هرتسي هاليفي... «المستوطن» الذي يقود الحرب على غزة

ضابط «كوماندوز» من سلاح المظليين شارك في «حصار عرفات»

 يحرص هاليفي على حضور الفعاليات الخاصة بالجنود الذين سقطوا في المعارك، ما يجعله يحظى بإعجاب بعض المقربين منه، وإن كان آخرون يرونه «منعزلاً أو معتداً بنفسه»
يحرص هاليفي على حضور الفعاليات الخاصة بالجنود الذين سقطوا في المعارك، ما يجعله يحظى بإعجاب بعض المقربين منه، وإن كان آخرون يرونه «منعزلاً أو معتداً بنفسه»
TT

هرتسي هاليفي... «المستوطن» الذي يقود الحرب على غزة

 يحرص هاليفي على حضور الفعاليات الخاصة بالجنود الذين سقطوا في المعارك، ما يجعله يحظى بإعجاب بعض المقربين منه، وإن كان آخرون يرونه «منعزلاً أو معتداً بنفسه»
يحرص هاليفي على حضور الفعاليات الخاصة بالجنود الذين سقطوا في المعارك، ما يجعله يحظى بإعجاب بعض المقربين منه، وإن كان آخرون يرونه «منعزلاً أو معتداً بنفسه»

متوسطاً عدداً من الجنود في مقر سرب «أدير» لمقاتلات الـ«إف 35» (F35)، ظهر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، وهو يتوعد ويهدد ويباهي بقوة سلاح الجو الإسرائيلي، قائلاً: «هذه القاعدة قادرة على الوصول لكل مكان في الشرق الأوسط». وأشار ضابط «الكوماندوز» القادم من سلاح المظليين إلى أن قواته «تسدّد منذ شهر ضربات قاسية ضد حركة (حماس)، وتضرب البنية التحتية لها في غزة، وهي على أهبة الاستعداد بشكل مستمر للتعامل مع مناطق أخرى». وهي تصريحات عززت المخاوف من اتساع رقعة الصراع في المنطقة، وهو ما تحذّر منه دول عدة.

طوال شهر مضى منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، رداً على عملية «طوفان الأقصى» التي شنتها حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، برز اسم الجنرال «هرتسي» هاليفي الذي لم يكمل بعد سنته الأولى في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي.

جاء هذا البروز رغم اعترافه بأن قواته «أخطأت» بعجزها عن منع هجوم «حماس»؛ إذ قال في حينه: «جيش الدفاع الإسرائيلي مسؤول عن الدفاع عن البلاد ومواطنيها، وصباح السبت (7 أكتوبر)، في المنطقة المحيطة بغزة، لم نلتزم بذلك. سنتعلم ونحقق، ولكن الآن هو وقت الحرب»، وبعدها هدد بأن «قواته ستخلق واقعاً جديداً في غزة... والقطاع لن يعود كما كان أبداً».

نشأة عائلية دينية

هرتسل «هرتسي» هاليفي، الرئيس الثالث والعشرين لهيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، ولد يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 1967 بمدينة القدس، بعد أشهر قليلة من حرب 1967، التي تطلق عليها إسرائيل اسم «حرب الأيام الستة». وأطلق عليه اسمه نسبة إلى عمه الذي قتل في تلك الحرب.

ينتمي هاليفي لأسرة متشددة دينياً، فوالده حاييم شلومو هاليفي جاء من روسيا واستوطن فلسطين عام 1926 قبل قيام إسرائيل، وهو من نسل الحاخام اليهودي الأرثوذكسي أفراهام كوك، الذي ينظر إليه باعتباره «مؤسس حركة الاستيطان الحديثة».

درس هرتسي في مدارس دينية، وكان عضواً في كشافة «تسوفيم» الدينية. ومع أنه توقف عن ارتداء القلنسوة اليهودية، في مرحلة ما خلال خدمته العسكرية، فإنه أكد في إحدى مقابلاته أنه «لا يزال ملتزماً دينياً». بجانب ذلك، فإنه يحرص على التوجه إلى الكنيس كل سبت.

وعلى صعيد التعليم، حصل هاليفي، وهو أب لأربعة أبناء، على بكالوريوس الفلسفة من الجامعة العبرية بالقدس، كما حاز درجة الماجستير في إدارة الموارد الوطنية من جامعة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة، وذلك قبل أن يلتحق بالجيش عام 1985.

كانت أولى محطات خدمته العسكرية في «قوات الناحال» داخل إحدى المستوطنات شمال إسرائيل. وبعدها تطوع في لواء المظليين، واجتاز دورات تدريبية بوصفه ضابطاً مقاتلاً.

مسيرته العسكرية حتى رئاسة الأركانشغل هاليفي مناصب عدة، بينها نائب رئيس الأركان، وقائد المنطقة الجنوبية، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وقائد كلية القيادة والأركان، وقائد تشكيلة الجليل، ورئيس قسم التشغيل العملياتي التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية، وقائد لواء المظليين، وقائد لواء «ميناشيه»، وقائد وحدة «سايريت متكال»، وهي وحدة كوماندوز نخبوية تابعة لرئاسة الأركان.

ولقد نفذ في مسيرته العسكرية عمليات وراء الحدود منذ 2011 وحتى 2014، خلال فترة توليه رئاسة قسم العمليات الميدانية، كما كان مسؤولاً عن رصد الإعلام العربي. عين رئيساً للأركان في شهر سبتمبر (أيلول) 2022، وتسلم مهام منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) 2023.

مهام قتالية «فاشلة»

من جهة ثانية، شارك هرتسي هاليفي في عدة عمليات عسكرية، بيد أن معظمها لم يحقق الهدف منها؛ منها عملية «اللدغة السامة» عام 1994 التي جرى خلالها اختطاف مصطفى الديراني، القيادي اللبناني في «حزب الله» آنذاك، وخُطّط للعملية بهدف الحصول على معلومات عن مصير ملاّح سلاح الجو الإسرائيلي رون أراد، لكن العملية لم تسفر عن تحقيق ذلك الهدف.

وفي العام نفسه، شارك في عملية لتحرير جندي كانت خطفته حركة «حماس»، ومرة أخرى فشلت العملية، وانتهت بمقتل الجندي المخطوف نحشون فاكسمان، وقائد الوحدة العسكرية التي شاركت في عملية التحرير وجندي ثالث.

أيضاً شارك هاليفي في عمليات «الكوماندوز» خلال اجتياح الضفة الغربية وقطاع غزة إبان الانتفاضة الثانية. وتحديداً عام 2002، قاد عملية محاصرة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في رام الله، التي استهدفت إخضاع عرفات ودفعه لتسليم مطلوبين إلى إسرائيل. إلا أن مخاوف أثارها هاليفي بشأن خطة للقبض على عرفات، دفعت إلى إلغاء العملية. وفعلاً، لم تحقق إسرائيل الهدف من الحصار لينتهي الأمر بصفقة نقل فيه المطلوبون إلى أريحا وبقي عرفات في رام الله.

علاقته بغزة

علاقة هاليفي مع قطاع غزة قديمة؛ إذ سبق أن قاد إبان فترة خدمته قائداً للواء المظليين عملية «الرصاص المصبوب» على القطاع عام 2008. كما أنه تولى مسؤولية المعارك في شمال قطاع غزة، خصوصاً في بيت حانون وبيت لاهيا. وعن دوره في تلك العملية، قال العقيد آفي بلوث - أحد قادة كتيبته في تلك الفترة - إن هاليفي كان «أذكى من معظم الضباط في الجيش الإسرائيلي، وهو متواضع يحب الكلام عن التاريخ والفلسفة أو الكتاب المقدس أكثر من الكلام عن كيفية التغلب على العدو».

«الفيلسوف»

بفضل دراسة هرتسي هاليفي الفلسفة لقبته وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية بـ«الفيلسوف»، ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عنه قوله إن «الناس اعتادوا أن يقولوا لي إن إدارة الأعمال للحياة العملية والفلسفة للروح... ولكن على مر السنين وجدت أن الأمر عكس ذلك تماماً، حيث أعتمد الفلسفة بشكل عملي أكثر». وأضاف، نقلاً عن أفلاطون وسقراط، أن «الفلاسفة تحدثوا عن كيفية التوازن، وكيفية تحديد أولويات المبادئ بطريقة صحيحة. هذا شيء أجده مفيداً جداً».

من الناحية العسكرية، يحرص هاليفي على حضور الفعاليات الخاصة بالجنود الذين سقطوا في المعارك، ما يجعله يحظى بإعجاب بعض المقربين منه، وإن كان آخرون يرونه «منعزلاً أو معتداً بنفسه»، حتى إن أسلوب قيادته يوصف بأنه «مربك للجنود»؛ إذ إنه، وفق وصف بعض من عملوا تحت إمرته، «يجد صعوبة في التواصل مع الجنود، كونه شخصية معقدة للغاية».

تحديات وانتقادات

وبالفعل، واكبت الانتقادات قرار تعيينه رئيساً للأركان؛ إذ جاء القرار في وقت تتولى فيه حكومة يمينية متطرفة قيادة إسرائيل، تعد الأكثر تشدداً في تاريخها. لكن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وعد بتسهيل مهمة رئيس أركانه الجديد، وقال خلال حفل تسليم هاليفي مهام منصب، إنه «سيحرص على التأكد من أن الضغوط الخارجية السياسية والقانونية وغيرها ستتوقف عنده، ولن تصل إلى أبواب الجيش».

في ذلك اليوم أيضاً خرج هاليفي مهدداً الجميع، فقال: «طوال 75 سنة، تحولت إسرائيل من دولة محاطة بالأعداء إلى دولة تحيط بأعدائها بقوتها وقدراتها المتقدمة. مع ذلك ما زال هناك العديد من التحديات حولنا، من إيران وقطاع غزة والضفة الغربية»، متعهداً بأنه «سيجهز الجيش للحرب على ساحات بعيدة وقريبة».

وحقاً، أثار تعيين هاليفي صراعات داخلية بين الحكومة والمعارضة، فقد كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يفضل تعيين إيال زمير، سكرتيره العسكري السابق. غير أن وزير الدفاع السابق بيني غانتس أصر على اختيار هاليفي.

كان لدى هاليفي مع بداية عمله قائداً لمنطقة شمال الجليل عام 2011، يقين بأن «حرب إسرائيل المقبلة مع لبنان ستندلع في عهده». وعندما ترك ذلك المنصب نهاية عام 2013، قال لـ«نيويورك تايمز»، إنه «يتوقع حدوث تلك الحرب في عهد خليفته». وتابع: «لا يوجد حرب أو عملية يمكن أن تحل المشكلة... لكن المهم هو خلق فجوة أطول بين الحروب».

هاليفي لا يؤمن بأن «هناك حرباً بسيطة»، لكنه دائماً ما يشدد على أنه «مستعد لدفع الثمن لإطالة تلك الفجوة المرجوة بين الحروب». والواقع أنه لم يخطط للعمل العسكري، لكنه قرر البقاء بعد انتهاء خدمته الإلزامية «طالما كان ذلك مهماً لدولة إسرائيل، وطالما يرى أنه يفعل ذلك بطريقة جيدة». على حد قوله.

من مستوطن إلى رئيس للأركان

يُعد هرتسي هاليفي أول مستوطن يتولّى منصب رئيس الأركان، ما جعل البعض يرى أن تعيينه سيسهم في تعميق العلاقة التاريخية بين الجيش والمستوطنين؛ كونه سيصبح المسؤول عن تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي المستمر للضفة الغربية.

والواقع أن صعود هاليفي تزامن وتحول مع حركة المستوطنين خلال عقود من مجموعة صغيرة من الآيديولوجيين الدينيين إلى قوة متنوعة ومؤثرة في قلب الساحة الإسرائيلية، بلغ أعضاؤها أعلى المراتب في الحكومة والمؤسسات الرئيسية. لكن البعض يرى أن التأثير السياسي الكبير للمستوطنين يهدد أي أمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة، ويعرض مستقبل إسرائيل للخطر، في حين يكشف تعيين هاليفي ارتباطاً وثيقاً بين المستوطنين والجيش.

للعلم، يعيش هاليفي في مستوطنة «كفار هاورانيم»، وهي مستوطنة متاخمة للخط الأخضر غير المرئي بين إسرائيل والضفة الغربية. وربما ينجذب البعض إلى «كفار هاورانيم» بسبب أسعار المساكن الرخيصة في موقع مركزي بين القدس وتل أبيب، لا إيماناً بآيديولوجية متطرفة. ولكن في أي حال، يؤشر اختياره العيش في مستوطنة إلى بعض الميول السياسية.

أكثر من هذا، أسعد تعيينه حركة المستوطنين، وأعرب يسرائيل غانز، رئيس المجلس الاستيطاني الإقليمي، عن اعتزازه بأن رئيس الأركان الجديد من المستوطنين، وعن «أن أي رئيس أركان يجب أن يعمل مع الإيمان بعدالة الاستيطان وتعميق جذور المستوطنين».

أيضاً، منذ عام 1967، ارتفع عدد المستوطنين إلى نحو 500 ألف شخص، يعيشون في أكثر من 130 مستوطنة في الضفة الغربية، بينما يعيش ما يقرب من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية. ومع أن المجتمع الدولي يعتبر المستوطنات «غير شرعية وتشكل عقبة أمام السلام»، رغم أنه لم ترد تصريحات أو مواقف رسمية لهاليفي تشير إلى موقفه من الاستيطان، فإن كثيرين يرون أن اختياره رئيساً للأركان سيعزّز من دعم الجيش للمستوطنين.


مقالات ذات صلة

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع بليز كومباووري (أ.ف.ب)

بوركينا فاسو... 9 سنوات من مواجهة «الجماعات المسلحة»

لم تعرف بوركينا فاسو (أعالي الفولتا) استقراراً سياسياً لعقود طويلة، فمنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960 شهدت تسعة انقلابات عسكرية؛ كان آخِرها الانقلاب الذي قاده

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)

ألمانيا أمام تحدي اليمين المتطرف وتداعيات صعوده السياسي

قبل 4 سنوات كانت نسبة التأييد لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، على المستوى الوطني، لا تتعدى 12 في المائة. ومع أن تأييده في الولايات الألمانية

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

بات «قوت الشعب» الليبي ومقدراته ورقة ضغط سياسي في لعبة الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين «حكومتي» شرق ليبيا وغربها، وسط معركة تدور رحاها ظاهرياً حول شخص

فتحية الدخاخني (القاهرة)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
TT

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى الشوارع كل يوم جمعة للمطالبة بالتغيير الجذري للنظام. سيصوت الناخبون لأحد المرشحين الثلاثة، وهم: الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبّون، والمرشح المعارض يوسف أوشيش من حزب «جبهة القوى الاشتراكية»، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر، أسّسه حسين آيت أحمد، أحد زعماء الثورة الجزائرية، وهو ذو توجه علماني، إضافة إلى المرشح عبد العالي حساني شريف، وهو رئيس «حزب مجتمع السلم» الإسلامي المعروف بـ«حمس» الذي يعّد من أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، وهو ذو توجه «إخواني» محافظ. ووفق الأرقام التي قدّمتها السلطة الجزائرية المستقلة للانتخابات، التي تتولى عملية الإشراف على سير العملية الانتخابية، تصل الكتلة التصويتية للجزائريين في الداخل إلى 42 مليون ناخب، معظمهم من الشباب. أما في الخارج فيقدر عددهم بـ865 ألفاً و490 ناخباً، 45 في المائة نساء و55 في المائة رجال، بينما بلغت نسبة الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة 15.43 في المائة. ويشمل العدد الإجمالي للجان الانتخابية في الخارج 117 لجنة، موزعة كالتالي: 18 لجنة في فرنسا، و30 لجنة في باقي الدول الأوروبية، و22 لجنة في الدول العربية، و21 في الدول الأفريقية، و26 في كل من آسيا وأميركا.

مع كل استحقاق انتخابي تنظمه الجزائر، تطفو إلى السطح عبارة «الكتلة الصامتة»، أو مشكلة المشاركة الضعيفة التي أخذت حيّزاً مهمّاً لدى المرشحين، إذ يدعو الجميع هذه الفئة إلى المشاركة في الانتخابات والذهاب إلى صناديق الاقتراع. وكانت انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019 قد سجلّت نسبة مشاركة قدّرت بـ39.93 في المائة ، في حين بلغت في رئاسيات 2014 نحو 51.7 في المائة.

النائب البرلماني علي محمد ربيج كان قد قال في تصريح صحافي أخيراً إن «الكتلة الصامتة التي تُعد بالملايين تقرّر في كل مرة بصورة إرادية أو غير إرادية ألا تشارك في العملية الانتخابية». وأردف أن «هذه الكتلة براغماتية نفعية، وربما تشارك وفق مجموعة من الشروط»، مشيراً إلى أنها تتساءل عند كل استحقاق حول قدرة الانتخابات على تغيير الحياة اليومية للمواطن، وتحسين ظروفه المعيشية، وما إذا كانت العملية الانتخابية محسومة مسبقاً أم لا، وغيرها من الأسئلة التي تطرحها هذه الكتلة الصامتة في كل مرة. وتابع من ثم: «لذا حرص كل من المرشحين الثلاثة في حملاتهم الانتخابية على استقطاب هذه الشريحة ببرامج تعبّر عن تطلعاتهم، فكانت الأولوية للملفات الاجتماعية والاقتصادية لإيقاظ هذه الفئة».

تبّون: دعم سياسي ... وحظوظ أوفر

يُعد الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، الذي كان قد فاز بولاية رئاسية أولى عام 2019 خلفاً للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، المرشح الأوفر حظاً. وكان تبّون قد أعلن في مارس (آذار) الماضي عن إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة في 7 سبتمبر (أيلول) أي قبل 3 أشهر من موعدها المقرّر مسبقاً. ورغم انتمائه لحزب «جبهة التحرير الوطني»، فإنه يترشح اليوم بصفته «مستقلاً»، وذلك حسب تصريحاته: «نزولاً عند رغبة أحزاب سياسية ومنظمات وطنية مختلفة».

وحقاً، أعلن أبرز الأحزاب السياسية في الجزائر، ومنها «جبهة التحرير الوطني» و«جبهة المستقبل» و«التجمع الوطني الديمقراطي» و«صوت الشعب» و«حركة البناء الوطني»، خلال يونيو (حزيران) الفائت، دعمها ترشيح الرئيس تبّون لولاية رئاسية ثانية. إذ أكد رئيس «جبهة المستقبل» فاتح بوطبيق في تجمع نظّم بقاعة الأطلس بالعاصمة أن «المرشح» عبد المجيد تبّون يعّد رجل «المرحلة المقبلة»، معتبراً أن برنامجه الانتخابي يحمل نظرة شاملة للتكفل بمختلف انشغالات المواطن. أما رئيس «حركة البناء الوطني» عبد القادر بن قرينة فوصف تبّون بأنه يملك «نظرة استشرافية تسمح بالتوزيع العادل للثروات وخلق أقطاب اقتصادية في جميع ربوع الوطن». إلا أن دعم «جبهة التحرير الوطني» يبقى العنصر الأهم، ذلك أنها تاريخياً «القوة السياسية الأولى في البلاد»، ثم إن «جبهة التحرير» تحظى بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وهو 98 مقعداً.

ثم إنه، فضلاً عن هذا الدعم الحزبي، يتمتع تبّون بتأييد مؤسسة الجيش، إذ تميزت علاقته برئيس الأركان الحالي السعيد شنقريحة بكثير من الاستقرار، وثمة إشارات متعددة إلى أن مؤسسة الجيش تراه مناسباً للاستمرار في المنصب، خصوصاً بعد مقال نشرته مجلة «الجيش» بداية هذا العام، تحدث عن «الإنجازات التي تجسّدت إلى الآن، وصواب نهج الرئيس الإصلاحي».

مسيرة سياسية حافلة

ولد الرئيس عبد المجيد تبّون في ولاية النعامة، الواقعة بشمال غربي الجزائر، يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1945 لعائلة محافظة، وكان والده الحاج أحمد تبّون إماماً وعضواً في جمعية العلماء المسلمين.

تخرّج الشاب عبد المجيد في المدرسة الوطنية للإدارة عام 1969، متخصصاً في الاقتصاد والشؤون المالية. وشغل على الإثر عدة وظائف سامية في المؤسسات الإدارية للدولة. وواصل مسيرته المهنية ليصار إلى ترقيته في منصب الأمين العام، ثم عُيّن والياً في عدة محافظات. وفي عام 1991، التحق تبّون بحكومة سيد أحمد غزالي كوزير منتدب مكلّف بالجماعات المحلية. ثم في عام 1999 شغل منصب وزير الاتصال والثقافة، وفي عام 2001 منصب وزير السكن والعمران إلى 2002.

بعدها، عاد تبّون في 2012 ليشغل من جديد منصب وزير السكن والعمران، وفي 2017 جرى تعيينه وزيراً أول ثم رئيساً للجمهورية في الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019 بنسبة 58.13 في المائة.

برنامج من أجل «جزائر جديدة»

يخوض الرئيس تبّون الانتخابات اليوم ببرنامج طموح يحمل شعار «الجزائر الجديدة»، مؤكداً على أنه يريد استكمال العمل الذي بدأه عام 2019. على الصعيد الاقتصادي، وعد الرئيس بمحاربة الفساد والقضاء على ما يطلق عليه عملية «تضخيم الفواتير» التي استنزفت الأموال الجزائرية بالعملة الصعبة. وفي برنامج وثائقي بثّه التلفزيون الجزائري بعنوان «الجزائر الجديدة... الرؤية والتجسيد»، جرى إبراز الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي عرفتها البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، أهمها الشروع في سياسة جديدة لتشجيع الاستثمار من أجل «تنويع المداخيل والتقليل من التبعية للمحروقات». وللعلم، يعتمد اقتصاد الجزائر على صادرات الغاز، وكانت البلاد قد استفادت من الغزو الروسي لأوكرانيا لتجديد العلاقات مع الدول الأوروبية في مجال إمدادات الطاقة، وأثمرت الخطوة أن أصبحت «واحدة من 4 دول فقط في العالم، تجاوزت العتبة من تصنيف الدخل المتوسط الأدنى إلى المتوسط الأعلى»، وفقاً لأحدث تقرير سنوي لتصنيف الدخل من البنك الدولي. وعلى ضوء المعلومات التي تفيد بأن سعر الغاز الطبيعي قد قفز 4 أضعاف ما كان عليه قبل بداية الحرب في أوكرانيا.

ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، وضع الرئيس تبّون ما سُمّي بـ«قانون الاستثمار الجديد» الذي تضّمن تسهيلات كبيرة للمستثمرين الوطنيين والأجانب، ووضع منصة رقمية للمستثمر، كما أعلِن عن تسجيل «أزيد من 7 آلاف مشروع استثماري جديد لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار». وتوقف المصدر نفسه أيضاً عند أهم المشاريع الاستثمارية الكبرى التي أطلقتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، كمركّب بلارة للحديد والصلب بولاية جيجل (شرق الجزائر)، الذي يتربع على مساحة تقدر بـ216 هكتاراً، ومجمّع توسيالي - الجزائر للحديد والصلب، وهو استثمار اقتصادي ناتج عن شراكة استراتيجية جزائرية تركية، ومنجم الحديد بغار جبيلات (جنوب الجزائر) الذي يعّد أكبر استثمار منجمي بالجزائر منذ الاستقلال، إضافة إلى مشروع خطوط السكك الحديدية، التي ستربط مدن الجنوب بعضها ببعض، وأخرى مع دول الجوار كتونس وموريتانيا.

ولقد وعد الرئيس الجزائري أيضاً بمواصلة سياسة الدعم الاجتماعي التي تشمل مختلف الفئات، وأهمها البرامج السكنية لذوي الدخل الضعيف، إلى جانب رفع المنح الموجهة للمرأة الماكثة بالبيت وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين وأجور الموظفين، وذلك بعد الإعلان عن خلق نحو 450 ألف منصب شغل لاستيعاب مشكلة البطالة، التي تصل إلى 12 في المائة، حسب الأرقام التي نشرتها منظمة العمل الدولية.

في المجال السياسي

أما في المجال السياسي، فقد اهتم الرئيس تبّون بتكثيف التعاون الدولي، فزار روسيا وتركيا والبرتغال والصين ودولاً عديدة. وأكّد على موقف الجزائر في مناصرة القضايا العادلة، كالقضية الفلسطينية التي يعدّها الرئيس الجزائري «القضية المقدسة». ودبلوماسياً، اتسمت الفترة الأخيرة ببعض الأزمات والتوترات، مع الإشارة إلى أن الرئيس الجزائري حاول إعادة هيكلة العلاقات الدبلوماسية والتاريخية بين فرنسا والجزائر، غير أن العلاقة بين البلدين تعكرت من جديد، إلى درجة أن هناك تساؤلات بشأن جدوى الزيارة التي كان من المفروض أن يقوم بها إلى باريس في الخريف المقبل، في حال فاز بالانتخابات الرئاسية.

يوسف اوشيش (الإذاعة الجزائرية)

يوسف أوشيش.. الوجه الشاب في الانتخابات

يوسف أوشيش يعدّ الوجه الشاب في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، إذ ولد يوم 29 يناير (كانون الثاني) 1983 في بوغني، بمنطقة القبائل شمال الجزائر، وفيها درس حتى حصوله على البكالوريا عام 2003. وفي العام نفسه التحق بجامعة الجزائر حيث تابع دراسته على مستوى كلية العلوم السياسية، وحصل منها على شهادة في العلوم السياسية، تخصّص العلاقات الدولية. في الجامعة، تميّز أوشيش بالتزامه النقابي والسياسي. وبعد التخرج عمل صحافياً خلال الفترة من 2008 إلى 2012 وانخرط في صفوف حزب «جبهة القوى الاشتراكية» قبل تجاوز سن الـ19 سنة. وسياسياً، مارس عدة مسؤوليات داخل الحزب، حيث شغل منصب رئيس «المجلس الشعبي الولائي» بولاية تيزي وزو في 2017، وكان آنذالك أصغر رئيس في هذا الجهاز السياسي. وضع أوشيش برنامجه السياسي تحت شعار «رؤية الغد»، معلناً في لقاء صحافي مع جريدة «لكسبرسيون» أن ترشحه جاء من «أجل فرض نظرة جديدة وإصلاح الوضع العام، سواء أكان سياسياً أم مؤسساتياً»، وهو يدافع عن منهج الاشتراكية، والنظام شبه الرئاسي ذي التوجه البرلماني. ثم إنه التزم في حال فوزه بتقديم منحة للنساء الماكثات في البيت، ورفع الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى إعادة النظر في اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.

 

عبد العالي حساني شريف (الإذاعة الجزائرية)

عبد العالي حساني شريف... عودة التيار الإسلامي

بعد سنوات من الغياب عن الانتخابات الرئاسية، قرر «حزب مجتمع السلم» (حمس) خوض غمار الرئاسيات، ورشح عبد العالي حساني شريف ممثلاً له، تحت شعار «فرصة». وللعلم، «حزب مجتمع السلم» يعدّ حالياً أكبر تنظيم إسلامي سياسي في الجزائر، كما يعدّ أكبر قوة معارضة داخل البرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، إذ يملك 65 مقعداً من أصل 407.ولد عبد العالي حساني شريف عام 1966 بولاية المسيلة، بجنوب شرقي الجزائر. وزاول دراسات في الهندسة، وكان مسؤولاً في التنظيم والرقمنة داخل المؤسسة الحزبية، قبل أن يرأسها عام 2023. اقتصادياً، يدافع مرشح التيار الإسلامي عن السوق الحرة، وتأسيس ما يسميه «بالصرافة الإسلامية» مع فتح بنوك إسلامية في جميع مناطق الوطن. ويرتكز برنامجه الاقتصادي على المنافسة والمبادرات الحرة، مع حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وسياسياً، يؤيد إصلاحاً دستورياً وقانونياً لبيئة الحكم، إضافة إلى دعم إصلاح مؤسساتي يعمق دولة الحق والقانون. ولقد وعد حساني في حال فوزه بكرسي الحكم، بمراجعة التقسيم الإداري، بهدف إنعاش التنمية بالمناطق الشاسعة. وهو يرى أن الهدف من إعادة التقسيم الإداري يتمثل في تعمير المساحات الشاسعة غير المأهولة، وتحقيق التنمية فيها، مع إعطاء الفرصة للمنتخبين لطرح مبادراتهم، لينتقل بذلك التخطيط التنموي من المركزية إلى المحلية. أيضاً يرى حساني أن جهود السلطات لمحاربة الفساد غير كافية. وانتقد معالجة البطالة، معتبراً أن الحكومات المتعاقبة لم تستطع بسبب القرارات الظرفية، وانعدام الرؤية الاستراتيجية المتكاملة، لذلك يقدم برنامجه «نظرة جديدة» للملف. كذلك، تعهد بتوسيع البنية التحتية لتجارة العبور الدولي، مع ترقية التبادلات التجارية المغاربية والأفريقية، وبعث المنطقة العربية للتبادل الحر. وفي جانب العلاقات الدوليّة، يمنح برنامج حساني شريف الأفضلية لتحسين العلاقات مع دول الجوار ومعالجة الخلافات وتقليص أثرها.