تونس: ملفات الإرهاب والفساد تتصدر المشهد السياسي

عشية انتخابات الغرفة الثانية في البرلمان

تظاهرة تونسية تضامناً مع غزة (إ.ب.أ)
تظاهرة تونسية تضامناً مع غزة (إ.ب.أ)
TT

تونس: ملفات الإرهاب والفساد تتصدر المشهد السياسي

تظاهرة تونسية تضامناً مع غزة (إ.ب.أ)
تظاهرة تونسية تضامناً مع غزة (إ.ب.أ)

بدأت العملية الانتخابية الجديدة في تونس تحضيراً للاقتراع الذي ترشحت له 7777 شخصية يتنافسون للفوز بعضوية 279 مجلساً محلياً، سيُنتخب من بينهم لاحقاً أعضاء الغرفة الثانية في البرلمان ومجالس المحافظات والأقاليم. فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا للانتخابات، أعلن عن «اكتمال الاستعدادات للاقتراع المقرر يوم 24 من ديسمبر (كانون الأول)»، في حين أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد أنه ماض في احترام «كل المواعيد الانتخابية والسياسية المقبلة» التي سبق أن أعلن عنها في «خريطة الطريق» التي كشف عنها في سبتمبر (أيلول) 2021 وبدأت بالاستفتاء على دستور جديد وانتخاب غرفة مجلس النواب. وأيضاً، أكد مقرّبون من قصر قرطاج أن الانتخابات الرئاسية ستنظم في موعدها خلال العام المقبل. ولكن، في هذه الأثناء، تعيش تونس تحت ضغط مستجدات داخلية وخارجية «خطيرة» بينها حادثة «تهريب 5 إرهابيين خطرين» من السجن، وصفها بعض المراقبين السياسيين بـ«الزلزال السياسي والأمني».

 

 

تتصدّر أخبار إيقاف عشرات من الشخصيات التونسية السياسية والمالية البارزة المشهد السياسي في تونس هذه الأيام. ولقد تزايد الانشغال بملفات «قضايا الإرهاب الجديدة» وبلاغات رسمية عن اعتقال أوروبيين متهمين بالإرهاب والتخابر وترويج المخدرات بينهم 5 سويديين.

وسُجِّلت هذه التطورات مع تعاقب اتهامات الرئيس التونسي وسياسيين وخبراء موالين للسلطات لجهات «خارجية منحازة للصهيونية العالمية» بـ«التآمر على تونس»، بسبب موقفها الرسمي من الحرب الحالية في الأراضي الفلسطينية، واتهامات الرئيس سعيّد مجدّداً لمن وصفهم بـ«المطبّعين» مع إسرائيل «بالخيانة والتعامل مع عدو فلسطين والعرب والتواطؤ مع المسؤولين عن حرب الإبادة الجماعية لمليونين وربع مليون مدني في قطاع غزة».

في هذا السياق، باتت تطرح علامات استفهام جديدة عن المسار السياسي التونسي، وعن التطور المحتمل في المشهد السياسي والاجتماعي والأمني فيها.

متابعة مواقف الرئيس

ما يلفت الانتباه أن وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية التونسية تتابع نشر فيديوهات عن كلمات ألقاها الرئيس سعيّد أخيراً لدى استقباله رئيس حكومته ووزراء الخارجية والداخلية والعدل وعددا من كبار المسؤولين الأمنيين. وبالفعل، رفع الرئيس بالمناسبة «سقف» الانتقادات لإسرائيل وللعواصم الغربية التي شكّك في مصداقية دفاعها عن حقوق الإنسان لـ«صمتها عن المجازر في غزة والضفة الغربية والقدس».

كذلك اتهم سعيّد «جهات داخلية وخارجية بتدبير عملية تهريب المساجين الإرهابيين الخطرين» ومحاولة «إرباك الدولة التونسية بتواطؤ مع الحركات الصهيونية وأطراف في الداخل».

على هذا تباينت ردود الفعل داخل تونس وخارجها. وازداد الأمر تعقيداً بعد تنظيم جلسة عامة في البرلمان للمصادقة على مشروع قانون «تجريم التطبيع مع إسرائيل» و«المطالبة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر بما فيها القدس المحتلة».

علي العريّض (آ ف ب)

وللعلم، أوشك هذا القانون أن يصدر لكن الجلسة توقفت بعد ساعات من الخُطب الحماسية المساندة له بثتها قناة التلفزيون الحكومية. ثم تقرّر تأجيل البت في المشروع إلى أجل غير مسمى بعد تدخّل من رئاسة الجمهورية، حسب ما أورده رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، الأمر الذي فجّر تناقضات سياسية داخل الكتل السياسية والبرلمانية، وتسبّب في تناقضات بين مواقف البرلمانيين ووزارة الخارجية التي عادت للإعلان عن تمسكها بـ«قرارات الشرعية الدولية».

إرهابيون... واستنزاف

من جهة أخرى، حذّر مدير الأمن العسكري السابق اللواء المتقاعد محمد المؤدب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «مخاطر الصمت على مؤشرات إضعاف الدولة» عبر إبراز «نقص في الانسجام بين رموزها ومؤسساتها السيادية والمجتمع». وأضاف أن تونس تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى «لإصلاحات عميقة ورصينة» لكل مؤسسات الدولة بينها المؤسسات الأمنية. وسجّل أن بعض «الإرهابيين الذين هزموا في الجبال وغادروها، أو تعرّضوا للاعتقال والمحاكمات «يمكن أن يحاولوا استنزاف البلاد مجدّداً بالشراكة مع الأطراف الخارجية والداخلية التي تدعمهم».

بعدها نوّه المؤدب إلى أن «المؤسسة العسكرية التونسية تبقى مرجعاً، ويمكن أن تلعب دورا أكبر في ضمان أمن البلاد واستقرارها السياسي والمجتمعي بما في ذلك في مراحل الأزمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية».

مطلوب إصلاحات لمواجهة المخاطر

من جهته، رأى الخبير الأمني والعميد في الجامعة التونسية نور الدين النيفر أن بين المخاطر التي تهدّد تونس راهناً بروز «بوادر إرباك الأمن القومي من قبل جهات استعمارية وصهيونية عبر إنعاش الإرهاب وتهريب مساجين إرهابيين خطرين». وأعرب النيفر عن اقتناعه بوجود «مخططات تقف وراءها أطراف إقليمية ودولية»، اتهمها بتعقيد الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في تونس «لمعاقبة الحكومة على مواقفها المنحازة بقوة للمقاومة الفلسطينية» ضد إسرائيل وحلفائها الدوليين.

أما الجنرال المختار بن نصر، العميد المتقاعد في الجيش الوطني والرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب، فدعا السلطات للمبادرة بإدخال إصلاحات عميقة وفورية على قطاع الأمن والدفاع وعلى إداراته المركزية والجهوية «كي لا تسجل مجدداً حالات تهريب لمساجين خطرين بعضهم سبق أن صدرت ضده أحكام بالإعدام أو بالمؤبد بعد إدانتهم بالتورط في اغتيال سياسيين وعسكريين وأمنيين قبل نحو 10 سنوات».

في هذه الأثناء، تعمّقت الخلافات بين النخب السياسية والإعلامية، وبرز تياران:

 

«حرب غزة» حاضرة بقوة... وتخوّف رسمي من نسب مشاركة ضعيفة في الاقتراع

عبير موسي (رويترز)

التيار الأول يطالب «بتنقية المناخ» السياسي العام في البلاد، وتحقيق مصالحة وطنية بين مؤسسات الحكم والمعارضة والنقابات «لامتصاص المضاعفات السلبية لموقف تونس الراديكالي» من الحرب الحالية في قطاع غزة والضفة الغربية. ويطالب هذا التيار أيضاً بـ«تحصين الجبهة الوطنية الداخلية»، كي تنجح سياسات احتواء الضغوط الأجنبية والأزمة الاقتصادية الداخلية، التي حذّر خبراء كثر من إمكانية تسببها بانفجارات اجتماعية نتيجة الغلاء والتضخم المالي والمديونية والبطالة والفقر.

أما التيار الثاني، -وهو بقيادة ساسة يعلنون أنهم الأقرب إلى الكتل السياسية المساندة للمشروع السياسي للرئيس قيس سعيّد- فيدعو إلى مزيد من «تهميش» كل النخب والأحزاب والنقابات والأطراف السياسية التي تصدّرت المشهد السياسي الرسمي وغير الرسمي خلال السنوات الـ65 الماضية، وبالأخص، منعرج ثورة يناير 2011.

تجاهل النخب القديمة

من خلال سلسلة القرارات الصادرة عن رئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزرائه أخيراً يبدو أن التوجّه العام رجّح تجاهل «النخب القديمة» وأحزاب المعارضة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني. وبالتالي، ستكون من أبرز أولويات المرحلة الجديدة «تطهير» الإدارة ومؤسسات الحكومة، وخاصة وزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية، من الموظفين والمسؤولين الذين عيّنوا فيها خلال السنوات العشر الماضية على أساس الولاءات السياسية والحزبية لا الخبرة والكفاءة العلمية.

وفي هذا السياق، اعتبر علي الزرمديني، العميد السابق في الحرس الوطني والمختص في قضايا الإرهاب والتهريب، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» أن حادثة تهريب 5 مساجين إرهابيين خطرين «يجب أن تحثّ كل صنّاع القرار على إدخال إصلاحات جديدة على قطاع الأمن وعلى المؤسسات الحكومية» وإبعاد من وصفهم بـ«أصحاب الأجندات الذين اخترقوها وساهموا في الفلتان الأمني والسياسي والإعلامي».

وقال الزرمديني إنه يساند إبعاد كل المشتبه فيهم بالإرهاب وباختراق مؤسسات الدولة، وخاصة، المؤسسات السياسية والأمنية إلى جانب إبعاد المتهمين بالضلوع في الفساد المالي والجرائم المالية.

اعتقالات داخل صفوف «كبار الأثرياء»

وفي شأن الفساد المالي، أعلنت مصادر قضائية وأمنية وحكومية رفيعة المستوى عن إيقاف وزراء ومسؤولين سابقين في الدولة ورجال أعمال بارزين بعضهم يصنّف «ضمن أكبر مليارديرات البلاد» بتهم عديدة، من بينها الاشتباه في التورّط بمخالفات مالية خطيرة والتهرب من الضرائب وتبييض الأموال، فضلا عن تهم تتصل بملفات الإرهاب والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي بالنسبة لبعضهم.

ولأول مرة شملت الاعتقالات والتحقيقات والمحاكمات رجال أعمال وسياسيين كانوا في الصف الأول من وجوه الحكم قبل «ثورة 2011»، بينهم مروان المبروك صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وعبد الرحيم الزواري الوزير السابق والأمين العام للحاكم قبل الثورة، وكلاهما يرأس حالياً شركات تونسية أوروبية ومؤسسات تونسية عالمية عملاقة.

كذلك شملت الإحالات على قطب مكافحة الإرهاب ساسة كانوا في الصفوف الأولى قبل انتخابات 2019 وبعدها، بينهم عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري (الموالي للنظام السابق في عهد بن علي)، وعلي العريّض رئيس الحكومة عام 2013، ونور الدين البحيري وزير العدل الأسبق، وراشد الغنوشي زعيم حزب «حركة النهضة» (الإسلامي). ويضاف إلى هؤلاء عشرات من رفاقهم في «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة بينهم عصام الشابي الأمين العام لـ«الحزب الجمهوري»، والوزير المستشار السابق للرئيس الباجي قائد السبسي المحامي والحقوقي رضا بالحاج، والوزير السابق في عهد حكومة إلياس الفخفاخ الائتلافية الأكاديمي والحقوقي اليساري جوهر بن مبارك.

ووفق تقديرات المحامي والحقوقي اليساري العياشي الهمامي فإن المُحالين أمام قطب الإرهاب نوعان: بعضهم ساسة معارضون تتجه النية إلى إبعادهم نهائياً عن المشهد السياسي والعمليات الانتخابية المقبلة، والبعض الآخر شخصيات مالية سياسية ستدفع نحو القبول بـ«الصلح الجزائي» ودفع مبالغ متخلدة بذمتهم لمصالح الضرائب أو للبنوك والمؤسسات العمومية.

غزة وقانون المالية والسجناء السياسيون

وإذ تتابع مؤسسات الهيئة العليا للانتخابات ووزارتا الداخلية والدفاع الإعداد لتنظيم انتخابات المجالس المحلية يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل تمهيدا لاختيار أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان، تكشف روزنامة عمل الحكومة ومجلس النواب والبنك المركزي أن الأولوية في المرحلة المقبلة ستكون أساسا مالية واقتصادية ومناقشة مشروع ميزانية الدولة لعام 2024.

وستنطلق هذا الأسبوع الجلسات العامة في البرلمان مع رئيس الحكومة ومختلف الوزراء وسط تباينات في تقييم مشروع قانون المالية الجديد بسبب اعتماده للعام الثاني على التوالي على فرض مزيد من الأداءات والضرائب والجباية لا على «أولوية خلق الثروة»، كما يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي والزعيم النقابي نور الدين الطبوبي.

كما لا يخفي عدد من الساسة والزعماء النقابيين والناشطين، مثل زعيم «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة أحمد نجيب الشابي، امتعاضهم من استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المرحلة المقبلة. وحقاً، يعتبر الخبير الاقتصادي والنقابي عبد الجليل البدوي أن «مرحلة ما بعد حرب غزة قد تكون أصعب بكثير على الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية على تونس دولةً ونخباً ومجتمعاً». ومن ثم، طالب البدوي رجال الأعمال والحكومة بتقاسم التضحيات مع العمال، بعد التدهور الخطير للقدرة الشرائية وعجز الدولة عن توفير ما تحتاجه من موارد مالية بالعملات الأجنبية من السوق العالمية. لكن بعض الخبراء الأمنيين، كالأكاديمي نور الدين النيفر، يذهب إلى أبعد فيرجح أن «تُعاقَب تونس من قبل جهات صهيونية واستعمارية عالمية بسبب معارضتها القوية للعدوان على غزة ولكل مسارات التطبيع العربي الإسرائيلي»، على حد قوله.

كذلك لا يستبعد زعيم «حزب الشعب» العروبي زهير المغزاوي أن «تفتعل بعض الأطراف الخارجية أزمات أمنية جديدة للبلاد وللنخب السياسية الوطنية المعارضة للتطبيع مع إسرائيل»، بما في ذلك بعض الأزمات المالية والأمنية. وبذا ناشد عدد من المثقفين والسياسيين الرئيس التونسي «طي صفحة الماضي والتأهب للانتخابات المقبلة في مناخ انفراج سياسي». ودعا الإعلامي والحقوقي زياد الهاني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الرئيس التونسي للحوار مع «القوى الحية» في البلاد و«دعم الجبهة الداخلية» والإفراج عن السجناء السياسيين غير المتورطين في الإرهاب. واعتبر الهاني أن «تحقيق مصالحة وطنية» هو أفضل رد على الأزمات الهيكلية الداخلية والتهديدات الأمنية الأجنبية لرموز الدولة الوطنية.

هذا الواقع يشكل تحدياً حقيقياً. فهل تنجح النخب التي تتصدر المشهد السياسي والاجتماعي الوطني في تجنب مزيد من المخاطر بما فيها «سيناريو» إرجاع تونس إلى مرحلة الاضطرابات الأمنية واستنزاف الطاقات في المعارك مع الإرهابيين والمتورّطين الكبار في مخالفات خطيرة مثل تجارة المخدرات والسلاح والجرائم الاقتصادية والمالية... أم لا؟

في كل الحالات ستعطي نسبة المشاركة في انتخابات ديسمبر المقبل فكرة عن موقف الغالبية الشعبية من المسار السياسي الحالي. وتأمل السلطات بارتفاع نسبة الإقبال على التصويت، فلا يكون بحدود 11 في المائة كما حصل بالنسبة لانتخابات مجلس النواب العام الماضي.

 



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».