قراءة في أسباب انقلاب الرأي العام الأفريقي على فرنسا

رفضها الإقرار بالأخطاء وتبّنيها معاييرَ مزدوجة أساءا لصورتها

عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية "برخان" ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (آ ب)
عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية "برخان" ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (آ ب)
TT

قراءة في أسباب انقلاب الرأي العام الأفريقي على فرنسا

عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية "برخان" ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (آ ب)
عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية "برخان" ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (آ ب)

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الغابوني علي بونغو (ا ف ب)

أخذ الخطاب المُعادي لفرنسا في الرأي العام الأفريقي أبعاداً كبيرة لم يسبق أن وصل إليها من قبل. وبعدما كانت الانتقادات والاحتجاجات مُنحصرة في صفوف المثقفين والنُّخب، فإنها انتقلت، في الآونة الأخيرة، إلى الشارع، وقد تجلّت بصفة واضحة في خروج ملايين المتظاهرين عبر مدن أفريقيا الغربية، من داكار إلى باماكو، مروراً بواغادوغو ونيامي؛ للتنديد بالتدخل الفرنسي والمطالبة بوقفه نهائياً. وحمل المتظاهرون المحتجّون لافتات كُتب عليها عبارات مثل «يا فرنسا ارحلي!». لماذا وصلت العلاقات الفرنسية الأفريقية إلى هذه الوضعية المُتردية؟ كثيرون من الخبراء حاولوا البحث في العوامل التي أفضت إلى هذا الوضع الجديد، بينما يحاول الساسة، في حالة من الذهول، استيعاب هذه المعطيات من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

المعروف لكثيرين أن فرنسا أنشأت لنفسها إمبراطورية واسعة، بعد استعمارها أكثر من عشرين دولة في غرب أفريقيا ووسطها وشمالها على امتداد ثلاثة قرون. واتسم الاستعمار الفرنسي خصوصاً بأنه «ثقافي الهوية»، والقصد أنه تميَّز بمحاولة صبغ الهويات الخاصة بالشعوب الأفريقية بألوان المسيحية والفرنكوفونية، ناهيك عن ميله إلى القمع العنيف.

وواقعاً، كان الاستعمار الفرنسي في هذا الجزء من العالم شديد الوطأة ودمويَّ الممارسات، خلّف فصولاً سوداء في تجارة العبيد والمجازر البشرية والتعذيب ونهب الثروات. وبعد استقلال المستعمرات السابقة - ومعظمها استقلّ في عقد الستينات - طوّرت فرنسا ما يسمى سياسة «فرنس أفريك (أفريقيا الفرنسية)»؛ للمحافظة على نفوذها في هذه المنطقة من العالم، معتمدة فيها على تكثيف حضورها العسكري والاقتصادي، والتدخل في السياسات الداخلية، مع بسط نفوذها الثقافي عبر «المنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية».

الوضع، كما يبدو، يتغير اليوم.

كثيرة من التقارير يتكلم عن تقلّص دائرة هذا النفوذ، بعد توجّه حكومات الدول الأفريقية إلى نسج شراكات اقتصادية وأمنية وثقافية جديدة مع قوى دولية طارئة على المشهد، كالصين وروسيا وتركيا. وفي تداخل على قناة «تي في5» الفرنسية، شرح عصمان نديامي، رئيس تحرير قسم أفريقيا، أن «القطيعة» مع الرأي العام في أفريقيا «بدأت بسبب طريقة تعامل فرنسا مع مستعمراتها السابقة التي تغلب عليها الرؤية الفوقية، والنزعة نحو التفوق العِرقي، إضافة إلى شعور الأفارقة بأن فرنسا لم تغادر أوطانهم بعد الاستقلال». وهنا يشرح: «إن السؤال الذي يعود دائماً في الدوائر الفرنسية هو هل سنخسر أفريقيا؟ وهذا يفترض أن فرنسا تمتلك أفريقيا... فبأي صفة يطرح الفرنسيون هذه الأسئلة؟ ثمة أزمة قراءة من طرف الفرنسيين، وهي الثغرة التي استغلّها الروس والأطراف الأخرى التي تتوجه، اليوم، إلى الشعوب الأفريقية بخطاب مختلف، وكأنها تقول لهم «نحن مختلفون عن المستعمر السابق، سنعاملكم بصفة مختلفة، سنكون شُركاء لكم، النّد بالنّد، وليس كمستعمرات سابقة».

الانتقادات الأفريقية المالوفة أيضاً تشمل أيضاً «التعامل الأبوي»، وازدواجية المعايير التي تعتمدها فرنسا وتدخلاتها في السياسات الداخلية لدول المفروض أنها تتمتع بسيادة كاملة على أراضيها. وهذا ما أشار إليه فيليكس تشيسيديكي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير والكونغو البلجيكي سابقاً)، خلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته الأخيرة، في الرابع من شهر مارس (آذار) 2023، حين توجه إليه أمام عدسات الكاميرات بالقول: «ما يجب أن يتغير في علاقتنا الثنائية هو نظرتكم إلى ما يحدث في أفريقيا... عندما يجري في عهد الرئيس (الفرنسي الأسبق جاك) شيراك الكشف عن استعمال أصوات أشخاص متوفِّين، في الانتخابات، فلا أحد يتكلم عن تجاوزات... بينما تنتقدون كل ما يحدث عندنا وتتابعونه عن كثب...».

الانقلابات العسكرية ودور باريس فيها

وليس سراً الإقرار بأن باريس كانت وراء كثير من الانقلابات العسكرية والاغتيالات والانتخابات التي كانت تُموّلها مباشرة أو عبر شركاتها التي توغلت في الأوساط السياسية لدعم النُّخب الحاكمة وضمان ولائها، دراسة أخيرة صادرة عن جامعة تكساس قيَّمت عدد هذه التدخلات بأكثر من عشرين بين 1961 و2018، لذا فإن لجوء فرنسا إلى إعطاء دروس في الديمقراطية أصبح يثير تقزز الشارع الأفريقي.

هذه «التناقضات» أشار إليها الباحث المختص في الشؤون الأفريقية أنطوان غلاسير، في كتابه «ماكرون الفخ الأفريقي»، حين شرح: «عندما تكون دولة كالغابون عضواً (غير دائم) في مجلس الأمن، فإن من مصلحة فرنسا الحصول على صوتها، والحرص على تجنب إغضابها. والشيء نفسه بالنسبة لتشاد، التي حصل فيها محمد إدريس ديبي على تأييد باريس وزيارة خاصة من ماكرون، رغم الانتقادات. وما لا يفهمه الأفريقيون هو أنْ تُوجه باريس بعد ذلك كله انتقادات لأنظمة الحكم العسكري في مالي والنيجر وبوركينا فاسو... فبأي صفة تقرّ ما هو شرعي وما هو غير شرعي؟!... كل هذه التناقضات أصبحت مرفوضة وجاءت كالقطرة التي أفاضت الكأس...».

الرئيس السنغالي السابق الراحل ليوبولد سنغور مع الرئيس الفرنسي التاريخي شارل ديغول (غيتي)

رفض الإقرار بالأخطاء

مؤرخون وناشطون كُثر حذّروا من تجاهل فرنسا طلبات مستعمراتها السابقة بإعادة فتح ملفات حقبة الاحتلال والاعتراف بأخطاء الماضي، ولا سيما أن هذا المطلب الثابت لقي صدًى عند الكثير من القوى الاستعمارية السابقة التي بذلت جهوداً لا يُستهان بها في هذا المجال.

بريطانيا مثلاً، اعترفت رسمياً بالجرائم التي اقترفتها في حق الجماعات التي شاركت في ثورة «الماو ماو» في كينيا، وقدّمت لها تعويضات مع طلب العفو. وإيطاليا هي الأخرى، بلسان رئيس حكومتها السابق سيلفيو برلوسكوني، طلبت من ليبيا العفو رسمياً في 2008. وكذلك فعلت بلجيكا، التي تقدمت باسم ملكها الملك فيليب، يوم 30 يونيو (حزيران) المنصرم، باعتذار رسمي إلى الكونغو، معبّرة عن «أسفها العميق عن البشاعات التي اقترفتها في حق شعب الكونغو، وأعلنت الحكومة البلجيكية تأسيس لجنة لـ(الحقيقة والتصالح)»، وكذلك فعلت هولندا «جارة بلجيكا» مع مستعمرتها السابقة الضخمة إندونيسيا.

في المقابل، ماذا فعلت فرنسا للتصالح مع ماضيها الاستعماري؟ على هذا السؤال يجيب باسكال بلانشار، الباحث المختص في التاريخ الاستعماري: «لا شيء..! بل بدل ذلك صُودق، خلال فبراير (شباط) 2005، بإيعاز من اليمين، على قانون يقضي بأن تمتدح المُقرَّرات المدرسية الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي... الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في أوساط النخبة الأفريقية».

وتابع: «حين وصل ماكرون إلى السلطة، اعتقدنا أن الأمور ستتغير حين أعلن عن صفحة جديدة مع أفريقيا، إلا أنه بدلاً من اتخاذ قرارات فورية للتعبير عن وجود الإرادة السياسة لتصحيح الأخطاء، تخلّص من هذه الوعود بتمريرها للجان من المؤرخين، من أجل البحث في الجرائم التي اقتُرفت في الجزائر والكاميرون، والتي قد تأخذ سنين للوصول إلى نتيجة...».

ويضيف بلانشار: «في بلد يضم أكثر من 12 ألف متحف، لا يوجد واحد يهتم بالتاريخ الاستعماري!... كيف نتصالح مع ماضينا ونحن ما زلنا نصر على دفنه؟! لماذا نستغرب حين تنتفض أجيال الهجرة، ونحن الذين تركنا أولادهم يعيشون بالذاكرة الجريحة نفسها التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم؟ إننا لن نتخلص من هذا العبء إلا إذا واجهنا الأمور وقررنا تصفية هذا الإرث الثقيل...».

رموز الحقبة الاستعمارية

الماضي يعيش أيضاً في الفضاء العام الذي يبقى مطبوعاً برموز الحقبة الاستعمارية، إذ إن كثيراً من المدارس والشوارع والتماثيل والنُّصب لا يزال إلى يومنا هذا يحمل أسماء شخصيات ذات ماضٍ استعماري معروف.

وحقاً، رصد ناشطون في جمعية «أنكراج لإعادة اعتبار الثقافات والذاكرات» أكثر من 300 شارع في العاصمة الفرنسية، وثلث الفضاء العام في مدينة مرسيليا، ارتبطت بتمجيد شخصيات ثبتت مسؤوليتها في جرائم حرب أو تجارة الرقيق. وكان رئيس الجمعية باتريك زيلبرشتاين قد شرح أخيراً، لموقع إخباريّ، العراقيل التي يواجهها الناشطون لتغيير الأوضاع، قائلاً: «كثيراً ما يُقال لنا إن الاستعمار، وحتى العبودية، قد شكّلا تاريخ فرنسا، ومن ثم لا يمكن محوهما من الذاكرة الجماعية. لكن ما نطلبه ليس محو أي شيء، بل التوقف عن تمجيد هذا الماضي عبر إعطائه مكاناً في الفضاء العام...».

شباب القارة يواجهون المستعمر القديم

من حيث معدل أعمار السكان، فإن أفريقيا هي القارة الأكثر فتوة في العالم بأكثر من 400 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة، وأكثر من 60 في المائة منهم دون الرابعة والعشرين.

هذه الشبيبة التي تصبو إلى حياة أفضل يئست من وعود الأنظمة الفاسدة ونهْب الغرب خيراتها، وأصبحت واعية بأن الأمور يجب أن تتغير. وهنا يتكلم الباحث السنغالي حميدو، في كتابه «أفريقيا الآتية»، عن رغبة هذه الشبيبة في استرداد كرامة الأفريقي التي أساء إليها المستعمر السابق، في مناسبات كثيرة، كـ«خطاب داكار» في 2007، حين أعلن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي «أن الرجل الأفريقي لم يدخل التاريخ... وأن العصر الذهبي الذي تتأسف عليه أفريقيا لن يعود؛ لأنه ببساطة لم يوجد...»، أو كما تشير إليه الإعلامية شارلوت لالان، في مقال بصحيفة «ليكسبرس»، قائلة: «في الطوابير الطويلة أملاً في الحصول على تأشيرة دراسة لا تُمنَح إلا نادراً أو في رفع الرسوم الدراسية، وكأن الفرنكوفونية تقتصر على قول باريس تحدثوا بالفرنسية ولكن ابقوا في منازلكم، وهو شيء غير منطقي».

أما الفرنكوفوني ستيفن سميث، الكاتب وأستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة ديوك الأميركية، فكتب، في مقال بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان «فرنسا أفريقيا لماذا كل هذا الحقد؟»: «نقمة الأفارقة على فرنسا تظهر في أشياء بسيطة... عندما يشجع السنغاليون كل الفِرق الرياضية التي تلعب ضد الفريق الفرنسي، فإنك تلمس هذا الشعور المناهض لفرنسا... وحين تتحدث إليهم يجيبونك بأن فرنسا لا تفكر إلا في مصالحها... ولا تتردد في إمداد أوكرانيا بجميع أنواع العون، بينما ترفض مساعدة أفريقيا التي كافح أبناؤها إلى جانب الجيوش الفرنسية لتحريرها...».

مِثل هذا الخطاب المُعادي لفرنسا بدأ يظهر كثيراً في وسائل التواصل الاجتماعي مع بعض المؤثرين الذين يتمتعون بنفوذ كبير في أوساط الشباب الأفريقي، أهمُّهم الناشطة السويسرية الكاميرونية نتالي يامب، والفرنسي البنيني كيمي سيبا، اللذان حظيا باهتمام كبير خلال القمة الروسية الأفريقية الأخيرة.

نتالي يامب، التي يلقبها الإعلام الفرنسي بـ«صوت بوتين في أفريقيا»، ممنوعة من دخول الأراضي الفرنسية بسبب خطابها المبنيّ على «الحقد العميق تجاه فرنسا»، كما يقول بيان وزارة الداخلية، وهي تدعو في تداخلاتها إلى إنهاء سياسة «فرنس أفريك» التي تعتبرها وراء تخلف أفريقيا، وتدعو إلى تكثيف التعاون مع روسيا التي تتمتع بتقليد قديم في مناصرة الدول الضعيفة دون ماض استعماري كفرنسا، كما تقول. أما الناشط كيمي سيبا، وهو كاتب وإعلامي حاضر بقوة على منصة «تويتر» فهو يتبنى قناعات «بان أفريكانية» تدعو إلى قطع كل صلّة بالمستعمر القديم، وإنهاء الوجود العسكري، والعودة إلى الأصول الأفريقية في كل مظاهر الثقافة في الأكل واللباس والفنون.

فرنسا: الانتكاسة

يشرح الباحث في الشؤون الأفريقية أنطوان غلاسير، في كتابه «متكبر... كفرنسي في أفريقيا» قائلاً: «كل الأنظار كانت متجهة نحو أوروبا وآسيا، ولا أحد لاحظ أن أفريقيا دخلت عصر العولمة... ففي الوقت الذي كانت فرنسا نائمة، دخلت الصين بقوة حتى أصبحت، اليوم، أول شريك اقتصادي لأفريقيا، وأول مُورِّد للبضائع في حوالي 30 دولة، إضافة إلى كل المنافسين الجدد الذين ظهروا على الساحة، طمعاً في حصّة من الكعكة...». الباحث ستيفن سميث، أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة ديوك يشير إلى أن التوقيت مهم، فما يحدث لفرنسا من متاعب في أفريقيا، كما يقول، يوافق الانتكاسة التي تشهدها في عدة ميادين، بدءاً بالاقتصاد الذي يعرف ركوداً شديداً، إلى الحضور العسكري الذي تَقلّص بصورة ملحوظة من 10000 جندي إلى 3000 اليوم، إلى الاحتجاجات الواسعة التي ميّزت ولاية الرئيس ماكرون، وصعود اليمين المتطرف وخطابه المُعادي للأجانب، ولا سيما الأفارقة، كل هذا أسهم بصورة واضحة في الإساءة لصورة فرنسا في الرأي العام الأفريقي.

هكذا رسمت فرنسا حدود مستعمراتها في أفريقيا

الزعيم الغيني الاستقلالي أحمد سيكوتوري مع الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري ديسكار ديستان (غيتي)

*أدى «مؤتمر برلين» عام 1885 إلى ترسيم الحدود الاستعمارية للقوى الكبرى، حيث لجأت كل منها إلى إنشاء منطقة نفوذ؛ لتأكيد هيمنتها السياسية والاقتصادية. بالنسبة لفرنسا، جرى تقسيم مستعمراتها إلى كتلتين: كتلة أفريقيا الغربية الفرنسية، وكتلة أفريقيا الاستوائية الفرنسية.

كتلة أفريقيا الغربية الفرنسية

كتلة أفريقيا الغربية الفرنسية (1895 - 1958)، ضمت ثماني مستعمرات هي: موريتانيا والسنغال ومالي (عُرفت أيضاً بالسودان الفرنسي سابقاً) وغينيا وكوت ديفوار (ومعناها بالعربية: ساحل العاج) والنيجر وأعالي الفولتا العليا (حالياً بوركينا فاسو)، وداهومي (حالياً بنين). وتبلغ مساحة هذه الكتلة 4.689.000 كيلومتر مربع، أي نحو سبعة أضعاف مساحة فرنسا. أما عاصمتها فكانت سانت لويس (السنغال) حتى عام 1902، ثم صارت داكار (عاصمة السنغال الحالية). قبل أن يسيطر الأوروبيون على هذه الأراضي ويطلقوا عليها اسم أفريقيا الغربية الفرنسية، كان شعب المنطقة مُقسّماً إلى شعوب ومجموعات قبلية ولغوية عدة. وبعض هذه المجموعات كان تجمعات لعائلات عاشت في مساحات صغيرة دون سلطة مركزية. ولاحقاً شكلت بعض الجماعات دولاً أكثر تطوراً ولها حكومات مركزية وتضم عدداً كبيراً من السكان.

أيضاً، يشار إلى أنه قامت عدة إمبراطوريات كبيرة على حدود الصحارى، بلغت إمبراطورية غانا أوج قوتها خلال القرن الـ11 الميلادي، ووصلت إمبراطورية مالي إلى قمة عظمتها في القرن الـ14، وازدهرت إمبراطورية الصنغاي في أوائل القرن الـ16.

منحت فرنسا حقوق المواطنة للأفارقة، إلا أنها لم تمنحهم كلهم حق التصويت. وفي عام 1947م، بدأت فرنسا برنامج تنمية اقتصادية للاتحاد، ثم في عام 1956م أعطت جميع الأفارقة في الاتحاد حق التصويت. وحينما أقرت دستوراً جديداً عام 1958م، صوّتت غينيا الفرنسية لصالح ترك «الاتحاد الفرنسي» لتغدو دولة مستقلة، في حين صوّتت المناطق السبع الأخرى لصالح بقائها في «الاتحاد الفرنسي»، في إطار الجماعة الفرنسية الجديدة. ولكن، في نهاية عام 1958م، صوّتت هذه المناطق لتصبح جمهوريات ذاتية الحكم، قبل أن تحقق استقلالها التام تباعاً.

كتلة أفريقيا الاستوائية الفرنسية

أما كتلة أفريقيا الاستوائية الفرنسية (1910 - 1960)، فكانت اتحاداً من أربع مناطق في أفريقيا الوسطى، يمتد من مصب نهر الكونغو جنوباً إلى شمال شرقي الصحراء الكبرى شمالاً. ضمت هذه الكتلة ما أصبح، اليوم، خمس دول هي: الكونغو (الكونغو-برازافيل)، وتشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والغابون، وفيما بعد الكاميرون (المستعمرة الألمانية السابقة التي تقاسمتها فرنسا وبريطانيا لاحقاً)، وهي تمتد على مساحة 2.509.994 كيلومتر، وكانت عاصمة هذه الكتلة مدينة برازافيل الكونغولية.

في المنطقة الشاسعة التي تشمل الكتلتين الغربية والاستوائية تعيش شعوب وقبائل عدة من أعراق متعددة وتتكلم لغات مختلفة. ومن أكبر شعوب دول هاتين الكتلتين: الفولاني (الفولا/ البول/ الفولفولدي) – الذين ينتشرون من السنغال غرباً إلى الكاميرون شرقاً – والهاوسا والكانوري والإيغبو (الإيبو)، والولوف والسيرير والصنغاي والماندينكا (المالينكي)، والصنغاي (منهم الجيرما/ الزبرما) والمانينكا والسونينكي والسينوفو والموسي والمندي والأكان.

ومن الناحية الاقتصادية، تزخر هذه المنطقة الشاسعة بثروات طبيعية مهمة، ذلك أن فيها موارد كثيرة من الغابات والمعادن، وكذلك النفط في الغابون. وأما عن المنتجات الزراعية الأهم فبينها القطن والأرز واللحوم والفول السوداني والكاكاو والبن والخشب والزيوت على أنواعها.

تاريخياً، وصل المستعمرون الفرنسيون الأوائل إلى أفريقيا في عام 1911، وتنازلت فرنسا عن أجزاء من أراضيها لمستعمرة الكاميرون الألمانية نتيجة أزمة أغادير، قبل أن تعاد إليها بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. ولكن، إبان «الحرب الباردة» برزت قيادات أفريقية نشطة سياسياً خاضت معركة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، كان من أبرزهم الزعيم الغيني أحمد سيكوتوري، والزعيم المالي موديبو كيتا، والزعيم السنغالي ليوبولد سنغور، بجانب الزعيم الإيفواري فيليكس هوفويت بوانيي.

الزعيم المالي الاستقلالي موديبو كيتا (غيتي)

- عسكريون فرنسيون مشاركون في عملية «برخان» ينهون خدمة بضعة أشهر ويغادرون قاعدتهم في مدينة غاو بمالي (أ.ب)

- الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الغابوني علي بونغو (أ.ف.ب)

- الزعيم الغيني الاستقلالي أحمد سيكوتوري مع الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري ديسكار ديستان (غيتي)

- الزعيم المالي الاستقلالي موديبو كيتا (غيتي)

- الرئيس السنغالي السابق الراحل ليوبولد سنغور مع الرئيس الفرنسي التاريخي شارل ديغول (غيتي)


مقالات ذات صلة

قرضان للمغرب لـ«تحسين الحوكمة الاقتصادية»

شمال افريقيا عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية (الشرق الأوسط)

قرضان للمغرب لـ«تحسين الحوكمة الاقتصادية»

قال البنك الأفريقي للتنمية، الجمعة، إنه قدّم للمغرب قرضين بقيمة 120 مليون يورو (130 مليون دولار) لكل منهما؛ بهدف تمويل منطقة صناعية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
يوميات الشرق خبير تونسي يتفقد مزرعة تين شوكي موبوءة بالحشرات القرمزية في صفاقس بتونس في 19 يوليو 2024 (رويترز)

الحشرة القرمزية تصيب محاصيل تونس من التين الشوكي (صور)

الحشرة أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لمحصول التين الشوكي لأنها تدمر مساحات واسعة من المزارع وتثير قلقاً اقتصادياً كبيراً منذ اكتشافها في تونس لأول مرة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (تونس)
أفريقيا انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

انزلاق التربة في جنوب إثيوبيا يتسبب في مقتل نحو 229 شخصاً

لقي قرابة 150 شخصاً حتفهم جراء انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة في جنوب إثيوبيا، وفق ما أفادت به السلطات المحلية، الثلاثاء، محذّرة من أن العدد مرشح للارتفاع.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
شمال افريقيا المرشح الرئاسي المعارض لطفي المرايحي (موقع حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري)

السجن لمرشح رئاسي ومنعه من الترشح مدى الحياة في تونس

أصدرت محكمة تونسية، اليوم الجمعة، حكماً بسجن المرشح الرئاسي المعارض، لطفي المرايحي، 8 أشهر ومنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية مدى الحياة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح المعارض بيرام الداه ولد أعبيد (الشرق الأوسط)

مرشح معارض يرفض نتائج انتخابات موريتانيا

دعا المرشح الرئاسي المعارض في موريتانيا، بيرام ولد الداه ولد أعبيد، اليوم الخميس، سلطات البلاد إلى الحوار لنزع فتيل الأزمة السياسية.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

جيريمي كوربن (رويترز)
جيريمي كوربن (رويترز)
TT

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

جيريمي كوربن (رويترز)
جيريمي كوربن (رويترز)

> شهدت السنوات الـ14 الأخيرة تغيّرات مهمة على مشهد الساحة السياسية البريطانية أثّرت في كيميائها داخلياً وبدلت الكثير من الأولويات والمقاربات لمعظم القضايا الدولية.

والواقع، أن نهاية حكم العمّال قبل 14 سنة لم تشهد صدمة انتقال آيديولوجية، لسببين مهمين: السبب الأول أن ذلك الحكم، الذي بدأ عام 1997، اتسم بحقبة «اعتدال واقعي» تمثلت بحكومتي توني بلير وغوردون براون بعيداً عن الخط الاشتراكي الراديكالي الذي ساد الحزب تحت قيادتي مايكل فوت (1980 - 1983) وجيريمي كوربن (2015 - 2020)، وكذلك كان غريمه حزب المحافظين نفسه تحت قيادة «المعتدل» ديفيد كاميرون. والسبب الآخر، أنه حتى مع نهاية عهد حكومة براون، عجز كاميرون عن الانفراد بالحكم؛ ما اضطره إلى تشكيل ائتلاف «يمين وسط» مع حزب الديمقراطيين الأحرار.

بوريس جونسون (رويترز)

غير أن مرحلة «الاعتدالين» العمالي، ثم المحافظ انتهت مع نجاح يمين المحافظين المتطرف في ابتزاز كاميرون ودفعه إلى طرح مسألة الخروج من أوروبا (بريكست) في استفتاء شعبي ما كان يتوقع أن ينتهي بالتصويت الشعبي على الخروج. لكن هذا ما حصل، فاستقال كاميرون وتولت خلافته لمرحلة قصيرة تيريزا ماي - المقربة من تياره «المعتدل» - لكن فترة حكمها كانت سنوات التمهيد للابتعاد عن أوروبا وتشديد قبضة اليمين المتطرف على الحزب. وهذا أيضاً ما حصل، مع انتخاب بوريس جونسون زعيماً وتوليه على الأثر رئاسة الحكومة، قبل أن تطيحه وصدقيته مشاكل وحزازات وفضائح فاقمتها ظروف جائحة «كوفيد - 19».

تيريزا ماي (رويترز)

والأسوأ، أن إطاحة جونسون، من ناحية راكمت المشاكل - وكثرة منها نابعة عن عواقب «بريكست» الاقتصادية –، ومن ناحية ثانية زادت تشدد المتشددين الهاربين بـ«دوغماتيتهم» اليمينية إلى الأمام... ما أدى إلى تعاقب 4 رؤساء حكومات محافظة في بريطانيا خلال 5 سنوات، إحداها لم تعش شهرين من الزمن. وانتهت، بالتالي، مرحلة رهان «مؤسسة السلطة» على حزب المحافظين؛ إذ رحبت بـ«صفحة جديدة» يمثل فيها العمال السير كير ستارمر، وهو زعيم معتدل ومقبول على شاكلة توني بلير، يرتاح له مجتمع المال والأعمال، ويطمئن إليه محور واشنطن – تل أبيب – حلف شمال الأطلسي (ناتو).