«بلدان عدم الانحياز» أمام تحديات عالم الغد

اجتمعت في «قمة كمبالا» بعدما عاشت شريطاً زمنياً رافق أحداث العالم منذ 1955

لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)
لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)
TT

«بلدان عدم الانحياز» أمام تحديات عالم الغد

لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)
لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)

شهدت العاصمة الأوغندية كمبالا طوال الأسبوع الفائت انعقاد القمة التاسعة عشرة لـ«حركة بلدان عدم الانحياز»، وذلك بمشاركة ممثلين عن 120 دولة، وحضور لافت للأمين العام للأم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي دعا من منبر القمة إلى إصلاح النظام العالمي والمنظمات الاقتصادية والسياسية التي يقوم عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي طليعتها مؤسستي «بريتون وودز» و«مجلس الأمن الدولي». غوتيريش قال إن هذه المنظمات لم تعد تعكس الواقع الدولي الراهن والتوازنات الجيوسياسية، كما لم تعد صالحة لمعالجة الأزمات ومواجهة التحديات العالمية. وبالفعل، تكفي مراجعة سريعة لتصريحات زعماء بلدان الحركة منذ القمة الأولى، التي انعقدت في بلغراد عام 1961 إلى اليوم، ليتبيّن أنها ما زالت تسعى وراء سراب الطموحات ذاتها التي حددها الآباء المؤسسون منذ ما يزيد على 65 سنة. بل تتراكم الصعاب على طريق تحقيقها، بدءاً بالنزاعات التي تكاد لا تحصى بين أطرافها، ووصولاً إلى المعادلات الجيوسياسية الجديدة التي تتشكّل على وقع صراعات إقليمية ودولية... غالباً ما تفرض على أعضاء الحركة مواقف وتجاذبات متضاربة مع أهدافها.

أسّست «حركة بلدان عدم الانحياز» بوصفها منظمة دولية للدفاع عن مصالح دول العالم الثالث وطموحاتها مع احتدام «الحرب الباردة» التي شطرت العالم قسمين تحت تأثير، وأحياناً هيمنة، القوتين العظميين: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

يومذاك كانت بلدان العالم الثالث في أوج نضالها من أجل التخلّص من الاستعمار ونيل استقلالها السياسي والاقتصادي. ولقد وُضع الحجر الأساس للحركة في «مؤتمر باندونغ» (في المدينة الإندونيسية) عام 1955، عندما قرّرت مجموعة من الدول النامية، التي كانت في معظمها قد استقلّت حديثاً، بناء تحالف خارج دائرة نفوذ الدول الكبرى التي كانت تتهمها بالإمبريالية. وتضمّ الحركة حالياً 120 دولة منتشرة في القارات الخمس؛ دفاعاً عن مبادئ السيادة السياسية، وتسوية النزاعات الدولية من دون اللجوء إلى استخدام القوة، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كذلك تسعى بلدان الحركة منذ عقود إلى إلغاء حق النقض «الفيتو» الذي تحتكره الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا)، وإحقاق توازن فعلي بين الدول في المنظمات والمؤسسات العالمية.

لمحة تاريخيةعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، واحتدمت المواجهة بين القوتين العسكريتين الكبريين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تشكّلت كتلة الدول الغربية تحت نفوذ واشنطن، وكتلة الدول الشرقية تحت هيمنة موسكو. وعلى الأثر، انطلقت موجة حركات استقلال دول العالم الثالث - تحديداً في آسيا وأفريقيا - التي كانت ما زالت ترزح تحت نير استعمار الدول الأوروبية. وساعد الضعف الذي أصابها بسبب الحرب وتداعياتها على تكاثر الحركات القومية المناضلة من أجل التحرّر، وعلى نجاحها في تحقيق أهدافها.

انطلاق تلك الموجة في خمسينات وستينات القرن الفائت أدى إلى «ولادة» العديد من الدول الأفريقية والآسيوية التي أطلق عليها يومذاك لقب «العالم الثالث» أو «البلدان النامية»، وهذا إلى جانب دول أميركا اللاتينية التي نالت استقلالها السياسي عن الدول الأوروبية خلال القرن التاسع عشر. وكان القاسم المشترك الذي يجمع بين كل تلك الدول حاجتها الماسّة إلى تحقيق الاستقرار السياسي، والنهوض من أوضاعها الاقتصادية الصعبة الموروثة من الدول التي كانت تخضع لاستعمارها واستغلالها.

في ذلك السياق، الذي كان يخضع لمقتضيات «الحرب الباردة» وتجاذباتها، أدركت بلدان «العالم الثالث» أهمية تحالفها بغية الدفاع عن مصالحها في مواجهة الدول الكبرى التي كانت تتنازع النفوذ العالمي ومراكزه. وبدأت تنعقد المؤتمرات التحالفية الأولى بفضل مبادرات زعماء كانوا قد نجحوا في صدّ التمدد الاستعماري في بلدانهم، والخروج عن استقطاب الكتلتين الغربية والشرقية، مثل الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، واليوغوسلافي جوزيب بروز تيتو، والمصري جمال عبد الناصر، والإندونيسي أحمد سوكارنو، والغاني كوامي نكروما... الذي كان أول زعيم في أفريقيا السوداء يقود بلاده إلى الاستقلال.

مؤتمر باندونغفي عام 1955 تداعى زعماء خمسة بلدان آسيوية نالت استقلالها حديثاً، هي: الهند وباكستان وإندونيسيا وسيلان (سريلانكا حالياً) وبورما (ميانمار حالياً)، بدفع من رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، إلى عقد مؤتمر في مدينة باندونغ الإندونيسية. ولقد ضمّ ذلك المؤتمر التاريخي التأسيسي 29 دولة من آسيا وأفريقيا هي: المملكة العربية السعودية وأفغانستان وبورما (ميانمار) وكمبوديا وسيلان (سريلانكا) والصين ومصر وإثيوبيا والفيليبين والهند وإندونيسيا وإيران والعراق واليابان والأردن وليبيا ولبنان وليبيريا ونيبال وباكستان (قبل تقسيمها وولادة بنغلاديش) وسوريا والسودان وتركيا وتايلاند وفيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية (قبل إعادة توحيدهما) واليمن. ومن جهة ثانية، شارك في ذلك المؤتمر مندوبون عن بلدان كانت لا تزال تحت الاستعمار، مثل قبرص ودول المغرب العربي (الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا)، في حين لم يوجّه المؤتمر يومها دعوة للمشاركة إلى الصين الوطنية (تايوان الحالية) ولا إلى إسرائيل، خشية مقاطعة الصين الشعبية والدول العربية، وأيضاً لم يُدع نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا.

تفاهمات وتبايناتهذا، وخرج مؤتمر باندونغ بإدانة جماعية للاستعمار ونظام الفصل العنصري (الأبارتايد)، وبتعهد للنضال ضد التخلف والفقر في بلدان العالم الثالث. واتفق المجتمعون حول خمسة مبادئ وضعها الرئيسان سوكارنو ونهرو، وتحولت فيما بعد إلى المبادئ المؤسِّسة لـ«حركة بلدان عدم الانحياز»، وهي: احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، والمساواة بين الأعراق والأمم، ومنع الاعتداءات، ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واعتماد مبدأ التعايش السلمي.

غير أنه، على الرغم من الإجماع الأوّلي حول هذه المبادئ الخمسة المشتركة، بدا واضحاً منذ تأسيس الحركة أن ثمّة تيارات ثلاثة قوية تتصارع داخلها:

- التيّار الأول تقوده الهند ومصر، ويُدين سياسة الكتل والمحاور العسكرية ويُعرف بـ«تيار عدم الانحياز».

- التيار الثاني هو تيار الدول الموالية للغرب بقيادة تركيا وباكستان والعراق، الذي يدعم حق كل دولة في الانضمام إلى أحلاف عسكرية إقليمية. وقد سعت تلك الدول إلى أن يوافق المؤتمر على قرار يُدين كل أشكال الإمبريالية، لكنها فشلت في مسعاها.

- التيار الثالث، شيوعي، تقوده الصين وفيتنام الشمالية، ونجح في احتواء المبادرات التي صدرت عن التيار الموالي للدول الغربية.

مؤتمر بلغراد 1961بعدها، في نهاية الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) 1961، شهدت العاصمة اليوغوسلافية بلغراد انعقاد المؤتمر الرسمي الأول - أو «القمة الأولى» - لـ«حركة بلدان عدم الانحياز»، بمشاركة 25 دولة، وحضور ثلاثة بلدان بصفة مُراقب. وتقرّر في هذا المؤتمر تحديد المبادئ الأساسية للحركة وشروط الانضمام إليها التي كان سبق اعتمادها في مؤتمر باندونغ قبل ست سنوات. ولقد تعهدت الدول المؤسِّسة بالدفاع عن المصالح المشتركة لجميع الأعضاء، وتعزيز تأثيرها في مجريات السياسة الدولية، وتعميق التعاون بينها من أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية. وشدّد البيان الختامي الأول لمؤتمر بلغراد على:

- دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها.

- مساعدة البلدان التي كانت لا تزال تحت الاستعمار لنيل استقلالها.

- إدانة السياسة العنصرية في جنوب أفريقيا.

- السعي إلى نزع السلاح.

- تعزيز الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وإصلاح طرائق عملها لمزيد من الديمقراطية.

وأيضاً دعا البيان إلى زيادة حضور الحركة وتقوية تأثيرها في المحافل الدولية، وتوثيق الروابط مع بلدان أميركا اللاتينية، التي لم يشارك منها في ذلك المؤتمر الأول سوى كوبا.

الستينات والسبعيناتوفيما بعد، في ستينات وسبعينات القرن الماضي، عزّزت الحركة حضورها ودورها في المحافل الدولية. وساهمت في تأسيس «منظمة الوحدة الأفريقية» التي أصبحت لاحقاً «الاتحاد الأفريقي». وما يستحق الذكر أنه في عام 1964 استضافت القاهرة «القمة الثانية لبلدان عدم الانحياز»، بمشاركة 47 دولة عضواً وثلاثين ممثلاً عن حركات التحرير في البلدان التي كانت لا تزال تحت الاستعمار. وفي عام 1970، ارتفع عدد الدول الأعضاء إلى 54 في القمة التي استضافتها لوساكا، عاصمة زامبيا. ثم ارتفع العدد إلى مائة قبل حلول عام 1980.

غير أن ازدياد عدد الأعضاء لم يساهم - توازياً - في تعزيز حضور الحركة دولياً وتفعيل دورها، بل غالباً ما كان عائقاً أمام توسيع دائرة نفوذها وتأثيرها على الصعيد الدولي. وبسبب التزامها مبدأ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أحجمت الحركة عن التوسّط لحل أزمات ومعالجة أوضاع حساسة، مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وحرب فيتنام؛ إذ كانت تكتفي فقط بإصدار بيانات تدعو إلى تسوية النزاعات سلمياً، والدفاع عن حقوق الإنسان.

نهاية «الحرب الباردة»

ولكن الوضع اختلف خلال ثمانينات القرن الفائت، ففي هذه الحقبة مرّت الحركة بأصعب مراحلها وأكثرها حراجة مع تراجع تأثير الكتلة الشرقية، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي. ومع هذا، في عام 1992 لعبت إندونيسيا - إحدى الدول المؤسّسة - دوراً بارزاً خلال «قمة جاكارتا» في إعادة توجيه البوصلة الاستراتيجية للحركة وتحديد أهدافها في سياق «العولمة» والمشهد الدولي عقب نهاية «الحرب الباردة» (ولادة «النظام العالمي الجديد»)، وعلى ضوء تراجع اقتصادات بلدان العالم الثالث وضعف أنظمتها السياسية.

التوجه الجديد ركّز على توطيد سبل التعاون بين الدول الأعضاء، والحفاظ على وحدة الحركة بمواجهة الدول الكبرى في المحافل والمنظمات الدولية. ونجحت الحركة فعلياً خلال القمم الأخيرة (عقدت في كل من قرطاجنة بكولومبيا عام 1995، ودوربان بجنوب أفريقيا عام 1998، وكوالالمبور بماليزيا عام 2003، وهافانا بكوبا عام 2006) في تجاوز أزمتها وترسيخ مسارها الاستراتيجي الجديد.

«الحركة» بين العجز عن تسوية الصراعات... والتخوف من السياسات الاقتصادية الحمائية

الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني مستضيف القمة (رويترز)

> ركّزت «حركة بلدان عدم الانحياز»، منذ تأسيسها، على الدفاع عن الحقوق السياسية الأساسية للشعوب، وحرية تقرير المصير، وصون السلم، ومنع وقوع حرب نووية. ولكن مع انعقاد «قمة هافانا الأولى» عام 1979 اتجه التركيز إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء؛ بهدف تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وذلك عن طريق تنسيق التكامل في استغلال الموارد الطبيعية، وتبادل الخبرات العلمية والتكنولوجية، الذي كان عنوان القمة الثانية، التي استضافتها العاصمة الكوبية أخيراً. كثيرة هي الانتقادات التي تُوجّه إلى «حركة بلدان عدم الانحياز» وعجزها عن تسوية الصراعات والخلافات بين أعضائها منذ سنوات، وضعف تأثيرها في مسار السياسة الدولية. وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليعزّز مواقف أولئك الذين يعارضون مبدأ «عدم الانتماء» إلى تحالفات عسكرية، لا سيما، بعدما قررت كل من الدنمارك والسويد التخلي عن سياسة «الحياد» التقليدية، وطلبتا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)؛ خشية من مصيرٍ على غرار مصير أوكرانيا. أيضاً، مع صعود السياسات القومية الاقتصادية، خصوصاً في الولايات المتحدة إبان ولاية دونالد ترمب لمواجهة التمدّد الصيني، وجدت الدول الأعضاء في «حركة بلدان عدم الانحياز» نفسها في وضع صعب لجهة مواجهة مُغريات ومقتضيات الدخول في تحالفات دولية لصون مصالحها والحفاظ على أمنها. وإزاء احتمال عودة ترمب إلى البيت الأبيض مطلع العام المقبل، وما يرجح أن تحمله ولايته الثانية من عودة إلى السياسات الحمائية ورفض للنظام المتعدد الأطراف، تتجه الصين راهناً إلى تعديل عروضها وشروط تحالفاتها مع الدول النامية. والملاحظ أن هذه الأخيرة تسعى إلى توثيق الروابط مع الصين عن طريق زيادة حضورها بصفتها مراقباً في «حركة بلدان عدم الانحياز» ودورها الفاعل في «قمة الجنوب»، التي جاء انعقادها، في العاصمة الأوغندية كمبالا فور انتهاء أعمال قمة الحركة، بمثابة تكملة أو امتداد لها.

ظلال أحداث غزة... والتنافس الصيني ـ الهندي

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (أ.ف.ب)

> بينما تتجه بعض الدول الأعضاء في «حركة بلدان عدم الانحياز» إلى تسويق مبدأ «التحالفات المحدودة» مع الدول الكبرى - مستعينة بحجة استفادة الدول الأوروبية الغربية من تحالفها مع الولايات المتحدة في «الحرب الباردة» لإعادة بناء اقتصاداتها - ترى دول أخرى أن عدم الانحياز يمكن أن يدفع الدول الكبرى والغنية إلى التنافس بين بعضها للاستثمار في البلدان النامية، ونقل التكنولوجيا إليها، ومساعدتها على تحسين أوضاعها الاقتصادية. إلا أن المأخذ الرئيس على الحركة يبقى عجزها عن تسوية النزاعات الثنائية العديدة بين أعضائها. وهذا ما «عوّضه» جزئياً في قمة كمبالا إجماع الحركة حول الموقف من الحرب الدائرة في غزة، ودعم قيام الدولة الفلسطينية، ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي، وتأييد المبادرة التي اتخذتها جنوب أفريقيا بتقديم الشكوى أمام محكمة العدل الدولية. وهنا نشير إلى أن الهند، التي كانت قد عارضت بإصرار استخدام عبارة «إبادة» في البيان النهائي للإشارة إلى العمليات الحربية الإسرائيلية، اضطرت إلى التراجع عن موقفها عندما تيقّنت أنها ستبقى وحدها خارج الإجماع. هذا، ووفق المراقبين، يمكن تفسير موقف الهند لدى النظر إلى التقارب الذي شهدته العلاقات بين نيودلهي وتل أبيب منذ وصول رئيسي حكومتي البلدين ناريندرا مودي وبنيامين نتنياهو إلى الحكم في البلدين، فهما زعيمان ينتميان إلى تيار اليمين القومي – الديني، كلٌّ في بلده. غير أن ثمة بُعداً آخر لتراجع اللحظات الأخيرة في الموقف الهندي، لعله يتمثّل بمخاوف الحكومة الهندية من ازدياد نفوذ الصين وتأثيرها بين أعضاء الحركة عبر دورها الفاعل بوصفها دولة مراقبة، وعن طريق «قمة الجنوب» التي تكاد تتماهى عضويتها مع عضوية «حركة بلدان عدم الانحياز». وكان نائب رئيس الوزراء الصيني ليو غوزهونغ قد شدّد في القمتين على ضرورة تضافر جهود البلدان النامية من أجل إصلاح منظمة التجارة العالمية والمؤسسات المالية الدولية المنبثقة عن اجتماع «بريتون وودز»، وهو الأمر الذي شدد عليه أيضاً أمام القمتين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. ولكن في المقابل، لم يتطرق غوزهونغ إلى «إصلاح» مجلس الأمن الذي حضّ عليه الأمين العام، مستغرباً كيف أن القارة الأفريقية ليس لها مقعد دائم فيه. وكان نائب رئيس الوزراء الصيني قد شكّك في قدرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومواءمتهما على مواجهة التحديات العالمية، ومعالجة الأزمات العالمية الراهنة، كما دعا إلى إعادة النظر في بقاء مقرّيْهما الموجود في واشنطن. ولم يغب عن بال كثيرين من المشاركين في قمة كمبالا ما شدد عليه الرئيس الدوري للحركة، الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، عندما ذكّر في كلمته الختامية بأن الصين «اليوم هي الشريك التجاري الأول لما يزيد على 140 دولة في مختلف أنحاء العالم». وفي انتظار تظهير الصورة النهائية لتوازن النفوذ العالمي التي ستستقر عليها المنافسة المحتدمة بين الصين والولايات المتحدة، وبينما تتواصل جهود بكين الحثيثة لاجتذاب أعضاء الحركة إلى معسكرها، تنبّهت بعض الدول الأعضاء في الحركة إلى أن هاتين القوتين العظميين تواجهان تحديات سياسية داخلية من شأنها أن تؤثر على علاقاتهما الخارجية. وتدعو هذه الدول إلى الثبات على مبدأ عدم الانحياز، ورفض الانجرار وراء القوى الكبرى؛ لأن ذلك هو السبيل الوحيد نحو عالم أكثر إنصافاً.



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.