أميركا 2024: من حسابات الولايات المتأرجحة... إلى استعادة دوائرها المحورية

هاريس (أ ب)
هاريس (أ ب)
TT

أميركا 2024: من حسابات الولايات المتأرجحة... إلى استعادة دوائرها المحورية

هاريس (أ ب)
هاريس (أ ب)

> يراهن ناخبو الحزب الديمقراطي الأميركي اليوم على تيم والز؛ لأنه يعرف لغة المناطق التي «نزف» فيها حزبهم الأصوات لعقود من الزمن.

وبالفعل، لقي اختيار حاكم ولاية مينيسوتا - في أقصى شمال الولايات المتحدة - لمنصب نائب الرئيس ترحيباً في العديد من أوساط الحزب بسبب مؤهلاته «التقدمية»، وملفه الشخصي بوصفه نائب رئيس نموذجياً لا يسبّب أي ضرر، بل سيكون مرشحاً قادراً على توفير التوازن للبطاقة الرئاسية. ويتوقع كثيرون أن يكون بمثابة رافعة لـ«الجدار الأزرق»، من دون تنفير أي من مجموعات المصالح الرئيسة أو الأجنحة الآيديولوجية للحزب بما فيها اليسار.

كيلي (أ ب)

في المقابل، قد لا يقدّم والز، بالنظر إلى الهوية الليبرالية لولاياته، القيمة الاستراتيجية نفسها لولاية متأرجحة كبيرة مثل ولاية بنسلفانيا، التي توقع البعض أن يكون حاكمها جوش شابيرو على بطاقة الترشيح، أو على ولاية أريزونا وسيناتورها مارك كيلي. ولكن ملف والز الشخصي يتميز بسِمة مهمة، حيث يعد صعوده نتاجاً لما يسمى «المقاطعات المحورية»، وهي مجموعة من نحو 200 مقاطعة في جميع أنحاء البلاد صوتت مرتين لصالح أوباما قبل أن تتحوّل إلى ترمب في عام 2016. وتتجمّع أكثر من 80 من هذه المقاطعات (الدوائر) في أربع ولايات فقط هي: إلينوي وآيوا ومينيسوتا، وويسكونسن. وما يميّز هذه المقاطعات أنها تضم أكثرية بيضاء، وهي أقل ثراء، وأدنى تعليماً، وأصغر من حيث عدد السكان من المتوسط في الولايات المتحدة، وتميل إلى المناطق الريفية والضواحي. وبالتالي، هي أنواع الأماكن التي كان الديمقراطيون ينزفون فيها الأصوات خلال العقود الأخيرة.

وبينما تعج المنطقة (الدائرة) التي فاز فيها والز بجنوب ولاية مينيسوتا، والممثلة في الكونغرس لست فترات بهذه المقاطعات، وكانت قد صوتت لترمب، يرجح الديمقراطيون أن تثبت مهارات فالز السياسية والأسلوب الذي صقله في تلك البوتقة، تمكينهم من تحقيق اختراقات مهمة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

شابيرو (أ ب)

ومع أن الديمقراطيين يراهنون على أن هاريس هي التي ستتولى بناء الحماسة لدى الناخبين في المدن الكبيرة واستعادة الولايات الصناعية، ستتركز قيمة والز في تقليص الهوامش الجمهورية الريفية في تلك الولايات التنافسية، وإبراز صورة مختلفة للحزب الديمقراطي.

والحقيقة، أن قدرة الرجل القوية على مخاطبة الناخبين واجتذابهم يمكن أن تجعله فعالاً بشكل خاص في الهجوم ضد ترمب. وإذا نجح في الحصول على أصوات بعض الناخبين في المناطق غير الحضرية، فقد يتكرّر الفوز الذي تحقق عام 2020.


مقالات ذات صلة

كامالا هاريس وشهرٌ غيّر كل شيء في الولايات المتحدة

الولايات المتحدة​ كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية 16 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

كامالا هاريس وشهرٌ غيّر كل شيء في الولايات المتحدة

ستكون تسمية كامالا هاريس رسمياً مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية في شيكاغو تتويجاً لشهر حافل بالأحداث في التاريخ السياسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية دونالد ترمب ومرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس (أ.ف.ب)

ترمب يستعد لمهرجان انتخابي وهاريس تبدأ جولة تسبق مؤتمر الديمقراطيين

يعقد دونالد ترمب تجمعاً انتخابياً في بنسلفانيا تراقبه كامالا هاريس، التي تبدأ جولة على متن حافلة في ولايات حاسمة، قبل أيام من المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد نائبة الرئيس كامالا هاريس على اليسار والمرشح الرئاسي الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ب)

شركات أميركية معرضة لخسائر جمة مع قرب الانتخابات الرئاسية

بينما بات المناخ السياسي أكثر استقطابا من أي وقت مضى في أميركا، تجد الشركات الكبرى نفسها في مرمى نيران الانتقادات والاتهامات بدعم مرشح ما في الانتخابات الرئاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد كامالا هاريس مرشحة الرئاسة الأميركية تزور سوق «بايليف» في كارولاينا الشمالية - الجمعة 16 أغسطس 2024. (أ.ب)

هاريس تنتقد «تضخيم» الأسعار وتعد بـ«القتال» من أجل الطبقة الوسطى

كشفت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس عن بعض جوانب برنامجها الاقتصادي مع تركيزها على القدرة الشرائية، في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رواندا... قصة 3 عقود من التطوّر المدهش

 كيغالي ... ازدهار وتطور (شاترستوك)
كيغالي ... ازدهار وتطور (شاترستوك)
TT

رواندا... قصة 3 عقود من التطوّر المدهش

 كيغالي ... ازدهار وتطور (شاترستوك)
كيغالي ... ازدهار وتطور (شاترستوك)

من حرب أهلية، كانت بين الأكثر دموية في القرن العشرين، إذ حصدت نحو مليون قتيل، لم تسدّ طريق رواندا نحو النجاح. ومن الاستعمار الذي ودع البلاد في الستينات، مروراً بتلك الحرب التي أشعلها إسقاط طائرة الرئيس جوفينال هابياريمانا (من شعب الهوتو)، إلى التنمية على يد الرئيس الحالي بول كاغامي، كتبت رواندا قصة نجاح استثنائية.

التاريخ السياسي لرواندا بدأت ملامحه خلال الفترة الاستعمارية البلجيكية، بين عامي 1916 و1962، ويومذاك كان السكان الأصليون بسوادهم الأعظم من غالبية الهوتو، وأقلية التوتسي. واتهم الاستعمار وقتها بالعمل على غرس بذور التمييز بينهم لكي يستمر، وهنا بدأت الأزمة السياسية الأكبر في تاريخ البلاد.

تلك الأزمة طفت على السطح مع إنهاء الاستعمار البلجيكي وسيطرة غالبية الهوتو على السلطة، وتسارع نزعة بعض أبنائها الانتقامية تجاه أقلية التوتسي التي تمتعت طويلاً بامتيازات ومكانة أرفع. وهذا الأمر دفع كثيرين من التوتسي المهددين بالتمييز والعنف إلى الفرار لبلدان مجاورة، كان أبرزها أوغندا. وبقي هؤلاء في المنفى لفترة غير قصيرة، وكان بينهم الطفل بول كاغامي، وسط رفض لعودتهم من قبل السلطة في رواندا.

وكان ذلك الملمح الثاني الأبرز بتاريخ رواندا الذي شهد بداية تغير دراماتيكي، مع تأسيس الشاب بول كاغامي مع آخرين بأوغندا في الثمانينات «الجبهة الوطنية الرواندية»، منادياً بعودة الروانديين المنفيين إلى وطنهم وتشكيل حكومة جديدة وتقاسم السلطة. لكن ردّ نظام الرئيس الرواندي (آنذاك) جوفينال هابياريمانا تمثّل في تأسيس ميليشيات من متشدّدي الهوتو. وهكذا، اندلعت عام 1990 المواجهات بين «الجبهة» والنظام، ولم تهدأ نيرانها إلا عبر مفاوضات بين عامي 1992 و1993، في مدينة أروشا بتنزانيا، وكلّلت تلك المباحثات بخطط للاندماج وتقاسم السلطة... إلا أنها كانت تسير ببطء وظلت حبراً على ورق.

لكن شهر أبريل (نيسان) 1994 شكّل علامة فارقة في المشهد السياسي الرواندي، إذ قتل الرئيس هابياريمانا في استهداف صاروخي لطائرته، ما أشعل حرب إبادة بين الهوتو والتوتسي، الذين اتهمهم متشددو الهوتو بارتكاب جريمة الاغتيال، بينما اتهمت جهات أخرى جماعات من الهوتو معادية للرئيس بارتكابها. ولقد سقط في تلك الحرب نحو مليون شخص، لكن الكلمة الأخيرة في الحرب كانت لـ«الجبهة»، التي سيطرت تحت قيادة كاغامي على العاصمة كيغالي، وأنهت الأعمال الانتقامية.

بذا، بدأ فصل سياسي جديد شهد تشكيل حكومة وطنية لأول مرة في رواندا، برئاسة باستور بيزيمونغو، مع تعيين كاغامي نائباً للرئيس، قبل أن يطيح الثاني بالأول وسط اتهامات متبادلة. ومن ثم، يزكي البرلمان كاغامي رئيساً للبلاد في عام 2000. وهكذا، توقف المشهد السياسي عند كاغامي على امتداد نحو 24 سنة، شهدت انتخابه تكراراً في أعوام 2003 و2010 و2017. وفي 15 يوليو (تموز) الماضي، استكمل مسيرته في السلطة وانتخب للولاية الرابعة الرئاسية، وحقق فوزاً ساحقاً بنسبة 99.18 في المائة من الأصوات. وللتذكير، طيلة ربع قرن، شهدت الحياة السياسية إجراء استفتاءين: الأول في 2003، لسنّ دستور يحظر العرقية والأعمال الانتقامية، وآخر في 2015، شمل تعديلات سمحت له بالبقاء في الحكم حتى 2034، إذا فكر بالترشح مجدداً رغم رفض متزايد من معارضيه.

محمد تورشين، المحلل السياسي المختص بالشؤون الأفريقية، قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن رواندا «مرّت بفصول سياسية مهمة منذ مواجهة الاستعمار، مروراً بحرب الإبادة الفارقة بالحياة السياسية، حتى انتخاب كاغامي»، غير أنه يرى أن الرئيس الرواندي المُعاد انتخابه سيواجه «تحديات كبيرة». فوفق تورشين، سيواجه كاغامي «خيارات صعبة» داخل المنظومة الحاكمة، سواء لجهة إيجاد خلف له، أو محاولة تعديل الدستور للبقاء بالحكم.

ومن ثم، يتوقع تورشين أن يقدم الرئيس الرواندي، بعد ولايته الجديدة، على تغييرات سياسية تضمن استمراره في السلطة عبر تعديل الدستور استناداً لشعبيته، ووجود شريحة كبيرة عاشت فترة الازدهار الاقتصادي بعهده مع وعود بالسعي لتحقيق أكبر قدر من النجاحات داخل الدولة.