غبريال أتّال... الوزير الأول الأصغر سناً في تاريخ فرنسا

قانون حظر العباءة أهم «إنجازاته»

غبريال أتّال... الوزير الأول الأصغر سناً في تاريخ فرنسا
TT

غبريال أتّال... الوزير الأول الأصغر سناً في تاريخ فرنسا

غبريال أتّال... الوزير الأول الأصغر سناً في تاريخ فرنسا

«أصغر رئيس جمهورية في تاريخ الجمهورية يُعيّن أصغر وزير أول في تاريخ الجمهورية». هذه الجملة التي تفّوه بها غبريال أتّال، وزير التربية السابق والوزير الأول الجديد في فرنسا، على أثر مراسم حفل تسلُّم مهامّه الجديدة، تحمل دلالات قوية. الصعود المبهر والسريع للوزير الأول جاء ليُذكّر الفرنسيين بخلفية الرئيس إيمانويل ماكرون في بداياته، فهو يتمتّع بحماس الشباب والطموح الجامح والشعبية الواسعة، حتى لقّبه البعض بـ«ماكرون الجديد». ولقد جاء تعيين أتّال خلفاً لإليزابيث بورن التي قدَّمت استقالتها للرئيس - أو بالأحرى أُقيلت - على أثر تراجع شعبيّتها بشكل واضح، وفي سياق سياسي خاص اتسم بعجز حزب الرئيس ماكرون عن الحصول على الغالبية، واللجوء إلى تحالفات مع اليمين واليمين المتطرف، من أجل المصادقة على قوانين مهمة أُثير حولها كثير من الجدل. ويضاف إلى كل هذا التوقعات بنجاح ساحق لقائمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف في الانتخابات الأوروبية المقبلة بقيادة السياسي الشاب جوردان برديلا، الأمر الذي سيُضعف أكثر موقف الحكومة الحالية ويجعل العهدة الثانية والأخيرة لماكرون البوابة التي ستفتح الطريق نحو وصول اليمين المتطرف إلى سُدة الحكم.

جاء الوزير الأول الفرنسي، الأصغر سناً في التاريخ، غبريال أتال (34 سنة) ليحطّم الرقم القياسي لأصغر رؤساء الحكومة سناً في فرنسا، الذي كان سابقاً بحوزة لوران فابيوس، إذ وصل الأخير إلى قصر ماتينيون؛ أي قصر الرئاسة، عام 1984 وهو يبلغ من العمر 38 سنة. كذلك كان أتّال أيضاً أصغر عضو في الحكومة حين تَقّلد منصب وزير منتدب بديوان وزارة التربية والتعليم (وهو المنصب رقم اثنين بعد الوزير) عام 2018 وهو لا يتعدّى 29 سنة.

الصحافة الفرنسية نقلت شغف الوزير الأول المبكّر بالسياسة، وكانت أول مناسبة احتكّ فيها بالسياسة حين شارك مع والديه، وهو في سن الثانية عشرة من عمره، في مسيرة احتجاجية على أثر وصول جان ماري لوبان، زعيم اليمين المتطرف، إلى الدور الثاني من الرئاسيات عام 2002. بعدها انخرط أتّال في أوساط الحزب الاشتراكي، أوائل عام 2006، ولمّا يتجاوز سن السابعة عشرة لدعم المرشحة السابقة للرئاسيات، سيغولان رويال، وكان أحد الأعضاء البارزين إلى جانب توماس هولاند؛ ابن السيدة رويال في جمعية «ديزير دافونير»، التي أُسّست في حينه لدعم ترشح الوزيرة السابقة، وكان مَثَله الأعلى في السياسة وزير الاقتصاد ورئيس «صندوق النقد الدولي» السابق دومنيك ستروس-كان.

انطلاقة مبكّرةبعد تخرّج أتّال في معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية بباريس عام 2012، اضطلع بأولى مهامّه السياسية، حين عُيّن مساعداً لوزيرة الصحة السابقة، ماري سول، وكان مكلَّفاً بتحرير خطاباتها الرسمية. إلا أنه في عام 2016 قرّر ترك صفوف الحزب الاشتراكي، والالتحاق بإيمانويل ماكرون الذي كان قد أسّس آنذاك تشكيلته السياسية «أون مارش (أو «إلى الأمام») لخوض المعركة الانتخابية، وأصبح، منذ ذلك الوقت، أحد أقرب المقرّبين للرئيس ماكرون، حتى لُقّب بـ«أوائل جيل المشاة»؛ نسبة للحاشية المقرَّبة من ماكرون وأبرز الأعضاء الذين أسهموا في تأسيس حزبه «إلى الأمام» (حالياً الـ«رونيسانس» أي «النهضة» أو «البعث»).

ولكسب الشرعية السياسية، ومزيد من الخبرة الميدانية، دخل غبريال أتّال في السنة التالية معترك الانتخابات التشريعية ليغدو نائباً عن منطقة أو دو سان في ضواحي العاصمة عام 2017، كذلك شغل منصب الناطق الرسمي للحكومة مرتين؛ الأولى في حكومة إدوارد فيليب عام 2018، والثانية في حكومة جان كاستيكس عام 2020. ويومذاك، اختير تقديراً لمهاراته في التواصل والخطاب وتعامله السلِس مع وسائل الإعلام، وبالأخص إبّان فترة انتشار جائحة «كوفيد-19»، ما أسهم في اتساع شهرته عند الرأي العام.

نحو وزارة التربيةأتال شغل أيضاً منصب وزير منتدب بوزارة التربية والتعليم والشباب بين 2018 و2020، ثم منصب وزير منتدب مكلَّف بالحسابات العامة بين 2022 و2023، إلى أن عُيّن وزيراً للتربية والتعليم، خلال يوليو (تموز) 2023، ومع أنه لم يمكث في هذا المنصب سوى ستة أشهر، تمكّن أتّال من لفت الانتباه إليه للهجته الحازمة ومواقفه اليمينية المتشددة كفرض قانون حظر لبس العباءة، ومحاربة التنمّر في المدارس، مُرفقاً تصريحاته بضجيج إعلامي كبير. وقد أسهم هذا الأمر أيضاً في سطوع نجمه، ووصوله إلى نسب قياسية من الشعبية في بلد أضحت غالبية ناخبيه تميل إلى اليمين.

وفي حوار مع صحيفة «لوبوان»، قال الصحافي الكاتب باتريس دوهاميل، مؤلف كتاب «القط والثعلب» (دار نشر لوبسرفاتوار) الذي يتناول علاقة رؤساء فرنسا بوزرائهم الأولين، ما يلي: «علاقة ماكرون بأتال تُذكِّر بالثنائي (فرنسوا) ميتران - (لوران) فابيوس، إذ كان لوران فابيوس آنذاك وزيراً أول شابّاً وقليل الخبرة، وهو كذلك عُيّن في عِزّ أزمة سياسية شديدة بعد سحب قانون «سافاري» حول المدارس الخاصة، أما الفارق فهو أن سلفه (الوزير الأول في حينه) بيار موروا كان يريد الاستقالة، بينما لم تغادر إليزابيث بورن المنصب بملء اختيارها ووفق رغبتها. على أي حال، وفق المعايير المعتادة لاختيار الوزير الأول منذ تأسيس الجمهورية، فإن غبريال أتّال يوافق كل المواصفات المطلوبة. إذ بينه وبين الرئيس ماكرون ثقة كبيرة، كما أن الولاء الذي أظهره للرئيس أمر لا جدال فيه، وإذا رجعنا لمبادئ الأيديولوجية «الماكرونية»، فإن الوزير الأول الجديد هو دون أدنى شك الأكثر انسجاماً مع «فكر» ماكرون من كل نُزلاء ماتينيون الأربعة السابقين. بَيْد أن السؤال المهم - يواصل دوهاميل - هو: هل سيترك ماكرون لغبريال أتّال المساحة الكافية ليحقق ذاته سياسياً؟ وكيف سيُصار إلى الفصل بين مهامّ الاثنين، فالمعروف عن الرئيس الفرنسي أنه يريد التحكم في كل صغيرة وكبيرة، ولا يحبُّ المنافسين؟»

وسط برجوازي وهجوم المعارضة

وُلد غبريال أتّال وترعرع وسط عائلة برجوازية غنية، فوالده إيف أتّال محامٍ ومُنتج سينمائي من أصول يهودية تونسية، أنتج أفلاماً نالت نجاحاً عالمياً كفيلم «الكعب العالي» لبيدرو ألمودوفار عام 1991، و«الوحش» لروبرتو بينيني عام 1994، و«الجمال المسروق» لبرناردو برتولوتشي عام 1996، أما والدته ماري دو كوريس فهي كاتبة سيناريو ومُنتجة من أصول مسيحية أرثوذوكسية روسية. وقد تفسِّر هذه الخلفية ميل غبريال وهو صغير إلى فنون السنيما والمسرح، إذ كان الوزير الأول الجديد شغوفاً بالتمثيل، وتابع بالفعل دروساً في المسرح والتمثيل عندما كان تلميذاً بالمرحلة الابتدائية، وكان قد صّرح، في حوار لمجلة «غالا» الفرنسية بأن مسرحيات موليير وغولدوني التي مثّل فيها تُعدّ تجارب إيجابية سمحت له بالتغلب على الخوف والقلق حين يتعلق الأمر بالكلام على الملأ.

في سياق متصل، كانت وسائل الإعلام قد كشفت عن تسجيل قديم من الأرشيف يظهر فيه غبريال أتّال في سن «التاسعة والنصف» وهو يصرّح، لصحافي كان ينجز تحقيقاً حول مدرسته، بأنه يريد أن يصبح ممثلاً مشهوراً في المستقبل، وقد نصحه والده الذي يعمل في السينما بالبدء بالمسرح. وبالفعل، حين وصل إلى المرحلة الثانوية شارك في إنتاج سينمائي بدور صغير إلى جانب النجمة ليا سيدو، قبل أن يتوجّه نهائياً إلى معترك السياسة.

أيضاً، في حوار مع صحيفة «شالنج»، صرّح غبريال أتّال بشأن عائلته قائلاً: «أنا محظوظ لأنني وُلدت في عائلة ميسورة الحال، وأنا أعلم أن هذا يجعلني عرضة لانتقادات الخصوم الذين يحاولون التشكيك في مهاراتي، لكنني لو لم أكن أعمل بجدّ لَما وصلت حيث أنا اليوم...».

هجمات يسارية و«فتور» يمينيفي المقابل، صرّح مانويل بومبار، النائب من حركة «فرنسا الأبية» اليسارية، منتقداً اختيار أتّال: «لا نستطيع أن نقول إنه عمل كثيراً، أو أنه واجه المشاكل التي يواجهها عامة الفرنسيين والفرنسيات. كيف سيواجه مشاكل الشعب التي لم يعِشها في حياته؟!». وأضافت مانو أوبري، النائبة من التشكيلة السياسية اليسارية نفسها، أن الوزير الأول الجديد «شخص وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب. ومشواره السياسي يتلخص في انتقاله من الدائرة السادسة إلى الدائرة السابعة من باريس»، مُلمّحة إلى حيّين من أرقى أحياء باريس هما الدائرة السادسة حيث تلقّى تعليمه بدءاً بـ«المدرسة الألزاسية» التي لا يقصدها إلا أطفال العائلات الغنية، ثم معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، والدائرة السابعة حيث عمل في الوظائف الحكومية السامية فور تخرّجه، «الأمر الذي يوحي بقلة خبرته الميدانية... ووصوله بفضل امتيازات خاصة». وأدلت بدلوها أيضاً، زعيمة كتلة اليسار الراديكالي، ماتيلد بانو، فوصفت أتال بـ«ماكرون الصغير (جونيور) المتخصّص في الغطرسة والازدراء».

أما قوى اليمين وبعض شخصياته المعروفة أمثال فرنسوا بايرو، زعيم كتلة الموديم (وسط اليمين)، وكذلك إدوارد فيليب الوزير الأول السابق، وألكسي كوهلر السكرتير العام للإليزيه، فأبدوا معارضتهم أيضاً قرار التعيين، بل حاولوا - وفقاً لبعض وسائل الإعلام - إقناع ماكرون بالتخلي عن اختيار أتّال.

بايرو أعرب، في لقاء نُشر بصحيفة «لو باريزيان» عن شكوكه في قدرة أتّال على مواجهة المشاكل الكثيرة التي تمرّ بها الحكومة الحالية بسبب قلّة خبرته الميدانية. في سياق آخر، وجّهت بعض الأصوات اتهامات للوزير الأول الجديد بأنه اتخذ من منصب وزير التربية ذريعة للوصول إلى «قصر ماتينيون»، وبأنه لم يكن يوماً صادقاً في اهتمامه بقطاع التربية والتعليم، «والدليل أنه اكتفى بإعلان حظر العباءة، لإرضاء غالبية من الفرنسيين، والصعود في استطلاعات الرأي، دون أن يتطرق إلى المشاكل الجوهرية التي يتخبط فيها قطاع التربية والتعليم في فرنسا، كنقص الأساتذة، وتدنّي المستوى التعليمي».

غير أن الهجوم الأعنف على أتّال في وسائل التواصل جاء من المحامي والناشط السياسي جان برانكو، الذي كان زميل دراسة للوزير الأول الجديد، إذ خصّص له أربعين صفحة من كتابه «الغسق»، واصفاً إياه بـ«الانتهازي» الذي لم يتردد في خيانة مبادئه السياسية للوصول إلى مراكز السلطة السياسية والنفوذ. وهنا نشير إلى أن برانكو كان أول مَن كشف علاقة أتّال برفيق حياته السابق ستيفان سيجورني، مستشار ماكرون السابق ووزير الخارجية والشؤون الأوروبية الجديد. ومما زعمه أن سيجورني «هو مَن توسّط لغبريال أتّال عند ماكرون ليضمّه إلى فريق أعوانه المقرّبين».

الملفّات الساخنة

على صعيد عملي، في انتظار الوزير الأول الجديد عدةُ ملفات ساخنة؛ أهمها مواجهة تحدّي الانتخابات الأوروبية المقبلة، حيث يبدو الوزير الأول الجديد بشعبيته الكبيرة الشخصية الوحيدة القادرة على مواجهة خطر زحف حزب «التجمع الوطني» المتطرف، إذ توقعت عدة استطلاعات للرأي أن قائمة اليمين المتطرف، بقيادة جوردان برديلا - الرقم 2 في قيادته - ستستحوذ على أكبر نصيب من أصوات الفرنسيين، متقدّمة على حزب ماكرون بأكثر من تسعة نقاط مئوية، لذا سارع الوزير الأول الجديد فور تسلّمه مهامّه، إلى تكثيف الزيارات الميدانية؛ في محاولة لكسب ثقة الفرنسيين وأصواتهم.

ومن ثم فإن المنتظَر من الوزير الأول الجديد أيضاً إعطاء «نَفَس جديد» للعهدة الثانية لماكرون، التي تشهد انقسامات كثيرة في صفوف الغالبية، ولا سيما الجناح اليساري الذي رفض وبقوة مشروع نظام المعاشات، وقانون الهجرة المثير للجدل.

أضفْ إلى ذلك أن العهدة الماكرونية الثانية ستشهد أيضاً التحضير للألعاب الأولمبية في صيف 2024، ومشروع تعديلات قطاع التربية والتعليم وقطاع العمل، لذا فأتّال مُطالَب أيضاً بإيجاد 12 مليار يورو لقطاع الاقتصاد في مصاريف الدولة، بعدما التزمت فرنسا تجاه المجموعة الأوروبية بالحدّ من ديونها التي بلغت في عام 2023 أرقاماً قياسية وصلت إلى 3000 مليار يورو.

المراقبون يرون أن عمل أتّال سيكون صعباً جداً، فمطلوب منه التقرّب من اليمين لكسب مزيد من الأصوات، لكن دون إغضاب الجناح اليساري للغالبية. ومطلوب منه أيضاً فرض سلطته على وزراء حكومته... ومعظم هؤلاء يَكبرونه سناً، بل بعضهم أشرف على تدريبه منذ فترة قصيرة، والبعض الآخر كان يحلم بمنصبه منذ فترة طويلة، كوزير الاقتصاد برونو لومير، ووزير الداخلية جيرالد دارمانان.



الشيخة حسينة ومحمد يونس... الطريق إلى الصدام الأخير

العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)
العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)
TT

الشيخة حسينة ومحمد يونس... الطريق إلى الصدام الأخير

العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)
العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)

> تدريجياً، تعود بنغلاديش البالغ عدد سكانها 170 مليون نسمة، جلّهم من المسلمين، إلى الحياة الطبيعية بعد أشهر من الفوضى والاحتجاجات، واستقالة كبار المسؤولين من الشرطة والقضاء وجهاز الخدمة المدنية. ولقد أُطلق سراح معظم أولئك الذين اعتُقلوا إبان الاحتجاجات، وكذلك بعض السجناء السياسيين المحتجزين، بما في ذلك البيجوم خالدة ضياء، المنافسة السياسية التقليدية للشيخة حسينة، رئيسة الحكومة السابقة. وللعلم، نشأت بنغلاديش إثر حرب الانفصال عن باكستان عام 1971. ولكن تأسيس الدولة كان أمراً بالغ الصعوبة، إذ قُتل ما يقرب من 3 ملايين شخص في الحرب، ونزح نحو 10 ملايين شخص إلى الهند، مع نزوح ما يقرب من 30 مليون شخص داخلياً بسبب الصراع. وفاقم من متاعب البلاد السياسية والأمنية أنها تعاني وضعاً محفوفاً بالمخاطر، وحدوداً جغرافية هشة، وتضربها الأعاصير العاتية بانتظام، في حين تشعر في الوقت نفسه بالتأثير المباشر لتغير المناخ وارتفاع مستويات سطح البحر.

وأما بالنسبة للدكتور محمد يونس، ففي حين كان محل إعجاب في مختلف أنحاء العالم لمساعدته الملايين من الناس على الخروج من براثن الفقر، فإنه في وطنه بنغلاديش، أكسبته شخصيته العامة عداء رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، ابنة مؤسس البلاد الشيخ مجيب الرحمن، التي اتهمته ذات مرة بامتصاص دماء الفقراء. وجاء أول اتهام بالاختلاس بحق يونس عام 2010، عندما اتهم توم هاينمان، مخرج الأفلام الوثائقية الدنماركي، الدكتور يونس و«بنك غرامين» في أحد أفلامه بتحويل ملايين الدولارات من أموال المساعدات التي قدمتها الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي (نوراد). وكان عنوان ذلك الفيلم «متورط في الائتمان الصغير».

على الأثر، بدأت حكومة حسينة التحقيقات في أنشطة يونس، وأقصتْه عن منصب المدير الإداري للبنك إثر مزاعم بانتهاك قواعد التقاعد، وكان قد تجاوز ستين عاماً في ذلك الوقت. وأيَّدت محكمة بنغلاديش العليا قرار فصله في أبريل (نيسان) 2011.

الشيخة حسينة واجد... طي صفحة تاريخية وعائلية (روبترز)

يومذاك، اتهمت حسينة «بنك غرامين» باجتذاب مبالغ ضخمة من المساعدات من البلدان الغربية «من دون حدوث تغيير ملموس على أرض الواقع». وتصاعد التأزم في يناير (كانون الثاني) 2024 عندما اتُّهم يونس وثلاثة من زملائه من شركة «غرامين تيليكوم»، وهي واحدة من شركاته العديدة، بانتهاك قوانين العمل لصالح موظفيهم. ويومها حُكم عليهم بالسجن ستة أشهر، لكنَّ محكمة العمل أفرجت عنهم بكفالة، مما أتاح لهم الوقت للاستئناف أمام محكمة أعلى. وفي حينه، علّقت «منظمة العفو الدولية» بالقول إن إدانة يونس كانت «رمزاً لحالة حقوق الإنسان المحاصرة» في بنغلاديش. ولاحقاً، في يونيو (حزيران)، وجهت المحكمة إلى يونس تهمة اختلاس 2.2 مليون دولار من صندوق رعاية العمال التابع لشركة الاتصالات الخاصة به.

معلّقون ومفكّرون سياسيون رأوا أن جذور الصراع بين يونس وحسينة ترجع إلى عام 2007، عندما أعلن يونس اعتزامه تشكيل حزب سياسي، بينما أقدمت حكومة مدعومة من الجيش على سجن حسينة. والمفارقة هنا، أنه قبل ذلك، كان يونس من مناصري والد حسينة، الشيخ مجيب الرحمن. بل وعيّن يونس حسينة -مع السيدة الأميركية الأولى هيلاري كلينتون- رئيساً مشاركاً لـ«قمة الائتمان الصغير» التي عُقدت بين 2 و4 فبراير (شباط) عام 1997، وحينذاك لم يكن لدى حسينة سوى الثناء على يونس والإعجاب به.

مع كل ذلك، انتهت هذه العلاقة الطويلة عام 2007 بعدما كشف يونس عن نيته تشكيل حزب سياسي باسم «ناغوريك شاكتي» (سلطة المواطن) لإنهاء ثقافة الصدام السياسي في بنغلاديش، التي تخللتها فترات من الاضطرابات وفترات من الحكم العسكري.