قراءة في أسباب انقلاب الرأي العام الأفريقي على فرنسا

رفضها الإقرار بالأخطاء وتبّنيها معاييرَ مزدوجة أساءا لصورتها

عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية "برخان" ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (آ ب)
عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية "برخان" ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (آ ب)
TT

قراءة في أسباب انقلاب الرأي العام الأفريقي على فرنسا

عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية "برخان" ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (آ ب)
عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية "برخان" ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (آ ب)

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الغابوني علي بونغو (ا ف ب)

أخذ الخطاب المُعادي لفرنسا في الرأي العام الأفريقي أبعاداً كبيرة لم يسبق أن وصل إليها من قبل. وبعدما كانت الانتقادات والاحتجاجات مُنحصرة في صفوف المثقفين والنُّخب، فإنها انتقلت، في الآونة الأخيرة، إلى الشارع، وقد تجلّت بصفة واضحة في خروج ملايين المتظاهرين عبر مدن أفريقيا الغربية، من داكار إلى باماكو، مروراً بواغادوغو ونيامي؛ للتنديد بالتدخل الفرنسي والمطالبة بوقفه نهائياً. وحمل المتظاهرون المحتجّون لافتات كُتب عليها عبارات مثل «يا فرنسا ارحلي!». لماذا وصلت العلاقات الفرنسية الأفريقية إلى هذه الوضعية المُتردية؟ كثيرون من الخبراء حاولوا البحث في العوامل التي أفضت إلى هذا الوضع الجديد، بينما يحاول الساسة، في حالة من الذهول، استيعاب هذه المعطيات من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

المعروف لكثيرين أن فرنسا أنشأت لنفسها إمبراطورية واسعة، بعد استعمارها أكثر من عشرين دولة في غرب أفريقيا ووسطها وشمالها على امتداد ثلاثة قرون. واتسم الاستعمار الفرنسي خصوصاً بأنه «ثقافي الهوية»، والقصد أنه تميَّز بمحاولة صبغ الهويات الخاصة بالشعوب الأفريقية بألوان المسيحية والفرنكوفونية، ناهيك عن ميله إلى القمع العنيف.

وواقعاً، كان الاستعمار الفرنسي في هذا الجزء من العالم شديد الوطأة ودمويَّ الممارسات، خلّف فصولاً سوداء في تجارة العبيد والمجازر البشرية والتعذيب ونهب الثروات. وبعد استقلال المستعمرات السابقة - ومعظمها استقلّ في عقد الستينات - طوّرت فرنسا ما يسمى سياسة «فرنس أفريك (أفريقيا الفرنسية)»؛ للمحافظة على نفوذها في هذه المنطقة من العالم، معتمدة فيها على تكثيف حضورها العسكري والاقتصادي، والتدخل في السياسات الداخلية، مع بسط نفوذها الثقافي عبر «المنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية».

الوضع، كما يبدو، يتغير اليوم.

كثيرة من التقارير يتكلم عن تقلّص دائرة هذا النفوذ، بعد توجّه حكومات الدول الأفريقية إلى نسج شراكات اقتصادية وأمنية وثقافية جديدة مع قوى دولية طارئة على المشهد، كالصين وروسيا وتركيا. وفي تداخل على قناة «تي في5» الفرنسية، شرح عصمان نديامي، رئيس تحرير قسم أفريقيا، أن «القطيعة» مع الرأي العام في أفريقيا «بدأت بسبب طريقة تعامل فرنسا مع مستعمراتها السابقة التي تغلب عليها الرؤية الفوقية، والنزعة نحو التفوق العِرقي، إضافة إلى شعور الأفارقة بأن فرنسا لم تغادر أوطانهم بعد الاستقلال». وهنا يشرح: «إن السؤال الذي يعود دائماً في الدوائر الفرنسية هو هل سنخسر أفريقيا؟ وهذا يفترض أن فرنسا تمتلك أفريقيا... فبأي صفة يطرح الفرنسيون هذه الأسئلة؟ ثمة أزمة قراءة من طرف الفرنسيين، وهي الثغرة التي استغلّها الروس والأطراف الأخرى التي تتوجه، اليوم، إلى الشعوب الأفريقية بخطاب مختلف، وكأنها تقول لهم «نحن مختلفون عن المستعمر السابق، سنعاملكم بصفة مختلفة، سنكون شُركاء لكم، النّد بالنّد، وليس كمستعمرات سابقة».

الانتقادات الأفريقية المالوفة أيضاً تشمل أيضاً «التعامل الأبوي»، وازدواجية المعايير التي تعتمدها فرنسا وتدخلاتها في السياسات الداخلية لدول المفروض أنها تتمتع بسيادة كاملة على أراضيها. وهذا ما أشار إليه فيليكس تشيسيديكي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير والكونغو البلجيكي سابقاً)، خلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته الأخيرة، في الرابع من شهر مارس (آذار) 2023، حين توجه إليه أمام عدسات الكاميرات بالقول: «ما يجب أن يتغير في علاقتنا الثنائية هو نظرتكم إلى ما يحدث في أفريقيا... عندما يجري في عهد الرئيس (الفرنسي الأسبق جاك) شيراك الكشف عن استعمال أصوات أشخاص متوفِّين، في الانتخابات، فلا أحد يتكلم عن تجاوزات... بينما تنتقدون كل ما يحدث عندنا وتتابعونه عن كثب...».

الانقلابات العسكرية ودور باريس فيها

وليس سراً الإقرار بأن باريس كانت وراء كثير من الانقلابات العسكرية والاغتيالات والانتخابات التي كانت تُموّلها مباشرة أو عبر شركاتها التي توغلت في الأوساط السياسية لدعم النُّخب الحاكمة وضمان ولائها، دراسة أخيرة صادرة عن جامعة تكساس قيَّمت عدد هذه التدخلات بأكثر من عشرين بين 1961 و2018، لذا فإن لجوء فرنسا إلى إعطاء دروس في الديمقراطية أصبح يثير تقزز الشارع الأفريقي.

هذه «التناقضات» أشار إليها الباحث المختص في الشؤون الأفريقية أنطوان غلاسير، في كتابه «ماكرون الفخ الأفريقي»، حين شرح: «عندما تكون دولة كالغابون عضواً (غير دائم) في مجلس الأمن، فإن من مصلحة فرنسا الحصول على صوتها، والحرص على تجنب إغضابها. والشيء نفسه بالنسبة لتشاد، التي حصل فيها محمد إدريس ديبي على تأييد باريس وزيارة خاصة من ماكرون، رغم الانتقادات. وما لا يفهمه الأفريقيون هو أنْ تُوجه باريس بعد ذلك كله انتقادات لأنظمة الحكم العسكري في مالي والنيجر وبوركينا فاسو... فبأي صفة تقرّ ما هو شرعي وما هو غير شرعي؟!... كل هذه التناقضات أصبحت مرفوضة وجاءت كالقطرة التي أفاضت الكأس...».

الرئيس السنغالي السابق الراحل ليوبولد سنغور مع الرئيس الفرنسي التاريخي شارل ديغول (غيتي)

رفض الإقرار بالأخطاء

مؤرخون وناشطون كُثر حذّروا من تجاهل فرنسا طلبات مستعمراتها السابقة بإعادة فتح ملفات حقبة الاحتلال والاعتراف بأخطاء الماضي، ولا سيما أن هذا المطلب الثابت لقي صدًى عند الكثير من القوى الاستعمارية السابقة التي بذلت جهوداً لا يُستهان بها في هذا المجال.

بريطانيا مثلاً، اعترفت رسمياً بالجرائم التي اقترفتها في حق الجماعات التي شاركت في ثورة «الماو ماو» في كينيا، وقدّمت لها تعويضات مع طلب العفو. وإيطاليا هي الأخرى، بلسان رئيس حكومتها السابق سيلفيو برلوسكوني، طلبت من ليبيا العفو رسمياً في 2008. وكذلك فعلت بلجيكا، التي تقدمت باسم ملكها الملك فيليب، يوم 30 يونيو (حزيران) المنصرم، باعتذار رسمي إلى الكونغو، معبّرة عن «أسفها العميق عن البشاعات التي اقترفتها في حق شعب الكونغو، وأعلنت الحكومة البلجيكية تأسيس لجنة لـ(الحقيقة والتصالح)»، وكذلك فعلت هولندا «جارة بلجيكا» مع مستعمرتها السابقة الضخمة إندونيسيا.

في المقابل، ماذا فعلت فرنسا للتصالح مع ماضيها الاستعماري؟ على هذا السؤال يجيب باسكال بلانشار، الباحث المختص في التاريخ الاستعماري: «لا شيء..! بل بدل ذلك صُودق، خلال فبراير (شباط) 2005، بإيعاز من اليمين، على قانون يقضي بأن تمتدح المُقرَّرات المدرسية الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي... الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في أوساط النخبة الأفريقية».

وتابع: «حين وصل ماكرون إلى السلطة، اعتقدنا أن الأمور ستتغير حين أعلن عن صفحة جديدة مع أفريقيا، إلا أنه بدلاً من اتخاذ قرارات فورية للتعبير عن وجود الإرادة السياسة لتصحيح الأخطاء، تخلّص من هذه الوعود بتمريرها للجان من المؤرخين، من أجل البحث في الجرائم التي اقتُرفت في الجزائر والكاميرون، والتي قد تأخذ سنين للوصول إلى نتيجة...».

ويضيف بلانشار: «في بلد يضم أكثر من 12 ألف متحف، لا يوجد واحد يهتم بالتاريخ الاستعماري!... كيف نتصالح مع ماضينا ونحن ما زلنا نصر على دفنه؟! لماذا نستغرب حين تنتفض أجيال الهجرة، ونحن الذين تركنا أولادهم يعيشون بالذاكرة الجريحة نفسها التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم؟ إننا لن نتخلص من هذا العبء إلا إذا واجهنا الأمور وقررنا تصفية هذا الإرث الثقيل...».

رموز الحقبة الاستعمارية

الماضي يعيش أيضاً في الفضاء العام الذي يبقى مطبوعاً برموز الحقبة الاستعمارية، إذ إن كثيراً من المدارس والشوارع والتماثيل والنُّصب لا يزال إلى يومنا هذا يحمل أسماء شخصيات ذات ماضٍ استعماري معروف.

وحقاً، رصد ناشطون في جمعية «أنكراج لإعادة اعتبار الثقافات والذاكرات» أكثر من 300 شارع في العاصمة الفرنسية، وثلث الفضاء العام في مدينة مرسيليا، ارتبطت بتمجيد شخصيات ثبتت مسؤوليتها في جرائم حرب أو تجارة الرقيق. وكان رئيس الجمعية باتريك زيلبرشتاين قد شرح أخيراً، لموقع إخباريّ، العراقيل التي يواجهها الناشطون لتغيير الأوضاع، قائلاً: «كثيراً ما يُقال لنا إن الاستعمار، وحتى العبودية، قد شكّلا تاريخ فرنسا، ومن ثم لا يمكن محوهما من الذاكرة الجماعية. لكن ما نطلبه ليس محو أي شيء، بل التوقف عن تمجيد هذا الماضي عبر إعطائه مكاناً في الفضاء العام...».

شباب القارة يواجهون المستعمر القديم

من حيث معدل أعمار السكان، فإن أفريقيا هي القارة الأكثر فتوة في العالم بأكثر من 400 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة، وأكثر من 60 في المائة منهم دون الرابعة والعشرين.

هذه الشبيبة التي تصبو إلى حياة أفضل يئست من وعود الأنظمة الفاسدة ونهْب الغرب خيراتها، وأصبحت واعية بأن الأمور يجب أن تتغير. وهنا يتكلم الباحث السنغالي حميدو، في كتابه «أفريقيا الآتية»، عن رغبة هذه الشبيبة في استرداد كرامة الأفريقي التي أساء إليها المستعمر السابق، في مناسبات كثيرة، كـ«خطاب داكار» في 2007، حين أعلن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي «أن الرجل الأفريقي لم يدخل التاريخ... وأن العصر الذهبي الذي تتأسف عليه أفريقيا لن يعود؛ لأنه ببساطة لم يوجد...»، أو كما تشير إليه الإعلامية شارلوت لالان، في مقال بصحيفة «ليكسبرس»، قائلة: «في الطوابير الطويلة أملاً في الحصول على تأشيرة دراسة لا تُمنَح إلا نادراً أو في رفع الرسوم الدراسية، وكأن الفرنكوفونية تقتصر على قول باريس تحدثوا بالفرنسية ولكن ابقوا في منازلكم، وهو شيء غير منطقي».

أما الفرنكوفوني ستيفن سميث، الكاتب وأستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة ديوك الأميركية، فكتب، في مقال بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان «فرنسا أفريقيا لماذا كل هذا الحقد؟»: «نقمة الأفارقة على فرنسا تظهر في أشياء بسيطة... عندما يشجع السنغاليون كل الفِرق الرياضية التي تلعب ضد الفريق الفرنسي، فإنك تلمس هذا الشعور المناهض لفرنسا... وحين تتحدث إليهم يجيبونك بأن فرنسا لا تفكر إلا في مصالحها... ولا تتردد في إمداد أوكرانيا بجميع أنواع العون، بينما ترفض مساعدة أفريقيا التي كافح أبناؤها إلى جانب الجيوش الفرنسية لتحريرها...».

مِثل هذا الخطاب المُعادي لفرنسا بدأ يظهر كثيراً في وسائل التواصل الاجتماعي مع بعض المؤثرين الذين يتمتعون بنفوذ كبير في أوساط الشباب الأفريقي، أهمُّهم الناشطة السويسرية الكاميرونية نتالي يامب، والفرنسي البنيني كيمي سيبا، اللذان حظيا باهتمام كبير خلال القمة الروسية الأفريقية الأخيرة.

نتالي يامب، التي يلقبها الإعلام الفرنسي بـ«صوت بوتين في أفريقيا»، ممنوعة من دخول الأراضي الفرنسية بسبب خطابها المبنيّ على «الحقد العميق تجاه فرنسا»، كما يقول بيان وزارة الداخلية، وهي تدعو في تداخلاتها إلى إنهاء سياسة «فرنس أفريك» التي تعتبرها وراء تخلف أفريقيا، وتدعو إلى تكثيف التعاون مع روسيا التي تتمتع بتقليد قديم في مناصرة الدول الضعيفة دون ماض استعماري كفرنسا، كما تقول. أما الناشط كيمي سيبا، وهو كاتب وإعلامي حاضر بقوة على منصة «تويتر» فهو يتبنى قناعات «بان أفريكانية» تدعو إلى قطع كل صلّة بالمستعمر القديم، وإنهاء الوجود العسكري، والعودة إلى الأصول الأفريقية في كل مظاهر الثقافة في الأكل واللباس والفنون.

فرنسا: الانتكاسة

يشرح الباحث في الشؤون الأفريقية أنطوان غلاسير، في كتابه «متكبر... كفرنسي في أفريقيا» قائلاً: «كل الأنظار كانت متجهة نحو أوروبا وآسيا، ولا أحد لاحظ أن أفريقيا دخلت عصر العولمة... ففي الوقت الذي كانت فرنسا نائمة، دخلت الصين بقوة حتى أصبحت، اليوم، أول شريك اقتصادي لأفريقيا، وأول مُورِّد للبضائع في حوالي 30 دولة، إضافة إلى كل المنافسين الجدد الذين ظهروا على الساحة، طمعاً في حصّة من الكعكة...». الباحث ستيفن سميث، أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة ديوك يشير إلى أن التوقيت مهم، فما يحدث لفرنسا من متاعب في أفريقيا، كما يقول، يوافق الانتكاسة التي تشهدها في عدة ميادين، بدءاً بالاقتصاد الذي يعرف ركوداً شديداً، إلى الحضور العسكري الذي تَقلّص بصورة ملحوظة من 10000 جندي إلى 3000 اليوم، إلى الاحتجاجات الواسعة التي ميّزت ولاية الرئيس ماكرون، وصعود اليمين المتطرف وخطابه المُعادي للأجانب، ولا سيما الأفارقة، كل هذا أسهم بصورة واضحة في الإساءة لصورة فرنسا في الرأي العام الأفريقي.

هكذا رسمت فرنسا حدود مستعمراتها في أفريقيا

الزعيم الغيني الاستقلالي أحمد سيكوتوري مع الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري ديسكار ديستان (غيتي)

*أدى «مؤتمر برلين» عام 1885 إلى ترسيم الحدود الاستعمارية للقوى الكبرى، حيث لجأت كل منها إلى إنشاء منطقة نفوذ؛ لتأكيد هيمنتها السياسية والاقتصادية. بالنسبة لفرنسا، جرى تقسيم مستعمراتها إلى كتلتين: كتلة أفريقيا الغربية الفرنسية، وكتلة أفريقيا الاستوائية الفرنسية.

كتلة أفريقيا الغربية الفرنسية

كتلة أفريقيا الغربية الفرنسية (1895 - 1958)، ضمت ثماني مستعمرات هي: موريتانيا والسنغال ومالي (عُرفت أيضاً بالسودان الفرنسي سابقاً) وغينيا وكوت ديفوار (ومعناها بالعربية: ساحل العاج) والنيجر وأعالي الفولتا العليا (حالياً بوركينا فاسو)، وداهومي (حالياً بنين). وتبلغ مساحة هذه الكتلة 4.689.000 كيلومتر مربع، أي نحو سبعة أضعاف مساحة فرنسا. أما عاصمتها فكانت سانت لويس (السنغال) حتى عام 1902، ثم صارت داكار (عاصمة السنغال الحالية). قبل أن يسيطر الأوروبيون على هذه الأراضي ويطلقوا عليها اسم أفريقيا الغربية الفرنسية، كان شعب المنطقة مُقسّماً إلى شعوب ومجموعات قبلية ولغوية عدة. وبعض هذه المجموعات كان تجمعات لعائلات عاشت في مساحات صغيرة دون سلطة مركزية. ولاحقاً شكلت بعض الجماعات دولاً أكثر تطوراً ولها حكومات مركزية وتضم عدداً كبيراً من السكان.

أيضاً، يشار إلى أنه قامت عدة إمبراطوريات كبيرة على حدود الصحارى، بلغت إمبراطورية غانا أوج قوتها خلال القرن الـ11 الميلادي، ووصلت إمبراطورية مالي إلى قمة عظمتها في القرن الـ14، وازدهرت إمبراطورية الصنغاي في أوائل القرن الـ16.

منحت فرنسا حقوق المواطنة للأفارقة، إلا أنها لم تمنحهم كلهم حق التصويت. وفي عام 1947م، بدأت فرنسا برنامج تنمية اقتصادية للاتحاد، ثم في عام 1956م أعطت جميع الأفارقة في الاتحاد حق التصويت. وحينما أقرت دستوراً جديداً عام 1958م، صوّتت غينيا الفرنسية لصالح ترك «الاتحاد الفرنسي» لتغدو دولة مستقلة، في حين صوّتت المناطق السبع الأخرى لصالح بقائها في «الاتحاد الفرنسي»، في إطار الجماعة الفرنسية الجديدة. ولكن، في نهاية عام 1958م، صوّتت هذه المناطق لتصبح جمهوريات ذاتية الحكم، قبل أن تحقق استقلالها التام تباعاً.

كتلة أفريقيا الاستوائية الفرنسية

أما كتلة أفريقيا الاستوائية الفرنسية (1910 - 1960)، فكانت اتحاداً من أربع مناطق في أفريقيا الوسطى، يمتد من مصب نهر الكونغو جنوباً إلى شمال شرقي الصحراء الكبرى شمالاً. ضمت هذه الكتلة ما أصبح، اليوم، خمس دول هي: الكونغو (الكونغو-برازافيل)، وتشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والغابون، وفيما بعد الكاميرون (المستعمرة الألمانية السابقة التي تقاسمتها فرنسا وبريطانيا لاحقاً)، وهي تمتد على مساحة 2.509.994 كيلومتر، وكانت عاصمة هذه الكتلة مدينة برازافيل الكونغولية.

في المنطقة الشاسعة التي تشمل الكتلتين الغربية والاستوائية تعيش شعوب وقبائل عدة من أعراق متعددة وتتكلم لغات مختلفة. ومن أكبر شعوب دول هاتين الكتلتين: الفولاني (الفولا/ البول/ الفولفولدي) – الذين ينتشرون من السنغال غرباً إلى الكاميرون شرقاً – والهاوسا والكانوري والإيغبو (الإيبو)، والولوف والسيرير والصنغاي والماندينكا (المالينكي)، والصنغاي (منهم الجيرما/ الزبرما) والمانينكا والسونينكي والسينوفو والموسي والمندي والأكان.

ومن الناحية الاقتصادية، تزخر هذه المنطقة الشاسعة بثروات طبيعية مهمة، ذلك أن فيها موارد كثيرة من الغابات والمعادن، وكذلك النفط في الغابون. وأما عن المنتجات الزراعية الأهم فبينها القطن والأرز واللحوم والفول السوداني والكاكاو والبن والخشب والزيوت على أنواعها.

تاريخياً، وصل المستعمرون الفرنسيون الأوائل إلى أفريقيا في عام 1911، وتنازلت فرنسا عن أجزاء من أراضيها لمستعمرة الكاميرون الألمانية نتيجة أزمة أغادير، قبل أن تعاد إليها بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. ولكن، إبان «الحرب الباردة» برزت قيادات أفريقية نشطة سياسياً خاضت معركة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، كان من أبرزهم الزعيم الغيني أحمد سيكوتوري، والزعيم المالي موديبو كيتا، والزعيم السنغالي ليوبولد سنغور، بجانب الزعيم الإيفواري فيليكس هوفويت بوانيي.

الزعيم المالي الاستقلالي موديبو كيتا (غيتي)

- عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية «برخان» ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (أ.ب)

- الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الغابوني علي بونغو (أ.ف.ب)

- الزعيم الغيني الاستقلالي أحمد سيكوتوري مع الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري ديسكار ديستان (غيتي)

- الزعيم المالي الاستقلالي موديبو كيتا (غيتي)

- الرئيس السنغالي السابق الراحل ليوبولد سنغور مع الرئيس الفرنسي التاريخي شارل ديغول (غيتي)


مقالات ذات صلة

قرضان للمغرب لـ«تحسين الحوكمة الاقتصادية»

شمال افريقيا عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية (الشرق الأوسط)

قرضان للمغرب لـ«تحسين الحوكمة الاقتصادية»

قال البنك الأفريقي للتنمية، الجمعة، إنه قدّم للمغرب قرضين بقيمة 120 مليون يورو (130 مليون دولار) لكل منهما؛ بهدف تمويل منطقة صناعية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
يوميات الشرق خبير تونسي يتفقد مزرعة تين شوكي موبوءة بالحشرات القرمزية في صفاقس بتونس في 19 يوليو 2024 (رويترز)

الحشرة القرمزية تصيب محاصيل تونس من التين الشوكي (صور)

الحشرة أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لمحصول التين الشوكي لأنها تدمر مساحات واسعة من المزارع وتثير قلقاً اقتصادياً كبيراً منذ اكتشافها في تونس لأول مرة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (تونس)
أفريقيا انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

انزلاق التربة في جنوب إثيوبيا يتسبب في مقتل نحو 229 شخصاً

لقي قرابة 150 شخصاً حتفهم جراء انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة في جنوب إثيوبيا، وفق ما أفادت به السلطات المحلية، الثلاثاء، محذّرة من أن العدد مرشح للارتفاع.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
شمال افريقيا المرشح الرئاسي المعارض لطفي المرايحي (موقع حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري)

السجن لمرشح رئاسي ومنعه من الترشح مدى الحياة في تونس

أصدرت محكمة تونسية، اليوم الجمعة، حكماً بسجن المرشح الرئاسي المعارض، لطفي المرايحي، 8 أشهر ومنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية مدى الحياة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح المعارض بيرام الداه ولد أعبيد (الشرق الأوسط)

مرشح معارض يرفض نتائج انتخابات موريتانيا

دعا المرشح الرئاسي المعارض في موريتانيا، بيرام ولد الداه ولد أعبيد، اليوم الخميس، سلطات البلاد إلى الحوار لنزع فتيل الأزمة السياسية.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»
TT

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»

بدر عبد العاطي... «مهندس العلاقات الأوروبية» يترأس «الخارجية المصرية»

متعهداً بـ«استكمال مسيرة من سبقوه»، تسلّم الدبلوماسي المخضرم الدكتور بدر عبد العاطي مهام عمله وزيراً للخارجيّة والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ضمن حكومة الدكتور مصطفى مدبولي الجديدة التي أدّت اليمين الدستورية في الثالث من يوليو (تموز) الحالي.

عبد العاطي، الذي لقبته الصحافة المحلية بـ«مهندس العلاقات المصرية - الأوروبية»، ووصفه سياسيون بـ«الرجل العصامي المجتهد»، تسلّم زمام الدبلوماسية المصرية في ظرف استثنائي يجعله مضطراً للتعامل مع تحديات عدة؛ بغية «الدفاع عن مصالح بلاده وأمنها القومي». وهو الهدف الذي وضعه الوزير الجديد نصب عينيه، مؤكداً في أول تصريحاته الصحافية بصفته وزيراً للخارجيّة اعتزامه «مواصلة مسيرة تعزيز العلاقات مع شركاء بلاده الإقليميين والدوليين والدفاع عن القضايا العربية والأفريقية في مختلف المحافل»، مقتنعاً بأن «الدبلوماسية المصرية العريقة قادرة على أن ترسو بالبلاد على بر الأمان وسط التحديات الإقليمية والدولية المتفاقمة».

ويقود عبد العاطي دفة السياسة الخارجية المصرية، وسط تعويل كبير على خبراته الدبلوماسية العملية التي امتدّت لنحو 35 سنة، وامتزجت بدراسة أكاديمية للعلوم السياسية، مع توقعات بأن تكون طريقته في الأداء أقرب لمدرسة وزير الخارجية الأسبق rnعمرو موسى.

باحث ودبلوماسي

ولد بدر عبد العاطي في الثامن من فبراير (شباط) عام 1966 في مدينة أسيوط بصعيد مصر، لأسرة متوسطة بسيطة. وكان متفوقاً في كل مراحل دراسته، الأمر الذي أهله للالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، التي تعد إحدى «كليات القمة»، نظراً لاشتراطها حصول الطالب على درجات مرتفعة في امتحان الثانوية العامة.

تخرّج عبد العاطي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حاصلاً على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1987. وبدأ حياته المهنية باحثاً في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» خلال الفترة بين1987 و1989، والمركز واحد من أهم مراكز الأبحاث السياسية في الشرق الأوسط. وفي تلك الفترة كتب عبد العاطي العديد من الأوراق البحثية في مجال السياسة الدولية. غير أن وظيفة الباحث السياسي لم ترض طموحه المهني، ما دفعه للتقدم لاختبارات التوظيف بوزارة الخارجية في عام 1989، وهي الاختبارات التي نجح فيها بتفوق كعادته، وكان «الأول على دفعته رغم عدم امتلاكه واسطة ذات شأن»، بحسب تأكيد أصدقائه.

تنقلات بين القاهرة وعواصم عالمية

عمل بدر عبد العاطي في وظيفة ملحق بوزارة الخارجية المصرية حتى عام 1991، قبل أن ينتقل إلى العمل سكرتيراً ثالثاً في السفارة المصرية بتل أبيب حتى عام 1995، وهناك كان مسؤولاً عن شؤون إسرائيل الداخلية وعملية السلام في الشرق الأوسط. وعقب انتهاء عمله في تل أبيب عاد عبد العاطي إلى ديوان وزارة الخارجية بالقاهرة، بعدما ترقّى لدرجة سكرتير ثانٍ، وعمل مساعداً لوزير الخارجية لشؤون التعاون الاقتصادي الإقليمي في الشرق الأوسط.

خلال تلك الفترة، حرص عبد العاطي على صقل مهاراته الدبلوماسية العملية بالدراسات الأكاديمية، حيث حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 1996، وقد ركز موضوعها على السياسة الخارجية المصرية تجاه فلسطين. وجاء حصوله على الدرجة العلمية الأكاديمية في العام ذاته الذي كان فيه عضواً في الوفد المصري إلى المؤتمر الاقتصادي للشرق الأدنى والأوسط وشمال أفريقيا بالقاهرة.

وبعدها، عام 1997 التحق عبد العاطي بالسفارة المصرية في طوكيو في وظيفة سكرتير ثاني، وكان مسؤولاً في الوقت ذاته عن الشؤون الأفريقية وعملية السلام في الشرق الأوسط وإيران. قبل أن يعود مرة أخرى إلى ديوان وزارة الخارجية عام 2001، سكرتيراً أول، مع احتفاظه بالمسؤولية عن الشؤون الأفريقية وعملية السلام في الشرق الأوسط. وفي تلك الفترة استكمل دراسته الأكاديمية، فحصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 2003، كما عمل محاضراً في «أكاديمية ناصر العسكرية». وأيضاً، في ذلك العام انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية للعمل مستشاراً سياسياً في سفارة بلاده في واشنطن، وكان مسؤولاً عن ملفي الشؤون الأفريقية والكونغرس. ثم عاد إلى مصر عام 2007، لكن هذه المرة بصفته رئيساً لقسم فلسطين بوزارة الخارجية.

في عام 2008، أصبح عبد العاطي نائباً لرئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في بروكسل، وظل هناك حتى عام 2012، حين عاد إلى مصر ليشغل منصب نائب وزير الخارجية المسؤول عن الاتحاد الأوروبي وأوروبا الغربية واتحاد التنسيق الوطني في البحر الأبيض المتوسط. ويرى مراقبون أن أسباب تنقل عبد العاطي في هذه المناصب المتعددة تعود أولاً إلى «جهده وعمله الدؤوب»؛ لأنه رجل «غير روتيني»، يمارس عمله بحب.

الناطق الرسمي

من جهة ثانية، على الرغم من كل الوظائف السابقة، لم يبرز اسم عبد العاطي على الساحة المحلية إلا عقب تعيينه ناطقاً باسم وزارة الخارجية في يونيو (حزيران)، وهي الوظيفة التي ظل فيها حتى عام 2015. وهذه الفترة جعلته يحتك بالأوساط الإعلامية، لا سيما مع «حرصه الدائم على التواصل ليلاً ونهاراً»، وفق كلام صحافيين وإعلاميين عاصروه في تلك الفترة. أيضاً، وبينما تثير طريقته الحماسيّة في الاشتباك مع الأحداث السياسية إعجابَ البعض كونها تكسب العمل الدبلوماسي «زخماً إعلامياً»، فإن البعض الآخر ربما يخشون «حدّته» في التعامل مع بعض القضايا أحياناً. وهم في هذا يستندون إلى حوار تلفزيوني أجراه عبر الهاتف عندما كان ناطقاً باسم الخارجية، أظهر خلاله حدة في الرد، في مسعى للتأكيد على سرعة استجابة وزارته لاتصالات المصريين العالقين في ليبيا.

... وسفيراً لدى ألمانيا

في سبتمبر (أيلول) عام 2015، عيّن عبد العاطي سفيراً لمصر لدى ألمانيا، في فترة كانت تشهد فتوراً في العلاقات بين البلدين عقب «ثورة 30 يونيو» التي أطاحت بحكم «الإخوان» في مصر عام 2013. وفي مايو (أيار) 2016، استدعته وزارة الخارجية الألمانية لـ«إبداء عدم فهمها السبب وراء إغلاق مكتب مؤسسة ألمانية في القاهرة». وطالبت بإعادة فتح مكتب مؤسسة «فريدريش نومان» المرتبطة بحزب الديمقراطيين الأحرار الليبرالي.

وبالفعل، عمل عبد العاطي لمدة أربع سنوات أمضاها في ألمانيا بين عامي 2015 و2019 على استعادة العلاقات بين القاهرة وبرلين. وظهر مدافعاً عن صورة بلاده، وموجّهاً انتقادات علنية لمنظمات حقوقية دولية انتقدت أوضاع حقوق الإنسان في مصر. وبالنسبة لعبد العاطي، فإن العلاقات مع ألمانيا «تقوم على شراكة استراتيجية حقيقية، ووضع مربح يجلب منافع متبادلة، وهي ليست علاقة بين مانح ومتلقٍّ».

وبالفعل، شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً إبان فترة عمل عبد العاطي؛ إذ زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ألمانيا أربع مرات. وزارت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل مصر مرتين. كما وُقعت أول اتفاقية بين القاهرة وبرلين لتعزيز التعاون في مجال مكافحة «الهجرة غير المشروعة».

ويبدو أن تقدير نجاح عبد العاطي في ألمانيا لم يكن مقصوراً على المصريين، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2020 منحته ألمانيا وسام «صليب الاستحقاق الأكبر»؛ لأنه «برهن خلال فترة عمله سفيراً لمصر في ألمانيا، على مدى أهمية مواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين»، وفق سفير ألمانيا في القاهرة في ذلك الوقت سيريل نون.

حملة انتقادات

في المقابل، تعرّض عبد العاطي خلال فترة عمله سفيراً لمصر في ألمانيا لانتقادات وحملات «تشويه» تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ونقلتها وسائل إعلام محلية، وصلت حد اتهامه بـ«الاختلاس» والادعاء بأنه جرى إبعاده عن منصبه في برلين، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية المصرية لإصدار بيان في مايو 2017، أكّدت فيه «نفيها القاطع توجيه أي اتهامات بالاختلاس لسفير مصر في برلين، أو تسجيل إحدى سيارات السفارة باسم السفير المصري»، ليبقى عبد العاطي سفيراً لبلاده لدى ألمانيا سنتين أُخريين بعد هذه الواقعة.

ورداً على تلك الاتهامات، أصدرت الجالية المصرية في ألمانيا بياناً في الشهر ذاته، أعربت خلاله عن «رفضها لحملة التشويه التي يتعرّض لها عبد العاطي»، مؤكدة أنه «أفضل من تولى هذا المنصب الرفيع في توقيت حرج للغاية، ونجح بامتياز في تحسين صورة مصر والمصريين وإعادة العلاقات المصرية - الألمانية إلى سابق عهدها».

الشراكة الأوروبية

ومن ثم، بعد انتهاء عمله في ألمانيا عاد عبد العاطي إلى القاهرة، حيث شغل منصب مساعد الوزير للشؤون الأوروبية. ثم اختير سفيراً لدى بلجيكا ودوقية لوكسمبورغ، ومندوباً لمصر لدى «الاتحاد الأوروبي» وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، خلال مارس (آذار) 2022. وحقاً، لم تمنعه علاقاته الطيبة مع أوروبا من توجيه انتقادات للغرب ولميوله من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهي انتقادات تناقلتها وسائل إعلام غربية أبرزت اتهامه للغرب بالانحياز لإسرائيل، ما يضر بسمعته في الشرق الأوسط.

هذه الانتقادات للسياسات الغربية لم تقف - بدورها - حائلاً دون تحسين علاقات بلاده مع أوروبا، وهي العلاقات التي يعدّها عبد العاطي «مهمة» لاعتبارات عدة؛ ذلك أنه يرى أن «أوروبا تحتاج إلى مصر بوصفها دولة محوَرية وركيزة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وبوابة الدخول إلى القارة الأفريقية، إضافة إلى دورها في مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة. وفي المقابل، تحتاج مصر لأوروبا بوصفها شريكاً مهماً في التنمية والتحديث، ومصدراً رئيساً للاستثمار والتكنولوجيا والتدريب وأكبر سوق مصدر للسياحة إلى مصر». وفعلاً نجح عبد العاطي في تعزيز علاقات مصر مع الاتحاد الأوروبي، وكان له دور بارز في المباحثات التي أدت في النهاية إلى ترفيع العلاقات بين الجانبين إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية والشاملة»، خلال قمة مصرية - أوروبية استضافتها القاهرة في مارس الماضي.

إنها حقبة جديدة في العمل الدبلوماسي المصري بدأت بتولي بدر عبد العاطي حقيبة الخارجية، وبينما لا يُنتظر أن تشهد الفترة المقبلة تغيّرات في السياسة الخارجية المصرية، المرتبطة بمدرسة دبلوماسية عريقة وثوابت لا تتغير بتغير الأشخاص، يتوقع مراقبون نشاطاً متزايداً في ملفات عدة على رأسها الشراكة مع أوروبا، إضافة إلى الملفات الرئيسة الأخرى على أجندة السياسة المصرية مثل فلسطين وليبيا والسودان و«سد النهضة» الإثيوبي. القاهرة: فتحية الدخاخني