الاشتراكيون والديمقراطيون الاجتماعيون هيمنوا على «برتغال ما بعد الديكتاتورية»

أبرز رؤساء الحكومات سواريش وغوتيريش وبارّوسو وسا كارنيرو

أنطونيو غوتيرّيش (رويترز)
أنطونيو غوتيرّيش (رويترز)
TT

الاشتراكيون والديمقراطيون الاجتماعيون هيمنوا على «برتغال ما بعد الديكتاتورية»

أنطونيو غوتيرّيش (رويترز)
أنطونيو غوتيرّيش (رويترز)

> بعد أيام تحتفل البرتغال باليوبيل الذهبي لـ«ثورة القرنفل»، التي تفجّرت يوم 25 أبريل (نيسان) 1974 وأطاحت الديكتاتورية لتستعيد الديمقراطية وتؤسس لنظام شبه رئاسي، يضع السلطة التنفيذية بيد رئيس الوزراء... فيما باتت تُعرف بـ«الجمهورية البرتغالية الثالثة».

لقد تعاقبت على هذه «الجمهورية» حتى الآن 24 حكومة، كانت أولاها «هيئة الإنقاذ الوطني»، التي تولّت رئاستَي الجمهورية والوزراء وصلاحيات البرلمان لفترة 3 أسابيع، وسلّمت بعدها الحكم لحكومة مؤقتة تعاقب عليها 4 من الشخصيات المستقلة حتى صيف عام 1976.

خوسيه مانويل بارّوسو (رويترز)

وفي يوم 23 يوليو (تموز) 1976 شكّل الزعيم الاشتراكي التاريخي، الدكتور ماريو سواريش، أول حكومة دستورية بعد سقوط الديكتاتورية استمرّت لسنتين، ثم عاد ليشكّل حكومته الثانية في عام 1983، ثم انتُخب لاحقاً رئيساً للجمهورية.

بعد حكومة ماريو سواريش الأولى تعاقب على الحكم 3 رؤساء مستقلين، كانت آخرهم ماريا لورديس بينتاسيلغو، المرأة الوحيدة التي تولت رئاسة الحكومة في البرتغال حتى الآن، ولكن حكومتها استمرت أقل من 4 أشهر.

بعدها، في عام 1980 افتتح فرنسيسكو سا كارنيرو عهد حكومات الحزب الديمقراطي الاجتماعي المحافظة، واستمر هذا العهد حتى عام 2004، تخلله فاصل اشتراكي مع حكومة ماريو سواريش الثانية، ثم الأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي شكّل حكومتين اشتراكيتين متتاليتين بين عامي 1995 و2004. وكان أبرز الذين ترأسوا الحكومات البرتغالية من زعماء الحزب الديمقراطي الاجتماعي هنيبعل كافاكو سيلفا الذي شكّل 3 حكومات متتالية من منتصف الثمانينات حتى منتصف التسعينات، قبل أن يُنتخب أيضاً رئيساً للجمهورية.

وما يُذكر أنه بعد حكومة أنطونيو غوتيريش الثانية، تولّى الحكم الزعيم الشاب للحزب الديمقراطي الاجتماعي خوسيه مانويل بارّوسو الذي أصبح لاحقاً رئيساً للمفوضية الأوروبية. وتولّى بعده في عام 2005 الأمين العام للحزب الاشتراكي جوزيه سقراطيس تشكيل الحكومة الحادية والعشرين، التي استمرت 6 سنوات، عاد بعدها الديمقراطيون الاجتماعيون إلى الحكم لفترة 4 سنوات مع بيدرو باسوس، قبل أن يفوز الحزب الاشتراكي مجدداً بالغالبية المطلقة بقيادة أنطونيو كوستا.

مع كوستا عاد الاشتراكيون يرسّخون حضورهم ودورهم في المشهد السياسي البرتغالي، بل ويستعيدون مستويات التأييد الشعبي التي كانوا يتمتعون بها على عهد ماريو سواريش. وبالفعل، قد شكّل كوستا 3 حكومات متتالية كانت آخرها تلك التي استقال من رئاستها في خريف العام الماضي بعد سلسلة من الفضائح التي طالت عدداً من معاونيه وأعضاء حكومته. وكان قرار الاستقالة مفاجئاً بالنسبة لعديد من معاوني كوستا وخصومه السياسيين، خصوصاً أنه لم يكن ملزماً باتخاذه لأنه ما كان متورطاً في أي من الفضائح، ولاستناده إلى غالبية مطلقة في البرلمان تحُول دون سحب الثقة من حكومته. ولكن، يقال إن من بين الدوافع التي حملته على اتخاذ هذا القرار، الذي وصفه بأنه «من باب الحرص على هيبة المنصب»، تطلعه إلى تولي منصب قيادي في المؤسسات الأوروبية.

وهكذا، بعد استقالة كوستا وإجراء الانتخابات المسبقة عاد الحزب الديمقراطي الاجتماعي إلى السلطة مع زعيمه الجديد لويس مونتينيغرو، لكن ضمن «التحالف الديمقراطي» وهو تحالف واسع مع مجموعة من الأحزاب الصغيرة الوسطية والمحافظة، وبتأييد يزيد بقليل على ثلث أعضاء البرلمان.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.