النيجر... انقلاب نحو الجحيم

هل يخسرُ الغربُ آخر معارك النفوذ في الساحل الأفريقي؟

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
TT

النيجر... انقلاب نحو الجحيم

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)

قبلَ أسبوعين وقف محمد بازوم، بصفته رئيساً للنيجر، وسط حشود كبيرة كانت تستقبله في إقليم طاوة، بوسط البلاد، وألقى خطاباً لم تكن تنقصه الكاريزما ولا قوة الشخصية، فالرجلُ خريج فلسفة وبدأ مساره السياسي من العمل النقابي، قبل أن يتدرجَ في المناصب السامية، وصولاً إلى رئاسة البلاد قبل سنتين. تكلّم بازوم، وهو السياسي المدني المتحدر من الأقلية العربية في النيجر، بصراحة غير معهودة عن المؤسسة العسكرية. وقال إن على الجنرالات أن يخرجوا من مكاتبهم المكيّفة، ليقفوا في الصفوف الأمامية مع الجنود في مواجهة التحديات الأمنية التي تهدّد البلاد، وخاصة خطر الإرهاب. ولكن، بعد أسبوعٍ احتجز جنرال غاضب الرئيس بازوم داخل القصر الرئاسي، وأعلن قلب نظام الحكم، ليدخل البلد الأفريقي الفقير في نفقٍ مظلم، سبقته إليه مالي وبوركينا فاسو المجاورتان. بيد أن الوضعَ في النيجر سيكون مختلفاً، ذلك أن هذا البلد يعد أحد آخر معاقل قوى الغرب في منطقة الصحراء الكبرى، ومن المرجّح أن تدور فيه «المعركة الأخيرة» في حرب النفوذ المستعرة - من دون إعلان - في أفريقيا ما بين الغرب وروسيا.

الانقلابات العسكرية ليست أمراً غريباً

على غرار غالبية بلدان غرب أفريقيا، الانقلابات العسكرية ليست أمراً غريباً في النيجر؛ إذ يكادُ لا يمر عقد من دون وقوع انقلاب أو اثنين، أو على الأقل محاولات تفشل في اللحظات الأخيرة. ويكفي أن نعرف أنه منذ انتخاب محمد بازوم رئيساً للنيجر عام 2021، وقعت محاولة انقلابية جدية قبل يومين من تنصيبه، ومحاولة أخرى جرى التعتيم عليها العام الماضي.

هذا ما يدفع إلى القول إن الانقلابات غدت جزءاً من تناقضات الديمقراطية الأفريقية، فحين تفشلُ يُعد ذلك دليلاً على صلابة التجربة الديمقراطية ونضجها، وحين تنجح تُصنَّف على أنها تصحيح للمسار الديمقراطي وتعزيز له... أي أنها في النهاية دوماً تُقدم على أنها جزء من العملية الديمقراطية، على الرغم مما يُقال عنها خلال لحظات الشك في أيام التأرجح ما بين الفشل والنجاح.

في هذا السياق، يقول عبد الصمد امبارك، رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية» في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن الانقلاب الذي وقع في النيجر «يدخل في مسلسل الانقلابات التي دأبت عليها القارة السمراء منذ حقبة ما بعد الاستقلال».

أما فيما يتعلقُ برؤية الانقلاب من السياق الداخلي للنيجر، فيعتقدُ امبارك أنه «من الطبيعي أن يكونَ إجهاضاً للشرعية الدستورية، وإجهاضاً لشرعية الحكم في النيجر، سيما وأنه عندما خرجت النيجر من انتخابات عام 2021 الرئاسية شكل ذلك نموذجاً للتناوب السلمي على السلطة، وكان يعتبر مصدر فخرٍ في غرب أفريقيا. لكن اليوم تنقلب الصورة في مسعى عسكري قديم متجدّد، هدفه الاستيلاء على السلطة إثر خلاف بين أقطاب المعادلة السياسية».

انعدام النضج والتخطيط

قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني (رويترز)

من جانبه، يذهب ياسين عبد القادر الزوي، وهو باحث في الشؤون الأفريقية، خلال حديث مع «الشرق الأوسط» إلى الغوص أكثر في أسباب الانقلاب، مشيراً إلى أن الأمور لم تكن بذلك «النضج والتخطيط». ثم يوضح فيقول: «إن المتابع لبداية الأحداث سيدركُ أنه لم يكن هناك تخطيط للانقلاب، بل بدا الأمر وكأنه نوع من الضغط على الرئيس كي يتراجع عن بعض القرارات».

وأردف الباحث في الشأن الأفريقي أن المعلومات المتداولة تشير إلى أن بازوم «كان ينوي إجراء تغييرات ستصدر عن اجتماع لمجلس وزراء سيُعقد الخميس، لكن الانقلاب وقع الأربعاء... وكان ضمن هذه التغييرات إقالة قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني»، وهو الرجلُ الذي قاد الانقلاب، ويحاول جاهداً تثبيت أركان حكمه رغم كل الضغوط.

ومن ثم، يذكّر الزوي بمضمون كلام الرئيس بازوم في إقليم طاوة، حين قال صراحة إن «القادة العسكريين لا يجوز أن يبقوا في المكاتب وتحت المكيفات، وإنما مكانهم الحقيقي هو في صدارة الجنود، وفي الصفوف الأمامية لمواجهة التحديات الأمنية». وكان ذلك إشارة ضمنية إلى الجنرال الموجود في قيادة الحرس الرئاسي منذ قرابة 10 سنوات.

الرئيس الرهينة

حقاً، لطالما كانت الانقلابات العسكرية في النيجر، وفي غرب أفريقيا عموماً، تقوم على مخطط ونموذج ثابت لا يكاد يخرج عنه أي انقلاب؛ إذ تقف وراء الانقلاب مجموعة من الضباط في مختلف التشكيلات العسكرية، ولديهم جناح مدني صلب، وربما جهة خارجية توفر لهم الدعم الدبلوماسي المطلوب.

ولكن خلال السنوات الأخيرة ظهر نموذج جديد من الانقلابات العسكرية. هذا النموذج بدأ في مالي عام 2020، وتكرّر في بوركينا فاسو ثم في غينيا، وها هو يحدث في النيجر، بالتفاصيل نفسها حتى لكأن الجهة التي خططت له هي نفسها.

ويعتمدُ هذا النموذج المُـبسَّط جداً على أخذ الرئيس «رهينة»، وإرغامه على تقديم استقالته، ورفض الاستجابة لأي ضغوط إقليمية أو دولية، في استغلال واضح للوضع الدولي المضطرب، معززاً باستغلالٍ لحالة الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، وربط كل تلك الأزمات بشخص الرئيس وسياساته «الفاشلة».

وهكذا تصبحُ استقالة الرئيس هي المخرج «الدستوري» الوحيد الذي يراهن عليه الانقلابيون، وسبيلهم الوحيد نحو فرض الأمر الواقع. هذا بالضبط ما حدث في دولة مالي قبل ثلاث سنوات، حين نجح الانقلابيون في إرغام الرئيس الراحل إبراهيم بابكر كيتا على تقديم استقالته في بث عبر التلفزيون، واعتبر ذلك إذلالاً لواحد من أعتى السياسيين في غرب أفريقيا، وضربة موجعة للديمقراطية.

ولكن مراقبي الوضع في النيجر، يتساءلون عمّا إذا كان النقابي العتيد محمد بازوم سيرضخ لرغبات الانقلابيين، ويقدم استقالته ليقطع بذلك الطريق على كل التحركات الإقليمية والدولية لإعادته إلى كرسي الحكم أم لا.

هُنا يقول ياسين عبد القادر الزوي، الذي يدّعي معرفة شخصية بالرئيس بازوم: «حسب معرفتي به، فهو شخصية صلبة وشجاعة وعنيدة وعصامية، ما يعني أن مسألة تقديم الاستقالة والتنازل مستبعدة جداً. وفي تقديري أن أكبر تنازل يمكن أن يقدّمه هو أن يتفاوض معهم على حلٍّ يناسب الجميع، كأن يمنحهم مناصب دبلوماسية مع إبعادهم عن المواقع العسكرية الحسّاسة».

تداعيات الانقلاب

في المقابل، على الرغم من أن الزوي يبدو جازماً إزاء صمود بازوم، ما قد يساهم في فشل الانقلاب العسكري، فإن التجربة في أفريقيا - وحتى في النيجر ذاتها - تثبتُ أن أي محاولة انقلابية وصلت إلى هذه المرحلة، من الصعب أن تعود الأمور بعدها إلى ما كانت عليه. والسبب أن قادة الانقلاب، وإن كانوا ليسوا بالقوة الكافية للمضي قُدما، فإن الرئيس بدوره يكون قد فقد قوة الاستمرار في الحكم، وبالتالي قد يبرزُ طرف ثالث يُخرِج الطرفين من المعادلة.

وهُنا يقول الباحث في الشأن الأفريقي إن الانقلاب حتى وإن فشل «ستكون له تأثيرات كبيرة على المشهد السياسي في النيجر، خاصة على مستوى الحزب الحاكم... فبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور، لا شك، ستتغير المواقع في الخارطة السياسية، وخاصة وضع الرئيس السابق محمدو يوسفو، الذي كان موقفه غير واضح من الانقلاب خلال الأيام الأولى، وهو الذي كان في السنوات الأخيرة صاحب الكلمة الأولى في الحزب الحاكم».

أما عبد الصمد امبارك، رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية»، فيقولُ إن الانقلاب بغض النظر عن نتيجته «يضع النيجر أمام مرحلة استثنائية من المفروض أنها قد تتطلب بعض الوقت... ولكن تداعياتها وخيمة على الأمن والتنمية في هذا البلد الذي يعاني أصلاً مضاعفات مؤثرة على الاستقرار، نتيجة تنامي مخاطر الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية، زيادة على تراجع معدلات التنمية مع انتشار الفقر والجهل والتخلف».

ويضعُ امبارك هذا الانقلاب في سياق ما قال إنه «دوامة اللا استقرار السياسي، التي شملت كلاً من مالي وبوركينا فاسو وتشاد، ما يولّد حلقة جديدة من التداعيات في شبه المنطقة قد تمتد نحو نطاق أوسع، وتنتشر العدوى إثر اشتعال النار في هذه البلدان الهشّة والمعروفة بضعف الولاء للدولة المركزية. وهذا، ناهيك عن هشاشة نظام الحكم في هذه الدول، وهو حكم حديث العهد بالتعددية السياسية وبالديمقراطية».

إطفاء الحريق

الرئيس محمد بازوم (أ.ف.ب)

من جانب آخر، تعدّدت محاولة إطفاء حريق النيجر، وفي حين جاء الموقف الغربي صارماً ضد الانقلاب، ذهبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إلى فرض عقوبات مع التلويح بخيار التدخل العسكري ضد الانقلابيين، وهو ما دفع مالي وبوركينا فاسو وغينيا إلى اعتبار أي تدخل عسكري في النيجر اعتداءً وإعلان حرب عليها.

ووسط كل هذه الجلبة، برز موقف مختلف تبنّته تشاد المجاورة للنيجر، حين هرع رئيسها الجنرال الشاب محمد إدريس ديبي إلى عاصمة النيجر نيامي، والتقى بأطراف الأزمة بمن فيهم الرئيس المحتجز بازوم وقادة الانقلاب، فيما بدا أنه مبادرة للوساطة من أجل حلحلة الوضع والخروج بحل سلمي.

وفعلاً، ثمة مبررات كثيرة لتحرك تشاد دون غيرها، فهي ليست عضواً في مجموعة «إيكواس»، وبالتالي فهي غير ملزمة بالعقوبات المفروضة على النيجر، بل هي أقرب لموقف الحياد بين كل الأطراف. ثم إن شريطاً حدودياً طويلاً يربطها بالنيجر، وهو من أخطر المناطق، حيث تنشط جماعات مسلحة وشبكات تهريب.

وهنا يقول ياسين عبد القادر الزوي إنه بالإضافة إلى ما سبق «لدى تشاد وجود عسكري كبير في النيجر، وخصوصاً في إقليم ديفا المحاذي للأراضي التشادية، في إطار تعاون مهم جداً قائم منذ سنواتٍ بين البلدين لمكافحة الإرهاب ومحاربة الجماعات المسلحة. وأول زيارة خارجية للرئيس محمد إدريس ديبي عقب توليه السلطة مكان والده الراحل إدريس ديبي، كانت إلى النيجر، وهو يرتبط بعلاقة إنسانية جيدة مع الرئيس محمد بازوم الذي هو من إقليم ديفا».

أيضاً تجمع البلدين الجارين عدة أطر إقليمية، مثل «مجموعة دول الخمس في الساحل»، و«التحالف العسكري الإقليمي لمحاربة بوكو حرام» الذي يضم معهما نيجيريا والكاميرون. ووفق كلام الزوي، فإن «تشاد تحاول أن تستعيد مكانتها ودورها في المنطقة، بعد سنواتٍ من الانكفاء على النفس، ولا شك أن محمد إدريس ديبي يسعى إلى لعب دور محوري في هذه الأزمة، وتقديم نفسه كلاعب كبير في أزمات المنطقة، على غرار ما كان يفعلُ والده». ويضيف الزوي أن «الوساطة التشادية تبقى في النهاية مبادرة شجاعة، وتُحسب للجنرال ديبي، لكن الوضع لا يزالُ غير واضح المعالم، ومن غير الممكن التكهن بنتائجها، لكن الأكيد أنها تحظى بدعم من مجموعة (إيكواس) وفرنسا».

في أي حال، تشاد تحاولُ جاهدة أن تطفئ حريق النيجر؛ كي لا تجد نفسها محاصرة بالنيران، في ظل الحرب المستعرة في دولة السودان، جارتها الشرقية. وفي مقابل موقف تشاد الساعي للوساطة والتهدئة، يبرزُ موقف نيجيريا الحازم تجاه الانقلاب العسكري في النيجر. وهذا موقف له تأثيره الكبير على سير الأمور؛ لأن نيجيريا هي الدولة الأكبر والأهم في غرب أفريقيا، وصاحبة القرار المؤثر في مجموعة «إيكواس»، وهي ترى أن أي انزلاق في النيجر يشكل تهديداً جدياً لأمنها القومي، بسبب التداخل العرقي والاجتماعي والثقافي بين البلدين.

الحل العسكري

هنا، من الواضح أن رئيس نيجيريا الجديد بولا تينوبو، يدفعُ نحو تدخل عسكري تقوم به «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس)، وهي المنظمة الإقليمية التي تضم 15 بلداً من ضمنها النيجر، وقعت كلها على ميثاق يرفض الانقلابات ويسمح بعقوبات ضد مرتكبيها، قد تصل إلى التدخل العسكري.

وفيما يبدو أن الخيار العسكري سيكون «الحل الأخير» - إلا أنه يبقى مطروحاً - يعرب عبد الصمد امبارك عن اعتقاده بأن هذا الخيار «غير ممكن لبضعة أسباب منها: أولاً فقدان القدرة الميدانية على القيام به. وثانياً الموقف الموحّد الذي أعلن عنه التحالف القائم بين بوركينا فاسو ومالي (ومعهما غينيا) في مواجهة أي تدخل عسكري محتمل في النيجر. وثالثاً لأن التدخل العسكري من شأنه أن يُعقد الأمور ويدفع بها في اتجاه المجهول، وبالتالي، حدوث ما لا تُحمَد عقباه في منطقة الساحل عموماً».

وهنا يعود إلى أذهان صنّاع القرار في المنطقة، تدخل حلف شمال الأطلسي «ناتو» في ليبيا عام 2011، الذي عارضته مجموعة دول الساحل بحجة خطره على الأمن في المنطقة، ولكن لا أحد سمع صوتها آنذاك. هذه الدول لن تكون مستعدة لتكرار الخطأ نفسه، وفي هذا السياق يشير امبارك إلى أن الوضع بات أكثر تعقيداً في ظل ما قال إنه «صراع دولي على النفوذ في المنطقة... من جهة محاور باريس وواشنطن وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومحوَر روسيا الصاعد بقوة من جهة أخرى، خاصة بعد انتشار قوات (فاغنر) الخاصة الروسية (في جل بلدان الساحل الأفريقي)». ويضيف رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية» أن «هذه الأوضاع من شأنها تعقيد حسابات الخروج من الأزمة الدستورية في النيجر».

ولكن الزوي، في رأي مخالف، يعتقد أن الحل العسكري «غير مستبعد». ويشير في هذا السياق إلى أن «الوضع الإقليمي والدولي الملتهب يجعلُ الحل العسكري مسألة متوقعة جداً، ولو أنه يبقى الخيار الأخير». ويضيف: «كل المؤشرات تقول إنه في حالة رفض القادة العسكريين التراجع عما قاموا به، فلا مفر من الحل العسكري».

هل هي حقاً «صفعة» لنفوذ فرنسا الإقليمي؟

*لا يشك مراقبون للوضع الإقليمي أن فرنسا خسرت كثيراً من قوتها في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، لكنها رغم ذلك لطالما اعتبرت النيجر آخر معاقل ومراكز القوة الفرنسية، بسبب تمركز أكثر من 1500 جندي فرنسي فيها.

غير أنه، بعد الانقلاب الأخير، يرى هؤلاء أن الأمور تتجه نحو توجيه «صفعة» جديدة للنفوذ الفرنسي، خاصة في ظل التقارب الواضح بين الانقلابيين في النيجر وأقرانهم في مالي وبوركينا فاسو.

هنا يقول ياسين عبد القادر الزوي إن «الوجود العسكري الفرنسي في النيجر مهم جداً، وله رمزية معنوية لدى باريس. وبالتالي، فإن نجاح الانقلاب سيضعه أمام مخاطر كبيرة، رغم تطمينات قادة الانقلاب، وذلك أمر تدركه فرنسا... التي لن ترضى بأقل من عودة الرئيس المنتخب إلى منصبه، مع تقديم تنازلات سياسية محدودة».

ويضيف الباحث في الشأن الأفريقي أن الرسائل الداعمة للانقلاب التي جاءت من مالي وبوركينا فاسو لها دلالتها؛ إذ إنها «تنطلق من خلافات كانت قائمة مع السلطات السابقة في النيجر، التي ظلت تعارض الانقلاب في البلدين. وعليه، يشكل انقلاب النيجر فرصة أمام كل من مالي وبوركينا فاسو لـ(جرّ) النيجر نحو معسكرهما المناهض لفرنسا والموالي لروسيا».

في المقابل، الموقف الروسي من انقلاب النيجر، وإن كان رافضاً للانقلاب، فهو لم يكن بنفس مستوى الحدة التي جاءت بها مواقف المجموعة الدولية، بل إن رئيس «فاغنر» عبّر عن استعداده لدعم قادة النيجر الجدد.

أكثر من هذا، فإن النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، ظهر في اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوع، وهو يتحدث عن ضرورة دعم الجيش في النيجر. وقال أيضاً إن ثمة اتهامات توجه إلى مالي وبوركينا فاسو بالتورط في انقلاب النيجر، الأمر ينطوي على اتهام مبطن لروسيا بالتورط في الانقلاب بطريقة غير مباشرة، ومع أنه لم ينف ذلك ولم يؤكده، فإن تراوري اعتبر أنه «يفرض اتخاذ موقف تجاه ما يجري».


مقالات ذات صلة

الشرطة البرازيلية: بولسونارو شارك في محاولة انقلاب 2022

أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (أ.ف.ب)

الشرطة البرازيلية: بولسونارو شارك في محاولة انقلاب 2022

خلص تقرير للشرطة البرازيلية نشر الثلاثاء إلى أن الرئيس السابق جايير بولسونارو "شارك بشكل فاعل" في محاولة انقلاب في العام 2022.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (وسط) يحضر حفل تخرج للطلاب في أكاديمية عسكرية في ولاية ريو دي جانيرو بالبرازيل 26 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

الشرطة البرازيلية تتهم الرئيس السابق بولسونارو بمحاولة الانقلاب عام 2022

قالت الشرطة الفيدرالية البرازيلية، اليوم الخميس، إنها وجهت الاتهامات للرئيس السابق جايير بولسونارو و36 شخصاً آخرين بتهمة محاولة الانقلاب عام 2022.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أميركا اللاتينية وفقاً للتحقيق خطط الانقلابيون لقتل رئيس البلاد لولا دا سيلفا ونائبه جيرالدو ألكمين وقاضي المحكمة العليا ألكسندر دي مورايس (رويترز)

البرازيل: اعتقال 5 ضباط بتهمة التخطيط للانقلاب على الرئيس لولا دا سيلفا

قالت السلطات البرازيلية، الثلاثاء، إن شرطة البلاد اعتقلت 5 ضباط متهمين بالتخطيط لانقلاب تضمن خططاً للإطاحة بالحكومة بعد انتخابات 2022 وقتل الرئيس.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أفريقيا صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا المواطن الأميركي بنجامين ريوبين زالمان بولن خلال محاكمته في قضية «محاولة الانقلاب» بالكونغو (إ.ب.أ)

حكم بإعدام 37 شخصاً بينهم 3 أميركيين في «محاولة الانقلاب» بالكونغو الديمقراطية

أصدرت محكمة عسكرية بكينشاسا حكماً بإعدام 37 متهماً، بينهم 3 أميركيين، في قضية «محاولة الانقلاب» التي شهدتها جمهورية الكونغو الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.