«بلدان عدم الانحياز» أمام تحديات عالم الغد

اجتمعت في «قمة كمبالا» بعدما عاشت شريطاً زمنياً رافق أحداث العالم منذ 1955

لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)
لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)
TT

«بلدان عدم الانحياز» أمام تحديات عالم الغد

لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)
لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)

شهدت العاصمة الأوغندية كمبالا طوال الأسبوع الفائت انعقاد القمة التاسعة عشرة لـ«حركة بلدان عدم الانحياز»، وذلك بمشاركة ممثلين عن 120 دولة، وحضور لافت للأمين العام للأم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي دعا من منبر القمة إلى إصلاح النظام العالمي والمنظمات الاقتصادية والسياسية التي يقوم عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي طليعتها مؤسستي «بريتون وودز» و«مجلس الأمن الدولي». غوتيريش قال إن هذه المنظمات لم تعد تعكس الواقع الدولي الراهن والتوازنات الجيوسياسية، كما لم تعد صالحة لمعالجة الأزمات ومواجهة التحديات العالمية. وبالفعل، تكفي مراجعة سريعة لتصريحات زعماء بلدان الحركة منذ القمة الأولى، التي انعقدت في بلغراد عام 1961 إلى اليوم، ليتبيّن أنها ما زالت تسعى وراء سراب الطموحات ذاتها التي حددها الآباء المؤسسون منذ ما يزيد على 65 سنة. بل تتراكم الصعاب على طريق تحقيقها، بدءاً بالنزاعات التي تكاد لا تحصى بين أطرافها، ووصولاً إلى المعادلات الجيوسياسية الجديدة التي تتشكّل على وقع صراعات إقليمية ودولية... غالباً ما تفرض على أعضاء الحركة مواقف وتجاذبات متضاربة مع أهدافها.

أسّست «حركة بلدان عدم الانحياز» بوصفها منظمة دولية للدفاع عن مصالح دول العالم الثالث وطموحاتها مع احتدام «الحرب الباردة» التي شطرت العالم قسمين تحت تأثير، وأحياناً هيمنة، القوتين العظميين: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

يومذاك كانت بلدان العالم الثالث في أوج نضالها من أجل التخلّص من الاستعمار ونيل استقلالها السياسي والاقتصادي. ولقد وُضع الحجر الأساس للحركة في «مؤتمر باندونغ» (في المدينة الإندونيسية) عام 1955، عندما قرّرت مجموعة من الدول النامية، التي كانت في معظمها قد استقلّت حديثاً، بناء تحالف خارج دائرة نفوذ الدول الكبرى التي كانت تتهمها بالإمبريالية. وتضمّ الحركة حالياً 120 دولة منتشرة في القارات الخمس؛ دفاعاً عن مبادئ السيادة السياسية، وتسوية النزاعات الدولية من دون اللجوء إلى استخدام القوة، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كذلك تسعى بلدان الحركة منذ عقود إلى إلغاء حق النقض «الفيتو» الذي تحتكره الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا)، وإحقاق توازن فعلي بين الدول في المنظمات والمؤسسات العالمية.

لمحة تاريخيةعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، واحتدمت المواجهة بين القوتين العسكريتين الكبريين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تشكّلت كتلة الدول الغربية تحت نفوذ واشنطن، وكتلة الدول الشرقية تحت هيمنة موسكو. وعلى الأثر، انطلقت موجة حركات استقلال دول العالم الثالث - تحديداً في آسيا وأفريقيا - التي كانت ما زالت ترزح تحت نير استعمار الدول الأوروبية. وساعد الضعف الذي أصابها بسبب الحرب وتداعياتها على تكاثر الحركات القومية المناضلة من أجل التحرّر، وعلى نجاحها في تحقيق أهدافها.

انطلاق تلك الموجة في خمسينات وستينات القرن الفائت أدى إلى «ولادة» العديد من الدول الأفريقية والآسيوية التي أطلق عليها يومذاك لقب «العالم الثالث» أو «البلدان النامية»، وهذا إلى جانب دول أميركا اللاتينية التي نالت استقلالها السياسي عن الدول الأوروبية خلال القرن التاسع عشر. وكان القاسم المشترك الذي يجمع بين كل تلك الدول حاجتها الماسّة إلى تحقيق الاستقرار السياسي، والنهوض من أوضاعها الاقتصادية الصعبة الموروثة من الدول التي كانت تخضع لاستعمارها واستغلالها.

في ذلك السياق، الذي كان يخضع لمقتضيات «الحرب الباردة» وتجاذباتها، أدركت بلدان «العالم الثالث» أهمية تحالفها بغية الدفاع عن مصالحها في مواجهة الدول الكبرى التي كانت تتنازع النفوذ العالمي ومراكزه. وبدأت تنعقد المؤتمرات التحالفية الأولى بفضل مبادرات زعماء كانوا قد نجحوا في صدّ التمدد الاستعماري في بلدانهم، والخروج عن استقطاب الكتلتين الغربية والشرقية، مثل الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، واليوغوسلافي جوزيب بروز تيتو، والمصري جمال عبد الناصر، والإندونيسي أحمد سوكارنو، والغاني كوامي نكروما... الذي كان أول زعيم في أفريقيا السوداء يقود بلاده إلى الاستقلال.

مؤتمر باندونغفي عام 1955 تداعى زعماء خمسة بلدان آسيوية نالت استقلالها حديثاً، هي: الهند وباكستان وإندونيسيا وسيلان (سريلانكا حالياً) وبورما (ميانمار حالياً)، بدفع من رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، إلى عقد مؤتمر في مدينة باندونغ الإندونيسية. ولقد ضمّ ذلك المؤتمر التاريخي التأسيسي 29 دولة من آسيا وأفريقيا هي: المملكة العربية السعودية وأفغانستان وبورما (ميانمار) وكمبوديا وسيلان (سريلانكا) والصين ومصر وإثيوبيا والفيليبين والهند وإندونيسيا وإيران والعراق واليابان والأردن وليبيا ولبنان وليبيريا ونيبال وباكستان (قبل تقسيمها وولادة بنغلاديش) وسوريا والسودان وتركيا وتايلاند وفيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية (قبل إعادة توحيدهما) واليمن. ومن جهة ثانية، شارك في ذلك المؤتمر مندوبون عن بلدان كانت لا تزال تحت الاستعمار، مثل قبرص ودول المغرب العربي (الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا)، في حين لم يوجّه المؤتمر يومها دعوة للمشاركة إلى الصين الوطنية (تايوان الحالية) ولا إلى إسرائيل، خشية مقاطعة الصين الشعبية والدول العربية، وأيضاً لم يُدع نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا.

تفاهمات وتبايناتهذا، وخرج مؤتمر باندونغ بإدانة جماعية للاستعمار ونظام الفصل العنصري (الأبارتايد)، وبتعهد للنضال ضد التخلف والفقر في بلدان العالم الثالث. واتفق المجتمعون حول خمسة مبادئ وضعها الرئيسان سوكارنو ونهرو، وتحولت فيما بعد إلى المبادئ المؤسِّسة لـ«حركة بلدان عدم الانحياز»، وهي: احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، والمساواة بين الأعراق والأمم، ومنع الاعتداءات، ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واعتماد مبدأ التعايش السلمي.

غير أنه، على الرغم من الإجماع الأوّلي حول هذه المبادئ الخمسة المشتركة، بدا واضحاً منذ تأسيس الحركة أن ثمّة تيارات ثلاثة قوية تتصارع داخلها:

- التيّار الأول تقوده الهند ومصر، ويُدين سياسة الكتل والمحاور العسكرية ويُعرف بـ«تيار عدم الانحياز».

- التيار الثاني هو تيار الدول الموالية للغرب بقيادة تركيا وباكستان والعراق، الذي يدعم حق كل دولة في الانضمام إلى أحلاف عسكرية إقليمية. وقد سعت تلك الدول إلى أن يوافق المؤتمر على قرار يُدين كل أشكال الإمبريالية، لكنها فشلت في مسعاها.

- التيار الثالث، شيوعي، تقوده الصين وفيتنام الشمالية، ونجح في احتواء المبادرات التي صدرت عن التيار الموالي للدول الغربية.

مؤتمر بلغراد 1961بعدها، في نهاية الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) 1961، شهدت العاصمة اليوغوسلافية بلغراد انعقاد المؤتمر الرسمي الأول - أو «القمة الأولى» - لـ«حركة بلدان عدم الانحياز»، بمشاركة 25 دولة، وحضور ثلاثة بلدان بصفة مُراقب. وتقرّر في هذا المؤتمر تحديد المبادئ الأساسية للحركة وشروط الانضمام إليها التي كان سبق اعتمادها في مؤتمر باندونغ قبل ست سنوات. ولقد تعهدت الدول المؤسِّسة بالدفاع عن المصالح المشتركة لجميع الأعضاء، وتعزيز تأثيرها في مجريات السياسة الدولية، وتعميق التعاون بينها من أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية. وشدّد البيان الختامي الأول لمؤتمر بلغراد على:

- دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها.

- مساعدة البلدان التي كانت لا تزال تحت الاستعمار لنيل استقلالها.

- إدانة السياسة العنصرية في جنوب أفريقيا.

- السعي إلى نزع السلاح.

- تعزيز الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وإصلاح طرائق عملها لمزيد من الديمقراطية.

وأيضاً دعا البيان إلى زيادة حضور الحركة وتقوية تأثيرها في المحافل الدولية، وتوثيق الروابط مع بلدان أميركا اللاتينية، التي لم يشارك منها في ذلك المؤتمر الأول سوى كوبا.

الستينات والسبعيناتوفيما بعد، في ستينات وسبعينات القرن الماضي، عزّزت الحركة حضورها ودورها في المحافل الدولية. وساهمت في تأسيس «منظمة الوحدة الأفريقية» التي أصبحت لاحقاً «الاتحاد الأفريقي». وما يستحق الذكر أنه في عام 1964 استضافت القاهرة «القمة الثانية لبلدان عدم الانحياز»، بمشاركة 47 دولة عضواً وثلاثين ممثلاً عن حركات التحرير في البلدان التي كانت لا تزال تحت الاستعمار. وفي عام 1970، ارتفع عدد الدول الأعضاء إلى 54 في القمة التي استضافتها لوساكا، عاصمة زامبيا. ثم ارتفع العدد إلى مائة قبل حلول عام 1980.

غير أن ازدياد عدد الأعضاء لم يساهم - توازياً - في تعزيز حضور الحركة دولياً وتفعيل دورها، بل غالباً ما كان عائقاً أمام توسيع دائرة نفوذها وتأثيرها على الصعيد الدولي. وبسبب التزامها مبدأ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أحجمت الحركة عن التوسّط لحل أزمات ومعالجة أوضاع حساسة، مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وحرب فيتنام؛ إذ كانت تكتفي فقط بإصدار بيانات تدعو إلى تسوية النزاعات سلمياً، والدفاع عن حقوق الإنسان.

نهاية «الحرب الباردة»

ولكن الوضع اختلف خلال ثمانينات القرن الفائت، ففي هذه الحقبة مرّت الحركة بأصعب مراحلها وأكثرها حراجة مع تراجع تأثير الكتلة الشرقية، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي. ومع هذا، في عام 1992 لعبت إندونيسيا - إحدى الدول المؤسّسة - دوراً بارزاً خلال «قمة جاكارتا» في إعادة توجيه البوصلة الاستراتيجية للحركة وتحديد أهدافها في سياق «العولمة» والمشهد الدولي عقب نهاية «الحرب الباردة» (ولادة «النظام العالمي الجديد»)، وعلى ضوء تراجع اقتصادات بلدان العالم الثالث وضعف أنظمتها السياسية.

التوجه الجديد ركّز على توطيد سبل التعاون بين الدول الأعضاء، والحفاظ على وحدة الحركة بمواجهة الدول الكبرى في المحافل والمنظمات الدولية. ونجحت الحركة فعلياً خلال القمم الأخيرة (عقدت في كل من قرطاجنة بكولومبيا عام 1995، ودوربان بجنوب أفريقيا عام 1998، وكوالالمبور بماليزيا عام 2003، وهافانا بكوبا عام 2006) في تجاوز أزمتها وترسيخ مسارها الاستراتيجي الجديد.

«الحركة» بين العجز عن تسوية الصراعات... والتخوف من السياسات الاقتصادية الحمائية

الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني مستضيف القمة (رويترز)

> ركّزت «حركة بلدان عدم الانحياز»، منذ تأسيسها، على الدفاع عن الحقوق السياسية الأساسية للشعوب، وحرية تقرير المصير، وصون السلم، ومنع وقوع حرب نووية. ولكن مع انعقاد «قمة هافانا الأولى» عام 1979 اتجه التركيز إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء؛ بهدف تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وذلك عن طريق تنسيق التكامل في استغلال الموارد الطبيعية، وتبادل الخبرات العلمية والتكنولوجية، الذي كان عنوان القمة الثانية، التي استضافتها العاصمة الكوبية أخيراً. كثيرة هي الانتقادات التي تُوجّه إلى «حركة بلدان عدم الانحياز» وعجزها عن تسوية الصراعات والخلافات بين أعضائها منذ سنوات، وضعف تأثيرها في مسار السياسة الدولية. وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليعزّز مواقف أولئك الذين يعارضون مبدأ «عدم الانتماء» إلى تحالفات عسكرية، لا سيما، بعدما قررت كل من الدنمارك والسويد التخلي عن سياسة «الحياد» التقليدية، وطلبتا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)؛ خشية من مصيرٍ على غرار مصير أوكرانيا. أيضاً، مع صعود السياسات القومية الاقتصادية، خصوصاً في الولايات المتحدة إبان ولاية دونالد ترمب لمواجهة التمدّد الصيني، وجدت الدول الأعضاء في «حركة بلدان عدم الانحياز» نفسها في وضع صعب لجهة مواجهة مُغريات ومقتضيات الدخول في تحالفات دولية لصون مصالحها والحفاظ على أمنها. وإزاء احتمال عودة ترمب إلى البيت الأبيض مطلع العام المقبل، وما يرجح أن تحمله ولايته الثانية من عودة إلى السياسات الحمائية ورفض للنظام المتعدد الأطراف، تتجه الصين راهناً إلى تعديل عروضها وشروط تحالفاتها مع الدول النامية. والملاحظ أن هذه الأخيرة تسعى إلى توثيق الروابط مع الصين عن طريق زيادة حضورها بصفتها مراقباً في «حركة بلدان عدم الانحياز» ودورها الفاعل في «قمة الجنوب»، التي جاء انعقادها، في العاصمة الأوغندية كمبالا فور انتهاء أعمال قمة الحركة، بمثابة تكملة أو امتداد لها.

ظلال أحداث غزة... والتنافس الصيني ـ الهندي

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (أ.ف.ب)

> بينما تتجه بعض الدول الأعضاء في «حركة بلدان عدم الانحياز» إلى تسويق مبدأ «التحالفات المحدودة» مع الدول الكبرى - مستعينة بحجة استفادة الدول الأوروبية الغربية من تحالفها مع الولايات المتحدة في «الحرب الباردة» لإعادة بناء اقتصاداتها - ترى دول أخرى أن عدم الانحياز يمكن أن يدفع الدول الكبرى والغنية إلى التنافس بين بعضها للاستثمار في البلدان النامية، ونقل التكنولوجيا إليها، ومساعدتها على تحسين أوضاعها الاقتصادية. إلا أن المأخذ الرئيس على الحركة يبقى عجزها عن تسوية النزاعات الثنائية العديدة بين أعضائها. وهذا ما «عوّضه» جزئياً في قمة كمبالا إجماع الحركة حول الموقف من الحرب الدائرة في غزة، ودعم قيام الدولة الفلسطينية، ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي، وتأييد المبادرة التي اتخذتها جنوب أفريقيا بتقديم الشكوى أمام محكمة العدل الدولية. وهنا نشير إلى أن الهند، التي كانت قد عارضت بإصرار استخدام عبارة «إبادة» في البيان النهائي للإشارة إلى العمليات الحربية الإسرائيلية، اضطرت إلى التراجع عن موقفها عندما تيقّنت أنها ستبقى وحدها خارج الإجماع. هذا، ووفق المراقبين، يمكن تفسير موقف الهند لدى النظر إلى التقارب الذي شهدته العلاقات بين نيودلهي وتل أبيب منذ وصول رئيسي حكومتي البلدين ناريندرا مودي وبنيامين نتنياهو إلى الحكم في البلدين، فهما زعيمان ينتميان إلى تيار اليمين القومي – الديني، كلٌّ في بلده. غير أن ثمة بُعداً آخر لتراجع اللحظات الأخيرة في الموقف الهندي، لعله يتمثّل بمخاوف الحكومة الهندية من ازدياد نفوذ الصين وتأثيرها بين أعضاء الحركة عبر دورها الفاعل بوصفها دولة مراقبة، وعن طريق «قمة الجنوب» التي تكاد تتماهى عضويتها مع عضوية «حركة بلدان عدم الانحياز». وكان نائب رئيس الوزراء الصيني ليو غوزهونغ قد شدّد في القمتين على ضرورة تضافر جهود البلدان النامية من أجل إصلاح منظمة التجارة العالمية والمؤسسات المالية الدولية المنبثقة عن اجتماع «بريتون وودز»، وهو الأمر الذي شدد عليه أيضاً أمام القمتين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. ولكن في المقابل، لم يتطرق غوزهونغ إلى «إصلاح» مجلس الأمن الذي حضّ عليه الأمين العام، مستغرباً كيف أن القارة الأفريقية ليس لها مقعد دائم فيه. وكان نائب رئيس الوزراء الصيني قد شكّك في قدرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومواءمتهما على مواجهة التحديات العالمية، ومعالجة الأزمات العالمية الراهنة، كما دعا إلى إعادة النظر في بقاء مقرّيْهما الموجود في واشنطن. ولم يغب عن بال كثيرين من المشاركين في قمة كمبالا ما شدد عليه الرئيس الدوري للحركة، الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، عندما ذكّر في كلمته الختامية بأن الصين «اليوم هي الشريك التجاري الأول لما يزيد على 140 دولة في مختلف أنحاء العالم». وفي انتظار تظهير الصورة النهائية لتوازن النفوذ العالمي التي ستستقر عليها المنافسة المحتدمة بين الصين والولايات المتحدة، وبينما تتواصل جهود بكين الحثيثة لاجتذاب أعضاء الحركة إلى معسكرها، تنبّهت بعض الدول الأعضاء في الحركة إلى أن هاتين القوتين العظميين تواجهان تحديات سياسية داخلية من شأنها أن تؤثر على علاقاتهما الخارجية. وتدعو هذه الدول إلى الثبات على مبدأ عدم الانحياز، ورفض الانجرار وراء القوى الكبرى؛ لأن ذلك هو السبيل الوحيد نحو عالم أكثر إنصافاً.



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.