«بلدان عدم الانحياز» أمام تحديات عالم الغد

اجتمعت في «قمة كمبالا» بعدما عاشت شريطاً زمنياً رافق أحداث العالم منذ 1955

لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)
لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)
TT

«بلدان عدم الانحياز» أمام تحديات عالم الغد

لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)
لقطة جامعة للقيادات المشاركة في قمة "حركة بلدان عدم الانحياز" بالعاصمة الأوغندية كمبالا (آ ب)

شهدت العاصمة الأوغندية كمبالا طوال الأسبوع الفائت انعقاد القمة التاسعة عشرة لـ«حركة بلدان عدم الانحياز»، وذلك بمشاركة ممثلين عن 120 دولة، وحضور لافت للأمين العام للأم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي دعا من منبر القمة إلى إصلاح النظام العالمي والمنظمات الاقتصادية والسياسية التي يقوم عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي طليعتها مؤسستي «بريتون وودز» و«مجلس الأمن الدولي». غوتيريش قال إن هذه المنظمات لم تعد تعكس الواقع الدولي الراهن والتوازنات الجيوسياسية، كما لم تعد صالحة لمعالجة الأزمات ومواجهة التحديات العالمية. وبالفعل، تكفي مراجعة سريعة لتصريحات زعماء بلدان الحركة منذ القمة الأولى، التي انعقدت في بلغراد عام 1961 إلى اليوم، ليتبيّن أنها ما زالت تسعى وراء سراب الطموحات ذاتها التي حددها الآباء المؤسسون منذ ما يزيد على 65 سنة. بل تتراكم الصعاب على طريق تحقيقها، بدءاً بالنزاعات التي تكاد لا تحصى بين أطرافها، ووصولاً إلى المعادلات الجيوسياسية الجديدة التي تتشكّل على وقع صراعات إقليمية ودولية... غالباً ما تفرض على أعضاء الحركة مواقف وتجاذبات متضاربة مع أهدافها.

أسّست «حركة بلدان عدم الانحياز» بوصفها منظمة دولية للدفاع عن مصالح دول العالم الثالث وطموحاتها مع احتدام «الحرب الباردة» التي شطرت العالم قسمين تحت تأثير، وأحياناً هيمنة، القوتين العظميين: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

يومذاك كانت بلدان العالم الثالث في أوج نضالها من أجل التخلّص من الاستعمار ونيل استقلالها السياسي والاقتصادي. ولقد وُضع الحجر الأساس للحركة في «مؤتمر باندونغ» (في المدينة الإندونيسية) عام 1955، عندما قرّرت مجموعة من الدول النامية، التي كانت في معظمها قد استقلّت حديثاً، بناء تحالف خارج دائرة نفوذ الدول الكبرى التي كانت تتهمها بالإمبريالية. وتضمّ الحركة حالياً 120 دولة منتشرة في القارات الخمس؛ دفاعاً عن مبادئ السيادة السياسية، وتسوية النزاعات الدولية من دون اللجوء إلى استخدام القوة، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كذلك تسعى بلدان الحركة منذ عقود إلى إلغاء حق النقض «الفيتو» الذي تحتكره الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا)، وإحقاق توازن فعلي بين الدول في المنظمات والمؤسسات العالمية.

لمحة تاريخيةعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، واحتدمت المواجهة بين القوتين العسكريتين الكبريين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تشكّلت كتلة الدول الغربية تحت نفوذ واشنطن، وكتلة الدول الشرقية تحت هيمنة موسكو. وعلى الأثر، انطلقت موجة حركات استقلال دول العالم الثالث - تحديداً في آسيا وأفريقيا - التي كانت ما زالت ترزح تحت نير استعمار الدول الأوروبية. وساعد الضعف الذي أصابها بسبب الحرب وتداعياتها على تكاثر الحركات القومية المناضلة من أجل التحرّر، وعلى نجاحها في تحقيق أهدافها.

انطلاق تلك الموجة في خمسينات وستينات القرن الفائت أدى إلى «ولادة» العديد من الدول الأفريقية والآسيوية التي أطلق عليها يومذاك لقب «العالم الثالث» أو «البلدان النامية»، وهذا إلى جانب دول أميركا اللاتينية التي نالت استقلالها السياسي عن الدول الأوروبية خلال القرن التاسع عشر. وكان القاسم المشترك الذي يجمع بين كل تلك الدول حاجتها الماسّة إلى تحقيق الاستقرار السياسي، والنهوض من أوضاعها الاقتصادية الصعبة الموروثة من الدول التي كانت تخضع لاستعمارها واستغلالها.

في ذلك السياق، الذي كان يخضع لمقتضيات «الحرب الباردة» وتجاذباتها، أدركت بلدان «العالم الثالث» أهمية تحالفها بغية الدفاع عن مصالحها في مواجهة الدول الكبرى التي كانت تتنازع النفوذ العالمي ومراكزه. وبدأت تنعقد المؤتمرات التحالفية الأولى بفضل مبادرات زعماء كانوا قد نجحوا في صدّ التمدد الاستعماري في بلدانهم، والخروج عن استقطاب الكتلتين الغربية والشرقية، مثل الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، واليوغوسلافي جوزيب بروز تيتو، والمصري جمال عبد الناصر، والإندونيسي أحمد سوكارنو، والغاني كوامي نكروما... الذي كان أول زعيم في أفريقيا السوداء يقود بلاده إلى الاستقلال.

مؤتمر باندونغفي عام 1955 تداعى زعماء خمسة بلدان آسيوية نالت استقلالها حديثاً، هي: الهند وباكستان وإندونيسيا وسيلان (سريلانكا حالياً) وبورما (ميانمار حالياً)، بدفع من رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، إلى عقد مؤتمر في مدينة باندونغ الإندونيسية. ولقد ضمّ ذلك المؤتمر التاريخي التأسيسي 29 دولة من آسيا وأفريقيا هي: المملكة العربية السعودية وأفغانستان وبورما (ميانمار) وكمبوديا وسيلان (سريلانكا) والصين ومصر وإثيوبيا والفيليبين والهند وإندونيسيا وإيران والعراق واليابان والأردن وليبيا ولبنان وليبيريا ونيبال وباكستان (قبل تقسيمها وولادة بنغلاديش) وسوريا والسودان وتركيا وتايلاند وفيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية (قبل إعادة توحيدهما) واليمن. ومن جهة ثانية، شارك في ذلك المؤتمر مندوبون عن بلدان كانت لا تزال تحت الاستعمار، مثل قبرص ودول المغرب العربي (الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا)، في حين لم يوجّه المؤتمر يومها دعوة للمشاركة إلى الصين الوطنية (تايوان الحالية) ولا إلى إسرائيل، خشية مقاطعة الصين الشعبية والدول العربية، وأيضاً لم يُدع نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا.

تفاهمات وتبايناتهذا، وخرج مؤتمر باندونغ بإدانة جماعية للاستعمار ونظام الفصل العنصري (الأبارتايد)، وبتعهد للنضال ضد التخلف والفقر في بلدان العالم الثالث. واتفق المجتمعون حول خمسة مبادئ وضعها الرئيسان سوكارنو ونهرو، وتحولت فيما بعد إلى المبادئ المؤسِّسة لـ«حركة بلدان عدم الانحياز»، وهي: احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، والمساواة بين الأعراق والأمم، ومنع الاعتداءات، ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واعتماد مبدأ التعايش السلمي.

غير أنه، على الرغم من الإجماع الأوّلي حول هذه المبادئ الخمسة المشتركة، بدا واضحاً منذ تأسيس الحركة أن ثمّة تيارات ثلاثة قوية تتصارع داخلها:

- التيّار الأول تقوده الهند ومصر، ويُدين سياسة الكتل والمحاور العسكرية ويُعرف بـ«تيار عدم الانحياز».

- التيار الثاني هو تيار الدول الموالية للغرب بقيادة تركيا وباكستان والعراق، الذي يدعم حق كل دولة في الانضمام إلى أحلاف عسكرية إقليمية. وقد سعت تلك الدول إلى أن يوافق المؤتمر على قرار يُدين كل أشكال الإمبريالية، لكنها فشلت في مسعاها.

- التيار الثالث، شيوعي، تقوده الصين وفيتنام الشمالية، ونجح في احتواء المبادرات التي صدرت عن التيار الموالي للدول الغربية.

مؤتمر بلغراد 1961بعدها، في نهاية الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) 1961، شهدت العاصمة اليوغوسلافية بلغراد انعقاد المؤتمر الرسمي الأول - أو «القمة الأولى» - لـ«حركة بلدان عدم الانحياز»، بمشاركة 25 دولة، وحضور ثلاثة بلدان بصفة مُراقب. وتقرّر في هذا المؤتمر تحديد المبادئ الأساسية للحركة وشروط الانضمام إليها التي كان سبق اعتمادها في مؤتمر باندونغ قبل ست سنوات. ولقد تعهدت الدول المؤسِّسة بالدفاع عن المصالح المشتركة لجميع الأعضاء، وتعزيز تأثيرها في مجريات السياسة الدولية، وتعميق التعاون بينها من أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية. وشدّد البيان الختامي الأول لمؤتمر بلغراد على:

- دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها.

- مساعدة البلدان التي كانت لا تزال تحت الاستعمار لنيل استقلالها.

- إدانة السياسة العنصرية في جنوب أفريقيا.

- السعي إلى نزع السلاح.

- تعزيز الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وإصلاح طرائق عملها لمزيد من الديمقراطية.

وأيضاً دعا البيان إلى زيادة حضور الحركة وتقوية تأثيرها في المحافل الدولية، وتوثيق الروابط مع بلدان أميركا اللاتينية، التي لم يشارك منها في ذلك المؤتمر الأول سوى كوبا.

الستينات والسبعيناتوفيما بعد، في ستينات وسبعينات القرن الماضي، عزّزت الحركة حضورها ودورها في المحافل الدولية. وساهمت في تأسيس «منظمة الوحدة الأفريقية» التي أصبحت لاحقاً «الاتحاد الأفريقي». وما يستحق الذكر أنه في عام 1964 استضافت القاهرة «القمة الثانية لبلدان عدم الانحياز»، بمشاركة 47 دولة عضواً وثلاثين ممثلاً عن حركات التحرير في البلدان التي كانت لا تزال تحت الاستعمار. وفي عام 1970، ارتفع عدد الدول الأعضاء إلى 54 في القمة التي استضافتها لوساكا، عاصمة زامبيا. ثم ارتفع العدد إلى مائة قبل حلول عام 1980.

غير أن ازدياد عدد الأعضاء لم يساهم - توازياً - في تعزيز حضور الحركة دولياً وتفعيل دورها، بل غالباً ما كان عائقاً أمام توسيع دائرة نفوذها وتأثيرها على الصعيد الدولي. وبسبب التزامها مبدأ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أحجمت الحركة عن التوسّط لحل أزمات ومعالجة أوضاع حساسة، مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وحرب فيتنام؛ إذ كانت تكتفي فقط بإصدار بيانات تدعو إلى تسوية النزاعات سلمياً، والدفاع عن حقوق الإنسان.

نهاية «الحرب الباردة»

ولكن الوضع اختلف خلال ثمانينات القرن الفائت، ففي هذه الحقبة مرّت الحركة بأصعب مراحلها وأكثرها حراجة مع تراجع تأثير الكتلة الشرقية، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي. ومع هذا، في عام 1992 لعبت إندونيسيا - إحدى الدول المؤسّسة - دوراً بارزاً خلال «قمة جاكارتا» في إعادة توجيه البوصلة الاستراتيجية للحركة وتحديد أهدافها في سياق «العولمة» والمشهد الدولي عقب نهاية «الحرب الباردة» (ولادة «النظام العالمي الجديد»)، وعلى ضوء تراجع اقتصادات بلدان العالم الثالث وضعف أنظمتها السياسية.

التوجه الجديد ركّز على توطيد سبل التعاون بين الدول الأعضاء، والحفاظ على وحدة الحركة بمواجهة الدول الكبرى في المحافل والمنظمات الدولية. ونجحت الحركة فعلياً خلال القمم الأخيرة (عقدت في كل من قرطاجنة بكولومبيا عام 1995، ودوربان بجنوب أفريقيا عام 1998، وكوالالمبور بماليزيا عام 2003، وهافانا بكوبا عام 2006) في تجاوز أزمتها وترسيخ مسارها الاستراتيجي الجديد.

«الحركة» بين العجز عن تسوية الصراعات... والتخوف من السياسات الاقتصادية الحمائية

الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني مستضيف القمة (رويترز)

> ركّزت «حركة بلدان عدم الانحياز»، منذ تأسيسها، على الدفاع عن الحقوق السياسية الأساسية للشعوب، وحرية تقرير المصير، وصون السلم، ومنع وقوع حرب نووية. ولكن مع انعقاد «قمة هافانا الأولى» عام 1979 اتجه التركيز إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء؛ بهدف تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وذلك عن طريق تنسيق التكامل في استغلال الموارد الطبيعية، وتبادل الخبرات العلمية والتكنولوجية، الذي كان عنوان القمة الثانية، التي استضافتها العاصمة الكوبية أخيراً. كثيرة هي الانتقادات التي تُوجّه إلى «حركة بلدان عدم الانحياز» وعجزها عن تسوية الصراعات والخلافات بين أعضائها منذ سنوات، وضعف تأثيرها في مسار السياسة الدولية. وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليعزّز مواقف أولئك الذين يعارضون مبدأ «عدم الانتماء» إلى تحالفات عسكرية، لا سيما، بعدما قررت كل من الدنمارك والسويد التخلي عن سياسة «الحياد» التقليدية، وطلبتا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)؛ خشية من مصيرٍ على غرار مصير أوكرانيا. أيضاً، مع صعود السياسات القومية الاقتصادية، خصوصاً في الولايات المتحدة إبان ولاية دونالد ترمب لمواجهة التمدّد الصيني، وجدت الدول الأعضاء في «حركة بلدان عدم الانحياز» نفسها في وضع صعب لجهة مواجهة مُغريات ومقتضيات الدخول في تحالفات دولية لصون مصالحها والحفاظ على أمنها. وإزاء احتمال عودة ترمب إلى البيت الأبيض مطلع العام المقبل، وما يرجح أن تحمله ولايته الثانية من عودة إلى السياسات الحمائية ورفض للنظام المتعدد الأطراف، تتجه الصين راهناً إلى تعديل عروضها وشروط تحالفاتها مع الدول النامية. والملاحظ أن هذه الأخيرة تسعى إلى توثيق الروابط مع الصين عن طريق زيادة حضورها بصفتها مراقباً في «حركة بلدان عدم الانحياز» ودورها الفاعل في «قمة الجنوب»، التي جاء انعقادها، في العاصمة الأوغندية كمبالا فور انتهاء أعمال قمة الحركة، بمثابة تكملة أو امتداد لها.

ظلال أحداث غزة... والتنافس الصيني ـ الهندي

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (أ.ف.ب)

> بينما تتجه بعض الدول الأعضاء في «حركة بلدان عدم الانحياز» إلى تسويق مبدأ «التحالفات المحدودة» مع الدول الكبرى - مستعينة بحجة استفادة الدول الأوروبية الغربية من تحالفها مع الولايات المتحدة في «الحرب الباردة» لإعادة بناء اقتصاداتها - ترى دول أخرى أن عدم الانحياز يمكن أن يدفع الدول الكبرى والغنية إلى التنافس بين بعضها للاستثمار في البلدان النامية، ونقل التكنولوجيا إليها، ومساعدتها على تحسين أوضاعها الاقتصادية. إلا أن المأخذ الرئيس على الحركة يبقى عجزها عن تسوية النزاعات الثنائية العديدة بين أعضائها. وهذا ما «عوّضه» جزئياً في قمة كمبالا إجماع الحركة حول الموقف من الحرب الدائرة في غزة، ودعم قيام الدولة الفلسطينية، ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي، وتأييد المبادرة التي اتخذتها جنوب أفريقيا بتقديم الشكوى أمام محكمة العدل الدولية. وهنا نشير إلى أن الهند، التي كانت قد عارضت بإصرار استخدام عبارة «إبادة» في البيان النهائي للإشارة إلى العمليات الحربية الإسرائيلية، اضطرت إلى التراجع عن موقفها عندما تيقّنت أنها ستبقى وحدها خارج الإجماع. هذا، ووفق المراقبين، يمكن تفسير موقف الهند لدى النظر إلى التقارب الذي شهدته العلاقات بين نيودلهي وتل أبيب منذ وصول رئيسي حكومتي البلدين ناريندرا مودي وبنيامين نتنياهو إلى الحكم في البلدين، فهما زعيمان ينتميان إلى تيار اليمين القومي – الديني، كلٌّ في بلده. غير أن ثمة بُعداً آخر لتراجع اللحظات الأخيرة في الموقف الهندي، لعله يتمثّل بمخاوف الحكومة الهندية من ازدياد نفوذ الصين وتأثيرها بين أعضاء الحركة عبر دورها الفاعل بوصفها دولة مراقبة، وعن طريق «قمة الجنوب» التي تكاد تتماهى عضويتها مع عضوية «حركة بلدان عدم الانحياز». وكان نائب رئيس الوزراء الصيني ليو غوزهونغ قد شدّد في القمتين على ضرورة تضافر جهود البلدان النامية من أجل إصلاح منظمة التجارة العالمية والمؤسسات المالية الدولية المنبثقة عن اجتماع «بريتون وودز»، وهو الأمر الذي شدد عليه أيضاً أمام القمتين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. ولكن في المقابل، لم يتطرق غوزهونغ إلى «إصلاح» مجلس الأمن الذي حضّ عليه الأمين العام، مستغرباً كيف أن القارة الأفريقية ليس لها مقعد دائم فيه. وكان نائب رئيس الوزراء الصيني قد شكّك في قدرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومواءمتهما على مواجهة التحديات العالمية، ومعالجة الأزمات العالمية الراهنة، كما دعا إلى إعادة النظر في بقاء مقرّيْهما الموجود في واشنطن. ولم يغب عن بال كثيرين من المشاركين في قمة كمبالا ما شدد عليه الرئيس الدوري للحركة، الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، عندما ذكّر في كلمته الختامية بأن الصين «اليوم هي الشريك التجاري الأول لما يزيد على 140 دولة في مختلف أنحاء العالم». وفي انتظار تظهير الصورة النهائية لتوازن النفوذ العالمي التي ستستقر عليها المنافسة المحتدمة بين الصين والولايات المتحدة، وبينما تتواصل جهود بكين الحثيثة لاجتذاب أعضاء الحركة إلى معسكرها، تنبّهت بعض الدول الأعضاء في الحركة إلى أن هاتين القوتين العظميين تواجهان تحديات سياسية داخلية من شأنها أن تؤثر على علاقاتهما الخارجية. وتدعو هذه الدول إلى الثبات على مبدأ عدم الانحياز، ورفض الانجرار وراء القوى الكبرى؛ لأن ذلك هو السبيل الوحيد نحو عالم أكثر إنصافاً.



نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
TT

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا، كما أيّد تصدي المملكة العربية السعودية للمتمردين الحوثيين في اليمن.

في المقابل، أدان روبيو هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على غلاف قطاع غزة، وأعرب بقوة عن دعمه لإسرائيل و«عن حقها في الدفاع عن النفس»، داعياً إلى القضاء التام على «حماس» في القطاع الفلسطيني المحتل.

وعندما سُئل عما إذا كانت هناك طريقة ما لوقف «حماس» من دون التسبّب في خسائر بشرية جسيمة في صفوف مدنيي غزة، قال روبيو - بالحرف - إن إسرائيل لا تستطيع التعايش «مع هؤلاء المتوحشين... يجب القضاء عليهم». وتابع في الاتجاه نفسه ليقول: «إن (حماس) مسؤولة بنسبة 100 في المائة» عن الخسائر البشرية الفلسطينية في غزة.

أما فيما يتعلق بإيران فالمعروف عن روبيو أنه يدعم العقوبات الصارمة وإلغاء الاتفاق النووي معها. وإزاء هذه الخلفية يرى محللون أن اختياره لمنصب وزير الخارجية ربما يعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية على كلّ من إيران وفنزويلا.

ومن جهة ثانية، بصفة ماركو روبيو نائباً لرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وعضواً في لجنة العلاقات الخارجية، فإنه يناقش في الكثير من الأحيان التهديدات العسكرية والاقتصادية الأجنبية، ولعل من أبرزها ما تعدّه واشنطن تهديد الصين. وهو يحذّر بشدّة من أن كلاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تتعاون بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة. وسبق له أن قال في خطاب ألقاه خلال مارس (آذار) الماضي: «إنهم جميعاً يشتركون في هدف واحد. إنهم يريدون إضعاف أميركا، وإضعاف تحالفاتنا، وإضعاف مكانتنا وقدراتنا وإرادتنا».

وحول الصين بالذات، فيما يتعلق بالأمن القومي وحقوق الإنسان، فإنه يحذر من الصين. وفي حين يأمل روبيو بنمو اقتصادي أكبر نتيجة للتجارة معها، فإنه يعتقد أن على واشنطن دعم الديمقراطية والحرية والاستقلال الحقيقي لشعب هونغ كونغ.

أما بالنسبة لروسيا، فقد أدان روبيو غزو روسيا لأوكرانيا، خلال فبراير (شباط) 2022، بيد أنه صوّت مع 15 جمهورياً في مجلس الشيوخ ضد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وشركاء آخرين جرى تمريرها في أبريل (نيسان).

ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وصف الأوكرانيين بأنهم «شجعان وأقوياء بشكل لا يصدق»، لكنه قال إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى «طريق مسدود»، و«يجب إنهاؤها» عبر التفاوض لتجنب المزيد من الضحايا، بدلاً من التركيز على استعادة كل الأراضي التي استولت عليها موسكو.

في المقابل، يدعم وزير الخارجية المرشّح الشراكةَ التجارية والتعاون مع الحلفاء عبر المحيط الهادئ، ويدعو إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في تلك المنطقة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تخاطر بالاستبعاد من التجارة العالمية ما لم تكن أكثر انفتاحاً على التجارة».