فيليب لازاريني... مفوّض «الأونروا» الشخصية الأممية المؤتمنة على أرواح ملايين الفلسطينيين

بمواجهة ضغوط المزاعم والتهم الإسرائيلية

فيليب لازاريني... مفوّض «الأونروا» الشخصية الأممية المؤتمنة على أرواح ملايين الفلسطينيين
TT

فيليب لازاريني... مفوّض «الأونروا» الشخصية الأممية المؤتمنة على أرواح ملايين الفلسطينيين

فيليب لازاريني... مفوّض «الأونروا» الشخصية الأممية المؤتمنة على أرواح ملايين الفلسطينيين

«من واجبنا أن نمنع استخدام المعونة الإنسانية كسلاح في الحرب»... «لا بد من وقف المذبحة؛ فقد أزف وقف إطلاق النار في غزّة»... «يجب أن تسود الإنسانية في غزّة». هذه مقتطفات من بعض التصريحات التي أدلى بها فيليب لازاريني، المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) خلال الأسابيع الأخيرة المنصرمة. وتوّج لازاريني مواقفه مطلع هذا الأسبوع بتوجيه اتهام صريح ومباشر لإسرائيل بأنها تشنّ حملة للقضاء على هذه الوكالة التي أنشأتها الأمم المتحدة في عام 1949 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين أُجبروا على النزوح من أراضيهم في أعقاب «النكبة»، والتي تحوّلت على مرّ السنين الجهة الوديعة الرئيسية لمنفى فلسطيني الشتات الذين يحلمون بالعودة يوماً إلى ديارهم، أو إلى ما تبقّى منها.

التصريحات التي صدرت أخيراً عن فيليب لازاريني، مدير «الأونروا»، الذي يتمتّع بصدقيّة إنسانية عالية على الصعيد الدولي ويحظى بتقدير كبير بين زملائه في الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، أثارت استياء السلطات الإسرائيلية التي تقود حملة ممنهجة ضد المنظمة الأممية وصلت حد اتهامها بأنها مخترقة من عشرات الموظفين الذين تقول إنهم ينتمون إلى منظمة «حماس».

في غضون ذلك، وبعدما علّقت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية مساهماتها لتمويل «الأونروا» في انتظار نتائج التحقيق المستقل الذي باشرت به اللجنة المستقلة التي شكّلها الأمين العام للأمم المتحدة وكلّف رئاستها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا لتقييم حيادية الوكالة، يردد لازاريني أمام زملائه في مجالس خاصة: «إن العالم لم يشهد بعد كل الفظائع التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزّة، والتي وثّقت الوكالة العديد منها».

الخلفية والمسيرة

منذ أن تخرّج فيليب لازاريني في جامعتي لوزان ونيوشاتيل السويسريتين، حيث درس الاقتصاد وإدارة الأعمال، كرّس الرجل نشاطه للعمل الإنساني. فالتحق خلال عام 1989 بـ«اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، التي يعتبرها السويسريون المفخرة الدولية لنظامهم ورمزاً لحياده، وكان مندوباً لها في بلدان عدة، منها جنوب السودان، ولبنان، والأردن وغزّة. ثم أشرف على إدارة أنشطة «اللجنة» في كل من البوسنة وأنغولا ورواندا، ثم انتقل أواخر تسعينات القرن الفائت إلى القطاع المصرفي الخاص في سويسرا، حيث شغل منصب المسؤول عن ترسيخ قواعد المسؤولية الاجتماعية والاستثمار الأخلاقي.

بعد ذلك، في عام 2003 انضمّ لازاريني إلى «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الأنشطة الإنسانية» (أوتشا) كمنسّق للعمليات في العراق، ثم انتقل إلى أنغولا والصومال، ومنها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وعام 2010 أصبح مديراً لقسم التنسيق والاستجابة في «المكتب»، ثم مساعداً للأمين العام ومنسقاً خاصاً للشؤون الإنسانية في «برنامج الأمم المتحدة للتنمية». ومن ثم، في عام 2005 عيّنه الأمين العام منسّقاً خاصاً لأنشطة المنظمة الإنسانية في لبنان، ومشرفاً على الجوانب الإنسانية لـ«برنامج الأمم المتحدة للتنمية» حتى عام 2020، عندما قرّر الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش تعيينه مفوّضاً عاماً لـ«وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) في الشرق الأوسط.

المتاعب مع إسرائيل

بدأت متاعب لازاريني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية عام 2023 عندما انتقد الحصار الذي فرضته على قطاع غزة. وكان في الواقع أول من وصف القطاع بأنه «مقبرة لسكّان يعيشون رهائن الحرب والحصار والحرمان». وقال: «ستعرف الأجيال الآتية أننا كنا شهوداً على تطور هذه المأساة الإنسانية على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية، ولن يكون بوسعنا أن نقول: لم نكن نعرف. والتاريخ سيسألنا لماذا لم يمتلك العالم الشجاعة اللازمة للتصرّف بحزم من أجل وضع حد لهذا الجحيم على الأرض».

وفي مطلع العام التالي أكّد أمام وسائل الإعلام أن إسرائيل منعت دخول المساعدات الغذائية إلى اكثر من مليون شخص في القطاع.

مواجهة التهم الإسرائيلية

في أواخر يناير (كانون الثاني) الفائت ردّ فيليب لازاريني على الاتهامات التي وجّهتها السلطات الإسرائيلية إلى الوكالة، بأن 12 من موظفيها شاركوا في عملية «طوفان الأقصى»، بقوله: «قدّمت السلطات الإسرائيلية إلى الوكالة معلومات حول المشاركة المزعومة لعدد من موظفيها في الاعتداءات البشعة ضد إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت»، ليضيف: «ومن أجل حماية قدرة الوكالة على تقديم المساعدة الإنسانية، قررت إنهاء عقود أولئك الموظفين والمباشرة بتحقيق سريع لمعرفة الحقائق». وأكد أن أي موظف يكون قد شارك بشكل أو بآخر في أعمال إرهابية سيتعرّض للملاحقة الجنائية.

بعدها، في أواسط فبراير (شباط) الماضي، أعلن لازاريني أنه لا ينوي تقديم استقالته كما كان يطالب عدد من أعضاء حكومة نتنياهو، مؤكداً أن إسرائيل «لم تقدّم بعد أي أدلّة تدعم الاتهامات الخطيرة التي سبق وجهتها إلى بعض موظفي الوكالة». وكانت السلطات الإسرائيلية، ضمن حملتها المركزة على لازاريني قد ادعت أن المنظمة الحقوقية التي أسستها وتديرها زوجته البريطانية أنطونيا مولفي قد وضعت تقارير منحازة ضد إسرائيل، وطالبت بإبعادها عن التحقيقات الجارية.

ومع احتدام الحملة الإسرائيلية على «الأونروا»، وإطلاقها سيل الاتهامات ضدها، صرّح لازاريني يوم الاثنين الفائت أمام جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة قائلاً: «تواجه الوكالة حملة ممنهجة ومقصودة لعرقلة عملياتها بهدف القضاء عليها نهائياً». وتابع في تصريحاته - التي أثارت غضب البعثة الإسرائيلية التي حاولت مقاطعته خلال الجلسة -: «تقوم هذه الحملة على إغراق الجهات المانحة بمعلومات مُضلّلة مُصمّمة لزعزعة الثقة بالوكالة وتشويه سمعتها».

وفي حديثه لاحقاً أمام الصحافيين، شدّد لازاريني على أن الاتهامات ضد الوكالة «تضمّنت ادّعاءات وتضليلاً وتشويهاً للحقائق»، مؤكداً أن «هذه الاتهامات التي نشرتها السلطات الإسرائيلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة لم تقدّمها بصورة رسمية إلى الأمم المتحدة».

تحقيقات داخلية

جدير بالذكر، أنه قبل بدء اللجنة المستقلة تحقيقاتها أواسط الشهر الفائت، كانت «الأونروا» قد باشرت تحقيقاتها الداخلية في المزاعم الإسرائيلية. وتضمّ ثلاث منظمات إسكندينافية متخصصة في تقييم الحياد، ومن المنتظر أن تقدّم تقريرها النهائي أواخر أبريل (نيسان) المقبل.

وفي هذا الشأن، قال لازاريني إن الوكالة «تواجه ظرفاً مفصلياً أمام عجزها عن استيعاب الصدمة المالية الناجمة عن تعليق التمويل في خضمّ الحرب بعدما قرّرت 16 دولة وقف ضخ المساعدات بقيمة 450 مليون دولار؛ ما يهدد بقطع المساعدات الأساسية ليس فقط لسكان القطاع، بل أيضاً إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن وسوريا».

هذا، ومنذ وصول بنيامين نتنياهو إلى الحكم في إسرائيل، دأبت السلطات الإسرائيلية على توجيه الاتهامات للوكالة، مدّعية أن «حماس» تستخدم مدارسها للأنشطة الإرهابي، وتخزين السلاح وحفر الأنفاق تحتها، وأنها تروّج للأفكار المناهضة للسامية في مناهجها التعليمية.

وبعد عملية «طوفان الأقصى»، ازدادت حدة هذه الاتهامات حتى بلغت مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بتفكيكها وإنهاء خدماتها، زاعماً أنه حتى قبل 7 أكتوبر... «كانت (الأونروا) دائماً جزءاً من المشكلة ولم تكن أبداً جزءاً من الحل». وفي آخر التصريحات التي صدرت عن مكتب نتنياهو عن الوكالة، جاء تهديده «أن (الأونروا) لن تواصل بعد الآن أنشطتها في غزة كما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر الفائت، وأن دورها قد انتهى... ولا بد من إبدالها فوراً وقطع تمويلها وتفكيكها».

ولكن، في حين علّقت بعض الدول تمويلها للوكالة، قررت دول أخرى، مثل المملكة العربية السعودية، وقطر، وتايلاند، والمكسيك، وماليزيا، وإندونيسيا وإسبانيا، زيادة حجم مساهماتها.

أين محاسبة إسرائيل؟

كذلك، في ردّه على المزاعم والاتهامات الإسرائيلية ضد الوكالة، تساءل رياض منصور، المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة: «ماذا عن محاسبة إسرائيل على قتلها 158 موظفاً كانوا يعملون في (الأونروا)، ومن بينهم أمهات وأمهات، قُتلوا مع أفراد عائلاتهم؟ وأين هي محاسبتها على تدمير 155 من منشآت الوكالة؟ والأخطر من كل ذلك، عن قتلها وجرحها مئات المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا يسعون إلى اللجوء تحت شعارات الأمم المتحدة لكنهم حُرموا من حمايتها؟». وللعلم، كان 400 فلسطيني قد قُتلوا منذ بداية الحرب بينما كانوا يحتمون في مبانٍ تابعة لوكالة الدولية.

ومنذ أيام شكا لازاريني من أن السلطات الإسرائيلية تتخذ إجراءات عقابية ضد الوكالة وموظفيها تتعارض مع الاتفاقات الموقّعة من الأمم المتحدة. وأردف أنه يطّلع على هذه الإجراءات عن طريق وسائل الإعلام؛ لأن السلطات الإسرائيلية لا تبلّغه رسمياً بها. وكان وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش - الذي ينتمي إلى تكتل اليمين المتطرف - قد غرّد أخيراً على حسابه: «إن إسرائيل ستوقف تطبيق الإعفاءات الضريبية عن الذين يتعاونون مع الإرهاب»، بعدما كان قد أعطى تعليماته بإلغاء المزايا التي يتمتع بها عادة موظفو الأمم المتحدة بموجب الاتفاقات الدولية، وكان أحد المصارف الإسرائيلية يلغي حساب الوكالة من غير إبلاغ المفوض العام بذلك.

تجاهل كامل لموقعه

من جهة ثانية، كان فيليب لازاريني قد أوضح أمام الجمعية العامة أن وزارة الخارجية الإسرائيلية لم تسلّمه التقرير الذي وضعته الاستخبارات الإسرائيلية ويتضمن الاتهامات الموجهة إلى الوكالة وموظفيها، والذي حصلت عليه بعض وسائل الإعلام الأميركية، ويزعم «أن 10 في المائة من موظفي الوكالة يقيمون علاقات ما مع منظمتي (حماس) و(الجهاد الإسلامي)...».

ثم أنه، بعد لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عقب اتخاذه القرار بإنهاء عقود اثني عشر موظفاً في الوكالة، اعترف لازاريني بأنه تصرّف «بعكس ما تقتضيه المحاكمة العادلة» التي أساسها أن المتهم بريء إلى أن تثبت تهمته. وتابع أنه إنما اتخذ قراره انطلاقاً من «المخاطر الكبيرة على سمعة الوكالة في ضوء الاتهامات، ومن أجل الحفاظ على قدرتها لمواصلة أنشطتها وتقديم الخدمات الإنسانية الحيوية في مثل هذه الظروف على أبواب مجاعة محدقة بسبب من عرقلة دخول المساعدات الغذائية».

في المقابل، في خطابه السنوي الأخير أمام الكنيست، واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الزعم أن «الأونروا» «مخترقة كلّياً» من «حماس»، وأنه «لا دور لها على الإطلاق في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب». شدّد لازاريني في حديث إلى الصحافيين على أن الاتهامات الإسرائيلية ضد الوكالة «تضمّنت ادّعاءات وتضليلاً وتشويهاً للحقائق»



وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)
TT

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في المائة مقابل 33 في المائة للديمقراطيين المسيحيين، و15 في المائة للاشتراكيين، و11 في المائة لحزب «الخضر».

لكن اللافت أن الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي لا يحظى حتى الآن بنسبة كافية لدخوله البرلمان الفيدرالي، فتأييده يقف عند 4 في المائة فقط، علماً بأن القانون يشترط الـ5 في المائة حداً أدنى لدخول البرلمان. كذلك سقط حزب «دي لينكا» اليساري المتشدد دون عتبة الـ5 في المائة، إذ يسجل حالياً نسبة تأييد لا تزيد على 3 في المائة بعد انقسامه، وتأسيس زارا فاغنكنيشت حزبها الشعبوي الخاص، الذي لا يبدو أيضاً -حسب الاستطلاعات- أنه سيحصل على نسبة أعلى من 4 في المائة. بالتالي، إذا صدقت هذه الاستطلاعات، فإن أربعة أحزاب فقط ستدخل البرلمان المقبل من أصل سبعة ممثَّلة فيه اليوم. وسيقلص هذا الاحتمال الخليط المحتمل للمشاركة في الحكومة الائتلافية القادمة، بسبب رفض كل الأحزاب التحالف مع حزب «البديل لألمانيا» رغم النسبة المرتفعة من الأصوات التي يحظى بها. وعليه، قد يُضطر الديمقراطيون المسيحيون إلى الدخول في ائتلاف مع الاشتراكيين و«الخضر» مع أنهم يفضلون أصلاً التحالف مع الليبراليين الأقرب إليهم آيديولوجياً.