الساحل الأفريقي... جبهة جديدة للحرب الروسية ــ الأوكرانية

«قنبلة موقوتة» في مالي: «فاغنر» تدعم الجيش ... وكييف مع المتمردين

ميليشيا «فاغنر»... تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)
ميليشيا «فاغنر»... تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)
TT

الساحل الأفريقي... جبهة جديدة للحرب الروسية ــ الأوكرانية

ميليشيا «فاغنر»... تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)
ميليشيا «فاغنر»... تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

لا تتوقّف منطقة الساحل الأفريقي عن استيلاد المفاجآت، وهي التي تعيشُ على وقع حرب أهلية طاحنة منذ أكثر من 10 سنوات، إلا أنها حرب تجذب إليها يوماً بعد يوم لاعبين جدداً. وآخر هؤلاء اللاعبين كانت أوكرانيا، الساعية لمنافسة النفوذ الروسي إثر انهيار النفوذ الفرنسي والغربي في منطقة ظلت لأكثر من قرن حديقة خلفية للمنظومة الغربية. أوكرانيا التي تخوض منذ سنواتٍ حرباً شرسة ضد روسيا، تحاولُ راهناً فتحَ جبهة جديدة لهذه الحرب تبعد آلاف الكيلومترات من سهول شرق أوروبا وصقيعها، وتتأجج وسط لهيب الصحراء الكبرى... فهل تنجحُ في أن تُعيد للمنظومة الغربية نفوذها المتصدّع في الساحل الأفريقي؟

يمكنُ القول إن أوكرانيا كسبت في مالي أولَ معركة دعمت فيها المتمرّدين الطوارق، الذين دمّروا وحدة كاملة من الجيش المالي وميليشيا «فاغنر» الروسية، وراح ضحيتها عشراتُ المقاتلين الروس قبل أسبوعين. ولكن هل يا ترى ستكسبُ الحربَ في منطقة يقول التاريخ إن حروبها تنتهي من دون منتصر؟

«صدمة تينزواتين»

ساهمت ميليشيا «فاغنر» الروسية الخاصة، بشكل واضح في انتصارات الجيش المالي ضد المتمردين الطوارق والعرب، وسيطرته على مدن شمال مالي، ما منحه الكثير من الثقة وهو يشاهدُ المتمردين ينسحبون دون استماتة في القتال طيلة الأشهر الماضية.

بيد أن الصدمة وقعت حين حاولت وحدة من الجيش المالي و«فاغنر» الإطباق على بلدة تينزواتين، آخر معاقل المتمردين، على الحدود بين مالي والجزائر. فهنا واجهت كميناً مُحكماً انتهى بتدمير الوحدة العسكرية، ومقتل مئات الجنود واعتقال العشرات، وكانت تلك الخسارة الأولى والأقسى التي تتعرض لها «فاغنر» في منطقة الساحل والصحراء.

والواقع أن المتمردين لم يكتفوا بالانتصار العسكري فقط، بل حوّلوه إلى انتصار إعلامي ودعائي، إذ انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور تظهر حجم الخسائر الفادحة التي تعرضت لها الميليشيا الروسية الخاصة تحديداً، ولم تترك أي مجال لإخفاء الهزيمة أو تبريرها، الأمر الذي كشف بوضوح أن المتمردين خططوا لكل شيء.

اللاعب الجديد

مباشرة بعد «معركة تينزواتين»، وما أثارته من ردود فعل واسعة عبر العالم، خرج مسؤول في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية اسمه أندريه يوسوف، ليلمحَ إلى أن كييف قدّمت معلومات إلى المتمردين لكي يتمكنوا من الإيقاع بمقاتلي «فاغنر» والجيش المالي.

وأضاف المسؤول الاستخباراتي الأوكراني أن بلاده قدمت إلى المتمردين «كل المعلومات الضرورية التي يحتاجون إليها، وليس المعلومات فقط التي سمحت لهم بإجراء عملية عسكرية ناجحة ضد مرتكبي جرائم الحرب الروس».

ومن ثم، ذهب هذا أبعد من ذلك، حين قال في تصريحات صحافية: «سترون المزيد من هذا في المستقبل». ومن جانبه، نشر يوري بيفوفاروف، السفير الأوكراني لدى السنغال، مقطع فيديو ذكر فيه أن كييف «لعبت دوراً» في المعركة التي هُزمت فيها قوات الجيش المالي و«فاغنر»، ودعمت المتمردين الطوارق والعرب.

هذه التصريحات أسفرت عن استدعاء السفير الأوكراني من طرف السلطات السنغالية للاحتجاج على تصريحاته، كما أوفدت السلطات السنغالية وزيرها الأول عثمان سونكو إلى العاصمة المالية باماكو ليؤكد أمام الصحافيين أن «السنغال لن تسمح بأن تكون أراضيها معبراً للمساس بأمن دولة جارة مثل مالي».

وأيضاً، أعلن كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو قطع علاقاتها مع حكومة كييف، في محاولة واضحة لمحاصرة أي دور محتملٍ لأوكرانيا في الحرب الدائرة في منطقة الساحل، وهي حرب يبدو أن روسيا تريد الهيمنة عليها وحدها، دعماً للأنظمة العسكرية المتحالفة معها.

الساحل المشتعل

لقراءة أي دور محتمل قد تلعبه أوكرانيا في منطقة الساحل الأفريقي، يعتقدُ عبد الصمد مبارك، الأستاذ بجامعة نواكشوط والخبير في الشأن الأفريقي، أنه لا بد من «فهم الوضع الخاص الذي تمرّ به المنطقة»، مشيراً إلى أن «دول الساحل عموماً تعيش أزمة أمنية تتجلّى في الحروب والنزاعات المسلحة. وهذه أدّت بدورها إلى انعدام الاستقرار السياسي الناجم عن تداول ظاهرة الانقلابات العسكرية، وفرض حالة الاستثناء والطوارئ في عموم بلدان الساحل الأربعة: مالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر».

ويضيف مبارك، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الوضع القائم في منطقة الساحل «فرض سياقاً جديداً بفعل تنوّع المواقف وتعدّدها من حالة الساحل بصفة عامة، خصوصاً بعد تطوّر صراع النفوذ بين القوى العظمى إزاء الأنظمة العسكرية في دول (تحالف الساحل). وهو التحالف الذي أسّس أخيراً بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو لمواجهة المخاطر في الساحل الأفريقي، وكذلك التصدي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)».

من جانب آخر، يعتقد الأكاديمي والخبير في الشأن الأفريقي أن الوضع ازداد تعقيداً «بعد تنامي صراع النفوذ بين الحضور الاقتصادي الصيني والأطماع الدبلوماسية الأميركية والمد الأمني الروسي، مقابل تراجع النفوذ الفرنسي... مع أن فرنسا هي الحليف الاستراتيجي للدول الأفريقية منذ فترة ما بعد الاستقلال».

الحل العسكري

عبد الصمد مبارك يرى أن التطورات الأخيرة في شمال مالي «نتيجة طبيعية» للقرار الذي اتخذه المجلس العسكري الحاكم في مالي، حين تخلّى عن «اتفاقية الجزائر» الموقّعة عام 2015 مع الحركات المسلحة الساعية إلى إنشاء «حكم ذاتي» أو «نظام فيدرالي» في شمال مالي. وكانت هذه الاتفاقية قد نجحت قرابة 10 سنوات في تحقيق سلام بين باماكو والمتمردين.

جدير بالذكر أن العسكريين الذين يحكمون مالي اليوم مؤمنون بأن الخيار العسكري هو الذي سيمكنهم من استعادة السيطرة على مناطق واسعة من شمال مالي، ظلت لسنوات كثيرة خارج دائرة نفوذ الجيش المالي. وبناءً على ذلك، أطلق المجلس العسكري الحاكم قبل سنتين عملية عسكرية هدفها إعادة «توحيد» مالي.

وهنا يقول الخبير مبارك إن قرار باماكو أطلق «مواجهة ميدانية بين المتمردين والسلطات العسكرية الجديدة في دولة مالي، التي تعيشُ أصلاً أزمة شرعية في الحكم. وهذا ما جعلها تلتفت مبكراً نحو روسيا عبر قوة (فاغنر) لضمان تعزيزات أمنية لتوفير الحماية العسكرية بعد انسحاب القوات الفرنسية وتلاشي الدفاع العسكري لدول منظومة دول الساحل».

ويستطرد شارحاً أنه مع هذا الوضع «دخلت سلطات مالي في مواجهة جديدة مع جبهة من دول الميدان بقيادة الجزائر، وكذلك أفسحت المجال أمام التنظيمات التحررية في أزواد لاستجلاب حلفاء جدد. هُنا تسلّلت أوكرانيا عبر بوابة حاجة المتمردين للمساندة في مواجهة (فاغنر). وبالتالي، فتحت أوكرانيا جبهة جديدة من الصراع خارج حلبة الصراع الحقيقية على الحدود مع روسيا».

حكام مالي مؤمنون بأن الخيار العسكري سيمكنهم

من استعادة السيطرة على مناطق واسعة

من شمال البلاد

... والعلم الروسي مرفوع مع صور حكام مالي العسكريين في شوارع العاصة باماكو (رويترز)

ماذا تريد كييف؟

يعتقدُ مبارك أنه «من الطبيعي أن تصبح أوكرانيا هي اللاعب الجديد في منطقة الساحل الأفريقي من أجل مواجهة النفوذ الروسي... وهي من خلال ذلك تسعى لتحقيق عدة أهداف». ويضيف من ثم «أن أوكرانيا، وهي تدخل منطقة الساحل الأفريقي، تحتمي بالمنظومة الغربية في الخلفية، وذلك وفق مقاربة ثنائية جديدة هدفها الواضح هو إضعاف زخم الحرب في الساحة الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا، وإبعاد النيران عن الدول الأوروبية».

وهنا، يتابع موضحاً أنه خلال السنوات الماضية كانت أوكرانيا خارج «لعبة النفوذ» في منطقة الساحل الأفريقي «غير أنها اليوم تحاولُ أن تدخل من باب التأثير على مجريات الحرب في دولة مالي. وبالتالي، تحاول أن تخلق منافذ لتأزيم الوضع وتعقيده أمام النفوذ الروسي». وهكذا، يتوقع الأكاديمي والخبير أن أوكرانيا، في البداية، «لن تكثر من خلق الأعداء، بل ستركّز جهودها على تفادي تشتت القوة واندثار محدودية التأثير المباشر على عدوها الروسي، ممثلاً في قوة (فاغنر) من خلال حضورها في الساحل، قبل أن تتوسع مجريات الأحداث حسب تعدد الأطماع وتقدّم جبهات القتال العسكري في منطقة، أصبحت اليوم مفتوحة على قوى النفوذ وتبعات متغيرات الصراع الدولي».

علبة كبريتحقاً، يمكنُ وصف منطقة الساحل الآن بأنها غداً علبة كبريت (عيدان ثقاب) مفتوحة على جميع الاحتمالات، وقابلة للانفجار في أي وقت. وهذا ما يصفه مبارك بأنه «تأزيم المتأزم أصلاً»، ويلفت إلى أن دخول سلطات كييف - المدعومة من الغرب - على الخط وفتح جبهة جديدة في الساحل لمواجهة روسيا «سيفاقم الوضع المتأزم أصلاً». ثم يشير في هذا السياق إلى أن منطقة الساحل «تحمل خلفها تاريخاً طويلاً من الصراعات المسلحة الدامية، وتعدد اللاعبين فيها يزيد من الخطر».

هذا الجانب يشرحه الخبير في الشأن الأفريقي بالقول إن «ما تحتاجه المنطقة أكثر من أي شيء آخر هو سياسة الأمر الواقع، من أجل مواجهة المخاطر المحدقة بالمنطقة بما فيها الحروب بالوكالة، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والإرهاب والتطرف، وعصابات تهريب البشر والشبكات المنظمة للهجرة غير الشرعية... وكلها ظواهر أصبحت عملة متداولة في جُلّ بلدان الساحل الخمسة، باستثناء موريتانيا».

كذلك، يضيف أن كل ما سبق «يخلق حالة من انعدام الاستقرار السياسي، ممزوجة بالعمل العسكري في منطقة مفتوحة على كل الاحتمالات»، قبل أن يشير إلى أن هذه «تحديات وجودية ذات طابعٍ أمني وتنموي، قد تعصف بكيان هذه الدول التي يهددها الفقر والتخلف الاقتصادي، زيادة على الهاجس الأمني وعدم شرعية الأنظمة السياسية القائمة».

تفادي الأسوأفي الحقيقة، لا يعول الخبراء في الشأن الأفريقي على استنباط حل ناجع من المنظومة الدولية، وهذا بسبب الصراع الدائر بين المنظومة الغربية والمعسكر الشرقي، وبسبب فشل التجارب السابقة التي قادتها فرنسا والاتحاد الأوروبي على امتداد 10 سنوات... وكلها لم تفضِ إلى أي نتيجة في دول الساحل.بناءً عليه، يتجه الخبراء نحو البحث عن حلول محلية، ولكنها هي الأخرى تواجه مشاكل كبيرة بسبب الخلافات والصراعات وغياب الإرادة السياسية. وهنا يرى مبارك أن «المشهد السياسي الوليد في الساحل الأفريقي له تداعيات خطيرة على المنطقة بصفة عامة، ما يتطلب عملاً محكماً واستباقياً يمكّنُ من تفادي انزلاق المنطقة نحو المجهول، في ظل تنامي الوضع الأمني المغلق ودخول فاعلين جدد لهم أجندات خاصة وحسابات خارج السياق الأفريقي المتأزم أصلاً».

 

 

عقبات دون توسّط «دول الجوار»... الجزائر وموريتانيا بالذات

> يعتقدُ عبد الصمد مبارك، الأكاديمي الخبير في الشأن الأفريقي، أن «الوضع القائم في مالي ومنطقة الساحل يتطلب دوراً محورياً لدول الجوار الأفريقي، وبخاصة تلك التي تمتلك مستوى معيناً من التأثير العسكري والأمني والسياسي على دول الساحل؛ على غرار الجزائر وموريتانيا».ويضيف أن دولاً مثل الجزائر وموريتانيا تستطيع أن تلعب دوراً في «انتشال المنطقة من مستنقع الصراعات الضيقة المدمرة، التي قد تكون لها تداعيات جد خطيرة على مستقبل بقاء الدولة المركزية في مالي، وغيرها من الكيانات المماثلة».في المقابل، يبقى احتمال تحرك الدولتين مستبعداً، أولاً لأن علاقات الحكمين في الجزائر ومالي تمرّ بفترة من التوتر غير المسبوق. إذ اتهمت باماكو السلطات الجزائرية بدعم المتمردين الطوارق والعرب، بينما ترفض الجزائر هذه الاتهامات، وتأخذ على باماكو الانسحاب من اتفاق السلام، الموقع فيها عام 2015، الذي ترى الجزائر أنه السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الأمنية في مالي.أما بالنسبة لموريتانيا، فهي الأكثر إحراجاً. ذلك أنها تستقبل حالياً قرابة 200 ألف لاجئ مالي على أراضيها، ولقد تضرّرت خلال الأشهر الأخيرة من الحرب الدائرة في مالي بشكل مباشر، بسبب اقتحام ميليشيا «فاغنر» عدة قرى موريتانية في المنطقة الحدودية المشتركة، ما أسفر عن قتل عشرات الموريتانيين وتهجير المئات من هذه المنطقة.هذا، ومع أن نواكشوط حافظت على علاقاتها جيدة مع الحكام العسكريين في باماكو، فإنها بعثت إليهم برسائل عسكرية، وأجرى الجيش الموريتاني مناورات عسكرية على الحدود مع مالي، وأعلن عن اقتناء أسلحة جديدة، من ضمنها مسيرات مسلحة. وأكد أيضاً الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في عدة مناسبات خلال الأسابيع الأخيرة، أنه «لن يتسامح مع أي تهديد للأمن الموريتاني».وبالتالي، ليست نواكشوط في موقع يمكّنها من محاولة لعب أي دور دبلوماسي في الأزمة التي تعيشها جارتها مالي، وهي التي تعارض بصمت قرار باماكو الاستعانة بميليشيا «فاغنر» والسماح لعناصرها بالاقتراب من حدودها.


مقالات ذات صلة

3 «سيناريوهات» لتطور الوضع حول كورسك

حصاد الأسبوع 
من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)

3 «سيناريوهات» لتطور الوضع حول كورسك

لا شك في أن التوغل الأوكراني المباغت داخل الأراضي الروسية في منطقة كورسك الحدودية الأسبوع الفائت، شكّل مفاجأة صادمة لموسكو، التي انشغلت خلال الأشهر الأخيرة

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.

تيم والز «ابن الريف الأميركي»... هل يؤشر إلى تحالف سياسي واجتماعي جديد للديمقراطيين؟

يوم الاثنين المقبل، الموافق 19 أغسطس (آب) الحالي، ينعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي «رسمياً»، لتثبيت ترشيح كامالا هاريس ونائبها تيم والز حاكم ولاية

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع هاريس (أ ب)

أميركا 2024: من حسابات الولايات المتأرجحة... إلى استعادة دوائرها المحورية

> يراهن ناخبو الحزب الديمقراطي الأميركي اليوم على تيم والز؛ لأنه يعرف لغة المناطق التي «نزف» فيها حزبهم الأصوات لعقود من الزمن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)

لبنان: ردّ «حزب الله» مقيّد بالهدف... ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة

«اضحكوا قليلاً وستبكون كثيراً»... بهذه العبارة خاطب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الإسرائيليين، متوعداً إياهم بالانتقام لدماء القائد العسكري الأول

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع كانت فترة ولاية حسينة في رئاسة حزب «رابطة عوامي» بمثابة بداية كفاح دام عقداً شهد إخضاعها لفترات طويلة من الإقامة الجبرية

الشيخة حسينة واجد «وارثة» زعامة بنغلاديش تودّع السلطة بعد حكم استمر 15 سنة متصلة

انزلقت بنغلاديش، إحدى أكبر دول العالم الإسلامي والقارة الآسيوية، من حيث عدد السكان، خلال الأسبوع الماضي إلى حالة من الفوضى. وفي تحوّل دراماتيكي استقالت رئيسة

براكريتي غوبتا (نيودلهي)

تيم والز «ابن الريف الأميركي»... هل يؤشر إلى تحالف سياسي واجتماعي جديد للديمقراطيين؟

بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
TT

تيم والز «ابن الريف الأميركي»... هل يؤشر إلى تحالف سياسي واجتماعي جديد للديمقراطيين؟

بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.

يوم الاثنين المقبل، الموافق 19 أغسطس (آب) الحالي، ينعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي «رسمياً»، لتثبيت ترشيح كامالا هاريس ونائبها تيم والز حاكم ولاية مينيسوتا على بطاقة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك في أجواء سيطغى عليها الطابع الاحتفالي، بعدما اختارهما مندوبو الحزب في اجتماع «افتراضي» في وقت سابق. وفي حين يرجح الديمقراطيون أن تحافظ هاريس على الزخم الذي اكتسبوه منذ انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق، وسط أجواء «عاطفية» افتقدها الحزب منذ فترة طويلة، فهم يراهنون أيضاً على الدور المرشح للعبه والز، شخصياً، في الحفاظ على هذا الزخم الذي طرأ على مزاج الناخبين. فبجانب قدرات الرجل الخطابية وشخصيته المحبّبة، قد تلعب جذوره المتواضعة نسبياً في تمكين الديمقراطيين من كسب أصوات بعض الولايات المتأرجحة، ولا سيما ولايات ما يسمى اليوم «الجدار الأزرق»، بل قد تكون مؤشراً على تحوّلات كبيرة داخل الحزب الديمقراطي.

ولد تيموثي (تيم) جيمس والز عام 1964، في بلدة ويست بوينت بولاية نبراسكا، ونشأ فيها على المذهب الكاثوليكي. وهو من عائلة تتحدر من أصول ألمانية وسويدية وآيرلندية. الأم فيها دارلين روز ريمان سيدة منزل، أما الأب جيمس والز فكان مدرّساً ومدير مدرسة، ومحارباً قديماً في الجيش الأميركي، خدم إبان الحرب الكورية. وفي عام 1867، هاجر جدّ والز الأكبر، سيباستيان، من كوبنهايم في دوقية بادن الكبرى بألمانيا، إلى الولايات المتحدة، وكانت إحدى جداته سويدية، وله جدة أخرى آيرلندية.

بعد المدرسة الثانوية، خدم تيم والز في الحرس الوطني للجيش لمدة 24 سنة، درس خلالها لفترة في جامعة هيوستن بولاية تكساس، وعمل في أحد المصانع. ولاحقاً، تخرّج في كلية تشادرون ستيت، وهي كلية جامعية صغيرة في ريف ولاية نبراسكا، قبل أن ينتقل إلى ولاية مينيسوتا عام 1996. وقبل الترشح للكونغرس، عمل مدرّساً لمادة الدراسات الاجتماعية بإحدى المدارس الثانوية ومدرباً لكرة القدم.

عام 2006، قرّر والز الترشح لعضوية مجلس النواب الأميركي، بعد إبعاده هو وبعض الطلاب عن إحدى فعاليات حملة جورج بوش «الابن» عام 2004، بمجرد اكتشاف المنظّمين أنهم ديمقراطيون. وحقاً، فاز يومها عن دائرة الكونغرس الأولى في مينيسوتا، متغلباً على منافس جمهوري شغل المنصب لـ6 فترات. ثم أعيد انتخاب والز لمجلس النواب 5 مرات قبل انتخابه حاكماً لمينيسوتا عام 2018، وثانية عام 2022.

طاقة جديدة

عموماً يندر أن يغيّر المرشحون لمنصب نائب الرئيس معادلات المعركة الرئاسية بشكل جذري. لكن والز، منذ اليوم الأول لاختياره، بدا أنه يمنح الديمقراطيين دفعة جديدة من الطاقة. وهذا ما أظهرته ردود الفعل بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، حين حصدت منشوراته على منصة «تيك توك»، خلال ساعات من اختياره، أكثر من 43 مليون مشاهدة، جاءت نسبة 69 في المائة منها من مقاطع فيديو أنتجها منشئو محتوى «تقدميون» و28 في المائة جاءت من منشئي محتوى مستقلين سياسياً، وفقاً لشركة «كريدو آي كيو» المتخصصة في تحليل وسائل التواصل الاجتماعي. وبين ليلة وضحاها، تحوّل والز من شخصية «مغمورة» إلى اسم مألوف... في ظاهرة شبّهها البعض بجائحة «فيروسية».

يقول البعض إن الديمقراطيين، لعقود من الزمن، كانوا - كما يبدو - بحاجة إلى شخص مثل والز يستطيع التأكيد عملياً أن الطبقة العاملة البيضاء في الريف ليست كتلة واحدة. يضاف إلى ذلك تبيان أن وسط هذه الطبقة توجد أقلية كبيرة من العقلاء الذين يظلون، حتى في ظروفهم الاقتصادية الضعيفة، رافضين التأثر بالمحرّضين الذين يلقون باللوم على المهاجرين... بينما يجمعون ثروات الشركات.

شراكة سياسية جديدة

حقاً، عدّ كثيرون اختيار هاريس لوالز مراجعة «عميقة» أجراها الديمقراطيون بهدف تشكيل شراكة جديدة سترسم مسيرة الحزب الديمقراطي، ليس لانتخابات 2024 فقط، بل ربما مستقبله أيضاً.

فخلال العقود الأخيرة، لم يحظ الحزب الديمقراطي بجاذبية مباشرة عند الطبقة العاملة الريفية البيضاء، وغالباً ما شدّد مرشحوه على أنهم يمثلون مصالح «الطبقة الوسطى» التي تتمركز في المدن والمناطق الساحلية. إذ كانوا بالكاد يتطرقون إلى أبناء «الطبقة العاملة» المقيمين في الضواحي والأرياف وما يعانونه، جرّاء التحولات التكنولوجية والاقتصادية والإنتاجية، التي دفعت بهم إلى «الفقر».

في المقابل، منذ ذلك الوقت، ومع تحوّل هذه الطبقة إلى أهم كتلة سكانية «متأرجحة»، عمل الجمهوريون على استمالتها عبر خطاب شعبوي تجييشي، مستغلّين ظروفها الاقتصادية الصعبة، لقلب ما كان يسمى «ولايات الجدار الأزرق» - أو «ولايات الصدأ» – وانتزاع أصواتها من الديمقراطيين. وبالفعل، عندما صعد والز مع هاريس إلى منصة الحملة الانتخابية في بنسلفانيا، إحدى ولايات الجدار الأزرق، كانت المرة الأولى منذ زمن بعيد التي يتكلّم فيها سياسي ديمقراطي قيادي عن الطبقة العاملة والفقر في البلاد. وكان واضحاً أنه لا يريد إضاعة الفرصة في استغلال جذوره الطبقية والاجتماعية، لتقديم صورة جديدة عن التحالف الذي يطمع الديمقراطيون اليوم ببنائه.

بين الريف والمدينة

لقد بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً. فوالز كان من الديمقراطيين القلائل الذين انتقدوا الحزب بصدق وصراحة عندما وصفه إبان فترة عضويته في مجلس النواب الأميركي بأنه بات «حزب المدن والساحل».

وبالتالي، تظهر هاريس الآن كأنها، وحزبها، تردّ من جهة اليسار على الحزب الجمهوري الذي انزاح أكثر نحو اليمين، آيديولوجياً واجتماعياً وعرقياً، وعبّر عنه جزئياً في مؤتمره الوطني، حين اختار إلى جانب دونالد ترمب، نائبه جي دي فانس، الآتي من أصول لا تختلف كثيراً عن أصول والز. فهاريس أرادت والز إلى جانبها كشخص من ولاية زراعية في الغرب الأوسط، يستطيع أن يتكلم بثقة وأصالة عن الحقائق التي تعتقد أن ترمب ونائبه فانس لن يتكلّما عنها.

الديمقراطيون يرون أن أميركا الريفية الحقيقية متنوعة، على الرغم من كل العنصرية الصاخبة وكراهية المثلية الجنسية والشوفينية التي يتّسم بها الحزب الجمهوري اليوم، والتي بفضلها هيمن على الانتخابات خارج المناطق الحضرية.

كذلك يؤمن الديمقراطيون بأن أرياف البلاد مليئة بالمهاجرين والملوّنين والمثليين والمتحولين جنسياً والسكان الأصليين، حتى المغايرين جنسياً، الذين يعيشون مع البيض، ويعملون معاً بسعادة.

واستطراداً يعدّون أن الحقوق الإنجابية، وتشريع الماريغوانا القانونية، والمدارس العامة، والإجازات الطبية والعائلية مدفوعة الأجر، والتحقق من خلفية شراء الأسلحة، تحظى بدعم كثير من الناخبين عبر الخطوط الحزبية، حتى الأرياف التي تصوت للجمهوريين، وأن للمزارعين ومربّي الماشية ومشرفي الأراضي مصلحة حاسمة في معالجة تغير المناخ، ولو لم يستخدموا اللغة ذاتها التي يستخدمها الناشطون في مجال البيئة.

سجلّ محفّز للديمقراطيين

أيضاً يرى العديد من المشرّعين الديمقراطيين أن كل ما يجسّده سجل والز منذ بدأ حياته السياسية، يمثّل توازناً يمكن أن يساعد ويعزز جاذبية الحزب. إذ صوّت في مجلس النواب بشكل دائم، كديمقراطي معتدل، ثم بصفته حاكم ولاية وقّع على مشاريع القوانين التقدمية لتصبح قانوناً.

ومع أن والز يقتني السلاح، لكنه شدد على أن سكان ولايته - التي يحكمها منذ عام 2019 - يؤمنون أيضاً بـ«قوانين خفض العنف المسلح ذات المنطق السليم». موضحاً: «أنا محارب قديم، وصياد، وأمتلك السلاح. لكنني أيضاً أب، ولسنوات طويلة كنت مُدرِّساً. أعرف أن قواعد السلامة الأساسية المرتبطة باستخدام السلاح ليست تهديداً لحقوقي، فالأمر مرتبط بالحفاظ على سلامة أطفالنا».

ثم إن والز عمل ضمن تحالف من الحزبين، على تمرير تفويضات لمساعدة المزارعين، وعلى ضمان احتفاظ أعضاء الحرس الوطني برعايتهم الصحية عند الاستجابة لحالات الطوارئ في الولاية، رداً على الحملة التي شنت ضده بعد الاحتجاجات التي اندلعت عندما قتل شرطي أبيض الرجل الأسود جورج فلويد.

نصير للفقراء

أكثر من هذا، مرّر والز تشريعات واسعة النطاق، أثارت حماسة الديمقراطيين وغضب الجمهوريين، حين وقّع على قانون حماية الإجهاض، وأكبر ائتمان ضريبي للأطفال في البلاد، ووجبة إفطار وغداء مجانية في مدارس معينة، وإجازة عائلية وطبية مدفوعة الأجر «التي لا يستطيع أي فقير أن يرفضها». كما وقّع على أمر تنفيذي يحمي رعاية التحوّل بين الجنسين.

وفي هذا الصدد، عدّد ديمقراطيون، عملوا سابقاً معه، كياسته ودرايته وذكاءه الحاد بين الأسباب التي تسهّل تواصله مع الناس عبر الخطوط الحزبية. وسرعان ما أثبت ذلك فعلياً، بعد تكراره وصف الرئيس السابق دونالد ترمب وزميله في البطاقة الجمهورية فانس بأنهما أناس «غريبو الأطوار»، ليتحول الوصف إلى اتجاه (ترند) ينتقدهما بوصفهما لا يمثلان القيم الأميركية.

وهكذا، من نافل القول إن اختيار والز أدى إلى إنعاش آمال الديمقراطيين في التمسك بساحات معركة «الجدار الأزرق» الحاسمة والمناطق المتأرجحة، أي ولايات مينيسوتا وويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا. وعبر تمتعه وهاريس بتأييد كاسح من التيار اليساري في الحزب ربما ضمنا ألا تتكرر هزيمة هيلاري كلينتون عام 2016، التي تُعزى إلى إحجام ناخبيه، وخصوصاً الشباب منهم، عن تأييدها.

وهذا ما يراه السيناتور «التقدمي» بيرني ساندرز الذي قال: «أعتقد أن الديمقراطيين كانوا ضعفاء للغاية في أرياف ولاية بنسلفانيا وفي جميع أنحاء هذا البلد. وأعتقد أن والز سيكون رصيداً حقيقياً آتياً من ولاية ريفية للفوز بالدعم الذي تحتاجه في بنسلفانيا وفي جميع أنحاء الغرب الأوسط وأجزاء أخرى من البلاد».

وللعلم، مع أن مينيسوتا، موطن فالز، لم تصوّت للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1972، فاز ترمب بمقاطعات ريفية فيها، وبولايات ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا عام 2016، التي تعد مهمة لانتصار هاريس بعد أن قلبها بايدن في 2020.

السياسة الخارجية

يعد تيم والز يعد من أنصار ما يطلق عليه «المعسكر الواقعي» في السياسة الخارجية، وهو يدعم التعاون العالمي، وبخاصة مع الشركاء الأوروبيين، والاستثمار في العولمة كنموذج اقتصادي لنشر الرخاء وتحويل الصراع إلى تنافس. ويرى أن «العلاقة مع الصين لا ينبغي أن تكون على شكل خصومة»، وأن ثمة كثيراً من «مجالات التعاون» بين البلدين. ويؤيد بقوة مواصلة أميركا دعم أوكرانيا في «حربها الدفاعية» ضد روسيا.

أخيراً، بالنسبة للشرق الأوسط، يلتزم والز بالدفاع عن إسرائيل، لكنه يرفض تحوله إلى رخصة للتعدّي على حقوق المدنيين الفلسطينيين، ولذا يدعم حل الدولتين، لينعكس موقفه هذا بتراجع نسبة «غير الملتزمين» في الولايات المتأرجحة. ويُذكر أنه عارض حرب العراق ودعا إلى سحب القوات الأميركية منه، وطالب باستخدام الدبلوماسية في سوريا بدلاً من التورط في حربها الأهلية. وعارض الضربات الأميركية الجوية هناك في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ودعم الاتفاق النووي مع إيران.