لبنان: «حزب الله» يتحوّل إلى الدفاع في مواجهة إسرائيل

هوّة معلومات وقيود سياسية تحصر ردوده بأهداف عسكرية حدودية

قصف عبر الحدود على الجيهة بين إسرائيل وحزب الله (آ ف ب/غيتي)
قصف عبر الحدود على الجيهة بين إسرائيل وحزب الله (آ ف ب/غيتي)
TT

لبنان: «حزب الله» يتحوّل إلى الدفاع في مواجهة إسرائيل

قصف عبر الحدود على الجيهة بين إسرائيل وحزب الله (آ ف ب/غيتي)
قصف عبر الحدود على الجيهة بين إسرائيل وحزب الله (آ ف ب/غيتي)

ضيّقت التوازنات السياسية اللبنانية والحسابات الدولية هوامش «حزب الله» في الردّ على الاستهدافات الإسرائيلية، وقادته بعد نحو 4 أشهر على الحرب من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع، وأطلقت يد إسرائيل في تنفيذ اغتيالات واستهدافات نوعية في العمق اللبناني، وجد نفسه عاجزاً عن الرد عليها بالمستوى ذاته، بسبب فارق التقنيات، والهوة في المعركة الأمنية وقاعدة البيانات أو المعطيات (الداتا)، والقيود التي فرضها على نفسه في المعركة وألزمته بحصر القتال في مدى جغرافي لا يتجاوز 5 كيلومترات، إلا فيما ندر. ورغم التهديدات التي يطلقها الحزب بالردّ، فإن أدبيات الخطاب المعلن الصادر على ألسنة مسؤوليه لا تتخطى البُعد الدفاعي في الفترة الأخيرة، ومواجهة أي خطة إسرائيلية لتوسعة الحرب، والإعلان المتواصل عن الاتجاه لإيقاف المعركة عندما تنتهي معركة غزة، ورفض كل العروض والنقاشات التي تنقل أجواء إسرائيلية تطالب بإخلاء مقاتلي الحزب لمنطقة جنوب الليطاني أو حتى مسافة 7 كيلومترات. كل هذا يحصل في وقت تتواصل فيه المعارك التي تتطور نوعياً، بعدما تراجع «بنك الأهداف» على الجانب الإسرائيلي من الحدود، إثر إعادة تموضع نفّذه الجيش الإسرائيلي خلال الفترة الماضية.

استقرت المعارك في منطقة الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، بعد 110 أيام على اندلاعها، على واقع جديد يتمثل في مناطق محظورة بالنار على جانبي الحدود.

إذ لم يستطع عشرات آلاف السكان في الجليل من العودة إلى منازلهم، فيما غادر عشرات الآلاف منازلهم أيضاً على الجانب اللبناني. وفي المشهد الأحدث، تقلصت مساحة المواجهات اليومية مع إعادة التموضع التي نفذها مقاتلو الطرفين، وتحولا إلى ضربات واستهدافات. وبينما ينتظر مقاتلو الحزب هدفاً بشرياً على طول الحدود التي تناهز 120 كيلومتراً لاستهدافه، تحوّلت إسرائيل إلى الحرب الأمنية لجهة ملاحقة القياديين والعناصر، واستهداف منازل يُشتبه في أنها كانت تأوي في السابق عناصر للحزب، وتنفذ ضربات في العمق مستندة إلى قاعدة بيانات سابقة ومحدثة.

نعيم قاسم (رويترز)

خزان معلومات إسرائيلي

خبير لبناني في الأمن الرقمي، فضّل إغفال اسمه، قال إن قاعدة البيانات الإسرائيلية «جُمعت على مدى 17 سنة عبر عدة مستويات أساسية تقنية وبشرية، يقوم معظمها على النشاط التقني الذي يبدأ من معطيات الاتصالات (أو داتا الاتصالات) التي تتيح التنصّت وتعقّب المواقع، وتعطي إحداثيات للمسيّرات والأقمار الاصطناعية لتحديد المواقع التي يوجد فيها عناصر الحزب وقياديوه». وبالتالي، فإنها «تعطي إسرائيل صورة كاملة عن مواقع الوجود وإطار التحركات، وتمكّنها من جمع معلومات عن السيارات والمنازل والمواقع الحرجية». ووفق الخبير، فإن هذه المعطيات يجري تحديثها من خلال الأقمار الاصطناعية والمسيّرات التي تفارق سماء الجنوب، ويمكن تدعيمها بجواسيس موجودين على الأرض، وبتحليل بيانات مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان باعتماد الذكاء الاصطناعي.

وتابع الخبير أن المعطيات المجمّعة سلفاً «يجري تقاطعها وتحديثها بالذكاء الاصطناعي، وعليه فأي انكشاف للعناصر الذين جُمعت المعلومات عنهم سابقاً، أو مواقعهم أو سياراتهم أو المعدات التكنولوجية التي يستخدمونها، يتيح تحديث البيانات تلقائياً، ما يسهل الملاحقة والاستهداف».

هوّة معلوماتية هذا التفوق التقني يبرز معضلة أمام «حزب الله» الذي يتحرك حكماً في مناطق مكشوفة للمسيّرات والأقمار الاصطناعية وسائر وسائل الرصد الجوي والتقني، ومن بينها قرصنة كاميرات المراقبة في القرى الحدودية. وهو أيضاً يظهر الهوّة التكنولوجية بين الطرفين، التي تتمثّل في العجز عن تنفيذ عمليات ردّ قائمة على معلومات محدثة وملاحقة، كما الحال عند الجانب الإسرائيلي.

ذلك ظهر بوضوح عبر مستوى الردّ الذي نفذه واستهدف مواقع عسكرية إسرائيلية، بينها مركز قيادة الجبهة الشمالية قرب مدينة صفد في الجليل الأعلى، وقاعدة ميرون للمراقبة الجوية في جبل الجرمق مرتين، أولاهما كان في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي بنحو 62 صاروخاً من أنواع متعدّدة، رداً على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري، والثانية هذا الأسبوع رداً على «الاغتيالات الأخيرة في لبنان وسوريا والاعتداءات المتكررة على المدنيين والمنازل في قرانا الصامدة»، كما قال في بيان.

إذ هذه الردود لم تتوسّع إلى العمق، بالنظر إلى أن الحزب يُحجم عن استخدام ترسانته من الصواريخ المنحرفة المتوسطة المدى، التي تقدر إسرائيل عددها بـ150 ألف صاروخ، إضافة إلى 5 آلاف صاروخ دقيق، وتتمتع بقوة تدميرية، ويلتزم بألا يوسع مساحة الاستهداف إلى مناطق أعمق. وهنا يقول رئيس مركز «الشرق الأوسط للدراسات»، الدكتور هشام جابر، إن الحزب «التزم بمسافة 5 كيلومترات في معظم الردود، بينما كانت إسرائيل تقصف على عمق يتجاوز تلك المسافة». وأضاف أن الأداة تركزت بالصواريخ الموجهة مباشرة، التي تتمتع بدقة تصويب، بينما لم يستخدم ترسانة هائلة من الصواريخ المنحنية على أنواع يمتلكها، باستثناء صواريخ «بركان» التي تتمتع بقدرة تدميرية كبيرة (تُسمى بالعبوات الطائرة، ويتراوح وزن رأسها الحربي بين 300 و500 كيلوغرام)، وصواريخ الكاتيوشا التي قصف بها مستوطنات مثل كريات شمونة والقاعدة العسكرية في صفد بمسافة قصيرة المدة لا تتعدى 15 كيلومتراً، مشيراً إلى أن الحزب «لم يستخدم ترسانة الصواريخ المنحنية المتوسطة المدى».

«بنك الأهداف»

جابر، وهو جنرال متقاعد من الجيش اللبناني، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب لم يستخدم الصواريخ المتوسطة لضرب عكا مثلاً، مع أنها قريبة، بل اعتمد المسيرات الانقضاضية، وذلك «ينطوي على رسائل أمنية يرسلها باتجاه إسرائيل». وأوضح: «تجاوزت إسرائيل أكثر من 15 مرة منطقة جنوب الليطاني إلى شمالها، ليس بالمدفعية والصواريخ، بل بالمسيرات (الدرون) والطائرات، وهو ما دفعه لإرسال مسيرات وصلت إلى حدود حيفا، وذلك حفاظاً على قواعد الاشتباك غير المعلنة بين الطرفين».

وهنا لا ينفي جابر قدرات الحزب في ردّ أوسع بالصواريخ المنحنية والدقيقة، إلا أنه يستدرك: «لكنه ما زال ملتزماً بالمسافة، وهو من ناحية عسكرية غير مضطر للتوسيع طالما أن بنك الأهداف على مسافة 5 كيلومترات لم ينفد، وقد أدت ضرباته إلى إخلاء المستوطنات القريبة والمواقع العسكرية».

ويتابع أن تلك الضربات «فعّالة ولها تأثير»، معتبراً أن قصف جبل الجرمق «استراتيجي»، لكن الرد باغتيالات «غير متاح، لأنه لا أهداف لديه لتنفيذ الاغتيالات، ولا قدرة لديه بالنظر إلى أنه لا يمتلك سلاح جو، ولا معلومات دقيقة عن أهداف بشرية إسرائيلية، فضلاً عن الهوّة التكنولوجية التي تجعل أهدافه عبارة عن مرافق حيوية، لا بشرية، وهي عبارة عن بنك أهداف محضّر سلفاً».

توازنات سياسية إضافة إلى «بنك الأهداف» المتوفر في المنطقة الحدودية، تفرض التوازنات السياسية اللبنانية تجنّب الحزب استخدام ترسانته من الصواريخ الدقيقة، منعاً لتوسع الحرب. إذ فرض المعطى السياسي قيوداً على «حزب الله» وضيّق هوامشه، فانتقلت المبادرات الدولية في الفترة الأولى من الحرب، من الضغط على الحزب لتحاشي توسيعها، إلى الضغط على إسرائيل لتحاشي التوسيع، بعدما أعلن الحزب التزامه بالسياق الدفاعي... وهو ما عبّر عنه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، في تصريح له، قائلاً: «عمل (حزب الله) في الجنوب هو عمل دفاعي... هذا العمل الدفاعي يتطلب مساندة غزَّة، لأنَّه عندما نساند غزَّة، فهذا يعني أنَّنا نساند لبنان، ونساند المقاومة، لأنَّه لا يمكن التفرج على إسرائيل وهي تعبث وهي تقتل وترتكب المجازر وتحتل».

وفي الوقت نفسه، قال في بيان: «عندما يقرر الإسرائيلي توسعة العدوان، سيتلقى الجواب بصفعة كبيرة وبعمل قوي... ويجب أن يعلم العدو أن جاهزية الحزب عالية جداً، فنحن نجهّز على أساس أنه قد يحصل عدوان له بداية وليست له نهاية، وجاهزيتنا لصدّ العدوان لا بداية لها ولا نهاية لها». وربط قاسم مجدداً استعادة الاستقرار على الحدود والمنطقة «بتوقف العدوان بشكل كامل على غزة».

القيود السياسية في الواقع ينقسم المعطى السياسي إلى نوعين. يتصل الأول بالسياسة الإيرانية، بينما يتصل البُعد الآخر بالتوازنات اللبنانية التي تحدث عنها نصر الله بالقول إن الحزب «راعى حتى اللحظة المصالح اللبنانية».

ويشرح الباحث والكاتب السياسي اللبناني، علي الأمين، هذا الأمر لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن الحزب «لم ينطلق إلى الآفاق العربية إلا بقرار إيراني. ذلك أن طهران تريده في العراق وسوريا وسائر الساحات... وهي في سياق الاستراتيجية والسياسة الإيرانية، وهو ملتزم بشكل كامل بها». لكن حسابات التدخل الإيراني في سوريا ودول عربية أخرى «لم تكن تتعرض للمصالح الأميركية، وهي بذلك تختلف عن حسابات الحرب مع إسرائيل، لأنها ستصطدم بالمصالح الأميركية، وستكون في مواجهة معها». وعليه - حسب الأمين - فإن «أي تدخل بحرب ضد إسرائيل، فإن المواجهة لن تنحصر بها، وهذا ما يتنافى مع المصالح الإيرانية».

ويرى الأمين أن «الأميركيين تجنّبوا المواجهة»، لافتاً إلى أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان حين زار بيروت بعد أيام قليلة من انطلاق الحرب «بلّغ رسالة أن التوسع بالمواجهات هو خط أحمر، ويجب إبقاء نمط المساندة والمشاغلة من دون الدخول بالحرب المفتوحة». واعتبر الأمين أن هذا الإطار «لا يستفزّ الأميركيين، ويلبي في الوقت نفسه البُعد المعنوي بأنهم ما عادوا على حياد عندما اندلعت حرب غزة، وذلك لأن طهران لا تستطيع إدارة الظهر وفق مبدأ (وحدة الساحات)، لكنها تسير تحت سقف ألا تستفز الحسابات الأميركية». ورأى الباحث اللبناني أن ما ساعد على هذا الأمر «هو وجود تباين بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهو ما أعطى هامشاً من الحركة، ذلك أن الأميركيين في لحظة معينة قد يكونون بحاجة إلى نوع من الضغط على حكومة نتنياهو وتحريك الضغوط من دون الوصول إلى حرب واسعة، وكانت إيران توفر هذا المطلب».

وفق هذا المبدأ، يرى الأمين «تقاطع مصالح بين واشنطن وطهران، بينما يتحرك الحزب ضمن هذه الدائرة. لكن المتغير الأساسي أنه في أول شهرين، كان السؤال موجهاً لـ(حزب الله) عما إذا كان سيوسّع الحرب، بينما الآن السؤال بات موجهاً للجانب الإسرائيلي الذي باتت المبادرة بيده، فهو الذي يهدد بالحرب الآن». ويعتبر أن فقدان الحزب لموقع يتيح له شن الحرب يعود إلى «الاغتيالات التي حصلت، والتي تظهر أن هناك خرقاً أمنياً وانكشافاً، فيما لا تلقى الاغتيالات الرد الملائم الذي يوازي حجم الاستهداف الإسرائيلي، ما أتاح لتل أبيب التقدم، وتبدو كأنها صاحبة المبادرة التي تمسك بالمعادلة بما يتخطى الحزب».

حرب... بالنقاط بالمعطى اللبناني، يقول الأمين إن وجود الحزب الأمني والعسكري «مكرّس لمهمة مقدسة، هي مهمة الدفاع عن إيران في حال مهاجمتها من قبل الولايات المتحدة، أو إذا تعرضت لتهديد كبير، لكنه في الوقت نفسه، لا يشعل حرباً من أجل فلسطين أو لإنقاذ (حماس)».

ويضيف: «في لحظة تتعرض فيها إيران لتهديد كبير، سيتحرك الحزب، ولا مصلحة له بمواجهة مفتوحة مع إسرائيل ما دون هذا التهديد»، موضحاً أن طبيعة الحرب التي يخوضها مع إسرائيل يتمايز فيها عن استراتيجية «حماس». ففي حين تخوض الأخيرة حرباً مدمرة، يخوض الحزب في المقابل «معركة بالنقاط»، ما يعني أن نظرية الحزب ليست لعبة مواجهة مفتوحة. وفي حين «ينذر الحزب نفسه لمهمة إيرانية أساسية ويدافع عنها، فإنه في المقابل، ليس هناك ما يستحق أن يغامر بنفوذه ودوره بحرب ليست مضمونة النتائج، وترتب عليه المغامرة ببيئته ويؤذي قاعدته». لكن كل ذلك «لا يعني أن إيران ستتخلى عن استخدام العامل الفلسطيني الذي تستثمر به... فهو الذريعة التي تشكل نظام الحماية للوجود العسكري والأمني الذي يمثله الحزب والأذرع الإيرانية، خصوصاً إذا لم يكن لديه بديل يوفر نفس الكفاءة والقيمة».

أما في لبنان، فيقول الأمين إن الحزب «يتمتع بنظام حماية ووضعية نفوذ وسلطة... حيث استوعب التركيبة القائمة بالنظام السياسي وهضمها وجيّرها لصالح مشروعه». وظهر ذلك، حسب الأمين، في انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 «حين تعهّد بإنهاء الانتفاضة، على قاعدة حماية المصالح»، مشيراً إلى أن هذه الحماية «لها ثمن»... وبات هناك «تناغم بين نظام المحاصصة ونظام المصالح الذي باتت المنظومة قائمة عليه، ودور الحزب ونفوذه وسيطرته وخصوصيته، وهو أمر لا يستطيع التفريط به، لأنه ليس حزباً انتحارياً، وبات يفكر بطريقة مختلفة عما كان عليه إبان نشأته. وبالتالي، فإن أي خطوة سيزينها بحسابات نظام مصالحه الخاص».

تعقب تكنولوجي إسرائيلي لمسؤولين في الحزب

> ساهمت التكنولوجيا الإسرائيلية في تعقّب مسؤولين في «حزب الله» واغتيال، بعضهم، ويتصدّرهم القيادي وسام الطويل، أحد أبرز القيادات العسكرية في فرقة «الرضوان» (وحدة النخبة)، وهو في طريق العودة إلى منزله في قرية خربة سلم في جنوب لبنان. كذلك أدت ضربة أخرى في بلدة البازورية الأسبوع الماضي إلى مقتل علي حدرج، الذي نعاه الحزب «شهيداً على طريق القدس»، فيما أظهرت السيرة الذاتية له أنه مهندس، ناقش في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي رسالة الدكتوراه في الجامعة اليسوعية في بيروت، مرتبطة بهندسة الاتصالات. وقتل في الضربة نفسها محمد دياب الذي تناقل اللبنانيون سيرة ذاتية له تظهره خبيراً في التكنولوجيا، ونعاه «المجتمع المدني اللبناني الرقمي المتخصص» كما نعاه «قطاع التكنولوجيا والاتصالات في لبنان». ويرجع الحزب الملاحقة إلى «تكنولوجيا متطورة يتم استخدامها»، إضافة إلى «تعاون استخباراتي أميركي - إسرائيلي، وبريطاني - إسرائيلي يساعد إسرائيل في تحديد أهدافها واغتيالهم».

الكاتيوشا (رويترز)

أسلحة قصيرة المدى يستخدمها«حزب الله» في مواجهة إسرائيل

> تعتمد ترسانة «حزب الله» الأساسية من الأسلحة على الصواريخ، وتنقسم إلى نوعين. هي الصواريخ قصيرة المدى والموجهة التي استخدمها في معركته الأخيرة، إلى جانب المسيرات، والصواريخ متوسطة المدى التي لم يستخدمها حتى الآن. واستخدم الحزب حتى الآن... - صواريخ «بركان» المنحرفة القصيرة المدى، ويطلق عليها السوريون اسم «الفيل»، وهي عبارة عن عبوة طائرة يتراوح وزنها بين 300 و500 كيلوغرام، وتمتاز بقوة تدميرية هائلة. - صواريخ «الكورنيت» الروسية المضادة للدروع، وهي صواريخ موجهة ومعروفة بدقتها، ويستهدف بها تجمعات الجنود ومواقع عسكرية وآليات عسكرية ومدرعات على الحدود. وتعد أبرز الأسلحة التي يستخدمها الحزب في المعركة الأخيرة ضد إسرائيل. - صواريخ «الكاتيوشا»، وهي صواريخ منحرفة قصيرة المدى، يتراوح مداها بين 10 و15 كيلومتراً، وتحمل رأساً حربياً لا يتعدى وزنه 20 كيلوغراماً، واستخدمها في قصف المستعمرات الإسرائيلية. - المسيرات الانقضاضية، وهي مسيرات انتحارية مفخخة، استخدمها لضرب أهداف تبعد مسافة تتراوح بين 10 و20 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية، واستخدمها الخميس لقصف منظومات القبة الحديدية في سهل الحولة جنوب شرقي لبنان،

الكاتيوشا يستخدمها الحزب في قصف المستعمرات الإسرائيلية (غيتي)

كما استخدمها لاستهداف مقر قيادة الشمال في الجيش الإسرائيلي قرب مدينة صفد. - قذائف الهاون (المورتر)، وهي قذائف قصيرة المدى، تُطلق لاستهداف مواقع إسرائيلية وتجمعات جنود. - صواريخ دفاع جوي قصيرة المدى، تستخدم لاستهداف المسيرات الإسرائيلية، وأعلن الحزب عن إسقاط 4 مسيرات منذ بدء الحرب.



جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

بارو
بارو
TT

جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

بارو
بارو

فور تولي بارو مهام منصبه، باشر وزير الخارجية الفرنسي تنظيم زيارة للشرق الأوسط تهدف إلى بحث النزاع مع مختلف الأطراف، ومحاولة حلحلة الوضع المتأزم، معلناً: «لقد حان وقت الدبلوماسية».

وُلد جان نويل بارو يوم 13 مايو (أيار) 1983 في العاصمة الفرنسية باريس، وهو يتحدّر من عائلة سياسية معروفة، إذ كان والده جاك بارو، الذي تُوفي عام 2014 سياسياً بارزاً من كتلة الوسط المسيحي، وكان قد شغل عدة حقائب وزارية، إضافة لمنصب نائب رئيس اللجنة الأوروبية وعضو «المجلس الدستوري»، وهو منصب مرموق لا يشغله سوى الساسة المحنَّكين في فرنسا.

ثم إن جدّه نويل بارو كان مناضلاً في الجيش السّري، ومقاوماً لـ«نظام فيشي» المتعاون مع النازية إبّان الحرب العالمية الثانية، وكان مكلفاً بتهريب الأدوية إلى أفراد المقاومة الشعبية بحكم عمله صيدلياً. وبعد انتهاء الحرب شغل منصب نائب في البرلمان، وعمدة لمدينة إيسنجو الصغيرة (بجنوب شرقي فرنسا).

جذور عائلية سياسية

الجذور السياسية لعائلة بارو ضاربة إذن بقوة في منطقة الأوت لوار، بجنوب شرقي فرنسا. والواقع أن التمثيل النيابي للمنطقة - القريبة من مدينة ليون - ظل داخل هذه العائلة من عام 1945 حتى عام 2004 دون انقطاع، منتقلاً من الجَد إلى الأب، قبل أن يلحق بهما الحفيد جان نويل (41 سنة). وهذا الحفيد، الذي بات، اليوم، وزيرخارجية فرنسا، فاز بأول مقعد نيابي له عام 2017. ثم إن جان نويل لم يرِث من والده وجَدّه المنصب فحسب، بل ورث منهما أيضاً القناعات السياسية والالتزام بتيار يمين الوسط. فعائلته محسوبة على خط يمين الوسط المعتدل أباً عن جَدّ، فالجدّ نويل كان رئيساً لحزب الوسط الديمقراطي لسنوات، والوالد جاك كان السكرتير العام لكتلة الوسط (أو دي إف)، أما ابنه جان نويل بارو فعضو في «الحركة الديمقراطية (مودام)»، التي تمثل، اليوم، تيار الوسط في فرنسا، وكان ناطقاً وطنياً باسمها (في 2018)، ثم أميناً عاماً (بين 2018 و2022)، قبل أن يغدو نائباً لرئيس هذه الكتلة السياسي البارز فرنسوا بايرو، وأحد أقرب المقرّبين منه (منذ يوليو/ تموز 2022).

خبير في الاقتصاد وإدارة الأعمال

تلقّى جان نويل بارو تعليمه العالي في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للتجارة «آش أو سيه»، وعلى شهادة الماجستير من معهد باريس للعلوم السياسية «سيانس بو» المرموق. ولقد عمل زميلاً بحثياً في مدرسة سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «إم آي تي»، إحدى أرقى جامعات العالم والولايات المتحدة، بين 2013 و2017.

وفي 2018 عُيّن وزير الخارجية الجديد، في فرنسا، أستاذاً محاضراً بالمعهد العالي للتجارة «آش أو سيه». وتناولت أبحاثه مجال الشؤون المالية، وشبكات الإنتاج، وتقييم السياسات العامّة لدعم المنشآت وتمويل الشركات، وسياسات دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. ونُشرت أعماله في مجلات دولية رائدة مثل المجلة الفصلية للاقتصاد، ومجلة الاقتصاد المالي، وعلوم الإدارة.

إنجازاته في الحكومة

أما سياسياً، فقد شغل بارو منصب الوزير المنتدب للشؤون الأوروبية بحكومة غبريال أتال بين فبراير (شباط) وسبتمبر (أيلول) 2024. وقبلها كان الوزير المنتدب للشؤون الرقمية في حكومة إليزابيث بورن من 2022 إلى 2024، وكانت له عدة إنجازات في هذا المجال أشادت بها وسائل الإعلام، إذ كتبت صحيفة «شالنج» الفرنسية، في موضوع تحت عنوان «الصعود الخارق لجان نويل بارو»، ما يلي: «في مجال الرقمنة، كانت حماية الطفولة في الشبكة العنكبوتية من أهم اهتمامات السيد بارو، حيث اقترح حجب المواقع الإباحية ومكافحة ظاهرة التنمّر الإلكتروني. كذلك بذل مجهوداً كبيراً للتنبيه إلى خطر التدخل الأجنبي بغرض التأثير، وبالأخص التدخل الروسي في مواقع التواصل إبّان الانتخابات الأوروبية الأخيرة».

وشرحت الصحيفة الفرنسية كيف أن الوزير كان في غاية الجرأة والشجاعة، واستطاع الوقوف في وجه عمالقة التواصل الاجتماعي حين هدّد بحظر منصّة «إكس (تويتر سابقاً)»، ما لم تحترم قواعد الاعتدال المعتمَدة في دول المجموعة الأوروبية. وعقب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها فرنسا عام 2023 ضد غلاء المعيشة، أقدم بارو على إجراء استثنائي تمثَّل بحظر كل المحتويات التي تُحرّض على العنف في منصّتي «تيك توك» و«إكس».

المشاركة السياسية

على صعيد آخر، بدأت المشاركة الفعلية لجان نويل بارو في المجال السياسي عام 2015، حين انتُخب مستشاراً جهوياً (عضو المجلس المحلي) عن محافظة إيسنجو، وهو المنصب الذي شغله جدّه، ثم والده لسنوات قبل وفاته بسكتة قلبية عام 2014. وعلى الأثر، قرّر الانخراط في «الحركة الديمقراطية» إلى جانب إيمانويل ماكرون، وبالفعل انتُخب نائباً برلمانياً عن الدائرة الثانية في محافظة الإيفلين الباريسية (عاصمتها فرساي) من 2017 إلى 2022، حيث شغل فيها منصب نائب رئيس اللجنة المالية، وكان مسؤولاً عن تقديم تقارير الهجرة والميزانية واللجوء. وفي 4 يناير (كانون الثاني) 2021، كلّفه رئيس الوزراء السابق، جان كاستيكس، بمهمة لمدة 6 أشهر للعمل مع برونو لومير، وزير الاقتصاد والمالية حينذاك، لمساعدة المناطق على الخروج من الأزمة والتعافي الاقتصادي. وبعدها أعيد انتخاب بارو نائباً بنسبة 72.69 في المائة من الأصوات يوم 9 يوليو 2024، بعدما حلّ رئيس الجمهورية البرلمان، حيث ترأّس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، ابتداءً من 20 يوليو 2024، قبل أن يُعيَّن أخيراً وزيراً للشؤون الخارجية.

حديث العهد بالدبلوماسية

يتولى بارو منصبه «رئيساً» للدبلوماسية الفرنسية، اليوم، في مناخ سياسي دولي متوتر... من أخطر ملامحه الحرب الأوكرانية الروسية، وانفجار الأوضاع في الشرق الأوسط. واللافت أنه فور الإعلان عن تعيين الوزير الشاب، قدّمته الصحافة الفرنسية على أنه «حديث العهد بالدبلوماسية»، بل، على الرغم من أن نشاطه وزيراً للشؤون الأوروبية وخبرته في مجال إدارة الاعمال والاقتصاد شكّلا «نقاط قوة» كبيرة له في منصبه الجديد، فإن قلّة التجربة الدبلوماسية لفتت الانتباه، وفتحت باب النقاش في مصير الدبلوماسية الفرنسية التي تراجعت فاعليتها خلال السنوات الأخيرة، بعدما قادتها شخصيات لم تترك بصمات قوية.

وفي حوار مع يومية «لوباريزيان»، شرح برتران بادي، الأستاذ في معهد «سيانس بو»، أنه «ما كان غريباً اتجاه الرئيس ماكرون إلى تعيين شخصية لا تتمتع بتجربة سياسية، فهو يريد أن يفرض رأيه ويسيطر على زمام السياسة الداخلية والخارجية، كما فعل مع كاترين كولونا، وستيفان سيجورنيه، اللذين لم يتركا أي بصّمة على الدبلوماسية الفرنسية».

وفي مقال بعنوان «أوروبي في الخارجية»، نقلت «لوباريزيان» شهادة أورليان تاشي، نائب كتلة «فرنسا الأبيّة» (اليسار)، الذي صرَّح بأن «وزير الخارجية الجديد شخصية سياسية معتدلة، فهو مستعد للحوار مع أي طرف»، وهو - كما يقول نائب اليسار - من أحسن الخصوم السياسيين احتراماً للمعارضة، «لكنني أشكّ بأن يكون لديه هامش من الحرية، بحيث يَسلم من تدخُّل ماكرون وسيطرته...».

وفي مقال آخر بعنوان «جان نويل بارو: مبتدئ على رأس الخارجية»، شرحت صحيفة «اللوموند» بأن وزير الخارجية الجديد «يفتقر إلى الخبرة لكنه مجتهد، أثبت كفاءته فيما يخّص الملفات الأوروبية التي يعرفها عن ظهر قلب». وتابعت أنه «أولاً، قبل كل شيء أوروبي عن اقتناع، ويؤمن بجوهرية العلاقات الفرنسية الألمانية لبناء أوروبا قوية، إذ كانت آخِر مباحثاته في باريس مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك. ولقد لقي خبر تعيين جان نويل بارو ترحيباً في إيطاليا، حيث تربطه علاقات جيدة مع رافاييلي فيتو وزير الشؤون الأوروبية في حكومة جورجيا ميلوني، وسبق لهما التعاون في ملفات الهجرة بنجاح (الذي عُيّن منذ فترة نائباً لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين)».

وتابعت «اللوموند» بأنه سيتوجب على الوزير الجديد العمل على كثير من الملفات في وقت قياسي، وعليه أيضاً أن يفرض نفسه لأنه «خفيف الوزن في غابة العلاقات الدولية».

قضايا ساخنة... ومناخ دولي متوتر

وحقاً، تنتظر وزير الخارجية الجديد قضايا دولية ساخنة جداً، فالحرب في أوكرانيا مستمرة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة، دون الوصول إلى حلّ. ثم هناك بين القضايا الدولية الحسّاسة الأخرى الحرب في السودان، والقضية النووية الإيرانية، وقبل كل شيء انفجار الأوضاع في الشرق الأوسط، مع استعار الحرب في قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي على لبنان.

وهنا نشير إلى أنه فور تولي بارو مهام منصبه، باشر وزير الخارجية الفرنسي تنظيم زيارة للشرق الأوسط تهدف إلى بحث النزاع مع مختلف الأطراف، ومحاولة حلحلة الوضع المتأزم، معلناً: «لقد حان وقت الدبلوماسية». وبالفعل، ندّد بارو بموجة التفجيرات القاتلة التي وقعت في لبنان، خلال الفترة القصيرة الماضية، عبر أجهزة اللاسلكي، قائلاً، لإحدى وسائل الإعلام: «حتى وإن كنا نعترف بحق إسرائيل في ضمان أمنها، فهناك هجمات أصابت المدنيين بشكل عشوائي، وتسببت في إصابة الآلاف من الجرحى وقتل الأطفال». وفي المقابل، أدلى بتصريحات داعمة لإسرائيل، بعد اجتماع مع نظيره يسرائيل كاتس، قال فيها إن «حزب الله» اللبناني «يتحمل مسؤولية كبيرة على صعيد اتساع نطاق الحرب في لبنان، بعدما جرَّ لبنان إلى حربٍ لم يخترها». وأردف أن فرنسا «ملتزمة التزاماً لا يتزعزع بأمن إسرائيل...»، علماً بأن التصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون جاءت متعارضة مع كلام وزير خارجيته حين قال إن «الأولوية، اليوم، هي العودة إلى حلّ سياسي، والكفّ عن تسليم الأسلحة لخوض المعارك في غزة». وذكر أن فرنسا «لا تُسلّم أسلحة»، ما أغضب الأطراف الإسرائيلية، وأكد التوقعات بأن ماكرون سيفسد مساعي بارو بتدخلاته وتصريحاته المتعارضة.