الصين وتايوان... «آخر الدواء الكي»

بعد الانتخابات الرئاسية في الدولة ـــ الجزيرة

من التظاهرات الشعبية الحماسية لمناصري الحزب الديمقراطي التايواني (رويترز)
من التظاهرات الشعبية الحماسية لمناصري الحزب الديمقراطي التايواني (رويترز)
TT

الصين وتايوان... «آخر الدواء الكي»

من التظاهرات الشعبية الحماسية لمناصري الحزب الديمقراطي التايواني (رويترز)
من التظاهرات الشعبية الحماسية لمناصري الحزب الديمقراطي التايواني (رويترز)

احتفظ الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم بالسلطة في تايوان إثر انتخاب مرشحه لاي تشينغ تي، نائب الرئيسة الحالية، الذي هزم منافسيه؛ هو يو إيه من حزب «الكومينتانغ» (الحزب الوطني) التاريخي، وكو وين جي من حزب الشعب التايواني. وبفضل هذه النتيجة أضحى الحزب الديمقراطي التقدمي أول حزب سياسي يفوز بـ3 فترات رئاسية متتالية منذ بدأت تايوان انتخاب رؤسائها بشكل مباشر في عام 1996. ما يُذكر أنه خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، لم تُخفِ الصين رغبتها في منع فوز لاي، وقد وصف المسؤولون الصينيون التصويت مراراً بأنه اختيار بين «السلام والحرب». وكان لاي، الذي يأتي من جناح أكثر راديكالية في الحزب الديمقراطي التقدمي، مؤيداً صريحاً لاستقلال تايوان. الأمر الذي يعدّ «خطاً أحمر» بالنسبة لبكين. وهو على الرغم من الصوت الخفيض الذي اعتمده خلال صعوده السياسي، لم تغفر له الصين أبداً تعليقاته قبل 6 سنوات، عندما وصف نفسه بأنه «عامل من أجل استقلال تايوان».

كان موقف الصين جلياً بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية التايوانية، إذ قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي: «تايوان لم تكن ولن تكون يوماً بلداً! لم يتحقق استقلال تايوان في الماضي، ولن يتحقق في المستقبل. مَن يحاول دعم استقلال تايوان فهو بذلك يقسم الأراضي الصينية، وسيحكم عليه التاريخ والقانون بقسوة. استقلال تايوان طريق مسدودة. وستحقق الصين في نهاية المطاف إعادة التوحيد الكامل. ونحن واثقون أن المجتمع الدولي سيواصل التمسك بسياسة الصين الواحدة ودعم القضية العادلة للشعب الصيني لمعارضة الأعمال الانفصالية لاستقلال تايوان والسعي من أجل إعادة التوحيد الوطني».

موسكو وواشنطن

من جهة أخرى، دعت روسيا القوى الخارجية إلى الامتناع عن الاستفزازات في ضوء نتائج الانتخابات في تايوان. وفي موقف يتماهى مع الموقف الصيني، نقلت وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية عن ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، قولها في بيان: «إننا ندعو جميع القوى الخارجية إلى الامتناع عن الأعمال الاستفزازية التي تقوّض الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي». وأردفت أن العلاقات بين جانبي مضيق تايوان «مسألة صينية داخلية بحتة»، ومحاولات الدول الفردية لاستغلال الانتخابات في تايوان للضغط على بكين وزعزعة الوضع في المضيق وفي المنطقة تعد بمثابة تهديد، فهي كلها تؤدي إلى نتائج عكسية، وتستحق إدانة واسعة النطاق من المجتمع الدولي. وشددت على أن موقف موسكو بشأن تايوان لم يتغير، وأن الجانب الروسي يعترف بوجود صين واحدة فقط في العالم، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وأن روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال.

في المقابل، هنّأت الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان الرئيس المنتخب لاي تشينغ تي بفوزه، لكنها في الوقت نفسه قالت إنها لا تدعم استقلال الجزيرة المتمتعة بحكم ذاتي. وبعدما سأل صحافيون الرئيس الأميركي جو بايدن عن موقف واشنطن، قال: «نحن لا نؤيد الاستقلال». بيد أن هذه التهنئة لم تمر مرور الكرام، إذ انتقدت بكين الدول الثلاث على تهنئتها. وقالت الخارجية الصينية إنها قدّمت «احتجاجاً رسمياً» إلى الولايات المتحدة بشأن بيان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، الذي هنّأ فيه لاي. واتهمت بكين واشنطن بـ«إرسال إشارة خاطئة خطيرة إلى القوى الانفصالية المطالبة باستقلال تايوان».

'في الثمانينات طرحت بكين صيغة «دولة واحدة ونظامين»'

مساعدات واستفزازات

للعلم، فإن واشنطن التي لا تعترف بتايوان كدولة، تزودها بمساعدات عسكرية كبيرة، وتتهمها بكين باستفزازها مع استمرار توتر العلاقات بين بكين وواشنطن، الذي تضاعف إثر قيام رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بزيارة تايوان، وما تبعها من تصعيد الصين أنشطتها ووجودها العسكري حول الجزيرة. وأخيراً، توجه وفد أميركي غير رسمي إلى تايوان غداة فوز لاي تشينغ تي، الذي عبّر عن أمله في أن تواصل الولايات المتحدة دعم تايوان، وعقد الوفد مباحثات مع كل من الرئيس المنتخب حديثاً والرئيسة التايوانية تساي إينغ ون بشأن سير الانتخابات والشراكة بين الطرفين، وفق ما نقله المعهد الأميركي في تايوان، الذي يعدّ مقراً فعلياً للسفارة الأميركية في الجزيرة. وقال المعهد إن «الحكومة الأميركية طلبت من المسؤولين السفر بصفتهم الخاصة إلى تايوان، كما دأبت بعد كل انتخابات رئاسية في الجزيرة».

جوهر الصراع

يكمن جوهر الصراع بين الصين وتايوان في حقيقة أن بكين ترى تايوان مقاطعة منشقّة سيُعاد ضمّها إلى البر الصيني في نهاية المطاف. كذلك ترى السلطات الصينية أن قلة ضئيلة تؤيد استقلال تايوان «والأنشطة الانفصالية». وفي المقابل، يختلف كثير من التايوانيين مع وجهة نظر بكين، فيرون أن لديهم أمة منفصلة، سواء أعلن استقلالها رسمياً أم لا.

بكين تعدّ تايوان، التي يبلغ عدد سكانها نحو 23 مليون نسمة، جزءاً لا يتجزأ من أراضي الصين، وإن لم تنجح بعد في إعادة توحيده مع بقية البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949. وبتاريخ 10 أغسطس (آب) 2022، أصدرت بكين «كتاباً أبيض» لشرح موقف وسياسات الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية بشأن تحقيق «إعادة التوحيد الوطني» في العصر الجديد، ما يشمل رؤية بشأن منطقة إدارية خاصة جديدة لتايوان.

هذا الكتاب الأبيض الذي حمل عنوان «قضية تايوان وإعادة توحيد الصين في العصر الجديد» هو الثالث من نوعه حول قضية تايوان في تاريخ جمهورية الصين الشعبية. ولقد صدر الكتابان السابقان في أغسطس (آب) 1993 وفبراير (شباط) 2000.

يُذكّر الكتاب الثالث أن تايوان «جزء لا يتجزّأ من الصين». ويشير إلى حُكم سُلالتَي يوان وسونغ اللتَين أرسلتا هيئات إدارية لتمارس الولاية القضائية على أرخبيل بسكادورز وتايوان، ثمّ إعلان تايوان بوصْفها المقاطعة العشرين في الصين عام 1885، قبل سيطرة اليابان على الجزيرة والأرخبيل عام 1894، ثمّ إصدار كلّ من الصين والولايات المتّحدة وبريطانيا «إعلان القاهرة» عام 1943، أي عقب «حرب المقاومة الشعبية الصينية» ضدّ العدوان الياباني (1931 - 1945).

ذلك الإعلان شدّد على ضرورة تخلّي اليابان عن «الأراضي التي سرقتها من الصين، بما فيها شمال شرقي الصين وتايوان وجزر بسكادورز، وإعادتها إلى الصين». وفي ما بعد، جاء «إعلان بوتسدام» الذي وقّعته الدول الثلاث نفسها عام 1945، واعترف به الاتحاد السوفياتي، ليؤكّد المطلب نفسه.

وفي أعقاب تأسيس «جمهورية الصين الشعبية» عام 1949، والإطاحة بحزب «الكومينتانغ» اليميني، ثمّ اندلاع الحرب الأهلية بينه وبين الحزب الشيوعي الصيني في أواخر الأربعينات، انسحب «الكومينتانغ» (بزعامة الرئيس الجنرال تشيانغ كاي شيك) إلى جزيرة تايوان إثر خسارته الحرب، واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والعشرين عام 1971 «القرار 2758» الذي تعهّدت من خلاله بإعادة جميع الحقوق إلى جمهورية الصين الشعبية، والاعتراف بممثّلي حكومتها بصفتهم الممثّلين الشرعيين الوحيدين للصين لدى الأمم المتحدة، وطرد جميع الممثّلين غير الشرعيين من الجمعية. وبالتالي، حسم القرار نهائياً القضايا السياسية والقانونية والإجرائية المتعلّقة بتمثيل الصين في المنظّمة الدولية، وأكّد أن لدى بكين مقعداً واحداً، نافياً بالتالي أيّ وجود لِما يُسمّى «دولتين صينيّتين» أو «صين واحدة وتايوان واحدة».

لاي تشينغ تي، الرئيس التايواني المنتخب (رويترز)

«دولة واحدة ونظامان» و«توافق 1992»

من جهة أخرى، مع بداية الثمانينات بدأت العلاقات بين الصين وتايوان تتحسن، وطرحت الصين صيغة تعرف باسم «دولة واحدة ونظامان» تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين.

يومذاك، رفضت تايوان العرض إلا أنها خفّفت من الإجراءات الخاصة بالزيارات والاستثمار في الصين. وعام 1991، أعلنت تايوان «انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية» في البرّ الصيني.

ثم بين نهاية أكتوبر (تشرين الأول) وبداية ديسمبر (كانون الأول) 1992 وإثر سلسلة من المشاورات بين «جمعية العلاقات بين جانبي المضيق» (وهي منظمة أهلية في البر الصيني) و«صندوق التبادلات عبر المضيق» (وهو منظمة أهلية في تايوان)، توصل الجانبان إلى توافق شفهي حول تمسك جانبي المضيق بمبدأ «الصين الواحدة»، ما أرسى أساساً سياسياً لتحقيق ودفع التشاور بين جانبي مضيق تايوان، وسمي هذا التوافق لاحقاً بـ«توافق 1992».

يُعد «التمسك بالصين الواحدة» النواة الأساسية لهذا التوافق، أما جوهره فيكمن في السعي إلى إيجاد نقاط مشتركة وترك نقاط الخلاف جانباً. ولقد أشار «توافق 1992» بوضوح إلى الطبيعة الأساسية للعلاقات بين جانبي المضيق، وهي انتماء كل من البر الصيني وتايوان إلى «الصين الواحدة»، وأن العلاقات بين جانبي المضيق ليست علاقات بين دولة ودولة أخرى، ولا تمثل «صين واحدة وتايوان واحدة».

بكين ترى أن «توافق 1992» أساس للحفاظ على السلام والاستقرار والتفاعل الإيجابي للعلاقات بين جانبي المضيق، ومفتاح لضمان التنمية السلمية للعلاقات بين جانبي المضيق. وفي يناير (كانون الثاني) 2019 ، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ دعوة في مؤتمر احتفالي بمناسبة إحياء الذكرى السنوية الأربعين لإصدار «رسالة إلى أبناء الوطن في تايوان» بأن ترشح مختلف الأحزاب السياسية وكل القطاعات على جانبي المضيق ممثلين لإجراء مشاورات ديمقراطية شاملة ومعمقة، ترتكز على الأساس السياسي المشترك بشأن دعم «توافق 1992» ومعارضة «استقلال تايوان»، سعياً إلى الوصول إلى الترتيب المؤسسي حول دفع التنمية السلمية للعلاقات بين جانبي المضيق.

الرئيس الصيني شي جينبينغ (آ ب)

المضمون الرئيس

المضمون الرئيس لـ«دولة واحدة ونظامين» هو ما يلي...

- تحت مقدمة «الصين الواحدة»، يتمسك النظام الرئيس للدولة بالنظام الاشتراكي، وتكون هونغ كونغ وماكاو وتايوان أجزاء لا تتجزأ من جمهورية الصين الشعبية، وتبقي على تطبيق النظام الرأسمالي لفترة طويلة، ولن يتغير ذلك باعتبارها مناطق إدارية خاصة.

- لا يمكن لأحد إلا جمهورية الصين الشعبية أن يمثل الصين في المجتمع الدولي، وإن البرنامج الشامل الأساسي المتمثل في التمسك بـ«دولة واحدة ونظامين» ودفع «إعادة توحيد الوطن الأم»، أجاب على موضوع العصر، المتمثل في دفع التنمية السلمية للعلاقات بين جانبي مضيق تايوان، والاتحاد مع المواطنين في تايوان، بالسعي بجهود مشتركة وراء النهضة العظيمة للأمة والتوحيد السلمي للوطن الأم. وبالطبع، لن يكون تطبيق «دولة واحدة ونظامين» يسيراً باعتباره قضية غير مسبوقة، ويحتاج إلى الاستمرار في التطبيق.

أسّس هذا النظام في هونغ كونغ وماكاو لاستخدامه كعرض لإغراء التايوانيين بالعودة إلى البرّ الصيني، ورسالة واضحة إلى دول العالم، فحواها أن إعادة توحيد البر الصيني مع تايوان «لن تضرّ بمصالح الدول الأخرى، بما في ذلك مصالحها الاقتصادية في الجزيرة»، وهذا ما أكد عليه الكتاب الأبيض، كما تتعهد بكين بـ«الحفاظ على الحكم الذاتي العالي لتايوان، وحماية الحقوق والمصالح المشروعة لشعبها».

أيضاً، نصّ الكتاب الأبيض على أن تايوان بعد إعادة توحيدها مع الصين، يمكن لجميع الدول المهتمة الاستمرار في تطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية مع تايوان. وبموافقة الحكومة المركزية الصينية، ستكون الدول الأجنبية قادرة على فتح مكاتبها القنصلية، وكذلك غيرها من المسؤولين أو المؤسسات شبه الرسمية في الجزيرة، والمنظمات والمؤسسات الدولية ستكون قادرة على فتح مكاتب في تايوان.

وذكر الكتاب أن مستوى التنمية الاقتصادية لتايوان مع الصناعة المتقدمة والتجارة الخارجية مرتفع نسبياً بالفعل. وبعد إعادة توحيد آلية التعاون الاقتصادي بين جانبي مضيق تايوان سيصبح أكثر اكتمالاً، وسيكون الاقتصاد التايواني قادراً على التطور بصورة أكثر نشاطاً مع الوصول غير المحدود إلى سوق البر الصيني الرئيس، بسلاسل إنتاج وتوريد مستقرة.

وما يلفت في الكتاب أيضاً أنه يركّز على حقبة ما بعد إعادة التوحيد المنشودة، مُعدّداً بالأرقام، كيف ستخدم هذه العملية تايوان بشكل خاص، و«المجتمع الدولي» بشكل عام، إذ يقول: «كان حجم التجارة عبر المضيق يبلغ 46 مليون دولار فقط عام 1978، لكنه ارتفع إلى 328.34 مليار دولار عام 2021، أي 7 آلاف أضعاف. وأشار كذلك إلى أن البرّ الصيني شكّل أكبر سوق تصدير لتايوان على مدار السنوات الـ21 الماضية، ما أدّى إلى تحقيق فائض سنوي كبير للجزيرة. ثم إنه مثّل الوجهة الأولى للاستثمارات الخارجية لتايوان. فبحلول نهاية عام 2021، استثمرت الشركات التايوانية في 124 ألف مشروع في الصين، بقيمة إجمالية قدرها 71.34 مليار دولار أميركي. وتابع أن تنمية الصين وتَقدّمها، ولا سيما الصعود المطّرد لقوّتها الاقتصادية والتكنولوجية وقدراتها الدفاعية الوطنية، توفّر مساحة واسعة وفرصاً كبيرة للتبادل والتعاون عبر المضيق، وتخدم مصلحة سكّان تايوان. أضف إلى ذلك إمكانية تكثيف التبادلات والتفاعل والتكامل عبر المضائق في جميع القطاعات، وتعميق الروابط الاقتصادية والشخصية بين السكّان من كلا الجانبين، وغيرها من المنافع. وحول هذه النقطة، يقول عبد العزيز الشعباني، الباحث بمركز الرياض للدراسات السياسية والاستراتيجية: «إن تحقيق إعادة التوحيد السلمي عبر المضيق نعمة، ليس للأمة الصينية وللشعب الصيني فقط، بل للمجتمع الدولي والشعوب في جميع أنحاء العالم كذلك، وهي نتيجة يتطلع المجتمع الدولي لأن يراها».

جانب من العاصمة التايوانية تايبيه (أ ف ب/غيتي)

الهدف الاستراتيجي... تحقيق حلم الصين العظيم

> أعربت وزارة الخارجية التايوانية، في بيان، عن «استيائها الشديد وإدانتها» للتصريحات التي أدلت بها بكين، عقب الانتخابات الرئاسية التي جرت في تايوان. في حين ينتظر أن يعمل الرئيس الجديد لاي تشينغ تي خلال ولايته الرئاسية على تعزيز وتوثيق علاقات تايوان مع الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان بصورة أساسية.ومن جهة أخرى، أفضت انتخابات 2024 العامة في تايوان إلى جملة من التغيرات اللافتة، سواء ما يتعلق باتجاهات التصويت، أو التركيبة المختلفة للسلطتين التنفيذية والتشريعية، أو المعادلة الحزبية الجديدة التي تشكلت وما نتج عنها من تشرذم أصوات الناخبين. لا شك أن فوز لاي شكّل إزعاجاً لبكين، ولذا فإن السنوات المقبلة قد تشهد مستويات غير مسبوقة من التوتر بين الجانبين، إذ تتجه بكين نحو ممارسة كل أشكال الضغوط على تايوان، سواء الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وفي المقابل، يمثل فرصاً لبكين للتأثير على الجزيرة من دون اللجوء إلى القوة. وعليه تسعى بكين إلى استغلال ما أفرزته الانتخابات لبناء روابط أعمق مع الجزيرة من خلال هذه القنوات، خصوصاً من خلال محاولة تقليص المحور الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد على الاقتصاد الصيني الذي كان الحزب الديمقراطي التقدمي يسعى إليه ببعض النجاح على مدى السنوات الثماني الماضية. أيضاً يتوقع أن تحشد بكين قواها الدبلوماسية لوقف محاولات تايوان الحصول على الدعم على المستوى الدولي. هذا، وواصلت بكين التأكيد على أن نتائج الانتخابات لا تؤثر على جهودها لإعادة توحيد تايوان مع الصين، وأنها لن تتسامح مع النزعة الانفصالية. وعليه يُرجح أن يظل الحوار الرسمي عبر المضيق معلقاً، على الرغم من النشاط العسكري المتزايد، مع مواصلة بكين الاعتماد على وسطاء لفهم طريقة التفكير في العاصمة التايوانية تايبيه، مع إرسال بكين رسائل تحذير شديدة الوضوح «باتخاذ إجراء صارم» إلى تايبيه وواشنطن «في حال إقدام القوى الانفصالية المؤيدة لاستقلال تايوان، أو قوى التدخل الخارجية على استفزاز أو استخدام القوة حتى تجاوز الخط الأحمر». هذا يعني دفع بكين إلى تبني استراتيجية جديدة تقوم على تسريع وتيرة استعادة تايوان عبر الضغط العسكري ثم الضغط الدبلوماسي. ودفع بكين أيضاً إلى تقليص المدة الزمنية بـ10 سنوات كاملة، إذ قد تقدم على ضمّ الجزيرة في 2030، أي خلال 8 سنوات، بدل نهاية العقد المقبل.


مقالات ذات صلة

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

العالم القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

قال مسؤول كبير في مجال الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة إن قراصنة إلكترونيين صينيين يتخذون مواطئ قدم في بنية تحتية خاصة بشبكات حيوية أميركية.

الولايات المتحدة​ حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت يتحدث خلال فعالية (رويترز-أرشيفية)

حاكم تكساس الأميركية يأمر أجهزة الولاية بوقف الاستثمار في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري غريغ أبوت، الأجهزة المعنية بوقف استثمار أموال الولاية في الصين، وبيع هذه الاستثمارات في أقرب فرصة.

«الشرق الأوسط» (أوستن (تكساس))
شؤون إقليمية مدخل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في 3 مارس 2011 (رويترز)

الصين تدعو «الجنائية الدولية» لاتخاذ موقف «موضوعي» بشأن مذكرة توقيف نتنياهو

دعت الصين، اليوم (الجمعة)، المحكمة الجنائية الدولية إلى الحفاظ على «موقف موضوعي وعادل» بعدما أصدرت مذكرة توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (بكين)
أوروبا لين جيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية (موقع الخارجية الصينية)

الصين تدعو إلى «الهدوء» بعد توسيع بوتين إمكانية استخدام الأسلحة النووية

دعت الصين، الأربعاء، إلى «الهدوء» و«ضبط النفس»، غداة إصدار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يوسع إمكانية استخدام الأسلحة النووية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الخليج م. وليد الخريجي ترأس الجانب السعودي في الجولة الثانية من المشاورات السياسية مع «الخارجية الصينية» (واس)

مشاورات سعودية – صينية تعزز التنسيق المشترك

بحثت الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والصينية في الرياض، الاثنين، تطوير العلاقات الثنائية، وأهمية تعزيز التنسيق المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.