هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

قراءة في تداعيات «حرب غزة» على السلطة في تل أبيب

دمار غزة (إ.ب.أ)
دمار غزة (إ.ب.أ)
TT

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

دمار غزة (إ.ب.أ)
دمار غزة (إ.ب.أ)

عندما دخل حزب «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس، إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي بعد 4 أيام من هجوم «حماس» على المواقع العسكرية والبلدات الإسرائيلية في غلاف غزة، حظيت خطوته بتقدير كبير من الجمهور. وفي أول استطلاع رأي أجرته صحيفة «معاريف» خلال تلك الفترة، في أول ديسمبر (كانون الأول) منحه الناخبون 40 مقعداً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف قوته الانتخابية، إذ كان له 12 مقعداً فقط. وحسب تلك النتائج، هبط حزب «الليكود» بقيادة بنيامين نتنياهو من 32 مقعداً، له اليوم، إلى 18 مقعداً. ودلَّت النتائج على أن معسكر نتنياهو يهبط من 64 إلى 43 مقعداً، فيما يرتفع نصيب المعسكر المناوئ له من 54 إلى 77 مقعداً. حصاد3 – مستقبل إسرائيل تحت هيمنة اليمين المطلقة

لقد نظر الشارع الإسرائيلي إلى بيني غانتس بنهاية العام الماضي على أنه قائد متواضع يتصرّف كجندي في الاحتياط، يمتثل للأوامر العسكرية، ويضع مصلحة الدولة فوق أي اعتبار. ورأى أن الرجل، «الملسوع» من تجربة سابقة مع بنيامين نتنياهو -والذي استقال أخيراً من حكومته- عضّ على جرحه وعاد للتحالف معه مجدداً في سبيل «الوحدة الوطنية». ويذكر أن الإعجاب بغانتس قد ازداد أكثر عندما أعلن قُبيل تعيينه أنه لا يطالب بوزارات له ولرفاقه، بل كل ما يطلبه هو الشراكة الفعلية في إدارة الحرب، وكان له ما أراد.

يومها، وفقاً لشهود عيان كثيرين، كان نتنياهو محطماً نفسياً من هول الضربة. إذ تمكّنت «حماس» من مباغتة الجيش الإسرائيلي والاستخبارات وإلحاق خسائر فادحة، قتلى وجرحى، واحتلت 11 موقعاً عسكرياً و22 بلدة، فيما بدت القيادة الإسرائيلية كأنها تغطّ في سُبات عميق.

أيضاً، نتنياهو، بصفته رئيس حكومة، يتحمّل مسؤولية أساسية عن هذا الإخفاق، ولذا طالبه 84 في المائة من الإسرائيليين بالاستقالة. أما الجيش فعمد إلى فعلٍ انتقامي هستيري، وشن حرب دمار شامل أحرق فيها غزة وأهلها -وليس «حماس»- وأخذ يُعدّ لتوجيه ضربة استباقية إلى لبنان، حتى قبل أن يعلن «حزب الله» حرب «الإسناد».

الكرامة وإنقاذ الهيبة

كان غانتس، ومعه «شريكه» رئيس الأركان السابق الآخر غادي آيزنكوت، قد جاءا إلى «مجلس قيادة الحرب» ليسهما في «إنقاذ هيبة وكرامة الجيش الإسرائيلي»، وحقاً صار الجمهور يرى في غانتس أفضل المرشحين لرئاسة الحكومة بدل نتنياهو. ولكن الآن بعد مضيّ أكثر من 8 أشهر، عاد الجمهور الإسرائيلي يفتش عن رئيس حكومة آخر، بعد فقدانه الأمل في نتنياهو يقنعه... وأيضاً في غانتس وكل مرشح من الشخصيات القيادية المطروحة.

الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى أن غانتس سيهبط إلى 27 مقعداً، ولكن إذا أُسس حزب يميني آخر سيوزّع الجمهور أصواته بين غانتس والحزب الجديد. وهذا ليس تصوراً وهمياً، بل واقعي جداً. إذ إن رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بنيت، يسعى لتشكيل حزب يضم يوسي كوهين، رئيس «الموساد» السابق، وغدعون ساعر الوزير والحليف السابق لغانتس، وأفيغدور ليبرمان رئيس حزب «اليهود الروس»، وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن هذا الحزب سيحصد الأصوات من كل الأحزاب وسيصبح الحزب الأكبر، مما يعني أنه سيكلَّف بتشكيل الحكومة.

وهكذا، يخرج غانتس مرة أخرى «من المولد بلا حمص»، بعدما انفضّ الجمهور عنه. فلماذا يحصل له هذا وهو الذي يحمل على كتفه 33 سنة من الخدمة العسكرية ويتعامل مع محيطه بصدق وصراحة... ومعروف أنه لا ينتمي إلى شريحة السياسيين الفاسدين؟

نتنياهو حاضراً اجتماعاً حكومياً (رويترز)

طريقة اللعب... وتقبّل الفساد

غانتس بنفسه ليس بريئاً من هذه النتيجة، لكنَّ المسؤولية لا تنحصر به. فإسرائيل تعيش أزمة وطنية كبرى، سياسية ومجتمعية شاملة، والشارع يتجه نحو اليمين بشكل جارف، وكما في كل حرب... يتجه أكثر وأكثر إلى اليمين. بينما غانتس يُعد من الجناح الليبرالي، وكان قد أعرب عن تأييده لـ«حل الدولتين».

أيضاً، ليست «حماس» وحدها، بل أيضاً اليمين الحاكم نجح في تقويض هيبة ومكانة الجيش وغيره من أجهزة الأمن. ومع أن الجيش ما زال أكثر مؤسسة رسمية تحظى باحترام الناس وثقتهم، فقد انخفضت نسبة الثقة به من 87 في المائة إلى 63 في المائة. وقسم كبير من الشارع يسير وراء الشعارات العاطفية فارغة المضمون، وتفتش عن قائد «أزعر» و«فهلوي» و«يتقن اللعب والخداع» لا عن قائد «رمادي بارد».

وفي مكان ما، لم يعد الجمهور أيضاً ينفر من «القائد الفاسد»، خصوصاً في يمين الخريطة الحزبية. فوفق استطلاع أجراه «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية»، ونُشر عام 2018، قال 47 في المائة من المستفتين إن القيادة السياسية في إسرائيل «فاسدة». وفي تحليل النتائج، تبين أن هذه النسبة تنخفض لدى ناخبي اليمين إلى 25 في المائة، أي إن غالبية 75 في المائة لا يرون أن القيادة السياسية فاسدة، مع أن رئيس الوزراء يحاكَم بتهمة الفساد، وهناك ثلاثة وزراء أُدينوا بالفساد. ثم إن الحكومة الإسرائيلية الحالية سعت لسن قوانين تجيز للوزارات تعيين مسؤولين عديدين على أساس القرب من الوزير وليس الكفاءة. وأقرت في موازنتها صرف أكثر من 1.5 مليار دولار للأحزاب تصرفها على مصالحها الذاتية من موازنة الدولة. والمستشارة القضائية للحكومة حذرت من أن إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي، يُحدث تغييراً جوهرياً في الشرطة بما يلائم سياسة حزبه المتطرف ويختار لرئاسة الدوائر والأذرع ضباطاً مقربين منه وليس وفق معيار المهنية. وبالتالي، مضى الزمن الذي كان فيه وزير ينتحر، عندما يكتشفون أنه ارتكب مخالفة فساد. فالفساد ببساطة لم يعد أمراً معيباً.

الخوف

ثمة محنة أخرى يعيشها المجتمع الإسرائيلي تدفعه إلى قرارات وسياسات متهوّرة بعيدة عن الحكمة. فالقيادة اليمينية بمجملها، وليس فقط نتنياهو، تتبنى عقيدة الخوف والتخويف، وتبني سياستها على الاعتقاد بأن عدواً ما يلاحق اليهود لإبادتهم في كل عصر. ووفق قناعات هؤلاء «اليهود شعب الله المختار» والعالم كله يغار منهم ويحسدهم، ويريد التخلص منهم.

بدأ ذلك بالعداء للسامية في الغرب -وأوروبا بشكل خاص– وتفاقم مع «المحرقة النازية»، والآن العرب والإسلام.

طبعاً، هناك أساس لهذا الاعتقاد، فالنازية فعلاً عملت على «إبادة» اليهود. وتوجد جماعات عربية وإسلامية تطلق شعارات معادية لليهود، لكنَّ هؤلاء أقلية ضئيلة، لا تزيد نسبتها -مثلاً- على نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يريدون إبادة الشعب الفلسطيني!

في المقابل، العرب يقدمون لإسرائيل عرضاً سخياً لإنهاء الصراع الإسرائيلي - العربي من جذوره، عبر مبادرة السلام السعودية، التي غدت مبادرة عربية تقبلها «منظمة التعاون الإسلامي» وجميع القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني. وسيشمل العرض سلاماً شاملاً بين إسرائيل والعرب والدول الإسلامية يشمل إقامة دولة فلسطينية على مساحة 22 في المائة من فلسطين التاريخية.

قصة اللاسامية

مع هذا، يحاول قادة اليمين إقناع اليهود بأنه لا أحد معهم، وبأن اللاسامية تتحكم بمؤسسات الأمم المتحدة. واستمرت تهم اللاسامية عندما خرج ملايين الناس عبر العالم في مظاهرات غضب إثر مشاهدة صور أطفال غزة يتمزقون بحمم المتفجرات الإسرائيلية. وطالت التهم حتى محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي، اللتين قررتا التحقيق في ممارسات إسرائيل في غزة بناءً على معطيات رهيبة وأدلة كثيرة، بينها تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي أمر الجيش بالتعامل مع الفلسطينيين على أنهم «حيوانات»، ووزير آخر طلب إبادة غزة بقنبلة نووية، ووزير ثالث دعا إلى محو غزة. بل حتى الرئيس الأميركي جو بايدن، اتهمه بعض الوزراء بـ«التآمر مع حماس» عندما اختلف مع الحكومة الإسرائيلية.

تلاشي «حل الدولتين»

أخيراً، استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الشارع ما عاد متقبّلاً «حل الدولتين». بل حتى أجهزة الأمن الإسرائيلية، التي تبني مواقفها على أساس دراسات ومعطيات استخبارية، وترى أن المصلحة الوطنية العليا لإسرائيل تكمن في «حل الدولتين»، تقف عاجزة عن التصدّي لسياسات اليمين، وأبرزها مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية الهادفة إلى إجهاض «حل الدولتين»، وحملات القمع الدموية، وحماية مخططات المستوطنين بما فيها طرد مزارعين فلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم لكي يسيطروا هم عليها.

إسرائيل تعيش أزمة وطنية كبرى سياسية ومجتمعية شاملة

افتداء الأسرى الإسرائيليين... صار قضية كبيرة

عندما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من عائلات الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، أن يَحذروا من أن يؤدي «نضالهم الشرعي لتحرير أبنائهم» إلى تشجيع «حماس» على تشديد مطالبها في الصفقة، اختلفوا فيما بينهم؛ بعضهم وافقه وبعضهم اعترض بحجة أن نتنياهو «مخادع ويحاول منعنا من ممارسة الضغوط عليه».وفي لقائه الثاني معهم، اقترح عليهم ممارسة الضغط على «حماس» لا عليه، وعرض عليهم السفر على حساب الدولة إلى دول أوروبا وأميركا والتقاء القادة السياسيين لـ«تجنيدهم إلى جانب إسرائيل في المعركة ضد (حماس)». وبالفعل، وافق قسم كبير منهم، وسافروا، في عدة رحلات نظَّمتها وزارة الخارجية، والتقوا عدة زعماء ووزراء، ورفض آخرون هذه الرحلات مؤكدين أن نتنياهو يخدعهم.وبعدما صارت مظاهرات عائلات الرهائن يومية، صاروا يقرأون في الشبكات الاجتماعية منشورات تهاجمهم وتتهمهم بـ«طعن الدولة في ظهرها والمساس بمعنويات الجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون العدو»، لكنهم لم يرتدعوا. وكان ردهم: «نحن دولة ديمقراطية، حرية التعبير فيها مكفولة، والاختلافات أمر صحي». ولكن، عندما بدأوا يتعرّضون لاعتداءات جسدية من نشطاء في اليمين المتطرف ينعتونهم بالخيانة، بدا الخوف يتسلل إليهم وبعضهم ارتدع عن المشاركة في المظاهرات.وعندما أطلق الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، الرّسَن للشرطة كي تفرّقهم بالقوة وتعتدي على كثيرين منهم، لا فرق بين شابٍّ ومسنٍّ، أو بين رجل وامرأة، أُصيب متظاهر بكسور في جمجمته، فبدأت العائلات تدرك أن الحكومة اليمينية أدخلتهم إلى «الحرب الداخلية» لا «حرب غزة»، بعد اتهامهم بأنهم «أعداء». ولقد تساءلت باسمها وباسمهم، والدة أحد الجنود الأسرى: «هل يُعقَل أن

قيادة الدولة اليهودية تفقد أهم قيمة في اليهودية، افتداء الأسرى وأبدلت بها إهدار دم الأسرى بشكل متعمَّد؟».

من مظاهرات مناوئي الحكومة الإسرائيلية في تل أبيب (إ.ب.أ)

ولكن، قبل نحو أسبوعين، أزال الوزراء في حكومة نتنياهو الستار عن عورة موقفهم عندما حضروا إلى الكنيست (البرلمان) ليخاطبوا قادتهم.كانت الأنباء تتحدث عن «قبول إسرائيل المقترح الإسرائيلي للصفقة»، حسب الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جاك سوليفان. لكنَّ وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، حضر إلى المداولات في لجنة المالية، وقال إنه لن يؤيد الصفقة الجاري العمل عليها مع «حماس». وأضاف: «ما يطلبه (يحيى) السنوار الآن هو تحرير مئات القتلة مع دم على الأيدي كي يحرّر مخطوفين. هذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى قتل الكثير جداً من اليهود... نحن سنقلب كل حجر كي نعيد كل المخطوفين، لكننا لن ننتحر بشكل جماعي».وفي نقاش آخر اصطدم النائب إسحاق فيندروس من «يهدوت هتوراة» لليهود المتديّنين، مع إستر بوخشتاف، أُم المخطوف ياغف بوخشتاف، بعدما طلبت الأم حق الكلام أمام اللجنة التي يترأسها فيندروف. إذ سألها: «أتريدون ممارسة نشاط سياسي حزبي؟». فصُدمت الأم وصرخت في وجهه: «أنت تتهمني بالسياسة وأنا أحاول أن أبثّ ألمي على ولدي؟ ألا تخجل من نفسك؟ أنت رجل دين وتعرف أن التوراة تعد افتداء الأسرى عملاً مقدّساً... فهل هكذا تفهم أحكام الدين؟ مَن منّا يُغلِّب السياسة الحزبية؟ مَن منّا تنازل عن القِيَم؟».في الواقع، الكلام عن القِيَم يكثر هذه الأيام في إسرائيل وسط أجواء التوتر الشديد والحرب متعددة الجبهات. فعلى هامش هذه الحرب ثمة تراجع صارخ وغير مسبوق عن قِيَم كثيرة. وهناك مَن يشعر بأن مصير القِيَم صار أخطر بكثير من السؤال عمّن يحكم إسرائيل في المرحلة التالية، بعد استقالة بيني غانتس وغادي آيزنكوت من الحكومة. وكثرة يقولون إن هناك ما يهدّد مستقبل إسرائيل برمّتها، لأنها بُنيت على أساس تلك القِيَم... وأهمها: افتداء الأسرى.وإلى جانب أحكام الدين في الموضوع، توجد مسألة استراتيجية تتعلق بها. فامتناع الحكومة عن الذهاب إلى صفقة لتحرير الأسرى، البالغ عددهم اليوم 120 أسيراً، يثير شكوكاً لدى كل جندي يحارب في الميدان حول مصيره. فيتساءل: «هل إذا وقعتُ في الأسر، سيصيبني ما يصيب هؤلاء الأسرى؟ سأتعفّن في نفق تحت الأرض ولا يسأل عني أحد؟ أهذه هي إسرائيل التي أنتمي إليها وأحارب لأجلها وأفتديها بروحي وحياتي؟».وعليه، فالقضية هي: هل يستطيع أن يحارب بإقدام وشجاعة مَن يسكنه هاجس كهذا؟


مقالات ذات صلة

موسكو تعوّل على «إعادة ترتيب» أوروبا

حصاد الأسبوع بوتين جاهز للقاء ترمب (آ ف ب)

موسكو تعوّل على «إعادة ترتيب» أوروبا

> غياب الانتقادات المباشرة في روسيا لأي خطوة يقوم بها الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب لا يعكس فقط رغبة الكرملين في التريث لحين إطلاق الحوار المباشر ووضع.

حصاد الأسبوع هربرت كيكل

هربرت كيكل... زعيم اليمين النمساوي المتطرف ينتظر فرصته لإحداث تغييرات سياسية جذرية

لا يحمل تاريخ نشأة هيربرت كيكل المكلّف تشكيل الحكومة العتيدة في النمسا، ارتباطاً باليمين المتطرف أو النازية، كأسلافه الذين قادوا حزب الحرية قبله. ولكن مع هذا قد يكون الزعيم الأكثر تطرفاً الذي ترأس الحزب خلال العقود الأخيرة. ذلك أن كيكل غالباً ما يكرر تعابير استخدمها النازيون، ومنذ تكليفه تشكيل الحكومة مطلع العام، بدأ يلقب نفسه بـ«مستشار الشعب»، وهو اللقب الذي كان يستخدمه هتلر لوصف نفسه. وبالتالي، في حال نجح كيكل بتشكيل الحكومة، سيكون المستشار الأول للنمسا الذي ينتمي إلى حزب متطرف أسسه عام 1955 أعضاء في «قوات الأمن الخاصة النازية» المعروفة اختصاراً بالـ«إس إس». الحزب اليوم معادٍ للاتحاد الأوروبي ومقرّب من روسيا، ومع أنه شارك في حكومات ائتلافية نمساوية في السابق، إلا أنه لم يقُد أياً منها بعد. وراهناً، رغم تكليف كيكل - بعدما تصدّر حزبه انتخابات سبتمبر (أيلول) الماضي بحصده نسبة 29 في المائة من الأصوات، ما زال من غير الواضح ما إذا كان سينجح فعلاً بالمهمة الموكلة إليه «اضطراراً». فالرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلن فضّل بدايةً تكليف زعيم حزب الشعب (محافظ)، الذي حل ثانياً بنسبة 26 في المائة من الأصوات، تشكيل الحكومة، مع أن في هذا مخالفة للأعراف. وبرّر الرئيس قراره يومذاك بأن كل الأحزاب الأخرى ترفض التحالف مع حزب الحرية من دون تحييد كيكل. وبالفعل، اشترط حزب الشعب تنازل كيكل عن قيادة الحكومة شرطاً للتفاوض معه، وهو ما رفضه الأخير. بيد أن زعيم حزب الشعب كارل نيهامر أخفق بتشكيل حكومة ثلاثية الأطراف مع حزبين آخرين، فاستقال من زعامة حزبه، وبالتالي، عادت الكرة إلى ملعب كيكل.

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع شتراخه (رويترز)

حزب الحرية النمساوي المتطرف... لمحة تاريخية وسياسية

أُسس حزب الحرية النمساوي عام 1956، وكان زعيمه الأول، أنتون راينتالرو، ضابطاً سابقاً في قوات الأمن الخاصة النازية. لكن، رغم ذلك، تجنّب الحزب في بداياته الترويج.

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع قناة بنما (آ ب)

ترمب يسجّل «انتصارات» سريعة في القارة الأميركية... ويستغلها ضد خصومه في الداخل

منذ وصول دونالد ترمب للمرة الأولى إلى البيت الأبيض، تبيّن أن استحالة التنبؤ بقراراته وخطواته هي من أمضى الأسلحة في ترسانته الدبلوماسية، وأن فاعلية التهديدات التي يطلقها في كل الجهات وعلى جميع الجبهات تكمن في كونها قابلة للتنفيذ فوراً. لكن، بينما بقيت تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية على الصين وأوروبا إبان ولايته الأولى مجرّد تصريحات لم تبلغ أبداً مرحلة التنفيذ، اختلف الأمر هذه المرة. فمنذ بداية هذه الولاية الثانية وصلت دبلوماسية الابتزاز التي انتهجها الرئيس الأميركي العائد إلى أبعد الحدود الممكنة، واستطاع خلال أقل من أسبوعين أن يحصل على تنازلات من المكسيك وكندا وكولومبيا وبنما وفنزويلا، غير آبه بالاضطرابات والخضّات التي أحدثتها في الأسواق المالية والاقتصادية هذه الحرب التجارية التي أطلقها، والتي وصفتها صحيفة «وول ستريت جورنال» بأنها الأكثر حُمقاً في التاريخ.

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جبل راشمور (آ ف ب)

كولومبيا وفنزويلا والإكوادور نماذج لتعامل واشنطن الجديد مع أنظمة أميركا الجنوبية

>على صعيد دول النصف الجنوبي من القارة الأميركية، يرى مراقبون أن الجولة الأولى من «حرب» دونالد ترمب المفتوحة على كل الجبهات، التي يرى كثيرون أن ترمب كسبها بالضرب


خطط ترمب التوسعية «استفزاز» يهدد «الناتو»... ويمنح بوتين أوراقاً إضافية

كيف ستتعامل موسكو مع موضوع ضم ترمب لجزيرة غرينلاند (ناسا)
كيف ستتعامل موسكو مع موضوع ضم ترمب لجزيرة غرينلاند (ناسا)
TT

خطط ترمب التوسعية «استفزاز» يهدد «الناتو»... ويمنح بوتين أوراقاً إضافية

كيف ستتعامل موسكو مع موضوع ضم ترمب لجزيرة غرينلاند (ناسا)
كيف ستتعامل موسكو مع موضوع ضم ترمب لجزيرة غرينلاند (ناسا)

تراقب موسكو خطوات الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب بمزيج من الترقّب لردّات الفعل في مناطق مختلفة من العالم، وحساب معدلات الربح والخسارة، لا سيما في إطار انعكاسات تصرفات الرئيس الأميركي على تماسك المواقف الأوروبية ووحدة حلف شمال الأطلسي «ناتو» وسياساتها تجاه روسيا... ولكن بالدرجة الأولى، بطبيعة الحال، على التوقعات المتعلقة بآليات تسوية الصراع حول أوكرانيا.

تحريك قنوات الاتصال

مع تكرار الإعلان في موسكو عن استعداد مباشر للجلوس إلى طاولة مفاوضات شاملة مع فريق ترمب، تبحث كل الملفات المتراكمة بين الطرفين، وتتوّج تفاهمات على القضايا الرئيسية، فضّل الكرملين تجنب التعليق مباشرة على كثير من التحركات الصارخة للرئيس الأميركي، في مسعى لتقدير آفاق تطورها أولاً، وأيضاً معرفة مستوى وآليات ردات الفعل عليها.

لكن في الشأن الأوكراني بدا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تحريك قنوات الاتصال بشكل قوي ومتسارع بين موسكو وواشنطن. وبعد مرور ساعات فقط على إعلان ترمب أن الاتصالات مع الكرملين «تجري بنشاط»، ووصفها بأنها «مفاوضات بناءة»، أكّد الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف استئناف عمل قنوات حوار على مستويات عدة، لتشكل هذه الخطوة الأولى العملية التي يجري تنفيذها على أرض الواقع، وكانت متوقعة منذ فوز ترمب في الانتخابات.

بيسكوف قال إن «الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة عبر الوزارات المختلفة قد تكثفت». ومن دون أن يعطي تقييمه لسير المفاوضات، قال الناطق إن الحوارات تجري على مستويات عدة. ومع التأكيد على أن الحوار الجاري مع واشنطن لا ينعكس حتى الآن على استعداد موسكو لفتح قنوات للتفاوض مباشرة مع أوكرانيا، فأكد أن «ديناميكيات العملية (العسكرية) الخاصة تظهر أن الاهتمام بالحوار السلمي يجب أن يأتي من جانب كييف».

الاشتراطات الروسية

هنا بدا أن أول الاشتراطات الروسية لإحراز تقدُّم يفضي إلى إحياء العملية السلمية حول أوكرانيا ينطلق من حسم الوضع حول «شرعية» الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإدارة المفاوضات. ومعلوم هنا أن موسكو تصرّ على أن زيلينسكي «لم يعد رئيساً شرعياً، وأنه وقّع في وقت سابق مرسوماً بحظر التفاوض مع موسكو. وهو ما يعني أنه يجب حل هذا الموضوع بظهور إدارة أوكرانية جديدة تتمتع بالشرعية، وتلغي المرسوم السابق قبل إطلاق عملية التفاوض. يكتسب هذا الجدل أهمية إضافية على ضوء تلميحات بعض أركان الإدارة الأميركية بضرورة إجراء انتخابات جديدة في أوكرانيا قبل نهاية العام الحالي، ومثل تلك التصريحات صدرت عن قيادة حلف «ناتو» أيضاً.

ويبدو على هذه الخلفية أن الاتصالات الأولى بين الإدارة الأميركية وموسكو لا تتناول قضايا مثل ترتيب قمة قريباً، وأجندتها المحتملة، بل تتطرق أيضاً إلى بعض الجوانب التفصيلية المتعلقة بمساعي إعادة إطلاق مسار سلمي ينهي الحرب في أوكرانيا.

مستقبل أوكرانيا على الطاولة

العنصر الثاني المتعلق بأوكرانيا، الذي يبدو أنه يشكل مادة للنقاش في المرحلة التي تسبق لقاء ترمب الأول منذ عودته إلى البيت الأبيض مع الرئيس فلاديمير بوتين، يتبلور - كما يبدو - من خلال السعي إلى تحديد سقف مصالح واشنطن في الصراع المستمر منذ نحو 3 سنوات.

اللافت هنا أن التصريحات الأولى الصادرة عن البيت الأبيض لم تتكلّم عن الأراضي الأوكرانية «المحتلة»، ومعلوم أن موسكو تسيطر راهناً على نحو خُمس أراضي أوكرانيا. ويشترط الكرملين لأي تسوية أن يحصل على إقرار أوكراني وغربي بقرارات ضم مقاطعات أوكرانيا إلى روسيا. واستمرار الصمت الأميركي حيال هذا الملف يوجّه رسالة مريحة لموسكو حالياً.

غير أن إشارات ترمب الأولى اتجهت نحو ملف مختلف تماماً؛ ذلك أنه تطرّق إلى امتلاك أوكرانيا ثروات مهمة من المعادن النادرة، ورأى أن بوسع واشنطن مواصلة حماية أوكرانيا إذا حصلت على حقوق استثمار هذه الثروات الضخمة.

في هذا الملف ركّزت التعليقات الروسية على فكرة تحوّل الإدارة الأميركية من الكلام عن قضايا تتعلق بالأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة ولأوروبا، وعن فكرة «العدوان الروسي» لتغدو منحصرة أكثر في «المصالح التجارية المباشرة» للانخراط في هذا الصراع. وكانت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم «الخارجية الروسية»، قد أعربت عن أنها «غير مندهشة» من طلب مجلس الأمن القومي الأميركي الحصول على المعادن من أوكرانيا تعويضاً عن الدعم المالي الذي قدمته واشنطن لكييف.

زاخاروفا رأت أن هذا المسار «طبيعي»، وأنه «يجب أن يتحقق المرء من سعر الوجبة قبل أن يأكلها». بينما رأى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن مثل هذا الاقتراح سيعني أن كييف مستعدة لتسليم جميع الموارد الطبيعية الأوكرانية إلى «ملكية أسيادها الغربيين». أما بيسكوف فرأى أن خطط ترمب بشأن المعادن الأرضية النادرة تمثل عرضاً تجارياً «لشراء المساعدة»... وأن «أفضل شيء بالنسبة لواشنطن سيكون عدم مساعدة كييف على الإطلاق، ومن ثم المساهمة في إنهاء النزاع». والملاحَظ في التعليقات الروسية أنها لا تنتقد ترمب، بل وجهت سهامها إلى زيلينسكي «المستعد لبيع ثروات بلاده للغرب».

بنما وكندا ... بعيدتان جداً

في المستوى نفسه من تعمّد تحاشي توجيه انتقادات إلى الإدارة الأميركية في خطواتها المتسارعة التي شكلت استفزازاً لعدد من الأطراف في العالم، تجاهل الكرملين عمداً إعلانات ترمب الصارخة تجاه كندا وقناة بنما.

بل حتى وسائل الإعلام الحكومية الروسية تعاملت مع الموضوع من زاويته الخبرية من دون إبداء رأي في تأثيراته المحتملة. ونشرت بكثافة الخرائط التي وضعها ترمب على منصات التواصل الاجتماعي، وتظهر فيها كندا ملونة بألوان العلم الأميركي وتحتها عبارة الرئيس: «أوه كندا». ولقد قال خبراء روس إن كندا وبنما «بعيدتان جداً»، ومن المهم لموسكو أن تراقب فقط ما يجري.

أما موضوع قناة بنما فيبدو بالنسبة إلى موسكو «خلافاً تجارياً» تكلم عنه ترمب من خلال استنكاره «التعريفات الجمركية المُبالغ فيها» التي تفرضها بنما على عبور القناة. وللعلم، هذا أمر يخص الولايات المتحدة التي توفر أكثر من 72 في المائة من عائدات الممرّات عبر القناة.

وتقريباً التعاطي نفسه ملحوظ إزاء التهديدات تجاه المكسيك، وبملف العلاقة مع كندا. واللافت أن وسائل الإعلام الروسية شاركت الملياردير إيلون ماسك تهكّمه على رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، الذي أعلن استقالته، الشهر الماضي ثم غرّد معارضاً خطط ترمب. ولكن من دون صدور أي تعليق رسمي، بدا أن موسكو تراقب بارتياح المشكلات الداخلية في الغرب. ولا تخفي أوساط روسية «شماتةً» بالسلطات في كندا التي كانت بين أوائل الداعمين لأوكرانيا في الحرب.

غرينلاند... التهديد الروسي

الأمر مختلف قليلاً مع التلويح الأميركي بضم غرينلاند... فهنا يظهر مباشرة نوع من التهديد المستقبلي على الأمن الروسي.

وعموماً، فإن ما وُصف بأنه التهديد المحتمل من جانب روسيا والصين هو على وجه التحديد ما أشار إليه ترمب أكثر من مرة عندما ناقش فكرته للاستيلاء على غرينلاند، وفي إطار تكراره الحديث عن رغبته في جعل أميركا «عظيمة مرة أخرى».

ذلك أنه منذ عام 2019، قال ترمب بضرورة ضم غرينلاند إلى الولايات المتحدة، لكن الدنمارك التي تمتلك الأراضي حالياً عارضت بيع الجزيرة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024، أثار ترمب المسألة مرة أخرى، وقال: «نحن بحاجة إلى غرينلاند لأغراض الأمن القومي. لقد قيل لي ذلك قبل فترة طويلة من ترشّحي». وهنا يعتقد الرئيس الأميركي الجمهوري أن غرينلاند كجزء من الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في تجنب «التهديد الذي تشكله روسيا على العالم أجمع». وبحسب قوله فإن «روسيا والصين تزيدان من وجودهما في منطقة القطب الشمالي»، وهو يخشى من ذلك. وأضاف أن ابنه دونالد ترمب «الابن» سيزور غرينلاند شخصياً.

هنا أيضا لم تعلّق موسكو رسمياً على الحدث مع أنه يتعلق مباشرة بما وُصف بـ«التهديد الروسي»، إلا أن تعليقات برلمانيين روس أظهرت وجود نوع من القلق لدى أوساط روسية. وقال أندريه كارتابولوف، رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما (النواب) إن «ضم غرينلاند للولايات المتحدة يشكل تهديداً عسكرياً لروسيا، لأن لدى الجزيرة إمكانية أن تصبح قاعدة استراتيجية لواشنطن في حالة نشوب صراع عابر للقارات».

ورأى البرلماني الروسي أيضاً أن السيطرة على الجزيرة التي تحتل مساحة كبيرة جداً في منطقة القطب الشمالي، «ليست الخيار الأفضل بالنسبة إلى روسيا... وبما أنه لا يوجد شيء مستحيل في العالم، وفي أي صدام قاري افتراضي مستقبلي، فإن هذا يشكل نقطة انطلاق جيدة لأميركا».

مع هذا، اللافت أن تعليقات المحللين ذهبت ليس باتجاه فحص الانعكاسات على روسيا وأمنها في حال فرض ترمب فعلاً السيطرة الأميركية على الجزيرة القطبية، بل باتجاه تأثيرات تحركات ترمب على مصير «ناتو» ككتلة متماسكة.

ورأى محللون أن استيلاء ترمب على المنطقة إذا كُتب له النجاح، سيكون «بمثابة نهاية للحلف» ليس فقط لكون الدنمارك، التي تعارض خطط ترمب بشدة عضواً فيه، بل أيضاً لأن أعضاء التكتل الآخرين سيدركون على الفور أنهم «جميعاً تحت التهديد». وهنا استعاد البعض مقولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما دعا أوروبا إلى «الاستيقاظ وتعزيز أمنها بشكل أكثر نشاطاً».

اتفاق على عالم متعدد

في المقابل، بدا أن بعض الأفكار التي تطرحها الإدارة الأميركية الجديدة تحظى بقبول عند الكرملين. ولقد امتدح الناطق الرئاسي بيسكوف تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بشأن التعددية القطبية، قائلاً إن تلك العبارة «تتوافق مع رؤية موسكو، وروسيا ترحب بذلك بالطبع». كما وصف حديث روبيو بشأن الاعتراف بالتعددية القطبية في العالم بأنه «مثير للاهتمام». وأيضاً في هذا السياق نفسه، لم تُخْف موسكو ارتياحها لقرار إدارة ترمب تقليص نشاط «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، التي تتهمها موسكو بدعم «الثورات الملونة» وبمحاولة التأثير أكثر من مرة على الحياة السياسية والاجتماعية داخل روسياً. وللعلم، هذه الوكالة حالياً من المنظمات الأجنبية المحظورة في روسيا.

ورأى مسؤولون روس أن خطوات ترمب لتفكيك الوكالة تحظى بترحيب في مناطق عدة في العالم، كون الوكالة، بحسب الناطقة باسم «الخارجية» ماريا زاخاروفا «تروّج للثورات، وتتحدى القيم المجتمعية، وتعمل على نشر الشذوذ الجنسي، والدفاع عن حقوق المثليين».

وهذا الموضوع يفسر أيضاَ «الارتياح» الروسي للتخلص من وكالة أنفقت ملايين الدولارات في روسيا التي تنتهج خطاً محافظاً اجتماعياً لنشر أفكار وُصفت بأنها «معادية للمجتمع الروسي». ركّزت التعليقات الروسية على تحوّل الإدارة الأميركية من الكلام عن قضايا الأمن إلى «المصالح التجارية»

عاجل ترمب: إذا لم يطلق سراح الرهائن يوم السبت سأدعو لإلغاء وقف النار بغزة