكن من عقد قمة سلام في دولة لم تنضمّ إلى البيان الصادر عن قمة السلام الأولى».

ولمّح زيلينسكي كذلك بشكل غير مباشر إلى مغامرات الصين على طول حدودها مع الهند، إذ قال: «إذا كان هناك ما يبرّر تصرفات بوتين، فأنا واثق من أنه ستكون هناك عواقب في أجزاء أخرى من العالم، فيما يتعلق بانتهاك سلامة الأراضي». وانتقد واردات الهند من النفط الروسي الرخيص، لمساعدة «اقتصاد الحرب» في موسكو، متابعاً: «إذا أوقفت الهند شراء النفط، فستواجه روسيا مشاكل وتحديات كبيرة».

توازن بين العلاقات أم استهداف لروسيا؟

لقد كان التساؤل الكبير قبل زيارة مودي لأوكرانيا عما إذا كان الهدف منها السيطرة على الأضرار الجيوسياسية، بعد الانتقادات الغربية لزيارته إلى موسكو. أما الآن، بعد انتهاء الزيارة، فيبدو أن التساؤل الأهم بات عما إذا كانت الزيارة قد نقلت رسالة خفية إلى موسكو. ووفق بعض الدلائل، هذا قد يكون صحيحاً.

الصحافية الهندية بيا كريشنامورثي ترى أن الزيارة «سلّطت الضوء على التوازن الدقيق الذي حققته نيودلهي في علاقاتها مع الغرب وروسيا إبّان الحرب الجارية، بينما يسعى نهج الهند المتعدد الأطراف إلى تعزيز مصالحها الوطنية وثقلها الإقليمي. وفي الوقت الذي زار فيه مودي النصب التذكاري للأطفال الذين قُتلوا خلال الحرب في المتحف الوطني للتاريخ بأوكرانيا، ووقف بجانب زيلينسكي، وذراعه ملتفّة حول الرئيس الأوكراني، أعرب مودي، لاحقاً، عن حزنه العميق على وفاة أطفال روس».

وبدا أن حسابات زيلينسكي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعمل بالتناغم مع حسابات رئيس الوزراء الهندي، فقد كتب زيلينسكي: «اليوم، في كييف، احتفيت أنا، ورئيس الوزراء ناريندرا مودي، بذكرى الأطفال الذين فقدوا حياتهم بسبب العدوان الروسي. يستحق الأطفال في كل بلد أن يعيشوا في أمان. يجب أن نجعل هذا ممكناً»، وشارك مقطع فيديو لمودي وهو يزور النصب التذكاري.

وأضافت كريشنامورثي: «هذه البادرة لإظهار الحداد ذات مغزى خاص، عندما تقترن بزيارة مودي لموسكو، التي تزامنت مع ضربة صاروخية روسية على مستشفى للأطفال في كييف. والدليل الثاني على رسالة محتملة إلى موسكو، الإشارة الصريحة لمسألة الدفاع في البيان المشترك بين أوكرانيا والهند، إذ أشار البيان إلى الدور الحاسم للمحرّكات الأوكرانية في السفن الحربية الهندية، وجاء هذا الذكر الصريح لمبادرات الدفاع المشتركة بمثابة مفاجأة. ومن المحتمل أن يثير هذا حفيظة موسكو، التي طالما أقامت علاقة دفاعية وأمنية قوية مع نيودلهي. وما زاد حجم الإثارة أن وزير دفاع مودي كان في واشنطن العاصمة، حيث وقَّع اتفاقيتين جديدتين، في أثناء وجود مودي نفسه في كييف».

تنافس هندي ــ صيني في مجال صنع السلام

مع طرح كل من الهند والصين نفسيهما، بشكل متزايد، بصفتيهما لاعبين أساسيين في الدبلوماسية العالمية، تحولت الحرب في أوكرانيا إلى ساحة لعرض قدراتهما في صنع السلام.حول هذا الجانب، شرح أمي فيلانجي، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، الذي يعمل حالياً زميلاً في جامعة تشاناكيا الهندية، أن «الأدوار المتطورة للعملاقين الآسيويين لا تعكس طموحاتهما على الساحة العالمية فحسب، بل تؤكد كذلك التفاعل المعقّد بين المصالح الاستراتيجية والحقائق العملياتية، في خِضم السعي لتحقيق السلام بأوكرانيا».وتابع: «تميَّز دور الصين في حرب أوكرانيا بالمشاركة الحذِرة، وموازنة علاقاتها العميقة مع روسيا، ومصالحها في الحفاظ على علاقات اقتصادية مع أوروبا والغرب الأوسع. وفي وقت سابق من هذا العام، قدّمت الصين خطة سلام من 12 نقطة، دعت إلى وقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات. ومع ذلك قوبلت هذه الخطة بالتشكك، خصوصاً من أوكرانيا وحلفائها الغربيين، الذين عدُّوا اقتراح بكين بمثابة دعم خفي لموقف روسيا». وأضاف: «أما تورط الهند في حرب أوكرانيا فجاء أكثر تحفظاً، ما يعكس التزامها التاريخي باللاالانحياز والاستقلال الاستراتيجي». وكشفت زيارة مودي إلى كييف عن استعداد الهند للعب دور أكثر نشاطاً في الصراع، ما قد يجعل منها وسيطاً للسلام. وبعكس الصين، لا يثقّل على الهند المستوى نفسه من الالتزام الاستراتيجي تجاه روسيا أو أوكرانيا، ما يمنحها ميزة فريدة تتمثل في النظر إليها بوصفها لاعباً أكثر حيادية.في المقابل، شككت صحيفة «غلوبال تايمز»، الناطقة الرسمية باسم الصين، في إمكانية اضطلاع الهند بدور «صانع سلام». وذكرت أن التركيز الأساسي لنيودلهي ليس على الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بل على تحقيق توازن في علاقاتها مع روسيا والغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة. يُذكر أنه في يوليو (تموز) الماضي، أثارت زيارة مودي لروسيا استياءً شديداً لدى الولايات المتحدة والغرب.


مقالات ذات صلة

موسكو تعلن مقتل 5 وإصابة 46 بضربة أوكرانية على بيلغورود

أوروبا صورة نشرتها صفحة حاكم منطقة ساراتوف رومان بوسارغين على «تلغرام» تُظهر شظايا جراء هجوم بطائرة مسيّرة أوكرانية في ساراتوف بروسيا في 26 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

موسكو تعلن مقتل 5 وإصابة 46 بضربة أوكرانية على بيلغورود

قال حاكم منطقة بيلغورود بجنوب غربي روسيا، إن خمسة أشخاص قُتلوا وأصيب 46 آخرون في هجوم أوكراني على مدينة بيلغورود الروسية مساء الجمعة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ يدلي ببيان خلال قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بواشنطن في 10 يوليو 2024 (د.ب.أ)

أمين عام «الناتو» يؤيد الهجوم الأوكراني في روسيا

أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ عن تأييده الهجوم الأوكراني في منطقة كورسك الروسية، معتبراً أن هذا ضمن حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم شاحنات عسكرية روسية متضررة بسبب قصف القوات الأوكرانية لمنطقة كورسك (أ.ب)

مرتزقة روس يغادرون بوركينا فاسو للدفاع عن كورسك

غادر مرتزقة روس بوركينا فاسو التي كانوا قد تمركزوا فيها مؤخراً، وعادوا للدفاع عن مدينة كورسك الروسية التي تتعرض لهجوم تشنه القوات الأوكرانية، حسب قائد مجموعتهم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا ضرر لحق بأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (أرشيفية - إ.ب.أ)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف بيلغورود بقنابل عنقودية... ومقتل 5 أشخاص

قتل 5 أشخاص على الأقل، وأصيب 37 آخرون، الجمعة، في قصف أوكراني على منطقة بيلغورود الروسية الحدودية، وفق ما أفاد الحاكم، متهماً كييف باستخدام قنابل عنقودية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا طائرة مقاتلة من طراز «إف-16» تحلق في أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي يقيل قائد القوات الجوية بعد تحطم مقاتلة «إف - 16»

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، إقالة قائد القوات الجوية ميكولا أوليشتشوك، غداة إعلان تحطم مقاتلة «إف - 16» أميركية الصنع.

«الشرق الأوسط» (كييف)

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش
TT

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

في محاولة لسد الفراغ القيادي في بنغلاديش، ولو بصفة مؤقتة، عُيّنَ محمد يونس الحائز على «جائزة نوبل» والخبير الاقتصادي، كبير مستشاري الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش، وذلك بعدما أدّت انتفاضة شعبية واسعة إلى الإطاحة برئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، وهروبها إلى الهند. وحقاً، أصدر رئيس البلاد، محمد شهاب الدين، قراراً بحل البرلمان البنغالي. وأدت حكومة مؤقتة مكوّنة من 17 عضواً برئاسة يونس اليمين الدستورية يوم 8 أغسطس (آب) الحالي، بعدما تخلّت حسينة عن منصبها، وغادرت إثر أسابيع من الاحتجاجات الطلابية والغضب من نظام الحصص الذي يقتطع نسبة كبيرة من الوظائف الحكومية. وكانت حدة المظاهرات قد اشتدت وتوسّعت إلى تحدٍّ أعنف وأوسع لحكم حسينة الذي اتهم بـ«التسلّط» الزائد. وقُتل في أعمال العنف 400 متظاهر، في حين خلق الفراغ في السلطة تميزاً بالعنف في أجزاء مختلفة من البلاد.

يتولّى الدكتور محمد يونس (84 سنة) قيادة الحكومة المؤقتة في بنغلاديش، وسط شعور عام للمواطنين باشمئزاز عام إزاء الأحزاب السياسية في البلاد. ويتوقع الخبراء السياسيون أنه في تفويضه المحدود زعيماً مؤقتاً، فإنه يواجه مهمات صعبة، أبرزها: إعادة إرساء القانون والنظام، وإعادة بناء الثقة في الدولة، والعمل بفاعلية مع الجيش، وضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وبالفعل، طلب يونس بعد توليه الرئاسة من المتظاهرين الابتعاد عن العنف، وهدّد بأنه سيستقيل إن لم يمتثلوا.

تعهّدات تغييرية

للعلم، سبق للدكتور يونس وصف الشيخة حسينة بأنها «ديكتاتورة». وعدَّ الإطاحة بها أخيراً «تحريراً ثانياً» لبنغلاديش، عندما علّق «لقد تحررت بنغلاديش... نحن بلد حر الآن».

وحقاً، دعا يونس إلى إجراء تغييرات شاملة قبل إجراء الانتخابات العامة المقبلة، متعهداً: «سننظم انتخابات حرة وتشاركية نزيهة في أسرع وقت ممكن، لاستكمال مهمتنا في إقرار إصلاحات حيوية في لجنة الانتخابات والقضاء والإدارة المدنية وقوات الأمن ووسائل الإعلام». وأردف: «وتُجري حكومتنا أيضاً تغييرات اقتصادية بعيدة المدى؛ هدفها استعادة استقرار الاقتصاد الكلي ودعم النمو، لا سيما أنه في جهدها الحثيث للبقاء في السلطة دمرت ديكتاتورية الشيخة حسينة كل مؤسسات البلاد».

يونس وصف القضاء بأنه «منهار»، واتهم الحكومة السابقة بأنها «سمحت للمحسوبية السياسية بسرقة البنوك ونهب خزائن الدولة»، ورحّب بقرار الأمم المتحدة إرسال بعثة تقصّي حقائق للتحقيق في أحداث العنف الأخيرة، متعهداً بالتعاون الكامل مع التحقيق الدولي.

وحول التطوّرات الأخيرة التي حملت يونس إلى السلطة، قال هارش فاردان شرينغلا، وزير الخارجية الهندي السابق، والمبعوث الهندي السابق إلى بنغلاديش: «إن الاحتجاجات الطلابية الأولية كانت مدفوعة بمظالم مشروعة، خصوصاً ما يتعلق بنظام الحصص وفرص العمل، ولكن سرعان ما تسللت عناصر متشددة إلى الحركة، بينها (الجماعة الإسلامية) وجناحها الشبابي (إسلامي شهاترا شيبير)، ومن ثم اختطفت هذه الجماعات الاحتجاجات، وحوّلتها إلى هجمات عنيفة موجهة ضد الدولة. ومن ثم، فإن تحقيق الاستقرار لا يكمن في معالجة الاقتصاد فحسب، بل أيضاً في فرض الأمن والثقة».

النشأة والمسيرة

ولد الدكتور محمد يونس عام 1940، لأسرة بنغالية مسلمة إبان الحكم الاستعماري البريطاني لشبه القارة الهندية، في قرية باثوا، القريبة من مدينة تشيتاغونغ الساحلية، ثاني كبرى مدن بنغلاديش، وقاعدة جنوب شرقها.

محمد هو الابن الثالث من بين 9 أطفال في عائلة تجارية، وكان والداه يعملان في مجال تجارة المصوغات والمجوهرات. وهو يَنسب الفضل إلى والدته، صوفيا خاتون، لإلهامه بمساعدة الفقراء. وفي سيرته الذاتية «مصرفي الفقراء» قال عنها: «كانت دائماً تضع المال جانباً من أجل أي أقارب فقراء يزوروننا من قرى بعيدة. لقد كانت من خلال اهتمامها بالفقراء والمحرومين، هي التي ساعدتني على اكتشاف مصيري».

وأكمل محمد يونس مرحلة الدراسة الجامعية الأولى متخصصاً في الاقتصاد بجامعة «دكا» بالعاصمة، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة «فاندربيلت» العريقة بولاية تينيسي في الولايات المتحدة. ثم عمل أستاذاً مساعداً في جامعة ولاية تينيسي الوسطى القريبة، وعاد بعد ذلك لتدريس الاقتصاد في جامعة تشيتاغونغ. وفي الفترة الفاصلة، التقى امرأة روسية تُدعى فيرا فورستينكو، التي تزوّجها، وأنجب منها طفلة واحدة سميَّاها مونيكا يونس -وهي مغنية أوبرا شهيرة في الولايات المتحدة- ثم انفصلا بعد ذلك، ومن ثم، تزوّج من زوجته الثانية أفروزي يونس، وهي باحثة في علم الفيزياء بجامعة مانشستر البريطانية، التي أصبحت لاحقاً أستاذة في جامعة جاهانغيربور. ووُلدت ابنتهما دينا أفروز يونس عام 1986.

أما عن أبرز أقاربه الآخرين، فمن إخوته الكبار محمد جهانغير (توفي عام 2019)، وكان ناشطاً اجتماعياً ومذيعاً تلفزيونياً، في حين أخاه الأصغر، الدكتور محمد إبراهيم، أكاديمي لامع، ومؤسس «مركز التعليم الجماهيري للعلوم»، الذي يقدم تعليم العلوم للفتيات الصغيرات في القرى.

نشاطه السياسي

مع اندلاع حرب استقلال بنغلاديش (انفصالها عن باكستان) عام 1971، أدار محمد يونس مركز اتصالات للبنغاليين الذين كانوا ينتظرون الأخبار خارج البلاد. وأطلق نشرة أخبار بنغلاديش في ناشفيل، عاصمة ولاية تينيسي الأميركية، لزيادة الدعم للحركة. ومع قمع القوات الباكستانية حركة الاستقلال (الانفصال)، شارك يونس -الذي كان آنذاك أستاذاً في الولايات المتحدة- في المعركة من الخارج، وحثّ البيت الأبيض على الاعتراف رسمياً ببنغلاديش. وعندما تحقق الاستقلال، عاد يونس إلى الوطن للانضمام إلى الحكومة الجديدة موظفاً في لجنة التخطيط الحكومية، قبل أن تحبطه البيروقراطية المستشرية. ولاحقاً التحق يونس بالعمل الأكاديمي رئيساً لقسم الاقتصاد في إحدى الجامعات المحلية. إلا أنه مع اجتياح المجاعة بنغلاديش عام 1974، أعرب عن شعوره بالرهبة من تدريس «نظريات الاقتصاد الأنيقة»، وسط مجاعة واسعة النطاق، مفضّلاً أن يكون «ذا فائدة لبعض الناس».

ولقد كتب في سيرته الذاتية «بعد عودتي إلى الديار من عدة سنوات في الولايات المتحدة، وجدت صعوبة في تدريس نظريات الاقتصاد الأنيقة داخل قاعات الدراسة الجامعية، على خلفية المجاعة الرهيبة التي ضربت بنغلاديش. وفجأة، شعرت بخواء هذه النظريات في وجه المجاعات والفقر، وأدركت أن الحكومة عاجزة عن سد حاجات الفقراء، ومن ثم فكرت... لماذا لا يستطيع هؤلاء الفقراء تحسين حياتهم الخاصة بأنفسهم؟».

وهكذا، عام 1976، أثناء زيارة له إلى إحدى القرى، أدرك أن الناس يحتاجون معظم الأحيان إلى قروض صغيرة غير تقليدية للصمود مالياً، وتنمية أعمالهم التجارية، ما خلق عنده فكرة القروض الصغيرة. وفعلاً، بدأ إقراض نساء القرى مبالغ صغيرة من ماله الخاص، متيحاً لهن شراء الخيزران لاستخدامه في صنع الأثاث. ولاحقاً، حصل على قروض من بنوك أكبر، وأعاد توزيع المال على شكل قروض صغيرة للفقراء.

ومع نمو المبادرة، ظهرت مجموعة تضم عدداً من الشركات العاملة في صيد الأسماك والزراعة والائتمان المرتبط بالاتصالات ومساعدة الفقراء. وأخيراً، عندما وجد يونس أن الدولة غير راغبة في زيادة حجم القروض الصغيرة المقدمة للفقراء، أسّس مشروعه الاجتماعي الذي عرف بـ«بنك غرامين» (بنك القرية).

مع اجتياح المجاعة بنغلاديش عام 1974 أعرب يونس عن شعوره

بالرهبة من تدريس «نظريات الاقتصاد الأنيقة»

وسط مجاعة واسعة النطاق

«بنك غرامين»

أسّس يونس «بنك غرامين» عام 1983، ليكون مؤسسة تُقرض المال للفئات الأكثر حاجة، من دون الحاجة إلى ضمانات، وأعرب عن اعتقاده بأن تأمين رأس المال اللازم لأي شخص يرغب في إنشاء مشروع تجاري سيساعد في انتشال المستفيدين من الفقر. في البداية، كان من المفترض تقسيم القروض بالتساوي بين الرجال والنساء، لكن يونس سرعان ما لاحظ أن الأموال تُنفق بشكل مختلف: إذ كانت أولويات الرجال إنفاق المال خارج المنزل، في حين أن النساء يعملن على تعظيم العائد من الأموال، ويواصلن الاستثمار في مشاريع جديدة، ويُنفقن المال على الأسرة. وبناءً عليه، بدأ «بنك غرامين» التركيز في المقام الأول على النساء اللاتي سيطلقن مشاريع تجارية صغيرة، مثل تأجير الهاتف المحمول الوحيد في القرية، أو فتح متجر صغير، أو شراء الماشية. وكُنّ يسددن القروض على نحو موثوق به، وغالباً ما يأخذن قروضاً أكبر للسماح لهن بالتوسّع.

اليوم، يُعد «بنك غرامين» عملاقاً مالياً يضم 23 ألف موظف، وعنده 11 مليون مقترض، في 94 بالمائة من قرى بنغلاديش، وقد صرف تراكمياً نحو 39 مليار دولار في شكل قروض؛ معظمها للنساء الفقيرات. كما صار التمويل متناهي الصغر ظاهرة دولية. وبإلهام من البنك، أُطلقت أكثر من 100 دولة نامية في جميع أنحاء العالم خدمات الائتمان الصغير. وإضافة إلى «بنك غرامين»، أنشأ يونس شركات فرعية أخرى مثل «غرامين فون»، وهي أكبر خدمة للهواتف في بنغلاديش، ومنذ ذلك الحين، تقود الشركة قطاع الاتصالات في بنغلاديش، وتخدم أكثر من 85 مليون عميل.

«نوبل»... وأكثر

وبفضل نجاح «بنك غرامين»، منح الدكتور يونس عام 2006 «جائزة نوبل للسلام»، وإلى جانب «جائزة نوبل»، حصل يونس عام 2009 على «وسام الحرية الرئاسي» الأميركي، و«الميدالية الذهبية للكونغرس» عام 2010. وعلى صعيد التقديرات والتكريمات، حاز يونس على عدة جوائز أخرى مرموقة، ونحو 50 درجة دكتوراه فخرية من جامعات من 20 دولة، و113 جائزة دولية من 26 دولة، بما في ذلك أوسمة الدولة من 10 دول. أصدرت الحكومة البنغلاديشية طابعاً تذكارياً تكريماً لـ«جائزة نوبل» التي حصل عليها.