الأردن يدرس «سيناريوهات» متعددة للتعامل مع الاستحقاقات الدستورية

أمام حسابات المشهد المحلي وتطوّرات غزة والضفة

مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
TT

الأردن يدرس «سيناريوهات» متعددة للتعامل مع الاستحقاقات الدستورية

مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

تتباين تحليلات النخب السياسية الأردنية حيال المشهد السياسي المحلي في ظل التوقعات بقرب رحيل الحكومة وموعد حل البرلمان تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية المقررة يوم 10 سبتمبر (أيلول) المقبل وفق أحكام قانون جديد من شأنه إعادة تشكيل الخريطة السياسية في الأردن وللعلم يتحكم العامل الزمني الدستوري بمصير حكومة الدكتور بشر الخصاونة إذ يقف تاريخ 15 يوليو (تموز) المقبل كفاصل مهم في المشهد السياسي الأردني فإذا تقرّر حل مجلس النواب الحالي قبل هذا الموعد فسيتوجّب على الحكومة تقديم استقالتها التزاماً بالنص الدستوري القاضي بتزامن رحيل السلطتين، أما إذا كان حلّ المجلس بعد هذا التاريخ، فإن الحكومة تبقى في موضع آمن دستوري إذ تدخل الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء عُمر المجلس النيابي التي حددها الدستور كضمانة للتوازن السياسي في البلاد.

تظاهرات في عمّان تضامناً مع غزة (آ ف ب)

أجريت الانتخابات النيابية السابقة في الأردن يوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2020، وأعلنت النتائج النهائية في الجريدة الرسمية يوم 15 من الشهر والسنة نفسيهما. وهذا الواقع يعني أن التواريخ أصبحت متحكمة بقدَر الحكومة الحالية التي يترأسها الدكتور بشر الخصاونة الذي كان قد كُلّف بتشكيلها يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2020.«السيناريوهات» الواردةالأخبار المسرّبة عن مقربين من دوائر القرار السياسي الأردني تتكلم عن وضع «سيناريوهات» محدّدة تتحكم بطبيعة التعامل مع المرحلة المقبلة، في ظل التزام المملكة بالمواقيت الدستورية المتعلقة بإجراء الانتخابات النيابية، وفق أحكام قانون جديدة خصّصت 41 مقعداً للقوى الحزبية المترشحة للانتخابات المقبلة، إذ تتعامل مراكز النفوذ مع احتمالات متعددة قد تفرضها ظروف المنطقة والجوار. ومن «السيناريوهات» المطروحة تأجيل حل مجلس النواب إلى النصف الثاني من يوليو (تموز) المقبل للاحتفاظ بالحكومة إلى الانتخابات النيابية المقبلة وما بعدها، وهذا يُرشح حكومة الخصاونة للبقاء والتعرّف على مجلس نواب جديد في سياق حقبة برلمانية جديدة ومختلفة عن سابقتها. وبالمناسبة، يحمل الخصاونة اليوم لقب «أطول رؤساء الحكومات الأردنية بقاءً في عهد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني»، إذ تجاوز في المنصب نظيريه د. عبد الله النسور وعلي أبو الراغب.

ومع أن «سيناريو» التأجيل غير مطروح على نطاق واسع داخل الأروقة السياسية، وليس مؤيداً من تيار عريض داخل الدولة لدواعٍ سياسية وتاريخية. سياسياً، يتعلق الأمر بالتحديث الذي شهدته المملكة، ويحتاج إلى تجديد الأدوات كافة في المرحلة الجديدة. وتاريخياً، يرتبط بالذاكرة الوطنية التي رسمت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وعملية تعاقب الحكومات والمجالس النيابية في تاريخ الدولة الأردنية. ولكن في حال تحقق التأجيل، فإنه سيشكل سابقة في تاريخ المملكة السياسي (الحديث على الأقل)، ذلك أن أطول حكومة عمراً مكثت في الدوار الرابع بعهد الملك عبد الله الثاني (حكومة عبد الله النسور) غادرت مع رحيل البرلمان، وتحت وطأة النص الدستوري.

في المقابل، ثمة «سيناريو» آخر يقوم على حسم مصير الحكومة ومجلس النواب قبل منتصف يوليو المقبل ليُحل مجلس النواب، وترحل الحكومة، على أن يعقبه تكليف رئيس حكومة جديد تكون مهمته تسيير الأعمال إلى حين موعد الانتخابات النيابية. وهذا قد يسمح باستمرار الحكومة الجديدة في حال استطاعت أن تنال ثقة الملك والبرلمان على رأس مرحلة التحديث السياسي والإداري والاقتصادي الذي سبق اعتماد استراتيجيات لها كخطة عمل مُلزمة للحكومات المُقبلة. ثم إن هناك «سيناريو» مستقلاً جارية دراسته، وهو يقضي بحلّ مجلس النواب قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل، وبالتالي، التزام الحكومة بتقديم استقالتها وفق أحكام الدستور. ويرى مؤيدو هذا الخيار أن مغادرة الحكومة والنواب مبكراً ستعطي العملية السياسية زخماً، وستلفت انتباه الرأي العام تجاه التفاعل مع طبيعة المرحلة المقبلة التي قد تؤسّس لحضور برلمانات حزبية قوية في مواجهة حكومات سياسية... وليس حكومة تكنوقراط فقط. وحقاً، ويرى مؤيدو هذا الخيار أنه سيساهم بشكل فاعل في الترويج للمشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة، ومنح الأولوية للحراك الحزبي بحرية لاستقطاب قواعد انتخابية، لا سيما أن مراكز القرار ما زالت تبحث أسباب انخفاض نسب المشاركة، وسط غمز من إرث سابق خلفه إجراء بعض العمليات الانتخابية التي شابها لغط في الأوساط السياسية الأردنية. وبالفعل، تزامناً مع انطلاق الربيع الأردني ارتفعت أصوات المطالبين بإنشاء هيئة مستقلة للإشراف والإدارة على أي انتخابات عامة. وهو ما رعاه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ودعا لجنة من كبار رجالات الدولة لتعديل الدستور، وإقرار الهيئة كمؤسسة دستورية مستقلة، إلى جانب تعديلات أخرى وصفت بالجوهرية حينها.

مشروع التحديث السياسي

جدير بالذكر، أنه في منتصف العام 2021 وجَّه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى تشكيل لجنة تمثل جميع الأطياف السياسية والاجتماعية في البلاد، بهدف التوافق على صياغة قانون أحزاب وقانون انتخاب جديدين، حتى يتسنى ضخ دماء جديدة في عروق الحياة السياسية مع مطلع المئوية الثانية من عمر المملكة. وخلال 6 أشهر أقرت اللجنة توصيات تتعلق بقانون الأحزاب، ووضع حد أدنى من المؤسسين من المرأة والشباب، وقانون انتخاب نص لأول مرة في تاريخ البلاد بتخصيص 41 مقعداً للأحزاب التي تتجاوز درجة الحسم (العتبة) بنسبة 2.5 في المائة، والتزمت الحكومة بإقرار التوصيات، وأحالتها لمجلس النواب الذي أقرها كما وردت، مع إجراء بعض التعديلات.

قانون الانتخاب الذي أُقر مطلع العام 2022 لم يكتفِ بتخصيص 41 مقعداً للأحزاب في مجلس النواب المقبل (المجلس العشرون) من أصل 138 مقعداً هو كامل عدد أعضاء المجلس، بل نص أيضاً على أن تمثل مقاعد الأحزاب ما نسبته 50 في المائة من مقاعد مجلس النواب الذي يليه (المجلس الـ21)، لتقفز تلك النسبة إلى 65 في المائة في المجلس الذي يليه؛ إذ يُعتقد أن ذلك المجلس قد يشهد ولادة أولى الحكومات البرلمانية بنسختها الحديثة، بعد فشل تجربة العام 1956 التي انتهت باستقالة حكومة سليمان النابلسي، وحل مجلس النواب آنذاك. ولكن لا يمكن حسم «تقدمية» الفكرة، في ظل احتمال أن يتوزّع عدد المقاعد الحزبية على أحزاب متعارضة في برامجها وأفكارها، إلا إذا نجحت فكرة التحالفات بينها، وتشكيل حكومات ائتلافية من بعد الحصول على ثقة مجلس النواب. لكن هذا الشرط يتطلب ضمان استمرارية التجربة قبل الحكم المُبكر على مخرجات النسخة الأولى في الانتخابات النيابية المقبلة يوم 10 سبتمبر (أيلول) المقبل.

تطورات الجوار

بطبيعة الحال، لم يسقط من الحسابات السياسية لدى مركز القرار، التداعيات المحتملة لاستمرار حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي؛ إذ إن هذه التداعيات تظل هاجساً في عقل القرار السياسي خوفاً من انسحاب الفوضى إلى الضفة الغربية والقدس، وهناك ستكون الساحة الأردنية هي الأقرب إلى الحدث والتأثر به.

وفي التاريخ الحديث، أجّلت الانتخابات النيابية الأولى في عهد الملك عبد الله الثاني، الذي كان قد تسلم حديثاً سلطاته الدستورية، فحُل مجلس النواب الثالث عشر في العام 2001، وعلق إجراء الانتخابات إلى العام 2003. وكان سبب التأجيل والفراغ التشريعي تداعيات «الانتفاضة الفلسطينية الثانية» التي انطلقت بعد دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون للمسجد الأقصى.

وهكذا، للتداعيات على الساحة الفلسطينية صدى واسع بلا شك على الداخل الأردني؛ وذلك نظراً للاتصال الجغرافي والديموغرافي والروابط المشتركة، وسرعة تأثر الشارع الأردني الذي يرفع الحراك فيه شعارات تطالب الحكومة بإلغاء «معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية» الموقّعة عام 1994، وتصدر الحركة الإسلامية الاحتجاجات الشعبية... وكل هذه عوامل قد تؤثر في القرار.

الحركة الإسلامية الأردنية

في التزامن بين أي انتخابات عامة وتفاعلات القضية الفلسطينية، تتقدّم مخاوف مراكز القرار من نيل الحركة الإسلامية في الأردن (أي جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة في البلاد) وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي»، حصصاً مضاعفة من المقاعد في أي انتخابات؛ إذ لم تأتِ التجربة الحزبية بنسختها الجديدة في الأردن بألوان حزبية غير تقليدية من شأنها أن تكون نظيراً مكافئاً للحركة الإسلامية ومواجهتها في الشارع. وحتى بعد ولادة 37 حزباً آخر ما زالت الأحزاب الجديدة تهرول خلف القواعد الشعبية التي ما فتئت متخوّفة من التجربة ومخرجاتها. وهنا، قد تكون حسابات مراكز القرار صحيحة، وبخاصة، بعدما منحت الهيئة الناخبة في انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية - أكبر جامعات المملكة وأقدمها - التي أجريت الأسبوع الماضي ما يقرب من الـ50 في المائة من مقاعد الاتحاد لطلاب الحركة الإسلامية. بل، لقد فاز أحد طلبة الحركة وهو في السجن، وبعد صدور قرارات بأثر رجعي قضت بعقوبات بالفصل المؤقت لهم على خلفية شكاوى طلابية ومن أعضاء هيئة التدريس.

تلك مثلت فيها الانتخابات «مناورة بالذخيرة الحية» لاختبار وزن القوى الحزبية الجديدة. وبالتوازي، دفعت التجربة الطلابية بمخاوف من انعكاس آثارها على المشهد الانتخابي المرتقب بعد إعلان حزب «جبهة العمل الإسلامي» مشاركته في الانتخابات النيابية المقبلة، ومباشرته درس الخريطة الانتخابية تمهيداً لتوزيع مرشحيه على المنافسات في 18 دائرة انتخابية محلية، ودائرة عامة على مستوى الوطن خصّصت مقاعدها للأحزاب.

ما يستحق الإشارة، في هذا الإطار، هو أن المرحلة الماضية شهدت تصعيداً من قبل الحركة الإسلامية التي نفّذت احتجاجات أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان، في سياق محاولة الضغط على الحكومة باتجاه تصعيد الموقف من إسرائيل، استجابة لنداءات قادة حركة «حماس» في خروج الشارع الأردني لنصرة غزة. وفي هذه الأثناء يتمسك الأردن الرسمي بموقفه الداعم لجهود إغاثة المدنيين في القطاع بعد تنفيذ القوات المسلحة الأردنية، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع أكثر من 100 إنزال جوي، و256 إنزالاً جوياً بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة. ويضاف إلى ما سبق، الجهود الدبلوماسية التي أسفرت عن إدخال آلاف الأطنان من المساعدات من خلال معبر كرم أبو سالم، ليكسر الأردن الحصار البري والبحري على قطاع غزة، إلى جانب ما خاضه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من حملة دولية ساهمت في تعرية الموقف الإسرائيلي خلال الحرب، وتراجع الدعم الدولي لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على المدنيين، وهي الحرب التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 36 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، في وقت جرى فيه تدمير البنى التحتية في القطاع، وتشريح مئات الآلاف من بيوتهم.

في أي حال، تعبّر الأزمة بين السلطة و«الإخوان» في الأردن، عن حالة استعصاء واضحة، وبالأخص، بعد رصد مكالمات لقادة الحركة الإسلامية في الأردن المحسوبين على جناح «حماس»، وهم يتلقون تعليمات من الخارج تطالب بتأجيج الشارع الأردني، والضغط على الموقف الرسمي، بهدف فتح جبهة جديدة في دول جوار فلسطين. وهذا الأمر يتقاطع مع رغبات إيرانية تبحث عن الفوضى في الداخل الأردني، وتلك مساعٍ إيرانية أيدتها المعلومات الخاصة بالأجهزة الأردنية، وتدعمها محاولات مستمرة من فصائل إيرانية متمركزة في الجنوب السوري، تريد إغراق السوق الأردنية بالسلاح والمخدرات، وإثارة القلق على الحدود مع سوريا. لم يسقط من الحسابات الأردنية التداعيات المحتملة لاستمرار حرب غزة

د بشر الخصاونة (غيتي)

رؤساء الحكومات الأردنية منذ عام 2000

- عبد الرؤوف الروابدة (الحكومة الـ84): 4 مارس (آذار) 1999 إلى 19 يونيو (حزيران) 2000.

- علي أبو الراغب (الحكومات 85 و86 و87): 19 يونيو 2000 إلى 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2003.

- د.فيصل الفايز (الحكومة الـ88): 25 أكتوبر 2003 إلى 5 أبريل (نيسان) 2005.

- د.عدنان بدران (الحكومة الـ89): 6 أبريل 2005 إلى 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005.

- د.معروف البخيت (الحكومتان الـ90 والـ94): 27 نوفمبر 2005 إلى 25 نوفمبر 2007، و9 فبراير (شباط) و17 أكتوبر 2011.

- نادر الذهبي (الحكومة الـ91): 25 نوفمبر 2007 إلى 9 ديسمبر (كانون الأول) 2009.

- سمير زيد الرفاعي (الحكومتان الـ92 والـ93): 14 ديسمبر 2009 إلى 22 نوفمبر 2010، و24 نوفمبر 2010 إلى 1 يناير (كانون الثاني) 2011.

- عون الخصاونة (الحكومة الـ95): 17 أكتوبر 2011 إلى 26 أبريل 2012.

- د.فايز الطراونة (الحكومة الـ96، وسبق له ترؤس الحكومة الـ93 بين 1996 و1999): 2 مايو (أيار) 2012 إلى 3 أكتوبر 2012.

- د.عبد الله النسور (الحكومتان الـ97 والـ98): 10 أكتوبر 2012 إلى 29 مايو 2016.

- د.هاني المُلقي (الحكومتان الـ99 والـ100): 29 مايو 2016 إلى 4 يونيو 2018.

- د.عمر الرزّاز (الحكومة الـ101): 4 يونيو 2018 إلى 3 أكتوبر 2020.

- د.بشر الخصاونة (الحكومة الـ102): 12 أكتوبر 2020 ... حتى الآن.


مقالات ذات صلة

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

حصاد الأسبوع لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

حققت الهند والصين تقدماً كبيراً على صعيد المناقشات حول حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا؛ ما يشير إلى إمكانية لتحسين العلاقات في أعقاب المناوشات التي وقعت بين الجانبين، وأسفرت عن تجميد العلاقات بين العملاقين الآسيويين. هذا التقدّم الكبير المتمثل في الإعلان عن الاتفاق على «فك الاشتباك العسكري»، والذي جاء قبيل انعقاد قمة «البريكس» السادسة عشرة في روسيا، مهّد الطريق للمباحثات الثنائية بين رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جينبينغ. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم أن العلاقات التجارية ظلت عند مستويات قياسية مرتفعة، تضرّرت العلاقات الثنائية في مجالات، بينها الاستثمار والسفر والتأشيرات... ويبقى الآن أن نرى ما إذا كانت العلاقات الثنائية ستتعافى.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)

الهند أصرَّت على رفض «مبادرة الحزام والطريق» الصينية

> على الرغم من ذوبان الجليد في العلاقات الصينية - الهندية، رفضت الهند في اجتماع «منظمة شنغهاي للتعاون»، الذي اختتم أعماله حديثاً في باكستان، الانضمام.

حصاد الأسبوع  تايي أتسكي سيلاسي

تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي

داعياً إلى «السلام والوحدة بين أبناء الشعب»... ورافضاً «استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية»، دشّن الدبلوماسي الإثيوبي المخضرم تايي أتسكي سيلاسي، مرحلة جديدة في تاريخه السياسي، وأدّى اليمين الدستورية رئيساً لإثيوبيا خلفاً للرئيسة سهلي ورق زودي، التي انتهت ولايتها في أكتوبر الحالي، فبات بذلك الرئيس الخامس للبلاد منذ إقرار «دستور 1995»، الذي ينصُّ على انتخاب الرئيس لولايتين على الأكثر، كل منهما 6 سنوات.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع منغستو هيلا ميريام (غيتي)

5 رؤساء جمهورية تعاقبوا على حكم إثيوبيا

تقع جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، تقع في منطقة القرن الأفريقي، ويتجاوز تعداد سكانها 123 مليون نسمة، وعاصمتها أديس أبابا هي مقر الاتحاد الأفريقي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)

عودة مصرية لأفريقيا لمجابهة مخاطر وتحولات

مراحل متفاوتة شهدتها العلاقات «المصرية - الأفريقية»، بدأت بدور محوري بوصفه قوة داعمة لحركات التحرر، ثم تحولت إلى لاعب دبلوماسي ذي نفوذ، ثم تراجعٌ وغيابٌ

محمد الريس (القاهرة)

جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

بارو
بارو
TT

جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

بارو
بارو

فور تولي بارو مهام منصبه، باشر وزير الخارجية الفرنسي تنظيم زيارة للشرق الأوسط تهدف إلى بحث النزاع مع مختلف الأطراف، ومحاولة حلحلة الوضع المتأزم، معلناً: «لقد حان وقت الدبلوماسية».

وُلد جان نويل بارو يوم 13 مايو (أيار) 1983 في العاصمة الفرنسية باريس، وهو يتحدّر من عائلة سياسية معروفة، إذ كان والده جاك بارو، الذي تُوفي عام 2014 سياسياً بارزاً من كتلة الوسط المسيحي، وكان قد شغل عدة حقائب وزارية، إضافة لمنصب نائب رئيس اللجنة الأوروبية وعضو «المجلس الدستوري»، وهو منصب مرموق لا يشغله سوى الساسة المحنَّكين في فرنسا.

ثم إن جدّه نويل بارو كان مناضلاً في الجيش السّري، ومقاوماً لـ«نظام فيشي» المتعاون مع النازية إبّان الحرب العالمية الثانية، وكان مكلفاً بتهريب الأدوية إلى أفراد المقاومة الشعبية بحكم عمله صيدلياً. وبعد انتهاء الحرب شغل منصب نائب في البرلمان، وعمدة لمدينة إيسنجو الصغيرة (بجنوب شرقي فرنسا).

جذور عائلية سياسية

الجذور السياسية لعائلة بارو ضاربة إذن بقوة في منطقة الأوت لوار، بجنوب شرقي فرنسا. والواقع أن التمثيل النيابي للمنطقة - القريبة من مدينة ليون - ظل داخل هذه العائلة من عام 1945 حتى عام 2004 دون انقطاع، منتقلاً من الجَد إلى الأب، قبل أن يلحق بهما الحفيد جان نويل (41 سنة). وهذا الحفيد، الذي بات، اليوم، وزيرخارجية فرنسا، فاز بأول مقعد نيابي له عام 2017. ثم إن جان نويل لم يرِث من والده وجَدّه المنصب فحسب، بل ورث منهما أيضاً القناعات السياسية والالتزام بتيار يمين الوسط. فعائلته محسوبة على خط يمين الوسط المعتدل أباً عن جَدّ، فالجدّ نويل كان رئيساً لحزب الوسط الديمقراطي لسنوات، والوالد جاك كان السكرتير العام لكتلة الوسط (أو دي إف)، أما ابنه جان نويل بارو فعضو في «الحركة الديمقراطية (مودام)»، التي تمثل، اليوم، تيار الوسط في فرنسا، وكان ناطقاً وطنياً باسمها (في 2018)، ثم أميناً عاماً (بين 2018 و2022)، قبل أن يغدو نائباً لرئيس هذه الكتلة السياسي البارز فرنسوا بايرو، وأحد أقرب المقرّبين منه (منذ يوليو/ تموز 2022).

خبير في الاقتصاد وإدارة الأعمال

تلقّى جان نويل بارو تعليمه العالي في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للتجارة «آش أو سيه»، وعلى شهادة الماجستير من معهد باريس للعلوم السياسية «سيانس بو» المرموق. ولقد عمل زميلاً بحثياً في مدرسة سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «إم آي تي»، إحدى أرقى جامعات العالم والولايات المتحدة، بين 2013 و2017.

وفي 2018 عُيّن وزير الخارجية الجديد، في فرنسا، أستاذاً محاضراً بالمعهد العالي للتجارة «آش أو سيه». وتناولت أبحاثه مجال الشؤون المالية، وشبكات الإنتاج، وتقييم السياسات العامّة لدعم المنشآت وتمويل الشركات، وسياسات دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. ونُشرت أعماله في مجلات دولية رائدة مثل المجلة الفصلية للاقتصاد، ومجلة الاقتصاد المالي، وعلوم الإدارة.

إنجازاته في الحكومة

أما سياسياً، فقد شغل بارو منصب الوزير المنتدب للشؤون الأوروبية بحكومة غبريال أتال بين فبراير (شباط) وسبتمبر (أيلول) 2024. وقبلها كان الوزير المنتدب للشؤون الرقمية في حكومة إليزابيث بورن من 2022 إلى 2024، وكانت له عدة إنجازات في هذا المجال أشادت بها وسائل الإعلام، إذ كتبت صحيفة «شالنج» الفرنسية، في موضوع تحت عنوان «الصعود الخارق لجان نويل بارو»، ما يلي: «في مجال الرقمنة، كانت حماية الطفولة في الشبكة العنكبوتية من أهم اهتمامات السيد بارو، حيث اقترح حجب المواقع الإباحية ومكافحة ظاهرة التنمّر الإلكتروني. كذلك بذل مجهوداً كبيراً للتنبيه إلى خطر التدخل الأجنبي بغرض التأثير، وبالأخص التدخل الروسي في مواقع التواصل إبّان الانتخابات الأوروبية الأخيرة».

وشرحت الصحيفة الفرنسية كيف أن الوزير كان في غاية الجرأة والشجاعة، واستطاع الوقوف في وجه عمالقة التواصل الاجتماعي حين هدّد بحظر منصّة «إكس (تويتر سابقاً)»، ما لم تحترم قواعد الاعتدال المعتمَدة في دول المجموعة الأوروبية. وعقب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها فرنسا عام 2023 ضد غلاء المعيشة، أقدم بارو على إجراء استثنائي تمثَّل بحظر كل المحتويات التي تُحرّض على العنف في منصّتي «تيك توك» و«إكس».

المشاركة السياسية

على صعيد آخر، بدأت المشاركة الفعلية لجان نويل بارو في المجال السياسي عام 2015، حين انتُخب مستشاراً جهوياً (عضو المجلس المحلي) عن محافظة إيسنجو، وهو المنصب الذي شغله جدّه، ثم والده لسنوات قبل وفاته بسكتة قلبية عام 2014. وعلى الأثر، قرّر الانخراط في «الحركة الديمقراطية» إلى جانب إيمانويل ماكرون، وبالفعل انتُخب نائباً برلمانياً عن الدائرة الثانية في محافظة الإيفلين الباريسية (عاصمتها فرساي) من 2017 إلى 2022، حيث شغل فيها منصب نائب رئيس اللجنة المالية، وكان مسؤولاً عن تقديم تقارير الهجرة والميزانية واللجوء. وفي 4 يناير (كانون الثاني) 2021، كلّفه رئيس الوزراء السابق، جان كاستيكس، بمهمة لمدة 6 أشهر للعمل مع برونو لومير، وزير الاقتصاد والمالية حينذاك، لمساعدة المناطق على الخروج من الأزمة والتعافي الاقتصادي. وبعدها أعيد انتخاب بارو نائباً بنسبة 72.69 في المائة من الأصوات يوم 9 يوليو 2024، بعدما حلّ رئيس الجمهورية البرلمان، حيث ترأّس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، ابتداءً من 20 يوليو 2024، قبل أن يُعيَّن أخيراً وزيراً للشؤون الخارجية.

حديث العهد بالدبلوماسية

يتولى بارو منصبه «رئيساً» للدبلوماسية الفرنسية، اليوم، في مناخ سياسي دولي متوتر... من أخطر ملامحه الحرب الأوكرانية الروسية، وانفجار الأوضاع في الشرق الأوسط. واللافت أنه فور الإعلان عن تعيين الوزير الشاب، قدّمته الصحافة الفرنسية على أنه «حديث العهد بالدبلوماسية»، بل، على الرغم من أن نشاطه وزيراً للشؤون الأوروبية وخبرته في مجال إدارة الاعمال والاقتصاد شكّلا «نقاط قوة» كبيرة له في منصبه الجديد، فإن قلّة التجربة الدبلوماسية لفتت الانتباه، وفتحت باب النقاش في مصير الدبلوماسية الفرنسية التي تراجعت فاعليتها خلال السنوات الأخيرة، بعدما قادتها شخصيات لم تترك بصمات قوية.

وفي حوار مع يومية «لوباريزيان»، شرح برتران بادي، الأستاذ في معهد «سيانس بو»، أنه «ما كان غريباً اتجاه الرئيس ماكرون إلى تعيين شخصية لا تتمتع بتجربة سياسية، فهو يريد أن يفرض رأيه ويسيطر على زمام السياسة الداخلية والخارجية، كما فعل مع كاترين كولونا، وستيفان سيجورنيه، اللذين لم يتركا أي بصّمة على الدبلوماسية الفرنسية».

وفي مقال بعنوان «أوروبي في الخارجية»، نقلت «لوباريزيان» شهادة أورليان تاشي، نائب كتلة «فرنسا الأبيّة» (اليسار)، الذي صرَّح بأن «وزير الخارجية الجديد شخصية سياسية معتدلة، فهو مستعد للحوار مع أي طرف»، وهو - كما يقول نائب اليسار - من أحسن الخصوم السياسيين احتراماً للمعارضة، «لكنني أشكّ بأن يكون لديه هامش من الحرية، بحيث يَسلم من تدخُّل ماكرون وسيطرته...».

وفي مقال آخر بعنوان «جان نويل بارو: مبتدئ على رأس الخارجية»، شرحت صحيفة «اللوموند» بأن وزير الخارجية الجديد «يفتقر إلى الخبرة لكنه مجتهد، أثبت كفاءته فيما يخّص الملفات الأوروبية التي يعرفها عن ظهر قلب». وتابعت أنه «أولاً، قبل كل شيء أوروبي عن اقتناع، ويؤمن بجوهرية العلاقات الفرنسية الألمانية لبناء أوروبا قوية، إذ كانت آخِر مباحثاته في باريس مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك. ولقد لقي خبر تعيين جان نويل بارو ترحيباً في إيطاليا، حيث تربطه علاقات جيدة مع رافاييلي فيتو وزير الشؤون الأوروبية في حكومة جورجيا ميلوني، وسبق لهما التعاون في ملفات الهجرة بنجاح (الذي عُيّن منذ فترة نائباً لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين)».

وتابعت «اللوموند» بأنه سيتوجب على الوزير الجديد العمل على كثير من الملفات في وقت قياسي، وعليه أيضاً أن يفرض نفسه لأنه «خفيف الوزن في غابة العلاقات الدولية».

قضايا ساخنة... ومناخ دولي متوتر

وحقاً، تنتظر وزير الخارجية الجديد قضايا دولية ساخنة جداً، فالحرب في أوكرانيا مستمرة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة، دون الوصول إلى حلّ. ثم هناك بين القضايا الدولية الحسّاسة الأخرى الحرب في السودان، والقضية النووية الإيرانية، وقبل كل شيء انفجار الأوضاع في الشرق الأوسط، مع استعار الحرب في قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي على لبنان.

وهنا نشير إلى أنه فور تولي بارو مهام منصبه، باشر وزير الخارجية الفرنسي تنظيم زيارة للشرق الأوسط تهدف إلى بحث النزاع مع مختلف الأطراف، ومحاولة حلحلة الوضع المتأزم، معلناً: «لقد حان وقت الدبلوماسية». وبالفعل، ندّد بارو بموجة التفجيرات القاتلة التي وقعت في لبنان، خلال الفترة القصيرة الماضية، عبر أجهزة اللاسلكي، قائلاً، لإحدى وسائل الإعلام: «حتى وإن كنا نعترف بحق إسرائيل في ضمان أمنها، فهناك هجمات أصابت المدنيين بشكل عشوائي، وتسببت في إصابة الآلاف من الجرحى وقتل الأطفال». وفي المقابل، أدلى بتصريحات داعمة لإسرائيل، بعد اجتماع مع نظيره يسرائيل كاتس، قال فيها إن «حزب الله» اللبناني «يتحمل مسؤولية كبيرة على صعيد اتساع نطاق الحرب في لبنان، بعدما جرَّ لبنان إلى حربٍ لم يخترها». وأردف أن فرنسا «ملتزمة التزاماً لا يتزعزع بأمن إسرائيل...»، علماً بأن التصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون جاءت متعارضة مع كلام وزير خارجيته حين قال إن «الأولوية، اليوم، هي العودة إلى حلّ سياسي، والكفّ عن تسليم الأسلحة لخوض المعارك في غزة». وذكر أن فرنسا «لا تُسلّم أسلحة»، ما أغضب الأطراف الإسرائيلية، وأكد التوقعات بأن ماكرون سيفسد مساعي بارو بتدخلاته وتصريحاته المتعارضة.