غبريال أتّال... الوزير الأول الأصغر سناً في تاريخ فرنسا

قانون حظر العباءة أهم «إنجازاته»

غبريال أتّال... الوزير الأول الأصغر سناً في تاريخ فرنسا
TT

غبريال أتّال... الوزير الأول الأصغر سناً في تاريخ فرنسا

غبريال أتّال... الوزير الأول الأصغر سناً في تاريخ فرنسا

«أصغر رئيس جمهورية في تاريخ الجمهورية يُعيّن أصغر وزير أول في تاريخ الجمهورية». هذه الجملة التي تفّوه بها غبريال أتّال، وزير التربية السابق والوزير الأول الجديد في فرنسا، على أثر مراسم حفل تسلُّم مهامّه الجديدة، تحمل دلالات قوية. الصعود المبهر والسريع للوزير الأول جاء ليُذكّر الفرنسيين بخلفية الرئيس إيمانويل ماكرون في بداياته، فهو يتمتّع بحماس الشباب والطموح الجامح والشعبية الواسعة، حتى لقّبه البعض بـ«ماكرون الجديد». ولقد جاء تعيين أتّال خلفاً لإليزابيث بورن التي قدَّمت استقالتها للرئيس - أو بالأحرى أُقيلت - على أثر تراجع شعبيّتها بشكل واضح، وفي سياق سياسي خاص اتسم بعجز حزب الرئيس ماكرون عن الحصول على الغالبية، واللجوء إلى تحالفات مع اليمين واليمين المتطرف، من أجل المصادقة على قوانين مهمة أُثير حولها كثير من الجدل. ويضاف إلى كل هذا التوقعات بنجاح ساحق لقائمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف في الانتخابات الأوروبية المقبلة بقيادة السياسي الشاب جوردان برديلا، الأمر الذي سيُضعف أكثر موقف الحكومة الحالية ويجعل العهدة الثانية والأخيرة لماكرون البوابة التي ستفتح الطريق نحو وصول اليمين المتطرف إلى سُدة الحكم.

جاء الوزير الأول الفرنسي، الأصغر سناً في التاريخ، غبريال أتال (34 سنة) ليحطّم الرقم القياسي لأصغر رؤساء الحكومة سناً في فرنسا، الذي كان سابقاً بحوزة لوران فابيوس، إذ وصل الأخير إلى قصر ماتينيون؛ أي قصر الرئاسة، عام 1984 وهو يبلغ من العمر 38 سنة. كذلك كان أتّال أيضاً أصغر عضو في الحكومة حين تَقّلد منصب وزير منتدب بديوان وزارة التربية والتعليم (وهو المنصب رقم اثنين بعد الوزير) عام 2018 وهو لا يتعدّى 29 سنة.

الصحافة الفرنسية نقلت شغف الوزير الأول المبكّر بالسياسة، وكانت أول مناسبة احتكّ فيها بالسياسة حين شارك مع والديه، وهو في سن الثانية عشرة من عمره، في مسيرة احتجاجية على أثر وصول جان ماري لوبان، زعيم اليمين المتطرف، إلى الدور الثاني من الرئاسيات عام 2002. بعدها انخرط أتّال في أوساط الحزب الاشتراكي، أوائل عام 2006، ولمّا يتجاوز سن السابعة عشرة لدعم المرشحة السابقة للرئاسيات، سيغولان رويال، وكان أحد الأعضاء البارزين إلى جانب توماس هولاند؛ ابن السيدة رويال في جمعية «ديزير دافونير»، التي أُسّست في حينه لدعم ترشح الوزيرة السابقة، وكان مَثَله الأعلى في السياسة وزير الاقتصاد ورئيس «صندوق النقد الدولي» السابق دومنيك ستروس-كان.

انطلاقة مبكّرةبعد تخرّج أتّال في معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية بباريس عام 2012، اضطلع بأولى مهامّه السياسية، حين عُيّن مساعداً لوزيرة الصحة السابقة، ماري سول، وكان مكلَّفاً بتحرير خطاباتها الرسمية. إلا أنه في عام 2016 قرّر ترك صفوف الحزب الاشتراكي، والالتحاق بإيمانويل ماكرون الذي كان قد أسّس آنذاك تشكيلته السياسية «أون مارش (أو «إلى الأمام») لخوض المعركة الانتخابية، وأصبح، منذ ذلك الوقت، أحد أقرب المقرّبين للرئيس ماكرون، حتى لُقّب بـ«أوائل جيل المشاة»؛ نسبة للحاشية المقرَّبة من ماكرون وأبرز الأعضاء الذين أسهموا في تأسيس حزبه «إلى الأمام» (حالياً الـ«رونيسانس» أي «النهضة» أو «البعث»).

ولكسب الشرعية السياسية، ومزيد من الخبرة الميدانية، دخل غبريال أتّال في السنة التالية معترك الانتخابات التشريعية ليغدو نائباً عن منطقة أو دو سان في ضواحي العاصمة عام 2017، كذلك شغل منصب الناطق الرسمي للحكومة مرتين؛ الأولى في حكومة إدوارد فيليب عام 2018، والثانية في حكومة جان كاستيكس عام 2020. ويومذاك، اختير تقديراً لمهاراته في التواصل والخطاب وتعامله السلِس مع وسائل الإعلام، وبالأخص إبّان فترة انتشار جائحة «كوفيد-19»، ما أسهم في اتساع شهرته عند الرأي العام.

نحو وزارة التربيةأتال شغل أيضاً منصب وزير منتدب بوزارة التربية والتعليم والشباب بين 2018 و2020، ثم منصب وزير منتدب مكلَّف بالحسابات العامة بين 2022 و2023، إلى أن عُيّن وزيراً للتربية والتعليم، خلال يوليو (تموز) 2023، ومع أنه لم يمكث في هذا المنصب سوى ستة أشهر، تمكّن أتّال من لفت الانتباه إليه للهجته الحازمة ومواقفه اليمينية المتشددة كفرض قانون حظر لبس العباءة، ومحاربة التنمّر في المدارس، مُرفقاً تصريحاته بضجيج إعلامي كبير. وقد أسهم هذا الأمر أيضاً في سطوع نجمه، ووصوله إلى نسب قياسية من الشعبية في بلد أضحت غالبية ناخبيه تميل إلى اليمين.

وفي حوار مع صحيفة «لوبوان»، قال الصحافي الكاتب باتريس دوهاميل، مؤلف كتاب «القط والثعلب» (دار نشر لوبسرفاتوار) الذي يتناول علاقة رؤساء فرنسا بوزرائهم الأولين، ما يلي: «علاقة ماكرون بأتال تُذكِّر بالثنائي (فرنسوا) ميتران - (لوران) فابيوس، إذ كان لوران فابيوس آنذاك وزيراً أول شابّاً وقليل الخبرة، وهو كذلك عُيّن في عِزّ أزمة سياسية شديدة بعد سحب قانون «سافاري» حول المدارس الخاصة، أما الفارق فهو أن سلفه (الوزير الأول في حينه) بيار موروا كان يريد الاستقالة، بينما لم تغادر إليزابيث بورن المنصب بملء اختيارها ووفق رغبتها. على أي حال، وفق المعايير المعتادة لاختيار الوزير الأول منذ تأسيس الجمهورية، فإن غبريال أتّال يوافق كل المواصفات المطلوبة. إذ بينه وبين الرئيس ماكرون ثقة كبيرة، كما أن الولاء الذي أظهره للرئيس أمر لا جدال فيه، وإذا رجعنا لمبادئ الأيديولوجية «الماكرونية»، فإن الوزير الأول الجديد هو دون أدنى شك الأكثر انسجاماً مع «فكر» ماكرون من كل نُزلاء ماتينيون الأربعة السابقين. بَيْد أن السؤال المهم - يواصل دوهاميل - هو: هل سيترك ماكرون لغبريال أتّال المساحة الكافية ليحقق ذاته سياسياً؟ وكيف سيُصار إلى الفصل بين مهامّ الاثنين، فالمعروف عن الرئيس الفرنسي أنه يريد التحكم في كل صغيرة وكبيرة، ولا يحبُّ المنافسين؟»

وسط برجوازي وهجوم المعارضة

وُلد غبريال أتّال وترعرع وسط عائلة برجوازية غنية، فوالده إيف أتّال محامٍ ومُنتج سينمائي من أصول يهودية تونسية، أنتج أفلاماً نالت نجاحاً عالمياً كفيلم «الكعب العالي» لبيدرو ألمودوفار عام 1991، و«الوحش» لروبرتو بينيني عام 1994، و«الجمال المسروق» لبرناردو برتولوتشي عام 1996، أما والدته ماري دو كوريس فهي كاتبة سيناريو ومُنتجة من أصول مسيحية أرثوذوكسية روسية. وقد تفسِّر هذه الخلفية ميل غبريال وهو صغير إلى فنون السنيما والمسرح، إذ كان الوزير الأول الجديد شغوفاً بالتمثيل، وتابع بالفعل دروساً في المسرح والتمثيل عندما كان تلميذاً بالمرحلة الابتدائية، وكان قد صّرح، في حوار لمجلة «غالا» الفرنسية بأن مسرحيات موليير وغولدوني التي مثّل فيها تُعدّ تجارب إيجابية سمحت له بالتغلب على الخوف والقلق حين يتعلق الأمر بالكلام على الملأ.

في سياق متصل، كانت وسائل الإعلام قد كشفت عن تسجيل قديم من الأرشيف يظهر فيه غبريال أتّال في سن «التاسعة والنصف» وهو يصرّح، لصحافي كان ينجز تحقيقاً حول مدرسته، بأنه يريد أن يصبح ممثلاً مشهوراً في المستقبل، وقد نصحه والده الذي يعمل في السينما بالبدء بالمسرح. وبالفعل، حين وصل إلى المرحلة الثانوية شارك في إنتاج سينمائي بدور صغير إلى جانب النجمة ليا سيدو، قبل أن يتوجّه نهائياً إلى معترك السياسة.

أيضاً، في حوار مع صحيفة «شالنج»، صرّح غبريال أتّال بشأن عائلته قائلاً: «أنا محظوظ لأنني وُلدت في عائلة ميسورة الحال، وأنا أعلم أن هذا يجعلني عرضة لانتقادات الخصوم الذين يحاولون التشكيك في مهاراتي، لكنني لو لم أكن أعمل بجدّ لَما وصلت حيث أنا اليوم...».

هجمات يسارية و«فتور» يمينيفي المقابل، صرّح مانويل بومبار، النائب من حركة «فرنسا الأبية» اليسارية، منتقداً اختيار أتّال: «لا نستطيع أن نقول إنه عمل كثيراً، أو أنه واجه المشاكل التي يواجهها عامة الفرنسيين والفرنسيات. كيف سيواجه مشاكل الشعب التي لم يعِشها في حياته؟!». وأضافت مانو أوبري، النائبة من التشكيلة السياسية اليسارية نفسها، أن الوزير الأول الجديد «شخص وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب. ومشواره السياسي يتلخص في انتقاله من الدائرة السادسة إلى الدائرة السابعة من باريس»، مُلمّحة إلى حيّين من أرقى أحياء باريس هما الدائرة السادسة حيث تلقّى تعليمه بدءاً بـ«المدرسة الألزاسية» التي لا يقصدها إلا أطفال العائلات الغنية، ثم معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، والدائرة السابعة حيث عمل في الوظائف الحكومية السامية فور تخرّجه، «الأمر الذي يوحي بقلة خبرته الميدانية... ووصوله بفضل امتيازات خاصة». وأدلت بدلوها أيضاً، زعيمة كتلة اليسار الراديكالي، ماتيلد بانو، فوصفت أتال بـ«ماكرون الصغير (جونيور) المتخصّص في الغطرسة والازدراء».

أما قوى اليمين وبعض شخصياته المعروفة أمثال فرنسوا بايرو، زعيم كتلة الموديم (وسط اليمين)، وكذلك إدوارد فيليب الوزير الأول السابق، وألكسي كوهلر السكرتير العام للإليزيه، فأبدوا معارضتهم أيضاً قرار التعيين، بل حاولوا - وفقاً لبعض وسائل الإعلام - إقناع ماكرون بالتخلي عن اختيار أتّال.

بايرو أعرب، في لقاء نُشر بصحيفة «لو باريزيان» عن شكوكه في قدرة أتّال على مواجهة المشاكل الكثيرة التي تمرّ بها الحكومة الحالية بسبب قلّة خبرته الميدانية. في سياق آخر، وجّهت بعض الأصوات اتهامات للوزير الأول الجديد بأنه اتخذ من منصب وزير التربية ذريعة للوصول إلى «قصر ماتينيون»، وبأنه لم يكن يوماً صادقاً في اهتمامه بقطاع التربية والتعليم، «والدليل أنه اكتفى بإعلان حظر العباءة، لإرضاء غالبية من الفرنسيين، والصعود في استطلاعات الرأي، دون أن يتطرق إلى المشاكل الجوهرية التي يتخبط فيها قطاع التربية والتعليم في فرنسا، كنقص الأساتذة، وتدنّي المستوى التعليمي».

غير أن الهجوم الأعنف على أتّال في وسائل التواصل جاء من المحامي والناشط السياسي جان برانكو، الذي كان زميل دراسة للوزير الأول الجديد، إذ خصّص له أربعين صفحة من كتابه «الغسق»، واصفاً إياه بـ«الانتهازي» الذي لم يتردد في خيانة مبادئه السياسية للوصول إلى مراكز السلطة السياسية والنفوذ. وهنا نشير إلى أن برانكو كان أول مَن كشف علاقة أتّال برفيق حياته السابق ستيفان سيجورني، مستشار ماكرون السابق ووزير الخارجية والشؤون الأوروبية الجديد. ومما زعمه أن سيجورني «هو مَن توسّط لغبريال أتّال عند ماكرون ليضمّه إلى فريق أعوانه المقرّبين».

الملفّات الساخنة

على صعيد عملي، في انتظار الوزير الأول الجديد عدةُ ملفات ساخنة؛ أهمها مواجهة تحدّي الانتخابات الأوروبية المقبلة، حيث يبدو الوزير الأول الجديد بشعبيته الكبيرة الشخصية الوحيدة القادرة على مواجهة خطر زحف حزب «التجمع الوطني» المتطرف، إذ توقعت عدة استطلاعات للرأي أن قائمة اليمين المتطرف، بقيادة جوردان برديلا - الرقم 2 في قيادته - ستستحوذ على أكبر نصيب من أصوات الفرنسيين، متقدّمة على حزب ماكرون بأكثر من تسعة نقاط مئوية، لذا سارع الوزير الأول الجديد فور تسلّمه مهامّه، إلى تكثيف الزيارات الميدانية؛ في محاولة لكسب ثقة الفرنسيين وأصواتهم.

ومن ثم فإن المنتظَر من الوزير الأول الجديد أيضاً إعطاء «نَفَس جديد» للعهدة الثانية لماكرون، التي تشهد انقسامات كثيرة في صفوف الغالبية، ولا سيما الجناح اليساري الذي رفض وبقوة مشروع نظام المعاشات، وقانون الهجرة المثير للجدل.

أضفْ إلى ذلك أن العهدة الماكرونية الثانية ستشهد أيضاً التحضير للألعاب الأولمبية في صيف 2024، ومشروع تعديلات قطاع التربية والتعليم وقطاع العمل، لذا فأتّال مُطالَب أيضاً بإيجاد 12 مليار يورو لقطاع الاقتصاد في مصاريف الدولة، بعدما التزمت فرنسا تجاه المجموعة الأوروبية بالحدّ من ديونها التي بلغت في عام 2023 أرقاماً قياسية وصلت إلى 3000 مليار يورو.

المراقبون يرون أن عمل أتّال سيكون صعباً جداً، فمطلوب منه التقرّب من اليمين لكسب مزيد من الأصوات، لكن دون إغضاب الجناح اليساري للغالبية. ومطلوب منه أيضاً فرض سلطته على وزراء حكومته... ومعظم هؤلاء يَكبرونه سناً، بل بعضهم أشرف على تدريبه منذ فترة قصيرة، والبعض الآخر كان يحلم بمنصبه منذ فترة طويلة، كوزير الاقتصاد برونو لومير، ووزير الداخلية جيرالد دارمانان.



تيم والز «ابن الريف الأميركي» يبحث عن تحالف جديد للديمقراطيين

بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
TT

تيم والز «ابن الريف الأميركي» يبحث عن تحالف جديد للديمقراطيين

بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.

يوم الاثنين المقبل، الموافق 19 أغسطس (آب) الحالي، ينعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي «رسمياً»، لتثبيت ترشيح كامالا هاريس ونائبها تيم والز حاكم ولاية مينيسوتا على بطاقة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك في أجواء سيطغى عليها الطابع الاحتفالي، بعدما اختارهما مندوبو الحزب في اجتماع «افتراضي» في وقت سابق. وفي حين يرجح الديمقراطيون أن تحافظ هاريس على الزخم الذي اكتسبوه منذ انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق، وسط أجواء «عاطفية» افتقدها الحزب منذ فترة طويلة، فهم يراهنون أيضاً على الدور المرشح للعبه والز، شخصياً، في الحفاظ على هذا الزخم الذي طرأ على مزاج الناخبين. فبجانب قدرات الرجل الخطابية وشخصيته المحبّبة، قد تلعب جذوره المتواضعة نسبياً في تمكين الديمقراطيين من كسب أصوات بعض الولايات المتأرجحة، ولا سيما ولايات ما يسمى اليوم «الجدار الأزرق»، بل قد تكون مؤشراً على تحوّلات كبيرة داخل الحزب الديمقراطي.

 

 

 

ولد تيموثي (تيم) جيمس والز عام 1964، في بلدة ويست بوينت بولاية نبراسكا، ونشأ فيها على المذهب الكاثوليكي. وهو من عائلة تتحدر من أصول ألمانية وسويدية وآيرلندية. الأم فيها دارلين روز ريمان سيدة منزل، أما الأب جيمس والز فكان مدرّساً ومدير مدرسة، ومحارباً قديماً في الجيش الأميركي، خدم إبان الحرب الكورية. وفي عام 1867، هاجر جدّ والز الأكبر، سيباستيان، من كوبنهايم في دوقية بادن الكبرى بألمانيا، إلى الولايات المتحدة، وكانت إحدى جداته سويدية، وله جدة أخرى آيرلندية.

بعد المدرسة الثانوية، خدم تيم والز في الحرس الوطني للجيش لمدة 24 سنة، درس خلالها لفترة في جامعة هيوستن بولاية تكساس، وعمل في أحد المصانع. ولاحقاً، تخرّج في كلية تشادرون ستيت، وهي كلية جامعية صغيرة في ريف ولاية نبراسكا، قبل أن ينتقل إلى ولاية مينيسوتا عام 1996. وقبل الترشح للكونغرس، عمل مدرّساً لمادة الدراسات الاجتماعية بإحدى المدارس الثانوية ومدرباً لكرة القدم.

عام 2006، قرّر والز الترشح لعضوية مجلس النواب الأميركي، بعد إبعاده هو وبعض الطلاب عن إحدى فعاليات حملة جورج بوش «الابن» عام 2004، بمجرد اكتشاف المنظّمين أنهم ديمقراطيون. وحقاً، فاز يومها عن دائرة الكونغرس الأولى في مينيسوتا، متغلباً على منافس جمهوري شغل المنصب لـ6 فترات. ثم أعيد انتخاب والز لمجلس النواب 5 مرات قبل انتخابه حاكماً لمينيسوتا عام 2018، وثانية عام 2022.

طاقة جديدة

عموماً يندر أن يغيّر المرشحون لمنصب نائب الرئيس معادلات المعركة الرئاسية بشكل جذري. لكن والز، منذ اليوم الأول لاختياره، بدا أنه يمنح الديمقراطيين دفعة جديدة من الطاقة. وهذا ما أظهرته ردود الفعل بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، حين حصدت منشوراته على منصة «تيك توك»، خلال ساعات من اختياره، أكثر من 43 مليون مشاهدة، جاءت نسبة 69 في المائة منها من مقاطع فيديو أنتجها منشئو محتوى «تقدميون» و28 في المائة جاءت من منشئي محتوى مستقلين سياسياً، وفقاً لشركة «كريدو آي كيو» المتخصصة في تحليل وسائل التواصل الاجتماعي. وبين ليلة وضحاها، تحوّل والز من شخصية «مغمورة» إلى اسم مألوف... في ظاهرة شبّهها البعض بجائحة «فيروسية».

يقول البعض إن الديمقراطيين، لعقود من الزمن، كانوا - كما يبدو - بحاجة إلى شخص مثل والز يستطيع التأكيد عملياً أن الطبقة العاملة البيضاء في الريف ليست كتلة واحدة. يضاف إلى ذلك تبيان أن وسط هذه الطبقة توجد أقلية كبيرة من العقلاء الذين يظلون، حتى في ظروفهم الاقتصادية الضعيفة، رافضين التأثر بالمحرّضين الذين يلقون باللوم على المهاجرين... بينما يجمعون ثروات الشركات.

شراكة سياسية جديدة

حقاً، عدّ كثيرون اختيار هاريس لوالز مراجعة «عميقة» أجراها الديمقراطيون بهدف تشكيل شراكة جديدة سترسم مسيرة الحزب الديمقراطي، ليس لانتخابات 2024 فقط، بل ربما مستقبله أيضاً.

فخلال العقود الأخيرة، لم يحظ الحزب الديمقراطي بجاذبية مباشرة عند الطبقة العاملة الريفية البيضاء، وغالباً ما شدّد مرشحوه على أنهم يمثلون مصالح «الطبقة الوسطى» التي تتمركز في المدن والمناطق الساحلية. إذ كانوا بالكاد يتطرقون إلى أبناء «الطبقة العاملة» المقيمين في الضواحي والأرياف وما يعانونه، جرّاء التحولات التكنولوجية والاقتصادية والإنتاجية، التي دفعت بهم إلى «الفقر».

في المقابل، منذ ذلك الوقت، ومع تحوّل هذه الطبقة إلى أهم كتلة سكانية «متأرجحة»، عمل الجمهوريون على استمالتها عبر خطاب شعبوي تجييشي، مستغلّين ظروفها الاقتصادية الصعبة، لقلب ما كان يسمى «ولايات الجدار الأزرق» - أو «ولايات الصدأ» – وانتزاع أصواتها من الديمقراطيين. وبالفعل، عندما صعد والز مع هاريس إلى منصة الحملة الانتخابية في بنسلفانيا، إحدى ولايات الجدار الأزرق، كانت المرة الأولى منذ زمن بعيد التي يتكلّم فيها سياسي ديمقراطي قيادي عن الطبقة العاملة والفقر في البلاد. وكان واضحاً أنه لا يريد إضاعة الفرصة في استغلال جذوره الطبقية والاجتماعية، لتقديم صورة جديدة عن التحالف الذي يطمع الديمقراطيون اليوم ببنائه.

بين الريف والمدينة

لقد بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً. فوالز كان من الديمقراطيين القلائل الذين انتقدوا الحزب بصدق وصراحة عندما وصفه إبان فترة عضويته في مجلس النواب الأميركي بأنه بات «حزب المدن والساحل».

وبالتالي، تظهر هاريس الآن كأنها، وحزبها، تردّ من جهة اليسار على الحزب الجمهوري الذي انزاح أكثر نحو اليمين، آيديولوجياً واجتماعياً وعرقياً، وعبّر عنه جزئياً في مؤتمره الوطني، حين اختار إلى جانب دونالد ترمب، نائبه جي دي فانس، الآتي من أصول لا تختلف كثيراً عن أصول والز. فهاريس أرادت والز إلى جانبها كشخص من ولاية زراعية في الغرب الأوسط، يستطيع أن يتكلم بثقة وأصالة عن الحقائق التي تعتقد أن ترمب ونائبه فانس لن يتكلّما عنها.

الديمقراطيون يرون أن أميركا الريفية الحقيقية متنوعة، على الرغم من كل العنصرية الصاخبة وكراهية المثلية الجنسية والشوفينية التي يتّسم بها الحزب الجمهوري اليوم، والتي بفضلها هيمن على الانتخابات خارج المناطق الحضرية.

كذلك يؤمن الديمقراطيون بأن أرياف البلاد مليئة بالمهاجرين والملوّنين والمثليين والمتحولين جنسياً والسكان الأصليين، حتى المغايرين جنسياً، الذين يعيشون مع البيض، ويعملون معاً بسعادة.

واستطراداً يعدّون أن الحقوق الإنجابية، وتشريع الماريغوانا القانونية، والمدارس العامة، والإجازات الطبية والعائلية مدفوعة الأجر، والتحقق من خلفية شراء الأسلحة، تحظى بدعم كثير من الناخبين عبر الخطوط الحزبية، حتى الأرياف التي تصوت للجمهوريين، وأن للمزارعين ومربّي الماشية ومشرفي الأراضي مصلحة حاسمة في معالجة تغير المناخ، ولو لم يستخدموا اللغة ذاتها التي يستخدمها الناشطون في مجال البيئة.

سجلّ محفّز للديمقراطيين

أيضاً يرى العديد من المشرّعين الديمقراطيين أن كل ما يجسّده سجل والز منذ بدأ حياته السياسية، يمثّل توازناً يمكن أن يساعد ويعزز جاذبية الحزب. إذ صوّت في مجلس النواب بشكل دائم، كديمقراطي معتدل، ثم بصفته حاكم ولاية وقّع على مشاريع القوانين التقدمية لتصبح قانوناً.

ومع أن والز يقتني السلاح، لكنه شدد على أن سكان ولايته - التي يحكمها منذ عام 2019 - يؤمنون أيضاً بـ«قوانين خفض العنف المسلح ذات المنطق السليم». موضحاً: «أنا محارب قديم، وصياد، وأمتلك السلاح. لكنني أيضاً أب، ولسنوات طويلة كنت مُدرِّساً. أعرف أن قواعد السلامة الأساسية المرتبطة باستخدام السلاح ليست تهديداً لحقوقي، فالأمر مرتبط بالحفاظ على سلامة أطفالنا».

ثم إن والز عمل ضمن تحالف من الحزبين، على تمرير تفويضات لمساعدة المزارعين، وعلى ضمان احتفاظ أعضاء الحرس الوطني برعايتهم الصحية عند الاستجابة لحالات الطوارئ في الولاية، رداً على الحملة التي شنت ضده بعد الاحتجاجات التي اندلعت عندما قتل شرطي أبيض الرجل الأسود جورج فلويد.

نصير للفقراء

أكثر من هذا، مرّر والز تشريعات واسعة النطاق، أثارت حماسة الديمقراطيين وغضب الجمهوريين، حين وقّع على قانون حماية الإجهاض، وأكبر ائتمان ضريبي للأطفال في البلاد، ووجبة إفطار وغداء مجانية في مدارس معينة، وإجازة عائلية وطبية مدفوعة الأجر «التي لا يستطيع أي فقير أن يرفضها». كما وقّع على أمر تنفيذي يحمي رعاية التحوّل بين الجنسين.

وفي هذا الصدد، عدّد ديمقراطيون، عملوا سابقاً معه، كياسته ودرايته وذكاءه الحاد بين الأسباب التي تسهّل تواصله مع الناس عبر الخطوط الحزبية. وسرعان ما أثبت ذلك فعلياً، بعد تكراره وصف الرئيس السابق دونالد ترمب وزميله في البطاقة الجمهورية فانس بأنهما أناس «غريبو الأطوار»، ليتحول الوصف إلى اتجاه (ترند) ينتقدهما بوصفهما لا يمثلان القيم الأميركية.

وهكذا، من نافل القول إن اختيار والز أدى إلى إنعاش آمال الديمقراطيين في التمسك بساحات معركة «الجدار الأزرق» الحاسمة والمناطق المتأرجحة، أي ولايات مينيسوتا وويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا. وعبر تمتعه وهاريس بتأييد كاسح من التيار اليساري في الحزب ربما ضمنا ألا تتكرر هزيمة هيلاري كلينتون عام 2016، التي تُعزى إلى إحجام ناخبيه، وخصوصاً الشباب منهم، عن تأييدها.

وهذا ما يراه السيناتور «التقدمي» بيرني ساندرز الذي قال: «أعتقد أن الديمقراطيين كانوا ضعفاء للغاية في أرياف ولاية بنسلفانيا وفي جميع أنحاء هذا البلد. وأعتقد أن والز سيكون رصيداً حقيقياً آتياً من ولاية ريفية للفوز بالدعم الذي تحتاجه في بنسلفانيا وفي جميع أنحاء الغرب الأوسط وأجزاء أخرى من البلاد».

وللعلم، مع أن مينيسوتا، موطن فالز، لم تصوّت للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1972، فاز ترمب بمقاطعات ريفية فيها، وبولايات ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا عام 2016، التي تعد مهمة لانتصار هاريس بعد أن قلبها بايدن في 2020.

السياسة الخارجية

يعد تيم والز يعد من أنصار ما يطلق عليه «المعسكر الواقعي» في السياسة الخارجية، وهو يدعم التعاون العالمي، وبخاصة مع الشركاء الأوروبيين، والاستثمار في العولمة كنموذج اقتصادي لنشر الرخاء وتحويل الصراع إلى تنافس. ويرى أن «العلاقة مع الصين لا ينبغي أن تكون على شكل خصومة»، وأن ثمة كثيراً من «مجالات التعاون» بين البلدين. ويؤيد بقوة مواصلة أميركا دعم أوكرانيا في «حربها الدفاعية» ضد روسيا.

أخيراً، بالنسبة للشرق الأوسط، يلتزم والز بالدفاع عن إسرائيل، لكنه يرفض تحوله إلى رخصة للتعدّي على حقوق المدنيين الفلسطينيين، ولذا يدعم حل الدولتين، لينعكس موقفه هذا بتراجع نسبة «غير الملتزمين» في الولايات المتأرجحة. ويُذكر أنه عارض حرب العراق ودعا إلى سحب القوات الأميركية منه، وطالب باستخدام الدبلوماسية في سوريا بدلاً من التورط في حربها الأهلية. وعارض الضربات الأميركية الجوية هناك في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ودعم الاتفاق النووي مع إيران.