تونس: ملفات الإرهاب والفساد تتصدر المشهد السياسي

عشية انتخابات الغرفة الثانية في البرلمان

تظاهرة تونسية تضامناً مع غزة (إ.ب.أ)
تظاهرة تونسية تضامناً مع غزة (إ.ب.أ)
TT

تونس: ملفات الإرهاب والفساد تتصدر المشهد السياسي

تظاهرة تونسية تضامناً مع غزة (إ.ب.أ)
تظاهرة تونسية تضامناً مع غزة (إ.ب.أ)

بدأت العملية الانتخابية الجديدة في تونس تحضيراً للاقتراع الذي ترشحت له 7777 شخصية يتنافسون للفوز بعضوية 279 مجلساً محلياً، سيُنتخب من بينهم لاحقاً أعضاء الغرفة الثانية في البرلمان ومجالس المحافظات والأقاليم. فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا للانتخابات، أعلن عن «اكتمال الاستعدادات للاقتراع المقرر يوم 24 من ديسمبر (كانون الأول)»، في حين أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد أنه ماض في احترام «كل المواعيد الانتخابية والسياسية المقبلة» التي سبق أن أعلن عنها في «خريطة الطريق» التي كشف عنها في سبتمبر (أيلول) 2021 وبدأت بالاستفتاء على دستور جديد وانتخاب غرفة مجلس النواب. وأيضاً، أكد مقرّبون من قصر قرطاج أن الانتخابات الرئاسية ستنظم في موعدها خلال العام المقبل. ولكن، في هذه الأثناء، تعيش تونس تحت ضغط مستجدات داخلية وخارجية «خطيرة» بينها حادثة «تهريب 5 إرهابيين خطرين» من السجن، وصفها بعض المراقبين السياسيين بـ«الزلزال السياسي والأمني».

 

 

تتصدّر أخبار إيقاف عشرات من الشخصيات التونسية السياسية والمالية البارزة المشهد السياسي في تونس هذه الأيام. ولقد تزايد الانشغال بملفات «قضايا الإرهاب الجديدة» وبلاغات رسمية عن اعتقال أوروبيين متهمين بالإرهاب والتخابر وترويج المخدرات بينهم 5 سويديين.

وسُجِّلت هذه التطورات مع تعاقب اتهامات الرئيس التونسي وسياسيين وخبراء موالين للسلطات لجهات «خارجية منحازة للصهيونية العالمية» بـ«التآمر على تونس»، بسبب موقفها الرسمي من الحرب الحالية في الأراضي الفلسطينية، واتهامات الرئيس سعيّد مجدّداً لمن وصفهم بـ«المطبّعين» مع إسرائيل «بالخيانة والتعامل مع عدو فلسطين والعرب والتواطؤ مع المسؤولين عن حرب الإبادة الجماعية لمليونين وربع مليون مدني في قطاع غزة».

في هذا السياق، باتت تطرح علامات استفهام جديدة عن المسار السياسي التونسي، وعن التطور المحتمل في المشهد السياسي والاجتماعي والأمني فيها.

متابعة مواقف الرئيس

ما يلفت الانتباه أن وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية التونسية تتابع نشر فيديوهات عن كلمات ألقاها الرئيس سعيّد أخيراً لدى استقباله رئيس حكومته ووزراء الخارجية والداخلية والعدل وعددا من كبار المسؤولين الأمنيين. وبالفعل، رفع الرئيس بالمناسبة «سقف» الانتقادات لإسرائيل وللعواصم الغربية التي شكّك في مصداقية دفاعها عن حقوق الإنسان لـ«صمتها عن المجازر في غزة والضفة الغربية والقدس».

كذلك اتهم سعيّد «جهات داخلية وخارجية بتدبير عملية تهريب المساجين الإرهابيين الخطرين» ومحاولة «إرباك الدولة التونسية بتواطؤ مع الحركات الصهيونية وأطراف في الداخل».

على هذا تباينت ردود الفعل داخل تونس وخارجها. وازداد الأمر تعقيداً بعد تنظيم جلسة عامة في البرلمان للمصادقة على مشروع قانون «تجريم التطبيع مع إسرائيل» و«المطالبة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر بما فيها القدس المحتلة».

علي العريّض (آ ف ب)

وللعلم، أوشك هذا القانون أن يصدر لكن الجلسة توقفت بعد ساعات من الخُطب الحماسية المساندة له بثتها قناة التلفزيون الحكومية. ثم تقرّر تأجيل البت في المشروع إلى أجل غير مسمى بعد تدخّل من رئاسة الجمهورية، حسب ما أورده رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، الأمر الذي فجّر تناقضات سياسية داخل الكتل السياسية والبرلمانية، وتسبّب في تناقضات بين مواقف البرلمانيين ووزارة الخارجية التي عادت للإعلان عن تمسكها بـ«قرارات الشرعية الدولية».

إرهابيون... واستنزاف

من جهة أخرى، حذّر مدير الأمن العسكري السابق اللواء المتقاعد محمد المؤدب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «مخاطر الصمت على مؤشرات إضعاف الدولة» عبر إبراز «نقص في الانسجام بين رموزها ومؤسساتها السيادية والمجتمع». وأضاف أن تونس تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى «لإصلاحات عميقة ورصينة» لكل مؤسسات الدولة بينها المؤسسات الأمنية. وسجّل أن بعض «الإرهابيين الذين هزموا في الجبال وغادروها، أو تعرّضوا للاعتقال والمحاكمات «يمكن أن يحاولوا استنزاف البلاد مجدّداً بالشراكة مع الأطراف الخارجية والداخلية التي تدعمهم».

بعدها نوّه المؤدب إلى أن «المؤسسة العسكرية التونسية تبقى مرجعاً، ويمكن أن تلعب دورا أكبر في ضمان أمن البلاد واستقرارها السياسي والمجتمعي بما في ذلك في مراحل الأزمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية».

مطلوب إصلاحات لمواجهة المخاطر

من جهته، رأى الخبير الأمني والعميد في الجامعة التونسية نور الدين النيفر أن بين المخاطر التي تهدّد تونس راهناً بروز «بوادر إرباك الأمن القومي من قبل جهات استعمارية وصهيونية عبر إنعاش الإرهاب وتهريب مساجين إرهابيين خطرين». وأعرب النيفر عن اقتناعه بوجود «مخططات تقف وراءها أطراف إقليمية ودولية»، اتهمها بتعقيد الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في تونس «لمعاقبة الحكومة على مواقفها المنحازة بقوة للمقاومة الفلسطينية» ضد إسرائيل وحلفائها الدوليين.

أما الجنرال المختار بن نصر، العميد المتقاعد في الجيش الوطني والرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب، فدعا السلطات للمبادرة بإدخال إصلاحات عميقة وفورية على قطاع الأمن والدفاع وعلى إداراته المركزية والجهوية «كي لا تسجل مجدداً حالات تهريب لمساجين خطرين بعضهم سبق أن صدرت ضده أحكام بالإعدام أو بالمؤبد بعد إدانتهم بالتورط في اغتيال سياسيين وعسكريين وأمنيين قبل نحو 10 سنوات».

في هذه الأثناء، تعمّقت الخلافات بين النخب السياسية والإعلامية، وبرز تياران:

 

«حرب غزة» حاضرة بقوة... وتخوّف رسمي من نسب مشاركة ضعيفة في الاقتراع

عبير موسي (رويترز)

التيار الأول يطالب «بتنقية المناخ» السياسي العام في البلاد، وتحقيق مصالحة وطنية بين مؤسسات الحكم والمعارضة والنقابات «لامتصاص المضاعفات السلبية لموقف تونس الراديكالي» من الحرب الحالية في قطاع غزة والضفة الغربية. ويطالب هذا التيار أيضاً بـ«تحصين الجبهة الوطنية الداخلية»، كي تنجح سياسات احتواء الضغوط الأجنبية والأزمة الاقتصادية الداخلية، التي حذّر خبراء كثر من إمكانية تسببها بانفجارات اجتماعية نتيجة الغلاء والتضخم المالي والمديونية والبطالة والفقر.

أما التيار الثاني، -وهو بقيادة ساسة يعلنون أنهم الأقرب إلى الكتل السياسية المساندة للمشروع السياسي للرئيس قيس سعيّد- فيدعو إلى مزيد من «تهميش» كل النخب والأحزاب والنقابات والأطراف السياسية التي تصدّرت المشهد السياسي الرسمي وغير الرسمي خلال السنوات الـ65 الماضية، وبالأخص، منعرج ثورة يناير 2011.

تجاهل النخب القديمة

من خلال سلسلة القرارات الصادرة عن رئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزرائه أخيراً يبدو أن التوجّه العام رجّح تجاهل «النخب القديمة» وأحزاب المعارضة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني. وبالتالي، ستكون من أبرز أولويات المرحلة الجديدة «تطهير» الإدارة ومؤسسات الحكومة، وخاصة وزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية، من الموظفين والمسؤولين الذين عيّنوا فيها خلال السنوات العشر الماضية على أساس الولاءات السياسية والحزبية لا الخبرة والكفاءة العلمية.

وفي هذا السياق، اعتبر علي الزرمديني، العميد السابق في الحرس الوطني والمختص في قضايا الإرهاب والتهريب، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» أن حادثة تهريب 5 مساجين إرهابيين خطرين «يجب أن تحثّ كل صنّاع القرار على إدخال إصلاحات جديدة على قطاع الأمن وعلى المؤسسات الحكومية» وإبعاد من وصفهم بـ«أصحاب الأجندات الذين اخترقوها وساهموا في الفلتان الأمني والسياسي والإعلامي».

وقال الزرمديني إنه يساند إبعاد كل المشتبه فيهم بالإرهاب وباختراق مؤسسات الدولة، وخاصة، المؤسسات السياسية والأمنية إلى جانب إبعاد المتهمين بالضلوع في الفساد المالي والجرائم المالية.

اعتقالات داخل صفوف «كبار الأثرياء»

وفي شأن الفساد المالي، أعلنت مصادر قضائية وأمنية وحكومية رفيعة المستوى عن إيقاف وزراء ومسؤولين سابقين في الدولة ورجال أعمال بارزين بعضهم يصنّف «ضمن أكبر مليارديرات البلاد» بتهم عديدة، من بينها الاشتباه في التورّط بمخالفات مالية خطيرة والتهرب من الضرائب وتبييض الأموال، فضلا عن تهم تتصل بملفات الإرهاب والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي بالنسبة لبعضهم.

ولأول مرة شملت الاعتقالات والتحقيقات والمحاكمات رجال أعمال وسياسيين كانوا في الصف الأول من وجوه الحكم قبل «ثورة 2011»، بينهم مروان المبروك صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وعبد الرحيم الزواري الوزير السابق والأمين العام للحاكم قبل الثورة، وكلاهما يرأس حالياً شركات تونسية أوروبية ومؤسسات تونسية عالمية عملاقة.

كذلك شملت الإحالات على قطب مكافحة الإرهاب ساسة كانوا في الصفوف الأولى قبل انتخابات 2019 وبعدها، بينهم عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري (الموالي للنظام السابق في عهد بن علي)، وعلي العريّض رئيس الحكومة عام 2013، ونور الدين البحيري وزير العدل الأسبق، وراشد الغنوشي زعيم حزب «حركة النهضة» (الإسلامي). ويضاف إلى هؤلاء عشرات من رفاقهم في «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة بينهم عصام الشابي الأمين العام لـ«الحزب الجمهوري»، والوزير المستشار السابق للرئيس الباجي قائد السبسي المحامي والحقوقي رضا بالحاج، والوزير السابق في عهد حكومة إلياس الفخفاخ الائتلافية الأكاديمي والحقوقي اليساري جوهر بن مبارك.

ووفق تقديرات المحامي والحقوقي اليساري العياشي الهمامي فإن المُحالين أمام قطب الإرهاب نوعان: بعضهم ساسة معارضون تتجه النية إلى إبعادهم نهائياً عن المشهد السياسي والعمليات الانتخابية المقبلة، والبعض الآخر شخصيات مالية سياسية ستدفع نحو القبول بـ«الصلح الجزائي» ودفع مبالغ متخلدة بذمتهم لمصالح الضرائب أو للبنوك والمؤسسات العمومية.

غزة وقانون المالية والسجناء السياسيون

وإذ تتابع مؤسسات الهيئة العليا للانتخابات ووزارتا الداخلية والدفاع الإعداد لتنظيم انتخابات المجالس المحلية يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل تمهيدا لاختيار أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان، تكشف روزنامة عمل الحكومة ومجلس النواب والبنك المركزي أن الأولوية في المرحلة المقبلة ستكون أساسا مالية واقتصادية ومناقشة مشروع ميزانية الدولة لعام 2024.

وستنطلق هذا الأسبوع الجلسات العامة في البرلمان مع رئيس الحكومة ومختلف الوزراء وسط تباينات في تقييم مشروع قانون المالية الجديد بسبب اعتماده للعام الثاني على التوالي على فرض مزيد من الأداءات والضرائب والجباية لا على «أولوية خلق الثروة»، كما يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي والزعيم النقابي نور الدين الطبوبي.

كما لا يخفي عدد من الساسة والزعماء النقابيين والناشطين، مثل زعيم «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة أحمد نجيب الشابي، امتعاضهم من استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المرحلة المقبلة. وحقاً، يعتبر الخبير الاقتصادي والنقابي عبد الجليل البدوي أن «مرحلة ما بعد حرب غزة قد تكون أصعب بكثير على الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية على تونس دولةً ونخباً ومجتمعاً». ومن ثم، طالب البدوي رجال الأعمال والحكومة بتقاسم التضحيات مع العمال، بعد التدهور الخطير للقدرة الشرائية وعجز الدولة عن توفير ما تحتاجه من موارد مالية بالعملات الأجنبية من السوق العالمية. لكن بعض الخبراء الأمنيين، كالأكاديمي نور الدين النيفر، يذهب إلى أبعد فيرجح أن «تُعاقَب تونس من قبل جهات صهيونية واستعمارية عالمية بسبب معارضتها القوية للعدوان على غزة ولكل مسارات التطبيع العربي الإسرائيلي»، على حد قوله.

كذلك لا يستبعد زعيم «حزب الشعب» العروبي زهير المغزاوي أن «تفتعل بعض الأطراف الخارجية أزمات أمنية جديدة للبلاد وللنخب السياسية الوطنية المعارضة للتطبيع مع إسرائيل»، بما في ذلك بعض الأزمات المالية والأمنية. وبذا ناشد عدد من المثقفين والسياسيين الرئيس التونسي «طي صفحة الماضي والتأهب للانتخابات المقبلة في مناخ انفراج سياسي». ودعا الإعلامي والحقوقي زياد الهاني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الرئيس التونسي للحوار مع «القوى الحية» في البلاد و«دعم الجبهة الداخلية» والإفراج عن السجناء السياسيين غير المتورطين في الإرهاب. واعتبر الهاني أن «تحقيق مصالحة وطنية» هو أفضل رد على الأزمات الهيكلية الداخلية والتهديدات الأمنية الأجنبية لرموز الدولة الوطنية.

هذا الواقع يشكل تحدياً حقيقياً. فهل تنجح النخب التي تتصدر المشهد السياسي والاجتماعي الوطني في تجنب مزيد من المخاطر بما فيها «سيناريو» إرجاع تونس إلى مرحلة الاضطرابات الأمنية واستنزاف الطاقات في المعارك مع الإرهابيين والمتورّطين الكبار في مخالفات خطيرة مثل تجارة المخدرات والسلاح والجرائم الاقتصادية والمالية... أم لا؟

في كل الحالات ستعطي نسبة المشاركة في انتخابات ديسمبر المقبل فكرة عن موقف الغالبية الشعبية من المسار السياسي الحالي. وتأمل السلطات بارتفاع نسبة الإقبال على التصويت، فلا يكون بحدود 11 في المائة كما حصل بالنسبة لانتخابات مجلس النواب العام الماضي.

 



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».