اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

تحدّي ترمب يحتاج برنامجاً يعالج السخط الذي يعصف بأميركا

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
TT

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

هل نجح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة في تجنيب الديمقراطيين هزيمة... كانت تتجمع نُذُرها حتى من قبل «مناظرته الكارثية» مع منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب بكثير؟ الإجابة عن هذا السؤال، لا يختصرها الإجماع السريع الذي توافقت عليه تيارات الحزب لدعم كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالية. ذلك أن الصعوبات التي يواجهها الديمقراطيون، والأزمات التي لم يتمكنوا بعد من ابتكار الحلول لها، أكبر من أن يحتويها استعاضتهم عن مرشح مسنّ ضعيف وغير ملهم، بمرشحة شابة ملوّنة. ولكن مع ذلك، يبدو أن الديمقراطيين مقتنعون الآن بأنه باتت لديهم الفرصة لإعادة تصوير السباق على أنه تكرار لهزيمة مرشح «مهووس بالغرور والانتقام»، في حين يعيد خصومهم الجمهوريون تشكيل سياسات حزبهم، وفق أجندة قد تغير وجهه ووجهة أميركا، التي عدّها البعض، «دعوة للعودة إلى الوراء».

في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثمة انزياح الجمهوريين إلى سياسات انعزالية خارجياً وحمائية اقتصادية داخلياً، معطوفة على سياسات اجتماعية يمينية متشددة، قد يكون من الصعب إقناع بعض الشارع بخطورتها. وفي المقابل، ما لم يقدم الديمقراطيون حلولاً للمشاكل التي أبعدت ولا تزال تبعد، شريحة واسعة من أبناء الطبقة العاملة إلى التصويت مرتين لمصلحة دونالد ترمب، فإنهم سيفقدون السيطرة على حملتهم.

الأمر لا يقتصر على أفراد الطبقة العاملة البيضاء الذين غادروا الحزب الديمقراطي بأعداد كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب يُعد لاجتذاب الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة بنسب تاريخية محتملة. ومع اعتناق ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، لسنوات، سياسات «شعبوية» فإنهما سعيا أيضاً إلى استخدام حتى بعض الانتقادات «التقدمية» للسوق الحرة، ولو كانا سيخدمان الأثرياء في نهاية المطاف.

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

ولاغتنام هذه الفرصة، قد يفكر الديمقراطيون في قراءة كيف تمكّن حزبهم من التعافي من الأزمات الخطيرة في ماضيهم. ومعلوم أنه في حين كانت الانتخابات الماضية تدور حول السياسات، وليس التدهور الذهني للمرشحين والتشكيك بقدرتهم على الفوز، كما كان الحال مع بايدن في هذه الانتخابات، فإنهم لم ينجحوا إلا عندما قدّموا أجندة اقتصادية، تروّج لرأسمالية أكثر أخلاقية وأقل ضراوة وقسوة.

توحد حول «أجندة تقدمية»يقول مايكل كوزين، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، إنه منذ القرن التاسع عشر، لم ينجح الديمقراطيون في قلب هزائمهم، إلّا بعد توحيد صفوفهم خلف أجندة، قدمت مساراً مختلفاً لمعالجة الأزمات، من «الكساد الكبير» إلى التصدي للعنصرية، وكسر الخطاب الشعبوي - الذي هدف إلى كسب تأييد المزارعين وعمال المناجم - ومن ثم طرحوا حلولاً بشأن العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والمال.

في العشرينات من القرن الماضي، دارت أزمة الديمقراطيين حول قضايا الثقافة والعِرق بدلاً من تحديد من فاز ومن خسر فيما كان آنذاك اقتصاداً مزدهراً. ولقد تطلب الأمر أسوأ كساد في تاريخ البلاد، لإعطاء الديمقراطيين الفرصة لوضع هذه الاختلافات وراء ظهورهم. وعام 1932، تحت قيادة فرانكلين روزفلت، فازوا بغالبية كبيرة في الكونغرس وأنشأوا أكبر توسع في السلطات المحلية للحكومة الفيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعدها، في عام 1968، بدا أن انسحاب ليندون جونسون من السباق أشبه بانسحاب جو بايدن هذا العام... إذ كان الرجلان يخطّطان للترشح لإعادة الانتخاب، لكن المعارضة الشرسة داخل حزبهما أثنتهما عن ذلك. واليوم، كما حصل سابقاً، أخذ نائب الرئيس مكانه على رأس القائمة. غير أن معارضة عودة جونسون كانت بسبب أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن أداء الرئيس في مناظرة، أو على قدراته الجسدية والمعرفية التي قسا عليها الزمن. كان الخلاف يومذاك حول «حرب فيتنام» يقسم الديمقراطيين، والأميركيين عموماً، وهو ما أدى إلى خسارتهم أمام الجمهوريين وفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

اصطفاف التيار التقدمياليوم، باستثناء الحرب في غزة، وانتقاد التيار التقدمي لإسرائيل، فإن الديمقراطيين متّحدون بشكل ملحوظ حول القضايا التي ركّز عليها بايدن في حملته الانتخابية. وبدا أن تمسك هذا التيار به والاصطفاف اليوم وراء نائبته كامالا هاريس، دليل على إجماع على أن «خطر» إدارة ترمب أخرى قد طغى على استيائه منهما. وفي غياب أي استثناءات تقريباً، يتفق ممثلوهم مع أعضاء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب، على تشجيع العمال على تشكيل النقابات ويريدون القيام باستثمارات جادة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤيدون بالإجماع زيادة الضرائب على الأغنياء وتسليح أوكرانيا.

بيد أن تغير موقف «التيار التقدمي» بشأن هاريس - التي لطالما تعرضت للانتقادات منه - يعكس إلى حد كبير الديناميكيات السياسية المتغيرة داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وحقاً، منذ التراجع المطّرد لدور اليساري المخضرم بيرني ساندرز وتحوّله إلى شيء من الماضي، وكون النجوم التقدميين مثل النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز، ما زالوا أصغر من أن يتمكنوا من الترشح للرئاسة، لا يوجد بديل واضح عند هذا التيار. وأيضاً، مع تهميش أولويات «التقدميين» التشريعية السابقة كالتعليم الجامعي المجاني والرعاية الصحية الشاملة، واستمرار تعثر القضايا الحالية كالحرب في غزة من دون نهاية واضحة، تقلصت فرص «تيارهم» في لعب دور أكبر داخل الحزب.

ولكن إذا أعطى انسحاب بايدن الديمقراطيين فرصة لإحياء حظوظهم فيما بدا لفترة وكأنه سباق خاسر، فإنه قد لا يفعل ذلك الكثير لمعالجة الأزمة الأعمق التي واجهوها منذ أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري.

الديمقراطيون تجنّبوا الانقسامفإجماع الديمقراطيين على الدفع بكامالا هاريس خياراً لا بد منه، قد يكون جنبهم على الأقل خطر الانقسام. ورغم كونها خطيبة مفوهة، على خلفيتها بوصفها مدعية عامة وسيناتوراً سابقاً عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية وأهمها - يظل العديد من الأميركيين ينظرون إليها على أنها «ليبرالية» و«تقدمية» تهتم بشدة بالحقوق الإنجابية والتنوع العرقي. وهم أيضاً يأخذون عليها أنها لم تظهر، حتى الآن على الأقل، قدرتها على التواصل بالقوة نفسها مع ناخبي الطبقة العاملة الذين يعتقدون أن لا الحزب الديمقراطي ولا الحكومة أظهرا الاهتمام نفسه بمشاكلهم الاقتصادية... وخوفهم من أن حياة أطفالهم قد تتعرض للخطر.

واستناداً إلى استطلاعات رأي تشير منذ عدة سنوات إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة «تسير على المسار الخطأ»، استخدم جي دي فانس، نائب ترمب، هذه المخاوف التي عرضها في كتابه «مرثية هيلبيلي» لتصعيد الخطاب الشعبوي، الذي عدّه البعض دعوة إلى إعادة عقارب الزمن عبر إحياء الصناعات المنقرضة، بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

صعود المظالممع هذا، إذا اكتفت هاريس بالترويج والدفاع عن إنجازاتها وبايدن فقط، فقد تفشل في معالجة هذه المخاوف، وربما تسمح لترمب بالفوز مرة أخرى. الاعتراف باللامساواة بين الجنسين وقبول «الهويات» الجنسية، ونقد الاستعمار والعنصرية وكراهية الأجانب، وصعود حركة حماية البيئة، كلها مظالم وتحديات لشرائح واسعة تعتقد أنها تتعرّض للخطر وتدعو الساسة للعودة إلى الأنماط القديمة دفاعاً عنها. كما أن اضطرابات أخرى لعبت أيضاً دوراً في صعود هذه المظالم، من تغير المناخ والتحديات الاقتصادية التي فرضها، واستمرار التفاوت في الدخل، وموجات المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة، والانهيار الاقتصادي عام 2008، وجائحة «كوفيد-19» التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ومع تصاعد الشكوى من الهجرة والمهاجرين والتغير الديموغرافي والعولمة في كل مكان، يهدّد خطاب «الشعبوية» الجديد الديمقراطيات الليبرالية القديمة. وبدا أن احتضان الناخبين الأميركيين لترمب، يشبه تحول الناخبين الفرنسيين نحو حزب «التجمّع الوطني» اليميني المناهض للمهاجرين بزعامة مارين لوبان، الذي يدّعي أنه يمثل «فرنسا الحقيقية»، ومعه صعود العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وفق الكاتب الأميركي إدواردو بوتر.

فشل ديمقراطي

مع ذلك، فشل الديمقراطيون منذ عهد باراك أوباما في تقديم برنامج سياسي متماسك حول الوجهة التي يريدون أخذ أميركا إليها، والتكلم عن أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وهذا، بصرف النظر عن دفاعهم عن مصالح الطبقة الوسطى والتسامح مع الاختلافات الثقافية والتحرك نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومع أن ترشيح كامالا هاريس قد يعطيهم الفرصة للبدء في تغيير تلك الصورة، يظل الخطر كامناً في أنهم قد يعتقدون أن الأزمة الأخيرة التي مروا بها، أمكن حلها بتغيير المرشحين من دون معالجة حالة السخط التي تعصف بالبلاد. وهذا ما بدا من خطابهم الذي عاد للتشديد على أن المهمة الرئيسية هي منع عودة ترمب. فقد التحمت الأصوات الديمقراطية في خطاب شبه موحّد لتصوير الانتخابات على «أنها بين مجرم مُدان لا يهتم إلا بنفسه ويحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص حقوقنا وبلدنا، ومدعية عامة سابقة ذكية ونائبة رئيس ناجحة تجسد إيمانناً بأن أفضل أيام أميركا لا تزال أمامنا»، على ما كتبته الثلاثاء، هيلاري كلينتون في مقالة رأي في «نيويورك تايمز».

ربما لا حاجة إلى التذكير بأن خسارة كلينتون نفسها للسباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016، كان بسبب إحجام ناخبي ولايات ما يعرف بـ«حزام الصدأ» - حيث قاعدة العمال البيض - عن تأييدها، بعدما خسر مرشحهم بيرني ساندرز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي كان ينظر إليه على أنه مرشح واعد للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ومنحهم أصواتهم لترمب الذي نجح في مخاطبة هواجسهم.

فرصة هاريس

اليوم، في ضوء انتزاع هاريس - إلى حد بعيد - بطاقة الترشيح قبل انعقاد مؤتمر الحزب في 19 أغسطس (آب) المقبل، ما يوفر عليها خوض انتخابات تمهيدية جديدة والفوز فيها، فإنها تحظى بفرصة لإعادة تقديم نفسها. وخلال الأيام الأخيرة، تعززت حملتها بفضل زيادة الحماسة والدعم وجمع التبرعات الذي حقق أرقاماً قياسية خلال 48 ساعة، وكل ذلك كان مفقوداً في حملة بايدن وسط مخاوف بشأن عمره وصحته.

لكن الحزب ما زال منقسماً حيال الرد على هجمات الجمهوريين، إذ يشعر البعض بالقلق من أن الغرق في مناقشات حول العنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يستهلك حملة هاريس لدى انشغالها بمخاطبة جمهور الناخبين الأوسع. ولذا تصاعدت الأصوات الديمقراطية الداعية إلى جسر الهوة إزاء الهجرة والجريمة والتضخم، التي يركز الجمهوريون عليها، بينما يتساءل آخرون، عمّا إذا كان الكلام الصارم عن الإجهاض والضرائب والعنصرية، وغير ذلك من بنود جدول الأعمال التي يسعى الديمقراطيون بشدة إلى إعادتها إلى قمة الأولويات العامة، هو الطريقة الأفضل لخوض السباق ضد ترمب. الديمقراطيون متّحدون اليوم حول القضايا التي ركّز عليها بايدن

لطّف الجمهوريون خطابهم المتشدد... بينما يبحث الديمقراطيون عن نائب لهاريس

> لا يخفى، لدى تفحّص المشهد الانتخابي الأميركي، أن الجمهوريين سعوا للاستفادة من مكاسب استطلاعات الرأي مع الأميركيين الذين كانوا مترددين في السابق تجاه دونالد ترمب، وخاصة الناخبين غير البيض. إذ أعادوا تنظيم مؤتمرهم الوطني للتأكيد على «الوحدة»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب، وتقديمه كرجل دولة وليس محارباً للثقافة والعرق. وتضمن المؤتمر كلمات دحضت الاتهامات بالعنصرية ضد ترمب، إلى جانب عدد من المتكلمين الذين أكدوا على خلفياتهم المهاجرة وعلى أن الجمهوريين مهتمون فقط بأمن الحدود. وبينما يقلّب الديمقراطيون الأسماء لاختيار نائب الرئيس على بطاقة الاقتراع مع كمالا هاريس، برز عدد من الأسماء على رأسهم جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. وحظي شابيرو، وهو يهودي أبيض،

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

بالاهتمام كونه حقق فوزاً كبيراً في انتخابات عام 2022، متغلباً على سيناتور يميني متشدد أنكر فوز بايدن في انتخابات عام 2020، ويلقى دعماً كبيراً من الرئيس السابق باراك أوباما. أيضاً، برز السيناتور مارك كيلي (من ولاية أريزونا المتأرجحة أيضاً) الذي عُدّ منافساً محتملاً في مواجهة نائب ترمب، السيناتور جي دي فانس (من ولاية أوهايو). ويقف الرجلان على النقيض في العديد من قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساعدة أوكرانيا. وبدا كيلي مرشحاً مثالياً ضد فانس؛ للموازنة بين الحفاظ على الولايات المتأرجحة، والحفاظ على سياستهم الخارجية. واتهمه بأنه «سيتخلى» عن أوكرانيا لصالح روسيا. وأردف كيلي قائلاً، إنه «أمام ما قد يفعله ترمب وفانس للتخلي عن حليف، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر خطورة بكثير». ورغم رفضه تأكيد أن يكون من بين المرشحين، قائلاً إن الأمر يتعلق بهاريس، «المدعية العامة التي تتمتع بكل هذه الخبرة، وترمب الرجل المدان بـ34 جناية ولديه خيار بشأن المستقبل، قد يعيدنا إلى الماضي حين كنا أقل أماناً».


مقالات ذات صلة

الناخبون الأميركيون يخشون الأخبار المضللة الصادرة عن السياسيين أنفسهم

الولايات المتحدة​ القلق من تأثير المعلومات المضللة على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية يسيطر على أغلب الناخبين (إ.ب.أ)

الناخبون الأميركيون يخشون الأخبار المضللة الصادرة عن السياسيين أنفسهم

قبل شهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية، تواجه البلاد سيلاً من المعلومات الزائفة، وأكثر ما يخشاه الناخبون التضليل الإعلامي الصادر عن السياسيين أنفسهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وزوجته ميلانيا (د.ب.أ)

ميلانيا ترمب: لا أتفق مع كل قرارات زوجي

كشفت ميلانيا ترمب في مذكراتها الجديدة أنها لا تتفق مع كل قرارات زوجها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية المرشح الرئاسي الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب يتحدث في تجمع لحملته الانتخابية في نورث كارولاينا (رويترز) play-circle 00:56

ترمب يدعم ضرب «النووي» الإيراني… وإسرائيل لا تقدم ضمانات لبايدن

أرسلت وزارة الدفاع الأميركية(البنتاغون) مجموعة كبيرة من الأسلحة إلى المنطقة، ومنها حاملات طائرات ومدمرات بصواريخ موجهة وسفن هجومية برمائية وأسراب من المقاتلات.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لحظة إصابة دونالد ترمب في أذنه اليمنى (رويترز)

ترمب يعود اليوم الى مسرح محاولة اغتياله في بنسلفانيا

يعود المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترمب، اليوم السبت، إلى بلدة باتلر في ولاية بنسلفانيا حيث تعرّض لمحاولة اغتيال بالرصاص.

«الشرق الأوسط» (بيتسبرغ)
أوروبا الرئيس الأميركي جو بايدن (يمين) يصافح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون (رويترز)

بسبب «الكثير من الخطوات»... جونسون يكشف رفض بايدن زيارة حاملة طائرات بريطانية

رفض الرئيس الأميركي جو بايدن زيارة حاملة الطائرات الرائدة للبحرية البريطانية بسبب عدد الخطوات خلال زيارته إلى المملكة المتحدة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (لندن)

انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
TT

انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)

خلافاً للانتخابات الرئاسية التونسية السابقة، التي تنافس في دورتها الأولى قبل خمس سنوات 26 شخصية وأسفرت في دورتها الثانية عن فوز قيس سعيّد، لا تتضمن قائمة المرشحين الرسميين هذه المرة إلا ثلاثة أسماء، هم: الرئيس الحالي سعيّد والبرلمانيان السابقان زهير المغزاوي (الأمين العام لحزب الشعب) «العروبي الناصري» (59 سنة) ورجل الأعمال المهندس الليبرالي العياشي زمال (47 سنة). وعلى غرار ما سجل في انتخابات 2019، التي شارك رجل الأعمال نبيل القروي في دورها الأول وهو في السجن، يستمر إيقاف العياشي زمال المرشح «المعتمد رسمياً» الذي أصدرت محاكم عديدة ضده أحكاماً بالسجن بتهمة «تزييف تزكيات الناخبين».

في هذه الأثناء، أكّد القاضي فاروق بوعسكر، رئيس «الهيئة العليا للانتخابات» ومحمد التليلي المنصري الناطق الرسمي باسمها، أن اسم زمال سيظل مُدرجاً في قوائم المرشحين وسيعرض على الـ9 ملايين و700 ألف ناخب المرسّمين في القوائم الرسمية. وما يجدر ذكره هنا أن «الهيئة» كانت قد أسقطت رسمياً 3 مرشحين بارزين أعادتهم «الجلسة العامة للمحكمة الإدارية» للسباق، هم على التوالي: المنذر الزنادي، وزير التجارة والسياحة والنقل والصحة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وعبد اللطيف المكي، وزير الصحة لفترتين في العشرية الماضية، وعماد الدايمي، الوزير والبرلماني السابق ما بين 2011 و2019.

معارك قانونية وسياسية

بعد اختلاط الأمور و«الأجندات»، تباينت التقييمات داخل النخب والأوساط الدبلوماسية والسياسية في تونس للعملية الانتخابية الحالية، التي أعلن رسمياً أنها انطلقت يوم 14 يوليو (تموز) الماضي.

فقد انتقد قياديون في «الاتحاد العام التونسي للشغل» بينهم أمينه العام نور الدين الطبوبي، وفي «منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان» بينهم رئيسها المحامي سامي الطريفي، «المناخ السياسي والإعلامي والحقوقي في البلاد»، واعتبروا أنه «غير ملائم لتنظيم انتخابات تعدّدية نزيهة وفق المقاييس الدولية»، خلافاً لمناخ انتخابات 2014 و2019. ولفت سامي الطاهري، الناطق الرسمي باسم «الاتحاد العام التونسي للشغل» - الذي يعدّ أكبر قوة نقابية وسياسية في تونس - خصوصاً إلى «الأجواء التي تجري فيها العملية الانتخابية»، وذلك إثر استبعاد عشرات من زعماء المعارضة والنشطاء المستقلين بسبب إيقافهم وفتح قضايا أمنية عدلية ضدهم بتهم خطيرة، بينها «التآمر على أمن الدولة» و«الفساد».

كذلك، لوّحت بلاغات رسمية باسم اتحاد النقابات بـ«سيناريو» تنظيم إضراب عام في البلاد للضغط على السلطات.

قضايا التآمر على أمن الدولة

في سياق متصل، كشف المحامي والأكاديمي اليساري والوزير السابق عبد الوهاب معطر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أن نحو 15 قضية «تآمر على أمن الدولة» فُتحت ضد شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة، بعضها كان معنياً بالترشح للانتخابات.

في الوقت نفسه، قال المحامي عبد الرؤوف العيادي، زعيم حزب «وفاء»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الإيقافات والتحقيقات شملت خلال الأشهر الماضية عشرات من أبرز السياسيين وحرمتهم من فرصة الترشح، وعدّد بين هؤلاء: القيادي في «جبهة الخلاص» المعارضة جوهر بن مبارك، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي الوزير غازي الشواشي، والمدير التنفيذي لحزب «أمل» ومدير مكتب رئاسة الجمهورية سابقاً الوزير رضا بالحاج، إلى جانب عدد من القياديين في أحزاب «حركة النهضة» (إسلامي محافظ) و«قلب تونس» (ليبرالي) وائتلاف «الكرامة» (محافظ) وحزب «حراك تونس – الإرادة» (الذي يتزعمه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي) وحزب المؤتمر (الذي يتزعمه المحامي والوزير السابق سمير بن عمر).

أيضاً، انتقد حسام الحامي منسّق «ائتلاف صمود»، وهو تكتل للمعارضين اليساريين، رفض ترشّحات 14 شخصية سياسية وأكاديمية ممّن قدّموا رسمياً ملفاتهم للهيئة العليا للانتخابات، وجرى استبعادهم لأسباب «إجرائية» عدة، بينها عدم تقديم نسخة من بطاقة السوابق العدلية أو وثائق تثبت أنه وقع تزكيتهم من قبل 10 آلاف ناخب أو من قِبل 10 أعضاء في البرلمان.

وفي سياق متصل، كان بين المستبعدين لهذه الأسباب رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، والإعلامي والسياسي المخضرم الصافي سعيد والوزير السابق للتعليم المثير للجدل والناشط اليساري ناجي جلول.

أما المحامية عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحرّ، فقد استُبعدت بسبب تعرضها للإيقاف منذ سنة، إثر تحركات شاركت فيها رفقة عشرات من كوادر حزبها، واتهمت السلطات منظميها بـ«تهديد الأمن العام».

هذا، ولم تسفر المظاهرات التي نظمها أخيراً آلاف من أنصار هذا الحزب ومن ممثلي «الشبكة التونسية للحقوق والحرّيات» - التي تضم عشرات المنظمات والشخصية المستقلة والحزبية - عن الإفراج عن غالبية الموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية.

كذلك فشلت ضغوط المعارضة في تغيير شروط الترشح للانتخابات، بل العكس هو الذي حصل، على حد تعبير المحامية والناشطة السياسية اليسارية دلية مصدق بن مبارك والحقوقي شاكر الحوكي والأكاديمية والناشطة النسوية اليسارية سناء بن عاشور.

معارك قضائية وسياسية

من جهة ثانية، في سياق التسارع الكبير للأحداث، فجّر السباق نحو قصر الرئاسة هذا العام سلسلة معقّدة من المعارك القانونية والقضائية والسياسية داخل البلاد، وفي أوساط الجالية التونسية في الخارج، التي تقدر بنحو مليونين، أي خُمس المواطنين.

ومن أبرز أسباب هذه المعارك، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية شاكر الحوكي، رفض «الهيئة العليا للانتخابات» تنفيذ قرار «نهائي وغير قابل للطعن» أصدرته الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي تضم 27 قاضياً من «أعلى رتبة» بينهم الرئيس الأول للمحكمة. ولقد نصّ هذا القرار على «قانونية ترشح الوزراء الثلاثة السابقين منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي وعماد الدايمي بعد قبول طعنهم في قرار إقصائهم» من قِبل ممثلي السلطة الانتخابية برئاسة القاضي فاروق بوعسكر.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الانخراط في هذه المعركة عبر الانحياز لموقف المحكمة الإدارية و«علوية قراراتها» شمل عشرات من أساتذة القانون والعلوم السياسية وعمداء الكليات وقادة «الاتحاد العام التونسي للشغل» وهيئات نقابات المحامين والقضاة والصحافيين ومنظمات حقوقية عديدة.

وفي الإطار عينه، رفع عدد من الحقوقيين بينهم القاضي السابق والمحامي أحمد صواب والإعلامي والناشط السياسي زياد الهاني قضايا عدلية أمام محكمة تونسية ضد «الهيئة العليا للانتخابات»، وشكّك صواب والهاني في استقلالية رئاسة «الهيئة» وحياديتها، طالباً من القضاء استصدار قرار ينص على «إلزامية تنفيذ قرار الجلسة العامة للمحكمة الإدارية وقضاتها الـ27» حيال الزنايدي والدايمي والمكي.

واعتبر صواب في تصريح لـ«لشرق الأوسط» أن «المحكمة الإدارية» أعلى سلطة في النزاعات الانتخابية في ظل غياب «المحكمة الدستورية»، وهي المكلفة البت في الخلافات بين المرشحين للانتخابات وسلطات الإشراف وبينها «الهيئة العليا للانتخابات». أما الهاني، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عبد السلام قريصيعة وأعضاء المحكمة الـ27 مطالبون قانوناً بضمان توسيع قائمة المرشحين، وإن لزم الأمر عبر مراجعة روزنامة الانتخابات، أي تأجيل موعد الاقتراع العام».

ناخبة تونسية داخل مركز اقتراع (آ ف ب)

اتهامات... ومحاكمات

في هذه الأثناء، شنّ برلمانيون مقرّبون من السلطات ومن فريق الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد حملة إعلامية ضد المعارضين الذين تحرّكوا في الكواليس ونظموا مظاهرات في الشوارع للمطالبة بتوسيع قائمة المرشحين في الانتخابات لتشمل «وزراء وشخصيات من المتهمين بالتآمر على أمن الدولة».

واتّهم هؤلاء، وبينهم البرلمانية سيرين مرابط والناشط السياسي اليساري السابق رياض جراد، بعض معارضي الرئيس سعيّد بالخيانة الوطنية و«محاولة توظيف أجواء العملية الانتخابية الحالية لتمرير مخطّطات وصاية أجنبية على البلاد، بالتعاون مع عدد من نشطاء الجمعيات والأحزاب التي تحصل على تمويلات أجنبية قدّرت قيمتها بمئات مليارات من المليمات».

كذلك، قدّم 34 نائباً من أعضاء مجلس النواب مشروع تعديل «استعجالي» للقانون الانتخابي الصادر عام 2014؛ بهدف إحالة مهمة البت في «النزاعات الانتخابية» إلى المحاكم العدلية العادية لا المحكمة الإدارية، التي لا تخضع إدارياً إلى سلطة وزارة العدل ورئاسة النيابة العمومية وتتمتع باستقلالية نسبية.

من جانبه، نشر الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية تصريحات عديدة للرئيس سعيّد شكّك فيها في «وطنية» عدد من المعارضين، واتهمهم «بالحصول على تمويلات أجنبية ضخمة وبالانخراط ضمن» مؤامرة «تستهدف أمن البلاد واستقرارها».

وشكك البلاغ الانتخابي لسعيّد في صدقية منظمي التحركات الاحتجاجية على المسار الانتخابي والسياسي الحالي في الشارع وفي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. واتهم البلاغ هؤلاء المعارضين وبعض المرشحين «الافتراضيين» للرئاسة بـ«التبعية للخارج» وأنصارهم بكونهم «تحالف الأضداد». وأورد سعيّد على هامش اجتماعات عقدها مع وزيري الداخلية خالد النوري والعدل ليلى جفّال أن السلطات سمحت للمعارضين بتنظيم مسيرات رفعوا خلالها شعاراتهم بكل حرية «حمتها قوات الأمن»، على الرغم من كونها جمعت «خصوم الأمس» و«الأفرقاء».

فوز متوقع في انتخابات الغد للرئيس قيس سعيّد (أ ف ب/غيتي)

بدء العد التنازلي؟

وإذ ترجّح موازين القوى السياسية الحالية في تونس فوز الرئيس سعيّد بعهدة ثانية تمتد إلى 2029، تشهد كواليس السياسيين صراعاً بين تيارين كبيرين:

الأول يدعو إلى المقاطعة، وهو يضم القيادي المعارض أحمد نجيب الشابي وساسة بارزين حثّوا على مقاطعة الانتخابات، والتأهب لمعارك سياسية وإعلامية جديدة توقعوا أن تكون لصالح المعارضين، وتبدأ بعد «محطة» 6 أكتوبر التي يتوقعون أن تكون نسبة المشاركة فيها ضعيفة جداً على غرار انتخابات العامين الماضيين.

أما الآخر فيدعو إلى المشاركة بكثافة، وبين شخصياته ساسة وحقوقيون قريبون من جبهة الخلاص المعارضة، كالمحامية اليسارية دليلة مصدق بن مبارك، والحقوقية شيماء عيسى والزعيم اليساري السابق الوزير محمد عبو.