كلاوديا شاينباوم تخوض معركة لتصبح أول امرأة ويهودية على رأس المكسيك

بين انقسام حزبها اليساري واتفاق اليمين على جبهة واسعة موحّدة

كلاوديا شاينباوم تخوض معركة لتصبح أول امرأة ويهودية على رأس المكسيك
TT

كلاوديا شاينباوم تخوض معركة لتصبح أول امرأة ويهودية على رأس المكسيك

كلاوديا شاينباوم تخوض معركة لتصبح أول امرأة ويهودية على رأس المكسيك

هذا التحول «الأنثوي» الجذري في المشهد السياسي للمكسيك؛ كبرى الدول الناطقة باللغة الإسبانية في العالم، وثاني كبرى دول العالم اللاتينية، هو ثمرة مَخاض طويل تبوّأت خلاله النساء مناصب بارزة... من رئاسة «المحكمة العليا» إلى المناصفة في الحقائب الوزارية، والمقاعد في البرلمان، وحاكمية الولايات والبلديات الكبرى.

وقد تزامن هذا التحوّل في المكسيك مع تراجع شعبية القيادات السياسية البارزة، غالباً تحت وطأة الفضائح والفساد، وأسهمت في تسريع إيقاعه الإصلاحات التشريعية التي أقرّها البرلمان في السنوات الأخيرة.

غير أن «الذكورية» الجارفة في المجتمع المكسيكي، الذي تشكّل العصابات الإجرامية فيه خامس مصدر لفرص العمل، تُملي الحذر والترقب لمعرفة المآل الأخير لهذا التحوّل الذي تقوده امرأتان على طرفيْ نقيض في كل شيء تقريباً.

صراع المرأتين

عندما صدرت نتائج الاستطلاعات الأولى داخل حزب «مورينا (حزب النهضة الوطنية)» الحاكم، وأظهرت تقدم كلاوديا شاينباوم على منافسيها، أعلنت الرئيسة السابقة لحكومة العاصمة الاتحادية مكسيكو سيتي بأنه لا مجال لتضييع دقيقة واحدة في الحملة الانتخابات الرئاسية المقبلة، قبل أن تتسلّم، في اليوم التالي، من الرئيس لوبيز أوبرادور مقاليد التنظيم السياسي اليساري الذي أسّسه وقاده منذ ثلاثة عقود.

وكانت تحركات شاينباوم الأولى في اتجاه منافسيها داخل الحزب للاستماع إلى مطالبهم، ومحاولة احتوائهم، ورصّ الصفوف وراءها في حملة يُنتظر أن تكون على جانب كبير من القسوة. وحقاً نجحت السياسية الطَّموح في استقطاب معظمهم، باستثناء منافِسها الرئيس، وزير الخارجية السابق مارسيلو إيبرارد الذي حلّ في المرتبة الثانية واتهمها بتزوير الاستطلاع ونتائجه، ليقرر بعد ذلك تشكيل جبهته الخاصة داخل الحزب ويفتح معركة ضدها.

ولكن على الرغم من ذلك، لا يشكُّ أحد، اليوم، بأن كلاوديا شاينباوم أصبحت هي الوريثة الشرعية للحركة السياسية التي أسّسها لوبيز أوبرادور، الذي صرّح أخيراً بأنه سيهجر العمل السياسي في نهاية ولايته، مطلع خريف العام المقبل، ويعتزل في مزرعته، بعدما يكون قد فتح الباب أمام أول امرأة لتتولى رئاسة الجمهورية في المكسيك.

من هي شاينباوم؟

تعرّضت كلاوديا شاينباوم، طوال تولّيها رئاسة حكومة العاصمة - وخصوصاً خلال حملة الانتخابات داخل الحزب الحاكم لاختيار المرشح لرئاسة الجمهورية - إلى انتقادات عدة تشكِّك في استقلاليتها عن لوبيز أوبرادور، وتأخذ عليها العمل والتحرك بتوجيهات مباشرة منه. وفي المقابل، دأبت هي في جميع ردودها على الانتقادات الموجَّهة إليها، على وضعها في خانة «الثقافة الذكورية» التي تَعتبر أن المرأة بحاجة دائماً لرجل يوجّه خطاها، ويُملي عليها القرارات التي يجب أن تتخذها.

إلا أن التحدّي السياسي الأكبر الذي يواجه شاينباوم في هذه المرحلة، ليس التعايش مع الظل الوارف للرئيس الذي ينفرد بـ«كاريزما» لم يعهدها المكسيكيون في العقود الماضية، بقدر ما هو إيجاد موقعها داخل الحركة اليسارية في أعقاب تسلمها القيادة منه.

أمر آخر لافت هو أن شاينباوم، وبخلاف منافسيها داخل الحزب من الذين تدرّجوا في أحزاب أخرى قبل الانضمام إليه، اقتصر انتماؤها السياسي، طوال ربع قرن، على الحزب الذي أسّسه لوبيز أوبرادور، وبعدها تدرّجت في كنفه حتى أصبحت أَشبه ما تكون بامتداد لأفكاره وأسلوب عمله.

شاينباوم كانت قد توّلت عدة حقائب في حكومة العاصمة التي رأسها لوبيز أوبرادور، في السنوات الخمس الأولى من هذا القرن، وهي التي نظمّت وقادت الإضراب الذي دام 48 يوماً في قلب العاصمة، بعد انتخابات عام 2006 الرئاسية، التي ندّدت المعارِضة اليسارية في حينه بتزويرها من أجل انتزاع الفوز من لوبيز أوبرادور الذي بايعته الحشود المؤيدة «رئيساً شرعياً». وما يُذكر أن الأخير يومذاك أعلن يومها تشكيل «حكومة» تولّت فيها شاينباوم الدفاع عن موارد المكسيك الوطنية، وفي طليعتها النفط؛ وهو أحد المحاور الرئيسة في خطاب لوبيز أوبرادور وحزبه.

في عام 2012، خاض آندريس مانويل لوبيز أوبرادور معركته الرئاسية الثانية، وأعلن، خلال حملتها، تكليف شاينباوم بحقيبة البيئة في حال فوزه، بيد أنه خسر رهانه مجدداً، ومن ثم، في حين عادت هي إلى نشاطها الأكاديمي باحثة في العلوم البيولوجية، انصرف الزعيم الخاسر إلى تأسيس حزب جديد أطلق عليه «حزب النهضة الوطنية» وعُرف بالأحرف الأولى من كلماته «مورينا».

وقد حصل اللقاء الأول بين شاينباوم ولوبيز أوبرادور، بعد فوز الأخير بمنصب رئيس حكومة العاصمة، وخصوصاً عندما اقترح عليه مُعاونوه تكليفها بحقيبة البيئة وخفض نسبة التلوث العالية في المدينة الضخمة (يسكنها أكثر من 10 ملايين نسمة، ويرتفع العدد مع ضواحيها لأكثر من 20 مليوناً)، وحتى ذلك الحين كان نشاطها السياسي مقصوراً على نشاطها ضمن الحركة النضالية الجامعية، في العاصمة المكسيكية أولاً، ثم في جامعة ستانفورد الأميركية الشهيرة في الولايات المتحدة لاحقاً.

مثقفة ويسارية وعالِمة يهودية

تتحدّر كلاوديا شاينباوم من أسرة يهودية ليتوانية هاجرت إلى المكسيك، وكان والداها يعملان في حقل البحوث العلمية والأكاديمية. وقد سارت ابنتهما على خطاهما، فتخصّصت في العلوم الفيزيائية، ونالت شهادة الدكتوراه عن أطروحة حول استخدام مَدافئ الحطب في المناطق الريفية، في جامعة مكسيكو الوطنية الحرة «أونام»، دون أن يؤثر نضالها الطلابي في تحصيلها العلمي، ثم تخصّصت في هندسة الطاقة، وسافرت إلى الولايات المتحدة حيث تابعت تحصيلها العلمي في كاليفورنيا، حيث برزت هناك أيضاً مناضلة في صفوف الحركة الطلابية.

تولّت منصباً استشارياً بارزاً في «الهيئة الوطنية لتوفير الطاقة»، وفي «الهيئة الفيدرالية للكهرباء». وعلى الصعيد العالمي كانت مستشارة للبنك الدولي ولـ«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، ثم إنها في تسعينات القرن الفائت شاركت في وضع المناهج التطبيقية التي قام عليها برنامج مكافحة التلوث في مكسيكو سيتي، ونظام الإنذار المبكر في حال الطوارئ البيئية. وفي عام 2007 انضمت إلى فريق الخبراء الحكوميين الدوليين، الذي شكّلته «الأمم المتحدة» حول تغيّر المناخ، وهو الفريق الذي نال لاحقاً «جائزة نوبل للسلام».

يقول لوبيز أوبرادور، في مذكراته بعنوان «هذا أنا»، إنه بعد الهزيمة التي لحقته في الانتخابات الرئاسية الثانية عام 2012 كان على وشك اعتزال النشاط السياسي، غير أنه عندما شاهد الحشود الغفيرة تُنادي بفوزه في قلب العاصمة طوال الإضراب الاحتجاجي الذي لعبت شاينباوم دوراً بارزاً في تنظيمه، قرّر مواصلة سعيه إلى الرئاسة الأولى، بينما عادت هي إلى التفرغ للبحث الأكاديمي، والابتعاد عن الدائرة الضيقة المحيطة به.

لكن الوضع تغيّر، إذ عندما قرر لوبيز أوبرادور أن يكون الحزب الجديد الذي أسّسه معقلاً للأفكار والطروحات اليسارية الحديثة - التي كانت شاينباوم تنادي بها منذ سنوات - عادت هي في دور القيادية البارزة إلى جانبه، وحصدت أول انتصار بارز لحزبه الجديد، عندما فازت في انتخابات مدينة تلالبان البلدية عام 2015.

مع هذا، لم تستمر في المنصب طويلاً، فقد استقالت منه بعد سنتين لمساعدة لوبيز أوبرادور في حملته الرئاسية الثالثة، وأيضاً لتحضير ترشيحها لحاكمية العاصمة التي فازت بها عام 2018، وأضحت أول امرأة منتخَبة تتولى هذا المنصب المهم.

يومذاك، قطفت كلاوديا شاينباوم أولى ثمار نضالها الاجتماعي والسياسي الطويل إلى جناب «راعيها» وحليفها لوبيز أوبرادور، الذي كان قد رسّخ النهج اليساري في حزبه حول ثلاثة محاور أساسية هي: مكافحة الفساد، والتقشّف في الإنفاق العام، وإحياء «المذهب الإنساني المكسيكي» الذي يعطي الأولوية للفقراء.

انتصار هذا النهج رسّخ موقع شاينباوم في واجهة المشهد السياسي اليساري المكسيكي الذي كان قد تعاقب على حاكمية العاصمة منذ أواخر القرن الماضي، حيث ترك بصماته لوبيز أوبرادور، ثم مارسيلو إيبرارد، وزير الخارجية السابق، ومنافِس شاينباوم أخيراً على ترشيح الحزب لانتخابات العام المقبل الرئاسية.

العاصمة... مهد اليسار المكسيكيفي

الحقيقة، تُعدّ العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي مهد اليسار المكسيكي الحديث، حيث تلاقت فيها الحركات الاحتجاجية، من جامعية وعمالية وزراعية، وتفاعلت وانصهرت، لتصبح الأساس الذي بنى عليه لوبيز أوبرادور مشروعه السياسي الذي أصبح اليوم في عهدة شاينباوم.

وبالنسبة لشاينباوم شخصياً، تميّزت فترة تولّيها حاكميتها للعاصمة الضخمة المترامية الأطراف، بإنجازات مشهودة في وسائل النقل العام، وآلاف المِنح الدراسية للطلاب الفقراء، وشبكة واسعة من الخدمات لحماية الأقليات ومراكز تعليمية في المناطق المهمَّشة والمحرومة. وكان لوبيز أوبرادور يردد أن وجود شاينباوم على رأس حكومة العاصمة «يبعث على الارتياح»، ويسمح له بالتفرّغ لإطفاء الحرائق في أماكن أخرى. لكن اللافت أن الملف الذي غاب حتى الآن عن العناوين الرئيسة لخطاب شاينباوم هو الإجرام المنظّم، الذي تضمّ عصاباته المسلَّحة ما يزيد عن 200 ألف عنصر متفرّغ لتهريب المخدرات والخطف والقتل والابتزاز، يهددون سلطة الدولة في معظم الولايات، وينشرون الرعب بين المواطنين، الذين يرى كثيرون منهم في هذه المنظمات فرصاً بديلة للعمالة التي يفتقدونها في السوق الشرعية.

وما تجدر الإشارة إليه، هنا، أنه مع بداية انحسار جائحة «كوفيد-19» في عام 2021، انهار أحد خطوط شبكة مترو الأنفاق في العاصمة، وأسفر الحادث عن مقتل 27 من العمال، وإصابة المئات. وحقاً كانت له تداعيات سياسية فورية دفعت شاينباوم ثمنها باستقالتها، إلى جانب إيبرارد الذي كان خط الشبكة قد دُشّن خلال فترة ولايته.

ذلك الحادث شكّل بداية معركة شرسة بين الاثنين داخل الحزب، حيث حاول كل منهما إلقاء اللوم على الآخر، وتحميله مسؤولية تلك الكارثة. وبعد ذلك تعرَّض الحزب لسلسلة من الهزائم على الصعيدين المحلي والوطني، ثم خسر الغالبية التي كان يتمتع بها في البرلمان، الأمر الذي حالَ دون المُضي في التعديلات الدستورية التي كان قد بدأها تنفيذاً لبرنامجه الانتخابي، بينما كان اللوم يلقى على شاينباوم، الوجه الأبرز للحزب (آنذاك) بعد الرئيس.

وبالفعل، تعرّضت شاينباوم، داخل الحزب وخارجه، لسيلٍ من الانتقادات المشكِّكة في قدراتها القيادية واستقلاليتها، بعدما كانت توصف بأنها «المفضَّلة» لدى الرئيس، لأنها تتماهى مع مواقفه، وأنه سيكون هو الحاكم الفعلي، في حال وصولها إلى الرئاسة. غير أنها كانت تصرّ دائماً على رفض تلك الاتهامات، بانيةً حملتها للفوز بترشيح الحزب لرئاسة الجمهورية على خطاب عنوانه الرئيس «إن الوقت قد أزف كي تصل المرأة إلى قمة الهرم السياسي في المكسيك».

ورغم المساعي التي أطلقتها لتعميق السياسات التي نهجها لوبيز أوبرادور، مثل الاهتمام المحوري بالفقراء، وتوسيع الخدمات الاجتماعية لهم، والرهان على تنمية المناطق المهمَّشة، والتقشف في الإنفاق العام، فإنها طرحت عناوين جديدة في برنامجها الانتخابي غابت عن سياسة الرئيس الحالي، مثل الانتقال إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، وتنمية البحوث العلمية والتكنولوجية.

حقائق

بخلاف منافسيها داخل الحزب من الذين تدرّجوا في أحزاب أخرى، اقتصر انتماؤها السياسي على الحزب الذي أسّسه لوبيز أوبرادور.

سباق 2024 الرئاسي المكسيكي «اختبار» سياسي وثقافي

 

عندما استقالت كلاوديا شاينباوم من رئاسة حكومة العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، بعد حادثة شبكة مترو الأنفاق، كانت شعبيتها في أعلى مستوياتها. بَيْد أن المعركة التي تنتظرها راهناً داخل حزبها «مورينا» اليساري قد تكون أشرس من تلك التي تستعدّ لها ضد منافِستها مرشحة المعارضة اليمينية، إذ رفض خصمها ومنافِسها وزير الخارجية السابق مارسيلو إيبرارد نتائج الاستطلاع الداخلي، وقرّر تأسيس تيّاره الذاتي داخل الحزب، ومواصلة سعيه للترشح إلى الرئاسة، في مواجهة مفتوحة مع شاينباوم قد تشق صفوف اليسار.

لوبيز اوبرادور (غيتي)

وردّاً على ذلك، لإدراك شاينباوم أهمية وحدة الصف في الاستحقاق الرئاسي الذي من المنتظر أن تكون المنافسة فيه على أشُدّها بعد إعلان الأحزاب اليمينية المعارضة خوضه ضمن تحالف واسع موحّد، تعهّدت شاينباوم بإعطاء جميع منافسيها داخل الحزب مناصب في الحكومة، إذا فازت في انتخابات العام المقبل، بل إنها تركت الباب مفتوحاً، حتى أمام إيبرارد في حال قرر البقاء داخل «مورينا» بجانبها، إذ قالت، عند إعلان النتائج: «وحدة الصف أساسية، وأبواب الحزب لن توصَد أبداً».

ايبرارد (تويتر)

مع هذا، ورغم أن إيبرارد، الذي يتمتع بتأييد لا يُستهان به داخل الحزب أعطاه 26 في المائة من الأصوات، لم يعلن خروجه من الحزب حتى الآن، بات من شِبه المؤكّد على أثر قراره تشكيل تياره الذاتي داخل الحركة، أن خطوته التالية ستكون الانفصال، وهو، بهذا الانفصال، يمهد، على الأرجح، لتحديد موقعه في المشهد السياسي؛ تأهباً لبداية حملة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

غالفيز (آ ف ب)

وفي حين يرى بعض المراقبين أنه ليس مستبعَداً انضمام إيبرارد إلى التحالف اليميني المعارض، مقابل «ضمانات» بمستوى طموحاته، يرجّح آخرون أن يخوض المعركة الرئاسية بصفته مرشحاً ثالثاً في مواجهة شاينباوم، ومرشحة المعارضة اليمينية كسوتشيل غالفيز. وكان لوبيز أوبرادور قد علّق على هذا الاحتمال الأخير بقوله «إذا حصل ذلك، فستكون المعارضة هي الخاسر الأكبر»؛ إدراكاً منه أن إيبرارد يتمتع بشعبية واسعة بين الطبقة الوسطى.

من جهة ثانية، حرص لوبيز أوبرادور، منذ إعلان نتائج الاستطلاع الداخلي لاختيار مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، على حسم موقفه بشكل واضح، موصِداً بذلك الباب أمام محاولات الالتفاف على النتائج، وتكرار الاستطلاع، كما يطالب وزير خارجيته السابق، بل إنه قال صراحةً: «لقد أنهيت مهمتي، وسلّمت قيادة الحركة إلى شاينباوم الاستثنائية، صاحبة القناعات الراسخة والمبادئ النزيهة».

ولكن إذا كان الرئيس المودّع يعتبر أن مهمته انتهت بتسليمه القيادة إلى وريثته السياسية، فإن مهمة شاينباوم ما زالت في بدايتها لتسجل سابقة في التاريخ المكسيكي، وتصبح أول امرأة تصل إلى الرئاسة الأولى، وهي في حال وصولها - الذي ترجِّحه كل الاستطلاعات الحالية ما لم تحصل مفاجآت على الطريق الطويلة - سيكون تتويجاً لمرحلة مفصلية شهدت «اجتياحاً» نسائياً للمناصب العليا في المؤسسات السياسية والإدارية المكسيكية، داخل القطاعين العام والخاص. والواقع أن وصول المرأة إلى المناصب العليا في المكسيك بلغ حداً دفع كثيرين إلى التساؤل: متى سيَحين الوقت ليسلم الرجال هذه المناصب... كما تساءل أخيراً قائد الشرطة الوطنية عمر حرفوش، المرشح لرئاسة حكومة العاصمة.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.