النيجر... انقلاب نحو الجحيم

هل يخسرُ الغربُ آخر معارك النفوذ في الساحل الأفريقي؟

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
TT

النيجر... انقلاب نحو الجحيم

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)

قبلَ أسبوعين وقف محمد بازوم، بصفته رئيساً للنيجر، وسط حشود كبيرة كانت تستقبله في إقليم طاوة، بوسط البلاد، وألقى خطاباً لم تكن تنقصه الكاريزما ولا قوة الشخصية، فالرجلُ خريج فلسفة وبدأ مساره السياسي من العمل النقابي، قبل أن يتدرجَ في المناصب السامية، وصولاً إلى رئاسة البلاد قبل سنتين. تكلّم بازوم، وهو السياسي المدني المتحدر من الأقلية العربية في النيجر، بصراحة غير معهودة عن المؤسسة العسكرية. وقال إن على الجنرالات أن يخرجوا من مكاتبهم المكيّفة، ليقفوا في الصفوف الأمامية مع الجنود في مواجهة التحديات الأمنية التي تهدّد البلاد، وخاصة خطر الإرهاب. ولكن، بعد أسبوعٍ احتجز جنرال غاضب الرئيس بازوم داخل القصر الرئاسي، وأعلن قلب نظام الحكم، ليدخل البلد الأفريقي الفقير في نفقٍ مظلم، سبقته إليه مالي وبوركينا فاسو المجاورتان. بيد أن الوضعَ في النيجر سيكون مختلفاً، ذلك أن هذا البلد يعد أحد آخر معاقل قوى الغرب في منطقة الصحراء الكبرى، ومن المرجّح أن تدور فيه «المعركة الأخيرة» في حرب النفوذ المستعرة - من دون إعلان - في أفريقيا ما بين الغرب وروسيا.

الانقلابات العسكرية ليست أمراً غريباً

على غرار غالبية بلدان غرب أفريقيا، الانقلابات العسكرية ليست أمراً غريباً في النيجر؛ إذ يكادُ لا يمر عقد من دون وقوع انقلاب أو اثنين، أو على الأقل محاولات تفشل في اللحظات الأخيرة. ويكفي أن نعرف أنه منذ انتخاب محمد بازوم رئيساً للنيجر عام 2021، وقعت محاولة انقلابية جدية قبل يومين من تنصيبه، ومحاولة أخرى جرى التعتيم عليها العام الماضي.

هذا ما يدفع إلى القول إن الانقلابات غدت جزءاً من تناقضات الديمقراطية الأفريقية، فحين تفشلُ يُعد ذلك دليلاً على صلابة التجربة الديمقراطية ونضجها، وحين تنجح تُصنَّف على أنها تصحيح للمسار الديمقراطي وتعزيز له... أي أنها في النهاية دوماً تُقدم على أنها جزء من العملية الديمقراطية، على الرغم مما يُقال عنها خلال لحظات الشك في أيام التأرجح ما بين الفشل والنجاح.

في هذا السياق، يقول عبد الصمد امبارك، رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية» في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن الانقلاب الذي وقع في النيجر «يدخل في مسلسل الانقلابات التي دأبت عليها القارة السمراء منذ حقبة ما بعد الاستقلال».

أما فيما يتعلقُ برؤية الانقلاب من السياق الداخلي للنيجر، فيعتقدُ امبارك أنه «من الطبيعي أن يكونَ إجهاضاً للشرعية الدستورية، وإجهاضاً لشرعية الحكم في النيجر، سيما وأنه عندما خرجت النيجر من انتخابات عام 2021 الرئاسية شكل ذلك نموذجاً للتناوب السلمي على السلطة، وكان يعتبر مصدر فخرٍ في غرب أفريقيا. لكن اليوم تنقلب الصورة في مسعى عسكري قديم متجدّد، هدفه الاستيلاء على السلطة إثر خلاف بين أقطاب المعادلة السياسية».

انعدام النضج والتخطيط

قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني (رويترز)

من جانبه، يذهب ياسين عبد القادر الزوي، وهو باحث في الشؤون الأفريقية، خلال حديث مع «الشرق الأوسط» إلى الغوص أكثر في أسباب الانقلاب، مشيراً إلى أن الأمور لم تكن بذلك «النضج والتخطيط». ثم يوضح فيقول: «إن المتابع لبداية الأحداث سيدركُ أنه لم يكن هناك تخطيط للانقلاب، بل بدا الأمر وكأنه نوع من الضغط على الرئيس كي يتراجع عن بعض القرارات».

وأردف الباحث في الشأن الأفريقي أن المعلومات المتداولة تشير إلى أن بازوم «كان ينوي إجراء تغييرات ستصدر عن اجتماع لمجلس وزراء سيُعقد الخميس، لكن الانقلاب وقع الأربعاء... وكان ضمن هذه التغييرات إقالة قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني»، وهو الرجلُ الذي قاد الانقلاب، ويحاول جاهداً تثبيت أركان حكمه رغم كل الضغوط.

ومن ثم، يذكّر الزوي بمضمون كلام الرئيس بازوم في إقليم طاوة، حين قال صراحة إن «القادة العسكريين لا يجوز أن يبقوا في المكاتب وتحت المكيفات، وإنما مكانهم الحقيقي هو في صدارة الجنود، وفي الصفوف الأمامية لمواجهة التحديات الأمنية». وكان ذلك إشارة ضمنية إلى الجنرال الموجود في قيادة الحرس الرئاسي منذ قرابة 10 سنوات.

الرئيس الرهينة

حقاً، لطالما كانت الانقلابات العسكرية في النيجر، وفي غرب أفريقيا عموماً، تقوم على مخطط ونموذج ثابت لا يكاد يخرج عنه أي انقلاب؛ إذ تقف وراء الانقلاب مجموعة من الضباط في مختلف التشكيلات العسكرية، ولديهم جناح مدني صلب، وربما جهة خارجية توفر لهم الدعم الدبلوماسي المطلوب.

ولكن خلال السنوات الأخيرة ظهر نموذج جديد من الانقلابات العسكرية. هذا النموذج بدأ في مالي عام 2020، وتكرّر في بوركينا فاسو ثم في غينيا، وها هو يحدث في النيجر، بالتفاصيل نفسها حتى لكأن الجهة التي خططت له هي نفسها.

ويعتمدُ هذا النموذج المُـبسَّط جداً على أخذ الرئيس «رهينة»، وإرغامه على تقديم استقالته، ورفض الاستجابة لأي ضغوط إقليمية أو دولية، في استغلال واضح للوضع الدولي المضطرب، معززاً باستغلالٍ لحالة الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، وربط كل تلك الأزمات بشخص الرئيس وسياساته «الفاشلة».

وهكذا تصبحُ استقالة الرئيس هي المخرج «الدستوري» الوحيد الذي يراهن عليه الانقلابيون، وسبيلهم الوحيد نحو فرض الأمر الواقع. هذا بالضبط ما حدث في دولة مالي قبل ثلاث سنوات، حين نجح الانقلابيون في إرغام الرئيس الراحل إبراهيم بابكر كيتا على تقديم استقالته في بث عبر التلفزيون، واعتبر ذلك إذلالاً لواحد من أعتى السياسيين في غرب أفريقيا، وضربة موجعة للديمقراطية.

ولكن مراقبي الوضع في النيجر، يتساءلون عمّا إذا كان النقابي العتيد محمد بازوم سيرضخ لرغبات الانقلابيين، ويقدم استقالته ليقطع بذلك الطريق على كل التحركات الإقليمية والدولية لإعادته إلى كرسي الحكم أم لا.

هُنا يقول ياسين عبد القادر الزوي، الذي يدّعي معرفة شخصية بالرئيس بازوم: «حسب معرفتي به، فهو شخصية صلبة وشجاعة وعنيدة وعصامية، ما يعني أن مسألة تقديم الاستقالة والتنازل مستبعدة جداً. وفي تقديري أن أكبر تنازل يمكن أن يقدّمه هو أن يتفاوض معهم على حلٍّ يناسب الجميع، كأن يمنحهم مناصب دبلوماسية مع إبعادهم عن المواقع العسكرية الحسّاسة».

تداعيات الانقلاب

في المقابل، على الرغم من أن الزوي يبدو جازماً إزاء صمود بازوم، ما قد يساهم في فشل الانقلاب العسكري، فإن التجربة في أفريقيا - وحتى في النيجر ذاتها - تثبتُ أن أي محاولة انقلابية وصلت إلى هذه المرحلة، من الصعب أن تعود الأمور بعدها إلى ما كانت عليه. والسبب أن قادة الانقلاب، وإن كانوا ليسوا بالقوة الكافية للمضي قُدما، فإن الرئيس بدوره يكون قد فقد قوة الاستمرار في الحكم، وبالتالي قد يبرزُ طرف ثالث يُخرِج الطرفين من المعادلة.

وهُنا يقول الباحث في الشأن الأفريقي إن الانقلاب حتى وإن فشل «ستكون له تأثيرات كبيرة على المشهد السياسي في النيجر، خاصة على مستوى الحزب الحاكم... فبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور، لا شك، ستتغير المواقع في الخارطة السياسية، وخاصة وضع الرئيس السابق محمدو يوسفو، الذي كان موقفه غير واضح من الانقلاب خلال الأيام الأولى، وهو الذي كان في السنوات الأخيرة صاحب الكلمة الأولى في الحزب الحاكم».

أما عبد الصمد امبارك، رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية»، فيقولُ إن الانقلاب بغض النظر عن نتيجته «يضع النيجر أمام مرحلة استثنائية من المفروض أنها قد تتطلب بعض الوقت... ولكن تداعياتها وخيمة على الأمن والتنمية في هذا البلد الذي يعاني أصلاً مضاعفات مؤثرة على الاستقرار، نتيجة تنامي مخاطر الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية، زيادة على تراجع معدلات التنمية مع انتشار الفقر والجهل والتخلف».

ويضعُ امبارك هذا الانقلاب في سياق ما قال إنه «دوامة اللا استقرار السياسي، التي شملت كلاً من مالي وبوركينا فاسو وتشاد، ما يولّد حلقة جديدة من التداعيات في شبه المنطقة قد تمتد نحو نطاق أوسع، وتنتشر العدوى إثر اشتعال النار في هذه البلدان الهشّة والمعروفة بضعف الولاء للدولة المركزية. وهذا، ناهيك عن هشاشة نظام الحكم في هذه الدول، وهو حكم حديث العهد بالتعددية السياسية وبالديمقراطية».

إطفاء الحريق

الرئيس محمد بازوم (أ.ف.ب)

من جانب آخر، تعدّدت محاولة إطفاء حريق النيجر، وفي حين جاء الموقف الغربي صارماً ضد الانقلاب، ذهبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إلى فرض عقوبات مع التلويح بخيار التدخل العسكري ضد الانقلابيين، وهو ما دفع مالي وبوركينا فاسو وغينيا إلى اعتبار أي تدخل عسكري في النيجر اعتداءً وإعلان حرب عليها.

ووسط كل هذه الجلبة، برز موقف مختلف تبنّته تشاد المجاورة للنيجر، حين هرع رئيسها الجنرال الشاب محمد إدريس ديبي إلى عاصمة النيجر نيامي، والتقى بأطراف الأزمة بمن فيهم الرئيس المحتجز بازوم وقادة الانقلاب، فيما بدا أنه مبادرة للوساطة من أجل حلحلة الوضع والخروج بحل سلمي.

وفعلاً، ثمة مبررات كثيرة لتحرك تشاد دون غيرها، فهي ليست عضواً في مجموعة «إيكواس»، وبالتالي فهي غير ملزمة بالعقوبات المفروضة على النيجر، بل هي أقرب لموقف الحياد بين كل الأطراف. ثم إن شريطاً حدودياً طويلاً يربطها بالنيجر، وهو من أخطر المناطق، حيث تنشط جماعات مسلحة وشبكات تهريب.

وهنا يقول ياسين عبد القادر الزوي إنه بالإضافة إلى ما سبق «لدى تشاد وجود عسكري كبير في النيجر، وخصوصاً في إقليم ديفا المحاذي للأراضي التشادية، في إطار تعاون مهم جداً قائم منذ سنواتٍ بين البلدين لمكافحة الإرهاب ومحاربة الجماعات المسلحة. وأول زيارة خارجية للرئيس محمد إدريس ديبي عقب توليه السلطة مكان والده الراحل إدريس ديبي، كانت إلى النيجر، وهو يرتبط بعلاقة إنسانية جيدة مع الرئيس محمد بازوم الذي هو من إقليم ديفا».

أيضاً تجمع البلدين الجارين عدة أطر إقليمية، مثل «مجموعة دول الخمس في الساحل»، و«التحالف العسكري الإقليمي لمحاربة بوكو حرام» الذي يضم معهما نيجيريا والكاميرون. ووفق كلام الزوي، فإن «تشاد تحاول أن تستعيد مكانتها ودورها في المنطقة، بعد سنواتٍ من الانكفاء على النفس، ولا شك أن محمد إدريس ديبي يسعى إلى لعب دور محوري في هذه الأزمة، وتقديم نفسه كلاعب كبير في أزمات المنطقة، على غرار ما كان يفعلُ والده». ويضيف الزوي أن «الوساطة التشادية تبقى في النهاية مبادرة شجاعة، وتُحسب للجنرال ديبي، لكن الوضع لا يزالُ غير واضح المعالم، ومن غير الممكن التكهن بنتائجها، لكن الأكيد أنها تحظى بدعم من مجموعة (إيكواس) وفرنسا».

في أي حال، تشاد تحاولُ جاهدة أن تطفئ حريق النيجر؛ كي لا تجد نفسها محاصرة بالنيران، في ظل الحرب المستعرة في دولة السودان، جارتها الشرقية. وفي مقابل موقف تشاد الساعي للوساطة والتهدئة، يبرزُ موقف نيجيريا الحازم تجاه الانقلاب العسكري في النيجر. وهذا موقف له تأثيره الكبير على سير الأمور؛ لأن نيجيريا هي الدولة الأكبر والأهم في غرب أفريقيا، وصاحبة القرار المؤثر في مجموعة «إيكواس»، وهي ترى أن أي انزلاق في النيجر يشكل تهديداً جدياً لأمنها القومي، بسبب التداخل العرقي والاجتماعي والثقافي بين البلدين.

الحل العسكري

هنا، من الواضح أن رئيس نيجيريا الجديد بولا تينوبو، يدفعُ نحو تدخل عسكري تقوم به «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس)، وهي المنظمة الإقليمية التي تضم 15 بلداً من ضمنها النيجر، وقعت كلها على ميثاق يرفض الانقلابات ويسمح بعقوبات ضد مرتكبيها، قد تصل إلى التدخل العسكري.

وفيما يبدو أن الخيار العسكري سيكون «الحل الأخير» - إلا أنه يبقى مطروحاً - يعرب عبد الصمد امبارك عن اعتقاده بأن هذا الخيار «غير ممكن لبضعة أسباب منها: أولاً فقدان القدرة الميدانية على القيام به. وثانياً الموقف الموحّد الذي أعلن عنه التحالف القائم بين بوركينا فاسو ومالي (ومعهما غينيا) في مواجهة أي تدخل عسكري محتمل في النيجر. وثالثاً لأن التدخل العسكري من شأنه أن يُعقد الأمور ويدفع بها في اتجاه المجهول، وبالتالي، حدوث ما لا تُحمَد عقباه في منطقة الساحل عموماً».

وهنا يعود إلى أذهان صنّاع القرار في المنطقة، تدخل حلف شمال الأطلسي «ناتو» في ليبيا عام 2011، الذي عارضته مجموعة دول الساحل بحجة خطره على الأمن في المنطقة، ولكن لا أحد سمع صوتها آنذاك. هذه الدول لن تكون مستعدة لتكرار الخطأ نفسه، وفي هذا السياق يشير امبارك إلى أن الوضع بات أكثر تعقيداً في ظل ما قال إنه «صراع دولي على النفوذ في المنطقة... من جهة محاور باريس وواشنطن وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومحوَر روسيا الصاعد بقوة من جهة أخرى، خاصة بعد انتشار قوات (فاغنر) الخاصة الروسية (في جل بلدان الساحل الأفريقي)». ويضيف رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية» أن «هذه الأوضاع من شأنها تعقيد حسابات الخروج من الأزمة الدستورية في النيجر».

ولكن الزوي، في رأي مخالف، يعتقد أن الحل العسكري «غير مستبعد». ويشير في هذا السياق إلى أن «الوضع الإقليمي والدولي الملتهب يجعلُ الحل العسكري مسألة متوقعة جداً، ولو أنه يبقى الخيار الأخير». ويضيف: «كل المؤشرات تقول إنه في حالة رفض القادة العسكريين التراجع عما قاموا به، فلا مفر من الحل العسكري».

هل هي حقاً «صفعة» لنفوذ فرنسا الإقليمي؟

*لا يشك مراقبون للوضع الإقليمي أن فرنسا خسرت كثيراً من قوتها في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، لكنها رغم ذلك لطالما اعتبرت النيجر آخر معاقل ومراكز القوة الفرنسية، بسبب تمركز أكثر من 1500 جندي فرنسي فيها.

غير أنه، بعد الانقلاب الأخير، يرى هؤلاء أن الأمور تتجه نحو توجيه «صفعة» جديدة للنفوذ الفرنسي، خاصة في ظل التقارب الواضح بين الانقلابيين في النيجر وأقرانهم في مالي وبوركينا فاسو.

هنا يقول ياسين عبد القادر الزوي إن «الوجود العسكري الفرنسي في النيجر مهم جداً، وله رمزية معنوية لدى باريس. وبالتالي، فإن نجاح الانقلاب سيضعه أمام مخاطر كبيرة، رغم تطمينات قادة الانقلاب، وذلك أمر تدركه فرنسا... التي لن ترضى بأقل من عودة الرئيس المنتخب إلى منصبه، مع تقديم تنازلات سياسية محدودة».

ويضيف الباحث في الشأن الأفريقي أن الرسائل الداعمة للانقلاب التي جاءت من مالي وبوركينا فاسو لها دلالتها؛ إذ إنها «تنطلق من خلافات كانت قائمة مع السلطات السابقة في النيجر، التي ظلت تعارض الانقلاب في البلدين. وعليه، يشكل انقلاب النيجر فرصة أمام كل من مالي وبوركينا فاسو لـ(جرّ) النيجر نحو معسكرهما المناهض لفرنسا والموالي لروسيا».

في المقابل، الموقف الروسي من انقلاب النيجر، وإن كان رافضاً للانقلاب، فهو لم يكن بنفس مستوى الحدة التي جاءت بها مواقف المجموعة الدولية، بل إن رئيس «فاغنر» عبّر عن استعداده لدعم قادة النيجر الجدد.

أكثر من هذا، فإن النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، ظهر في اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوع، وهو يتحدث عن ضرورة دعم الجيش في النيجر. وقال أيضاً إن ثمة اتهامات توجه إلى مالي وبوركينا فاسو بالتورط في انقلاب النيجر، الأمر ينطوي على اتهام مبطن لروسيا بالتورط في الانقلاب بطريقة غير مباشرة، ومع أنه لم ينف ذلك ولم يؤكده، فإن تراوري اعتبر أنه «يفرض اتخاذ موقف تجاه ما يجري».


مقالات ذات صلة

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أفريقيا صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا المواطن الأميركي بنجامين ريوبين زالمان بولن خلال محاكمته في قضية «محاولة الانقلاب» بالكونغو (إ.ب.أ)

حكم بإعدام 37 شخصاً بينهم 3 أميركيين في «محاولة الانقلاب» بالكونغو الديمقراطية

أصدرت محكمة عسكرية بكينشاسا حكماً بإعدام 37 متهماً، بينهم 3 أميركيين، في قضية «محاولة الانقلاب» التي شهدتها جمهورية الكونغو الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
آسيا الشيخة حسينة (رويترز)

بنغلاديش تلغي حظراً مفروضاً على حزب إسلامي بعد رحيل الشيخة حسينة

ألغت الحكومة المؤقتة في بنغلاديش حظراً على أكبر حزب إسلامي في البلاد، وهو حزب الجماعة الإسلامية، ملغية بذلك قراراً اتخذه نظام رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة

«الشرق الأوسط» (دكا)
آسيا متظاهرون يحتفلون بالقرب من صورة مشوهة لرئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة بعد أنباء استقالتها في دكا يوم 5 أغسطس 2024 (أسوشييتد برس)

قضاء بنغلاديش يفتح تحقيقاً بتهمة القتل في حق الشيخة حسينة

فتحت محكمة في بنغلاديش تحقيقاً في جريمة قتل، يطول رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة و6 شخصيات بارزة في إدارتها، على خلفية قتل الشرطة رجلاً خلال الاضطرابات.

«الشرق الأوسط» (دكا)
أوروبا أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة القتالية والمعدات الطبية في كييف (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحبط مخططاً لانقلاب مزعوم

أعلنت السلطات الأوكرانية عن إحباط مخطط لانقلاب مزعوم كان يستهدف الاستيلاء على السلطة في العاصمة كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف)

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر
TT

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر

عادّاً قرار عودته إلى الحكومة الإسرائيلية «عملاً وطنياً صحيحاً» يأتي في «أوقات صعبة مليئة بالتحديات»، تحالف النائب الليكودي جدعون ساعر من جديد مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وانضم لنصرته في «مجلس الحرب» وزيراً بلا حقيبة، وسط تكهّنات بأن المعارض اليميني «المتشدد» الذي يلقبه زملاؤه بـ«جيدي» قد يخلف وزير الدفاع يوآف غالانت، حال استقالته من منصبه. ساعر، الذي كان قد استقال من حكومة نتنياهو قبل بضعة أشهر اعتراضاً على استبعاده من «مجلس الحرب»، قال يومذاك جملته الشهيرة «لم نأت لتدفئة الكراسي». إلا أنه تراجع عن موقفه وعاد اليوم إلى الحكومة، مبرراً ذلك خلال مؤتمر صحافي لإعلان المصالحة مع حليفه وغريمه نتنياهو، بأنه «ليس من المفيد البقاء في المعارضة، بل واجبي في الوقت الحالي أن أحاول المساهمة على الطاولة حيث تُتخذ القرارات».

أثارت عودة جدعون ساعر إلى الحكومة الإسرائيلية جدلاً واسعاً، وشكلت تناقضاً سافراً لمواقف سبق أن أعلنها في خضم خلافه المحتدم مع نتنياهو ضمن كتلة «الليكود» النيابية. وهو الأمر الذي لم ينكره ساعر، إذ قال: «أمضينا أنا وبيبي (نتنياهو) سنوات من الشراكة الجيدة والوثيقة جداً، وكانت هناك أيضاً سنوات من الخلافات الشخصية والسياسية، لكن منذ صباح 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم يعد لهذا الخلاف أهمية»، وهذا ما أقرّ به أيضاً نتنياهو عندما ردّ: «وضعنا ضغائن الماضي خلفنا».

نشأة في «كيبوتز»

ولد جدعون ساعر في تل أبيب يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) 1966. وهو الابن الأكبر لأم من يهود بُخارى (في أوزبكستان) تعمل في التدريس، وأب طبيب جاء إلى إسرائيل من الأرجنتين. ولقد نشأ جدعون في مستوطنة تعاونية (كيبوتز)، واعتاد أن يرافق والده في زيارات إلى بيت ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إذ كان أبوه الطبيب الخاص لبن غوريون.

بدأت ميول جدعون ساعر السياسية في وقت مبكر، وإبان مرحلة تعليمه الثانوي انضم إلى حركة «هتحيا»، وترأس فرع الشباب فيها، وهي الحركة التي تحوّلت فيما بعد إلى حزب سياسي يميني متطرّف بين عامي 1979 و1992، أسّسه إسرائيليون يمينيون معارضون لاتفاقية «كامب ديفيد»، وظل قيادياً ناشطاً في ذلك الحزب إلى أن التحق فيما بعد بصفوف حزب «الليكود» (التكتل) اليميني. أما في مرحلة الدراسة الجامعية، فقد حاز ساعر درجة بكالوريوس في العلوم السياسية وبكالوريوس في الحقوق من جامعة تل أبيب. وبما يتصل بخدمته العسكرية، فإنه خدم في الجيش الإسرائيلي جندي مشاة في وحدة «غولاني»، وبعد إصابته أكمل خدمته ضابط استخبارات.

محام وصحافي

عمل ساعر في مهن عدة، وتدرّج في عدة مناصب. ولقد بدأ حياته العملية في المجال الحقوقي مساعد نائب عام، ثم عمل محامياً في النيابة العامة لمنطقة تل أبيب. وفي عام 1999، عندما كان في الثانية والثلاثين من عمره عيّن أميناً لمجلس الوزراء في حكومة نتنياهو الأولى، وهو المنصب الذي شغله أيضاً في حكومة أريئيل شارون الأولى. أيضاً سبق لساعر أن عمل صحافياً في وسيلتين إعلاميتين يساريتين. وإبان «الانتفاضة الفلسطينية الثانية»، شغل أيضاً منصب سكرتير مجلس الوزراء، وترأس وفد إسرائيل إلى الأمم المتحدة مركزاً على منع تشكيل لجنة تحقيق دولية في معركة جنين ضمن «عملية الدرع الواقي» التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية من أجل القضاء على «الانتفاضة». وكان ممثلاً للحكومة في الكنيست؛ حيث روّج لتشريعات عدة متعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية الحساسة. وفي عام 2002 انتخب عضواً في الكنيست للمرة الأولى، وكان رئيساً لكتلة «الليكود» البرلمانية ورئيساً للائتلاف اليميني. هذا، وبرز ساعر في «الليكود» خلال فترة توليه السلطة، وقاده أيضاً في زمن المعارضة بعد خسارة الحزب انتخابات عام 2005. وكان من الشخصيات الرئيسية والمؤثرة في إعادة تأهيل «الليكود» للفوز في انتخابات 2009. وحقاً، في ذلك العام عيّن وزيراً للتربية والتعليم، كما صار عضواً في «مجلس الوزراء الأمني». ثم في عام 2013 عيّن وزيراً للداخلية.

استراحة أسرية

عام 2014، بعد زواجه من الإعلامية اليسارية غيئولا إيبن، قرّر ساعر أخذ استراحة من العمل السياسي وتكريس وقته لرعاية أطفاله من زواجه الأول وأطفال زوجته الجديدة، دانييلا وألونا وديفيد وشيرا. وخلال هذه الفترة، تعمّق في متابعة قضايا الأمن القومي الإسرائيلي، وصار زميلاً في «المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي»، كما عمل محاضراً في قضايا الحكومة والإصلاح في كلية «أونو الأكاديمية»، ومستشاراً خاصاً لإحدى شركات المحاماة.

وبالفعل، عاش ساعر مع أسرته، إبان هذه الفترة، في شقة بتل أبيب «مليئة بألعاب الأطفال الملوّنة والمراهقين الصاخبين»، وفق وصف صحيفة «الواشنطن بوست» في حوار أجرته معه عام 2017، كذلك نقلت الصحيفة عنه قوله إنه «يريد التركيز على عائلته ونفسه، على الأقل لفترة من الوقت، تاركاً الباب مفتوحاً لعودته للسياسة يوماً ما». وأردف: «عندما استقلت من الحكومة والكنيست في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 كان من الواضح أنني سأعود... وكان السؤال الوحيد هو متى». ثم تابع في حواره مع الصحيفة الأميركية: «لست في عجلة من أمري لكي أصبح رئيساً للوزراء، لكنني قلت بوضوح عند عودتي إنني أعتزم قيادة الحزب والبلاد في المستقبل». وبالضبط، بعد نحو خمس سنوات، قرر ساعر العودة للسياسة وانتخب على قائمة «الليكود» في الكنيست.

مواقف «متشددة»

يُعرف ساعر بمواقفه اليمينية الحادة والمعارضة، فهو رفض خطة الانسحاب من قطاع غزة، وتنازل عن منصبه في رئاسة كتلة الائتلاف في الكنيست أيام أريئيل شارون، إثر تنفيذ خطة «فك الارتباط». وأيضاً من آرائه ومواقفه المتشددة، معارضته الشديدة «حل الدولتين». وفي هذا الشأن قال في حوار مع «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» – القريب جداً من إسرائيل – عام 2021 إنه «يدعم أقصى قدر من الحكم الذاتي للفلسطينيين ليحكموا حياتهم، مع الحدّ الأدنى من القدرة على إلحاق الضرّر بأمن دولة إسرائيل». وتكلّم عن «الحاجة لعنصر إقليميّ، مع دمج الدولتَين المجاورتَين، الأردن ومصر، في الحلول نفسها»، عبر ما وصفه باتفاقيات «ثلاثية الأطراف في بعض القضايا؛ بشأن السياحة والاقتصاد والبيئة وقضايا أخرى».

وبالنسبة للاستيطان، يدعم ساعر بناء المستوطنات في الضفة الغربية مع ضم أجزاء من الضفة الغربية. وسبق أن أوضح خلال لقاء مع صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عام 2018 أن «إقامة دولة فلسطينية على بعد أميال قليلة من مطار بن غوريون والمراكز السكانية الرئيسية في إسرائيل من شأنها أن تخلق خطراً أمنياً وديموغرافياً على إسرائيل».

وحيال «حرب غزة»، حثّ ساعر حكومته على «اتخاذ إجراء عسكري أكثر قوة في غزة»، وهو ما من شأنه حسب رأيه «تقصير فترة الحرب». وعدّ في مقال نشره موقع «بوليتيكو» في نوفمبر 2023 أن «الصراع بين حماس وإسرائيل حرب للغرب أيضاً... ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، أصبح الإسلام الراديكالي منافساً آيديولوجياً للغرب الديمقراطي». وأضاف أن «الصبر والتسامح تجاه الآيديولوجية المتطرّفة التي لا تعترف بشرعية أسلوب حياتكم (أي الغرب) هما أكبر عدوّ للسلام والتعايش».

حليف نتنياهو وغريمه

في الواقع، يحمل جدعون ساعر سمات شخصية مزدوجة، وقد وصفته صحيفة «هآرتس» عام 2020 بأنه في آن معاً «علماني رائع من تل أبيب... وقومي مؤيد للمستوطنين».

ولعل تناقضات شخصية ساعر المثيرة للجدل تظهر بوضوح في علاقته بـ«بيبي» نتنياهو، الذي ظل لسنوات طويلة داعماً له بصفته عضواً في «الليكود»، أو سكرتيراً لرئيس الوزراء ووزيراً في حكومات نتنياهو المختلفة. لكن هذا التحالف سرعان ما انفضّ كاشفاً عن «ضغينة شديدة» يكنّها ساعر ضد رئيسه السابق، إذ انفصل عن «الليكود» وشكّل حزباً جديداً لمنافسة حليفه السابق في الانتخابات، ما «يضع العقل السياسي الماكر ضد معلمه السابق في معركة شخصية عميقة غارقة في مظالم الماضي»، بحسب تقرير لوكالة «الأسوشييتد برس» عام 2021. والحقيقة أن الخلاف مع نتنياهو مر بمراحل عدة، كانت الأولى عندما خاض الانتخابات التمهيدية لقيادة «الليكود» ضده عام 2019، لكنه لم يستطع يومذاك الحصول على زعامة الحزب، فقرر عام 2020 الاستقالة من الكنيست والحزب، وتأسيس حزب «تكفا هداشا» (الأمل الجديد)، الذي خاض انتخابات 2021 وحصل على 6 مقاعد في الكنيست، ومن ثمّ، لعب دوراً في تشكيل «حكومة وحدة» بديلة لإسرائيل، ليشغل في البداية منصب نائب رئيس الوزراء ووزير العدل.

وللعلم، وصف ساعر دائماً بأنه «قومي متشدد» وكان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه «وريث لقيادة حزب الليكود»، لكنه بعد تحديه الفاشل لنتنياهو في سباق الزعامة، ومن ثم حرمانه من أي منصب حكومي عقاباً له، انفصل عن الحزب وأعلن أن «هدفه هو الإطاحة بنتنياهو لتحويله حزب الليكود أداةً للبقاء الشخصي».

ولكن، في أكتوبر الماضي، وافق ساعر على طلب نتنياهو تشكيل «حكومة موسّعة»، بيد أنه سرعان ما ترك الحكومة في مارس (آذار) الماضي، بعد رفض «بيبي» السماح له بالانضمام إلى «حكومة الحرب»، وقال حينذاك إنه لن يستطيع «تحمّل المسؤولية طالما أنه ليس لدي أي تأثير، فنحن لم نأت إلى الحكومة لتدفئة الكراسي».

مع هذا، عاد ساعر مرة أخرى ليتراجع، وأعلن في29 سبتمبر (أيلول) الماضي عودته إلى الحكومة الإسرائيلية، فيما عُدّ «نُصرة» لنتنياهو تتيح له توسيع غالبيته مع دعم أربعة نواب إضافيين.