انقلاب الغابون لا يُعدّ نغمة نشازاً في لحن اعتادته الآذان الأفريقية على مدى عقود، وتَسارع عزفه وإيقاعه، خلال السنوات الأخيرة. فتقريباً السيناريو نفسه يتكرر من بلد لآخر، والمسار الرئيسي للحبكة يبدو واحداً، بينما تختلف بعض التفاصيل وفقاً لظروف كل بلد.
ثم إن الأنظمة التي يُطاح بها بقيت في السلطة لأكثر مما ينبغي، واحتفظت بدعم فرنسي واضح، أما الانقلابيون فنُخب عسكرية يغلب على تكوينها الشباب... وذريعتهم الجاهزة «إنهاء عصر الفساد والتبعية لفرنسا وإهدار الثروات».
النقيب (الكابتن) إبراهيم تراوري، أحد «رجال الظل» الذين برزوا فجأة على سطح الأحداث في بوركينا فاسو، يُقال عنه إنه كان تلميذاً ذكياً وخَجولاً، لكنه لم يتردد قبل سنة في الإطاحة برفيقه السابق المقدم (اللفتنانت كولونيل) بول - هنري داميبا الذي تولّى السلطة على أثر انقلاب في نهاية يناير (كانون الثاني) 2022.
تراوري، المولود عام 1988، يُعدّ حالياً أصغر زعيم دولة في أفريقيا، لينافس «رفاق السلاح» من قادة الانقلابات في دول أفريقية مجاورة، ومنهم الزعيم الغيني العقيد (الكولونيل) مامادي دومبويا، المولود عام 1981، وزعيم مالي الكولونيل أسيمي غويتا، المولود عام 1983. وكان تراوري قد درس في أكاديمية عسكرية محلية، والتحق بالجيش في عام 2009، ثم تلقَّى تدريبات في سلاح المدفعية بالمغرب، لكنه اكتسب خبراته العسكرية الأولى من خلال محاربة الجماعات المتشددة في مالي، حيث كان يخدم ضمن قوة «الأمم المتحدة» هناك.
وفي مالي يبرز اسم أسيمي غويتا؛ ليس بوصفه قائداً لانقلاب واحد... بل لانقلابين متتاليين، فقد ظل غويتا كولونيلاً مغموراً في الجيش المالي لسنوات، وسار على خُطى والده الضابط في الجيش المالي، من مدرسة كوليكورو العسكرية المالية المتخصصة في الأسلحة المدرَّعة وسلاح الفرسان، وشارك أيضاً في عدد من التدريبات بعدد من الدول كألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. بعدها عُيّن في شمال مالي، ابتداء من 2002 في غير منطقة لمحاربة الإرهابيين. ومنذ أغسطس 2020؛ تاريخ الانقلاب الأول ضد الرئيس المنتخَب إبراهيم كيتا، صار هذا العسكري الشاب محط اهتمام وسائل الإعلام الدولية باعتباره «الرجل القوي» في مالي الذي قاد انقلابين خلال سنة واحدة.
وغير بعيد عن مالي، في تشاد، يجلس على مقعد السلطة جنرال شاب آخر هو محمد إدريس ديبي، لكنه لم يكن يوماً من «رجال الظل»، بل كان دائماً في بؤرة الضوء؛ كونه ابن الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي، الذي أحكم قبضته على السلطة فيها منذ 1990، قبل أن يرحل متأثراً بإصابته، خلال مواجهات مع جماعات إرهابية شمال البلاد بعد ساعات قليلة من إعادة انتخابه.
يوم مقتل إدريس ديبي، أعلن الجيش، على عجل، نجله الجنرال محمد (38 سنة)، رئيساً للجمهورية في 20 أبريل (نيسان) 2021، على رأس مجلس عسكري انتقالي مكون من 15 جنرالاً، واستعاض «الرئيس» عن زيّه العسكري المعتاد، بلباس تشادي أبيض تقليدي، خلال مراسم التنصيب في القصر الرئاسي بالعاصمة أنجامينا، وكان في عمر والده نفسه عندما تولّى السلطة من خلال انقلاب عسكري قبل أكثر من 3 عقود. حتى وفاة والده، كان «الجنرال كاكا» يرأس، وهو لقب منتشر له بين التشاديين لأنه نشأ على يد جدته، قوات النخبة في الحرس الرئاسي، ولعب دوراً مهماً في إحكام قبضة أبيه على السلطة، وقد شغل مناصب عدة في الجيش، مما أهّله للارتقاء بسرعة ضمن المؤسسة العسكرية.
الجنرال عبد الرحمن تشياني اسم آخر صار معروفاً في النيجر وفي العالم، انتهج مساراً يبدو مألوفاً في أفريقيا، اليوم، وهو الانتقال من قيادة الحرس الرئاسي إلى الاستيلاء على السلطة، بعدما أطاح بالرئيس المنتخَب محمد بازوم. لكن تشياني (59 سنة) يبدو مختلفاً عن غيره من قادة الانقلابات في الدول المجاورة؛ لأنه كان يخطو نحو سن التقاعد، وخدم لسنوات في عدة بعثات لـ«الأمم المتحدة» في ساحل العاج والكونغو ودارفور بالسودان، وكذلك في بعثة مجموعة دول غرب أفريقيا «إيكواس» في ساحل العاج. وكان «الجنرال المتكتم» وفياً للرئيس السابق محمدو يوسوفو، الذي عيَّنه قائداً للحرس الرئاسي، خلال ولايتيه الرئاسيتين من 2011 - 2021، وأحبط عدة محاولات انقلابية، خصوصاً في عامي 2021 و2022، لكن خلافاتٍ خرجت إلى العلن مع الرئيس بازوم، كانت كافية لدفعه إلى الخروج عن صمته.