روسيا... الهاجس التاريخي والجغرافي شبه الدائم لفنلندا

لوتين (آ ب)
لوتين (آ ب)
TT

روسيا... الهاجس التاريخي والجغرافي شبه الدائم لفنلندا

لوتين (آ ب)
لوتين (آ ب)

> لا يختلف موقف الرئيس الفنلندي الجديد ألكسندر ستاب من روسيا عن موقف سلفه سولي نينيستو الذي شبك علاقة خاصة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين طوال فترة رئاسته التي استمرت 12 سنة، والتقاه عدة مرات، ونجح في لعب دور الوسيط بينه وبين الغرب قبل أن تتغير هذه العلاقة بعد حرب أوكرانيا.

غير أن ستاب يختلف عن سلفه في نظرته لعلاقة فنلندا بحلف شمال الأطلسي (الناتو). ومع أن نينيستو هو من قاد بلاده للانضمام للحلف، فهو لم يكن من مؤيدي الانضمام في السابق، على عكس ستاب الذي روّج لذلك منذ سنوات. وفي سبتمبر (أيلول) 2014 قال ستاب في مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية: «كان يجب أن تصبح فنلندا عضواً في (الناتو) عام 1995 عندما انضمت إلى الاتحاد الأوروبي». قبل أن يضيف: «إن الانضمام لـ(الناتو) آنذاك لا يحظى بشعبية كافية»، ولهذا السبب لن يدفع لتحقيقه. ولكن عندما قررت فنلندا الانضمام لـ«الناتو» العام الماضي، أجرت الحكومة استفتاءً شعبياً حظي بموافقة الفنلنديين، وهو ما فتح الباب أخيراً أمام انضمامها.

نينيستو (رويترز)

كلام ستاب للمجلة الألمانية جاء بعد بضعة أشهر على غزو القوات الروسية شبه جزيرة القرم الأوكرانية وضمها إلى أراضي روسيا. وقد وصف روسيا في حينه بأنها «جارٌ قوي نتشارك معه حدوداً بطول 1300 كيلومتر خضنا حولها حرباً في الماضي». وحقاً، خاضت فنلندا حرباً قاسية مع روسيا أيام الاتحاد السوفياتي عُرفت بـ«حرب الشتاء» التي استعرت بين نوفمبر (تشرين الثاني) 1939 وفبراير (شباط) 1940. وفي تلك الحرب تمكّنت الدولة الصغيرة من الصمود لأشهر في وجه قوة «الجيش الأحمر» السوفياتي وألحق جيشها به خسائر كبيرة، لكنها خسرت في النهاية واضطرت للتخلي عن 11 في المائة من أراضيها لصالح الاتحاد السوفياتي. ومنذ ذلك الحين، تنفق فنلندا على جيشها أكثر من 2 في المائة من ناتجها العام، وهي النسبة التي يوصي بها «الناتو» للدول الأعضاء، كما أنها أبقت على الخدمة العسكرية الإجبارية.

من جانب آخر، يتميز ستاب كذلك عن منافسه الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بيكا هافيستو، بأنه يؤيد إنشاء «الناتو» قواعد عسكرية دائمة في فنلندا، وهو ما يعارضه أيضاً نينيستو والحكومة الفنلندية حتى الآن. وأكثر من هذا، تكلم ستاب عن ضرورة استعداد فنلندا لأن تكون ممراً لأسلحة نووية للحلف الغربي؛ إذ قال خلال الحملة الانتخابية: «في بعض الأحيان، السلاح النووي ضمانة للسلام»، إلا أن موقفه من نشر الأسلحة النووية داخل بلاده ما زال غير واضح، علماً أن نشر الأسلحة النووية ممنوع بحسب القانون حالياً ولا يمكن للرئيس مخالفة ذلك.

هافيستو (روينرز)

على صعيد متصل، في حين لا تزال الدول الغربية غير متفقة على موضوع ضم أوكرانيا لـ«الناتو»، يبدو ستاب مقتنعاً بهذا الأمر؛ إذ إنه قال على هامش مشاركته في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، إنه «على المدى البعيد، علينا أن نسعى جاهدين لضم أوكرانيا لـ(الناتو). أنا واثق من أننا سنرى اللهجة تتغير... وأعتقد أن الاتجاه واضح والمسألة مجرد مسألة وقت».

في كل الأحوال، على الرئيس في فنلندا، إضافة إلى قيادته السياسة الخارجية وكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن يكون رئيساً جامعاً للفنلنديين. واليوم يحل ستاب مكان نينيستو، الرئيس الذي نجح في جمع الفنلنديين حوله وكان محبوباً لغاية نهاية ولايته الثانية، وقد اضطر للمغادرة لأن الدستور لا يسمح له بالترشح لولاية ثالثة. هذا، وكان يُنظر لنينيستو على أنه ساعٍ للسلام والوحدة، ومع أنه كان يتمتع بعلاقة خاصة بالرئيس الروسي بوتين وكان يجيد اللغة الروسية، فهو كان الرئيس الذي أدخل بلاده إلى «الناتو»، الأمر الذي زاد من شعبيته بين الناخبين الذين رأوا أنه قادهم في فترة حساسة نحو مزيد من الأمن والأمان.


مقالات ذات صلة

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

شؤون إقليمية رجل شرطة روسي يقف حارساً عند قبر الجندي المجهول في حديقة ألكسندر خارج الكرملين بموسكو (إ.ب.أ)

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

احتجت إيران، الحليف الوثيق لموسكو، لدى السلطات الروسية بعد عملية توقيف «عنيفة» لطالبَين إيرانيين في مدينة قازان الروسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا سفينة تتبع كوريا الشمالية في ميناء روسي (صورة نشرتها مجموعة «أوبن سورس سنتر»)

لقطات جوية تظهر انتهاك كوريا الشمالية للعقوبات المفروضة على النفط الروسي

خلص تحليل لصور التقطتها أقمار اصطناعية إلى ترجيح أن كوريا الشمالية تلقت أكثر من مليون برميل من النفط من روسيا على مدى ثمانية أشهر.

«الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين يأمر بـ«اختبارات» في الوضع القتالي للصاروخ «أوريشنيك»

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك» ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

روسيا: تصرفات بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب

نقلت وكالة «سبوتنيك» للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله (الجمعة) إن تصرفات إدارة الرئيس بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا قبة مبنى مجلس الشيوخ في الكرملين خلف برج سباسكايا وسط موسكو 4 مايو 2023 (رويترز)

روسيا: قصف أوكرانيا بصاروخ فرط صوتي تحذير للغرب

قال الكرملين، الجمعة، إن الضربة التي وُجّهت لأوكرانيا باستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي تم تطويره حديثاً تهدف إلى تحذير الغرب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.