خيرت فيلدرز... يفاقم هموم أوروبا إثر «اختراق» حزبه المتطرف في هولندا

دول القارة قلقة من تأقلم ناخبيها مع حكم غلاة اليمين

خيرت فيلدرز... يفاقم هموم أوروبا إثر «اختراق» حزبه المتطرف في هولندا
TT

خيرت فيلدرز... يفاقم هموم أوروبا إثر «اختراق» حزبه المتطرف في هولندا

خيرت فيلدرز... يفاقم هموم أوروبا إثر «اختراق» حزبه المتطرف في هولندا

قد يكون النائب الهولندي خيرت فيلدرز من أكثر الوجوه السياسية شهرة في أوروبا منذ عقود، رغم أنه لم يتولَّ مناصب رسمية حتى الآن. شهرة الرجل نابعة من أفكاره اليمينية الشديدة التطرف، وكرهه المعلن للإسلام والمسلمين. ومع أن فيلدرز حاضر على الساحة السياسية في أوروبا منذ عام 1998 عندما دخل البرلمان للمرة الأولى، بالكاد نُظر إليه - قبل الآن - على أنه لاعب سياسي قوي قادر على الوصول للسلطة وحكم هولندا. ولذا شكل فوز حزبه «الحرية» بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية، حصد فيها 37 مقعداً من أصل 150 (أي ربع مقاعد البرلمان) مفاجأة كبيرة وصدمة خاصة للمسلمين في هولندا الذين بدأوا فعلاً يخشون على مستقبلهم هناك. ولكن، فوز حزب فيلدرز في الانتخابات الأخيرة لا يعني أنه سيصبح تلقائياً رئيس الحكومة المقبلة. ذلك أنه، في غياب الغالبية المطلقة، سيكون مُجبراً على إقناع أحزاب أخرى بالمشاركة معه في حكومة يرأسها هو، ما قد يكون مهمة صعبة. ولكن الثابت الآن هو استحالة تجاهل قوة هذا الحزب، ولا المليوني ونصف المليون شخص تقريباً الذين صوتوا له رغم أفكاره الشديدة التطرّف حول المسلمين والمهاجرين والاتحاد الأوروبي وغيرها الكثير. أمر آخر، لا يخلو من الخطورة، هو أن إنجاز متطرفي هولندا أعطى أملاً جديداً للأحزاب الأخرى الشعبوية واليمينية المتطرفة في أوروبا التي بدأت صعودها أصلاً في السنوات الماضية، ووصل بعضها إلى السلطة مثل حزب رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، والحزب اليميني المتطرف في فنلندا الذي بات جزءاً من الحكومة الائتلافية. ذلك أنه في فرنسا يتقدم اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبين في استطلاعات الرأي باعتباره أكبر حزب في البلاد. وفي ألمانيا يصعد حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف بوتيرة مقلقة في بلد تعهدت كل الأحزاب الأساسية فيه بألا تشاركه الحكم. ولكن الكثير قد يتغير حتى موعد الانتخابات المقبلة في عام 2025، خاصة في حال نجح فيلدرز بإقناع أحزاب هولندية وسطية بالمشاركة معه في حكومة ائتلافية.

كرّر السياسي الهولندي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، خلال حملته الانتخابية الأخيرة، الكلام عن الخطط التي اعتمدها ويريد تطبيقها في حال وصوله للسلطة. ووضع على رأس تلك الخطط حظر القرآن والحجاب في الأبنية الرسمية، وإقفال المساجد والمدارس الدينية المسلمة. وللعلم، تتماشى هذه الأفكار مع ما عُرف به فعلاً هذا السياسي المتطرف المعادي للإسلام والمسلمين منذ بداية صعوده؛ إذ سبق له أن وصف المواطنين الهولنديين المتحدرين من أصول مغاربية بأنهم «حثالة». وفي عام 2004 تسبّب بجدل كبير عندما سأل المتجمهرين في أحد التجمعات الانتخابية: «هل تريدون مغاربة أقل في هولندا؟»، فردّوا: «نعم ...نعم...»، وعلى الفور أعلن وهو يبتسم بأنه يستطيع أن يفعل ذلك. وفي حينه، حوكم فيلدرز بسبب تلك التصريحات التي اعتبرت تحريضاً على الكراهية والتمييز ضد المغاربة، وأدين بغرامة مالية مقدارها 5 آلاف يورو.

خلفية العداء

يدّعي فيلدرز أن أفكاره المعادية للإسلام ترسّخت بعد قتل المخرج الهولندي تيو فان كوخ عام 2004 على يد شاب هولندي من أصل مغربي بعد إخراج فان كوخ فيلم «الخضوع» للكاتبة الهولندية الصومالية المعادية للمسلمين أعيان حرسي علي، الذي يصوّر الإسلام بصورة سلبية للغاية. ثم في العام نفسه أسس فيلدرز حزبه «الحرية» في أعقاب انفصال عن حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» اليميني المعتدل الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة الهولندي الحالي مارك روته.

ما يستحق الذكر أن فيلدرز امتهن لفترة التأمين الصحي، كما درس لنيل شهادات في القانون من جامعة هولندا المفتوحة، قبل أن يتفرّغ للسياسة. ولقد التحق بصفوف حزب روته منذ عام 1989، وانطلق منه في حياته السياسية. بيد أنه منذ ذلك الحين، عُرف داخل الحزب بأفكاره المتطرّفة، وبصفة خاصة تجاه المسلمين.

بعدها، برز الاختلاف الكبير بين فيلدرز وأعضاء الحزب الآخرين في أعقاب تعيينه عام 2002 ناطقاً باسم الكتلة البرلمانية لحزبه. وحقاً، تسبّب العديد من تصريحاته المتطرفة ضد الإسلام والمسلمين، آنذاك، بتوتر شديد داخل الكتلة البرلمانية، ويضاف إلى ذلك، أنه كان غالباً ما يتكلّم في مواضيع خارج الخطوط الأساسية لسياسة الحزب.

غير أن «القشة التي قصمت ظهر البعير» تمثّلت في رفض فيلدرز العنيد تأييد موقف حزبه من بدء مفاوضات قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. هذا، كانت نقطة الخلاف الحاسمة والأخيرة التي أدت إلى قراره الانفصال عن الحزب وتأسيسه «حزب الحرية». وهنا تجدر الإشارة، إلى أن السبب الأبرز لمعارضة فيلدرز الشديدة القبول بإطلاق مفاوضات الانضمام مع تركيا كون الأخيرة «دولة مسلمة»، وهي بالتالي - وفق قناعاته - «لا تنتمي إلى العائلة الأوروبية» وقيَمها وثقافتها.

كاثوليكي العائلة والنشأة

فيلدرز نفسه ولد لعائلة كاثوليكية، هو ابنها الأصغر وله 3 أخوة آخرين، إلا أنه يزعم حالياً أنه لا ينتمي لأي ديانة على الرغم من أنه يعتبر أن المسيحيين هم «حلفاء» له. واللافت أن الرجل الذي تحول إلى أحد أهم الرموز المعادية للإسلام في أوروبا وأبعد، هو نفسه يتحدّر جزئياً من عائلة ذات أصول إندونيسية مسلمة يحاول إخفاءها... ونادراً ما يتطرّق إليها.

ذلك أن جدّته لوالدته إندونيسية تزوّجت والده الهولندي أيام حقبة الاستعمار الهولندي على إندونيسيا، عندما كان يعمل في تلك البلاد التي كانت تُعرف بـ«جزر الهند الشرقية الهولندية»، وذلك قبل أن تتحوّل إلى جمهورية إندونيسيا بعد الاستقلال عن هولندا عام 1949 بقيادة أحمد سوكارنو.

وفي عام 2009، نشرت مجلة «أمستردام الخضراء» تحقيقاً مفصلاً عن فيلدرز نبشت فيه إرثه العائلي، مستندة إلى وثائق في «الأرشيف الوطني» أظهرت تفاصيل حول جده لوالدته يوهان أوردينغ الذي كان يعمل موظفاً حكومياً تابعاً لسلطة «جزر الهند الشرقية الهولندية»، ونجح هناك بكسب أموال من أعمال كان يقوم بها في المستعمرة الهولندية السابقة. وهناك أيضاً، تعرف على زوجته الإندونيسية جوهانا التي أنجب منها 7 أولاد بينهم والدة فيلدرز، ولدوا جميعهم في جزيرة جاوة، كبرى الجزر الإندونيسية من حيث تعداد السكان، وفيها العاصمة جاكارتا.

وبحسب المجلة، طُرد جد فيلدرز من وظيفته ومنع من العودة إلى جاوة عام 1934 عندما كان في إجازة في الخارج بعدما تبيّن أنه قد أفلس. وهكذا، حُرم الرجل من معاشه التقاعدي، واضطر على الأثر للانتقال مع زوجته - التي لم تكن تتكلم اللغة الهولندية - وعائلتهما للعيش في منزل صغير، وفق المجلة، في هولندا مع 7 أطفال، تاركين وراءهم منزلاً كبيراً وخدماً وحياة رفاهية ما عادت متوافرة لهم.

وتروي مجلة «أمستردام الخضراء» في تحقيقها أن العائلة مرّت بأيام شديدة الصعوبة، وعانت من الفقر الشديد. وأكملت لتشير إلى أن أوردينغ نجح فيما بعد بإعادة بناء حياته العملية بعدما وجد وظيفة له حارسَ سجن. ومن ثم، استقر مع عائلته في مدينة فينلو الصغيرة، بجنوب شرقي هولندا قرب الحدود الألمانية، وهي المدينة حيث ولد خيرت عام 1962 وفيها نشأ. ولقد نسبت الصحيفة إلى خيرت فيلدرز نفسه القول إن جدّيه كانا يعيشان على بعد نصف كيلومتر من منزله، وأنه كان غالباً ما يزورهما. وفي حين توفي أوردينغ عندما كان خيرت في الثامنة عشرة من عمره، توفيت زوجته بعده بست سنوات.

مرارة التجربة وأزمة الهوية

بناءً على ما سبق، استنتجت «أمستردام الخضراء» أن إبعاد عائلة فيلدرز عن إندونيسيا، وما تعرّض له أفرادها وكثيرون غيرهم من معاملة مشابهة بعد استقلال المستعمرة السابقة ذات الغالبية الإسلامية الكبيرة عن هولندا، ترك الكثير من الاستياء لدى سكانها السابقين من الهولنديين... الذين خسروا بعد أفول نجم الاستعمار كل شيء، ولم يعد بإمكانهم العودة إلى ديارهم.

أيضاً، تتطرّق المجلة المذكورة إلى «تيار سياسي» نشأ في هولندا منذ ذلك الحين، في بداية الخمسينات، يضم أولئك المستوطنين المستائين من إقصائهم مع العلم أن هولندا لم تسهّل عودة كثيرين منهم إليها؛ لأنها لم تعتبرهم «هولنديين» لكونهم «شرقيي الهوى». وفي المقابل، لم تعتبرهم إندونيسيا من جهتها «إندونيسيين». ومن ثم، تشير المجلة إلى أن كثرة من هؤلاء انتهى بهم الأمر مهاجرين إلى الولايات المتحدة أو كندا أو أستراليا بسبب رفض كل من هولندا وإندونيسيا قبولهم مواطنين فيها. وفي هذا السياق، ترى المجلة الهولندية أن أفكار فيلدرز «تتماشى مع الخطاب الاستعماري والأفكار المحافظة النابعة من تلك الحقبة، التي تأثر بها على ما يبدو، بسبب ما عاناه جدّاه».

من جانب آخر، نقلت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية عن المؤرخ والباحث الهولندي إيان بوروما قوله، إن «بعض الهولنديين المتحدّرين من أصول إندونيسية يحاولون التعويض عن إرثهم المختلط بأن يكونوا هولنديين أكثر من الهولنديين»، وأن البعض الآخر «يظهر ازدراءً كبيراً للإسلام وهو ما كان يمارسه المستعمرون الهولنديون في مستعمرتهم الآسيوية السابقة».

وقبل سنوات كتبت مجلة «نيوزويك» الأميركية قصة عن خيرت فيلدرز تناولت فيها إرثه الإندونيسي، ونقلت عن عالمة الأنثروبولوجيا الهولندية ليزي فان لوفن - التي تتحدر بدورها من إرث إندونيسي هولندي مختلط - تفاصيل حول بحث أجرته وعثرت فيه على إرث فيلدرز العائلي المختلط. وكما تقول فان لوفن إن كثيرين من جيل والدة فيلدرز ووالدتها يختزنون غضباً ضد المسلمين الإندونيسيين «على طردهم إياهم من بلدهم، وأيضاً لعجزهم هم عن العودة، وما تبع ذلك من فقر عاشوه بعدما اضطروا للعيش في هولندا». وهذا الأمر تفسره فان لوفن على أنه «محرّك أساسي» خلف كراهية فيلدرز للمسلمين. ثم تفسّر كذلك تسريحة شعره وصبغته الشقراء دائماً بأن غايته منهما إخفاء معالمه الإندونيسية التي قد تظهر في شعره الطبيعي الأسود اللون الذي كانت جذوره تظهر عندما كان أصغر سناً قبل أن تتحول الآن بفعل الشيب إلى جذور بيضاء.

نفور من إندونيسيا وانجذاب لإسرائيل

في المقابل، ثمة من يقول إن «كراهية» خيرت فيلدرز للإسلام والمسلمين لا تقتصر على إرث استعمار إندونيسيا، بل يعود كذلك إلى فترة من مراهقته - عندما بلغ سن السابعة عشرة - أمضى خلالها سنة كاملة وهو يعمل في موشاف (تجمع قروي زراعي) إسرائيلي في الضفة الغربية. ثم، أمضى سنوات لاحقاً متنقلاً في الشرق الأوسط بين عدة دول عربية مثل الأردن وسوريا ومصر.

وفي أعقاب عودة فيلدرز - المتزوّج من سيدة من أصول مجرية يهودية - إلى هولندا من الشرق الأوسط، نقل عنه أنه حمل معه «شعوراً مميّزاً بالتضامن مع إسرائيل». وبالفعل، في الأسابيع الماضية، علّق على الحرب الحالية على قطاع غزة داعياً إلى نقل الفلسطينيين إلى الأردن، وتحويل الأردن إلى فلسطين بديلة، ما أثار سيلاً من الإدانات الواسعة والشديدة من كل من الأردن والسلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية.

ولكن، بغضّ النظر عن أسباب كراهية فيلدرز للإسلام، فإن مواقفه المحرّضة على الكراهية ضد الإسلام، والتي تمثلت خصوصاً في الفيلم الذي أنتجه عام 2008 باسم «فتنة»، جعلته شخصاً معزولاً يعيش تحت حماية أمنية دائمة. وفي الواقع، كان الرجل قد تعرّض عام 2004 لمحاولة اغتيال إلى جانب حليفته النائبة الصومالية أعيان حرسي علي. ويومذاك، حاول رجلان مسلحان بقنابل يدوية قتلهما داخل مبنى في مدينة لاهاي، ولكنه قبض عليهما ولم ينجحا في تنفيذ مأربهما. ومنذ ذلك الحين، يعيش فيلدرز بحماية دائمة ولا يتحرك من دون حراسة مشددة، بل إنه نادراً ما يغادر منزله باستثناء الانتقال للمشاركة في تجمعات انتخابية، وأيضاً، إلى مكتبه في البرلمان الذي يقع في زاوية معزولة يسهل مراقبتها وحمايتها. كذلك، لا يتحرك فيلدرز من دون سترة واقية من الرصاص.

مارك روته (رويترز)

تطرف حزب فيلدرز... عامل منفّر لمعظم شركاء الحكم المحتملين

> ذكر بول فيلدرز، الشقيق الأكبر للزعيم الهولندي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، في مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية قبل سنوات، أن راديكالية شقيقه جاءت تدريجية.

وأوضح بول، الذي ينتقد شقيقه بشكل كبير بسبب تطرفه، أن عيش خيرت في موشاف إسرائيلي، حيث كان شاهداً على التوتر مع الفلسطينيين، ثم انتقاله إلى مدينة أوتريخت الهولندية؛ حيث انتقل أتراك ومغاربة بشكل متكاثر إلى منطقته عبر السنوات، من العوامل التي أسهمت بزيادة تطرفه. ثم أضاف أنه بعد «أحداث 11 سبتمبر (أيلول) واغتيال المخرج تيو فان غوخ بدأ أخوه يكسب صيتاً لنفسه على أنه معادٍ للإسلام ووجد أن هناك متلقين لذلك».

تيو فان غوخ (أ.ب)

من جهة أخرى، حتى قبل أن يصبح فيلدرز قريباً من المشاركة في الحكومة، كان شقيقه بول ينتقد دعواته لحظر القرآن وإقفال المدارس الإسلامية والمساجد. ولقد وصف تلك الدعوات في مقابلته مع «دير شبيغل» بأنها تشكّل خرقاً للدستور الهولندي، وبأن تطبيقها سيكون بحاجة لموافقة غرفتي البرلمان (السلطة التشريعية) وبغالبية كبيرة.

شعار «حزب الحرية»

ومن ثم، يتابع بول فيلدرز القول إنه «بسبب التركيبة السياسية لهولندا، فهو - أي شقيقه خيرت - لن ينجح أبداً في تحقيق ذلك». ويستنتج أنه إذا أراد أن يصبح رئيس حكومة سيكون عليه التفاوض مع عدد من الشركاء للدخول في حكومة ائتلافية أو تشكيل حكومة أقلية، ما يعني أنه «سيضطر إلى تقديم تنازلات وكسر الكثير من الوعود الانتخابية».

وحقاً، تبدو الكثير من أفكار فيلدرز عاملاً سياسياً سلبياً يبعد الأحزاب الأخرى عن التفكير في التحالف معه. ذلك أن أفكاره المتطرفة لا تتوقف فقط عند المسلمين بل تتخطاها إلى مسائل تتعلق بـ«اتفاقية شينغن»؛ حيث يريد - مثلاً - إعادة العمل بنظام تأشيرات العمل حتى للقادمين من داخل الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يخالف مبدأ «حرية التحرك» داخل دول الاتفاقية.

ثم إن أفكاره المتطرفة تمتد لتمسّ الاتحاد الأوروبي نفسه، إذ يريد طرح استفتاء على خروج هولندا منه أسوة ببريطانيا. وهو يرى الكثير من القوانين الأوروبية «مقيّدة» لهولندا؛ منها قوانين «التغير المناخي»، الذي لا يؤمن به، كما أنه يسعى إلى وقف الاستثمارات بالطاقة الخضراء الرفيقة بالبيئة وإعادة العمل بالفحم والغاز وغيرهما. بل أكثر من هذا، يؤيد فيلدرز بقوة حتى الانسحاب من «اتفاقية باريس للمناخ» التي كان قد انسحب منها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. وطبعاً، من الخطط التي تكلّم عنها خلال حملته الانتخابية وخطّها في وثيقة نُشرت على صفحة الحزب وقف قبول اللاجئين، ووقف السماح بازدواجية الجنسية، وتجريد المدانين بجرائم منها وترحيلهم.

أما بالنسبة للحرب الأوكرانية، فيريد خيرت فيلدرز إنهاء الدعم العسكري لأوكرانيا، ووقف كل المساعدات الخارجية المتعلقة بالتنمية. وفيلدرز مثل معظم قيادات اليمين المتطرف في أوروبا يُعد اليوم مقرّباً من موسكو، ويبدي تحمساً لإعادة العلاقات معها كما كانت قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا. وهو غالباً ما يتكلم باستنكار عن وجود عن «فوبيا (رهاب) من روسيا» في أوروبا، ولذا فهو يدعو إلى إعادة علاقات الشراكة مع موسكو عوضاً عن العداوة.

كل هذه الأفكار، بلا شك، صعبة التقبل بالنسبة لأي حزب آخر قد يريد مشاركة اليمين الهولندي المتطرف في الحكومة العتيدة. ومع أن حزب رئيس الوزراء المودّع، مارك روته، نفسه حزب محافظ، وقد لا يعارض نقاطاً تتعلق بالهجرة والحد من المهاجرين واللاجئين، فإن النقاط الأخرى مثل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ومعاداة المسلمين، ستجد حتى أكثر الأحزاب المحافظة صعوبة في السير بها.

وفي أي حال، قد تستغرق عملية التشاور لتشكيل حكومة هولندية جديدة أشهراً طويلة. وكانت هولندا قد اضطرت للانتظار نحو السنة قبل تشكيل إحدى الحكومات، علماً بأنه لم يكن آنذاك حزب يميني متطرف «محور» المفاوضات.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»