محطات في العد التنازلي لحكم الشيخة حسينة

من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)
من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)
TT

محطات في العد التنازلي لحكم الشيخة حسينة

من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)
من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)

> في أوائل يونيو (حزيران) الفائت، بعدما أعادت المحكمة العليا في بنغلاديش نظام حصص الوظائف، الذي كان يفضّل أحفاد مقاتلي حرب التحرير عام 1971، تجمع نحو 500 طالب في جامعة دكا للمطالبة بإلغائه. وبعد شهرين، تحديداً يوم 5 أغسطس (آب)، تخلت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد عن السلطة، وفرّت من البلاد، بينما زحف ائتلاف من الطلاب البنغلاديشيين والمعارضين السياسيين والمواطنين العاديين نحو مقرّ إقامتها.

يحمل خروج حسينة من المشهد السياسي ببنغلاديش أهمية خاصة؛ نظراً لنسبها العائلي؛ فقد لعب والدها الشيخ مجيب الرحمن دوراً محورياً في كفاح بنغلاديش من أجل الاستقلال. وبعدما كانت حسينة ذات يوم أملاً لشباب بنغلاديش في معارك الديمقراطية، ورئيسة وزراء أعادت الحياة إلى مفاصل الاقتصاد الوطني، تحولت نهاية المطاف الخصم الأكبر. ووفق مصادر صحافية، «بلغ الغضب ضد عائلة الشيخة حسينة نقطة الغليان بعد حظرها جميع الأحزاب السياسية الأخرى بالبلاد وقمعها حرية الصحافة. ورغم انتخابها لولاية رابعة على التوالي رئيسةً للوزراء في وقت مبكر من العام، فإن ما بدأ مظاهراتٍ طلابية سلمية سرعان ما تطور إلى حركة شعبية وطنية ضد الفساد المستشري والمحسوبية والاستبداد على نحو طغى على أي نجاحات اقتصادية وتنموية كانت تتباهى بها، سواء في الداخل أو الخارج».

وتشير مصادر إلى أن رفض حسينة إعطاء أي مساحة للمعارضة، «شوّهت الإرث الذي تعتز به أكثر من أي شيء آخر، أي إرث والدها، المؤسس المحبوب لبنغلاديش، الشيخ مجيب الرحمن، الذي تقف تماثيله الآن وسط الأنقاض». وتضيف: «لا شك في أن عنف الغوغاء المتطرف والاحتجاجات حظيت بدعم سياسي، وربما بتشجيع من عناصر في باكستان والولايات المتحدة، وكلتاهما كانت لها علاقات متوترة مع حكومة رابطة عوامي (يسار الوسط)».

وتبعاً لتقرير في صحيفة «بروثوم ألو» الناطقة باللغة البنغالية ومقرّها دكا، واجهت رئيسة الوزراء السابقة اختياراً عصيباً: فهل عليها الإصغاء إلى نصح دائرتها المقربة والامتناع عن التشدّد، أم أفضل لها المغادرة؟ وفي النهاية، اختارت حسينة الهروب، لكن سبقته ساعات من المكالمات الهاتفية والاجتماعات.

ومن ثم قدّمت «بروثوم ألو» رواية عن الساعات الـ24 من حكم حسينة قبل استقالتها ومغادرتها. وورد في الرواية: «قبل فرارها من البلاد، استدعت رؤساء أفرع القوات المسلحة الثلاثة: الجيش والبحرية والقوات الجوية، وكذلك المفتش العام للشرطة في الساعة 10.30 لمدة ساعة، من صباح اليوم ذاته الذي فرّت فيه، ومارست عليهم ضغوطاً هائلة للسيطرة على الموقف، متسائلة عن سبب امتناعهم عن التعامل بصرامة مع المحرضين الذين كانوا يتسلقون ويعطلون المركبات المدرعة لقوات إنفاذ القانون والجيش... ومع ذلك، بحلول ذلك الوقت، كانت شوارع دكا المؤدية إلى ساحة جونوبون تعجّ بجحافل ضخمة من الناس ربما تكون الأكبر في تاريخ. وفي اليوم السابق، أدرك بعض زملائها، من بينهم أحد كبار مساعديها، خطورة الموقف، فحاولوا إقناعها بنقل السلطة إلى الجيش، لكنها في تلك اللحظة كانت مترددة إزاء قبول النصيحة».

«... بعدها لما رأى المسؤولون أنهم لم يتمكنوا من إقناع حسينة بخطورة الموقف، اجتمعوا بشقيقتها الصغرى ريحانة في غرفة منفصلة، وحثوها على إقناع أختها بالأمر. وبعد ذلك، تحدثت ريحانة معها، لكن حسينة ظلت متشبثة بموقفها...».

«... بعد ذلك، تحدّث مسؤول كبير إلى ابن حسينة، ساجيب جوي، المقيم بالخارج، لكنه كان مستشاراً رسمياً لرئيسة وزراء بنغلاديش. وتبعاً للتقرير، تحدث جوي بعد ذلك مع والدته التي وافقت أخيراً على الاستقالة. وقبل أن تصعد على متن الطائرة لمغادرة البلاد، أعربت حسينة عن رغبتها في تسجيل خطاب وداع موجّه للأمة، لكن هذا لم يحدث. وبحلول ذلك الوقت، أشارت تقارير استخباراتية إلى أن العديد من الطلاب كانوا يسيرون نحو مقرّ إقامتها، ما لم يعطها الوقت الكافي لتسجيل الخطاب الذي تريده. وبدلاً عن ذلك، أمهلها الجيش 45 دقيقة للتأهب للمغادرة».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.