زيارة مودي إلى باريس وما تعنيه للعلاقات الثنائية

في خضمّ الأزمات العالمية وتشابك المصالح والأولويات

 مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)
مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)
TT

زيارة مودي إلى باريس وما تعنيه للعلاقات الثنائية

 مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)
مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)

زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الأخيرة لفرنسا، كانت السادسة منذ عام 2015، ثم إنه سبق أن استضافه الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أربع مرات منذ وصوله إلى السلطة عام 2017. ولقد استغل الزعيمان مودي وماكرون، في الواقع، هذه المناسبة للاحتفال بـ«اليوبيل الفضي» للشراكة الاستراتيجية بين باريس ونيودلهي، فضلاً عن تحديد رؤية جريئة لربع القرن المقبل. كذلك سعى الجانبان إلى تعميق تعاونهما في مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

الزعيم الهندي مع الرئيس ماكرون (أ.ب)

يجري كل هذا في خضم تطوير العلاقات بين أوروبا والهند على نطاق أوسع؛ إذ أصدرت الهند وفرنسا «خارطة طريق» بعنوان «أفق 2047» لتعزيز التعاون الثنائي على مدى السنوات الـ25 المقبلة، التي تُؤرخ 100 سنة من استقلال الهند، و50 سنة من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. ولقد عمل أربعة رؤساء فرنسيين وثلاثة رؤساء وزراء هنود، خلال السنوات الـ25 الماضية، على تطوير هذه العلاقة.

الاستقلال الاستراتيجي وتحويل المصالح

في الصورة الأوسع، ترتكز العلاقة الاستراتيجية بين فرنسا والهند على الاحترام المتبادل للاستقلالية الاستراتيجية لكلا الجانبين، وظلت باريس ثابتة على رفضها التعليق على الشؤون الداخلية للهند، أو خيارات نيودلهي في مجال السياسة الخارجية. وفي حين لعبت فرنسا دوراً قيادياً في رد الغرب على حرب روسيا في أوكرانيا، فإنها لم تنضم إلى الدول الغربية الأخرى في حثّ القيادة الهندية علناً على تغيير موقفها.

في الحقيقة، يشهد التاريخ على أن فرنسا حليف وثيق للهند، وبدأت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين مباشرة بعد التجارب النووية الهندية. ففي عام 1974، ثم عام 1998، لم تنضم فرنسا إلى الضغوط الغربية لمعاقبة الهند على تجاربها النووية، بل تدخلت بإمدادات اليورانيوم لتشغيل مفاعلات تارابور النووية الهندية بالطاقة، وامتنعت عن إدانة التجارب النووية الهندية. كذلك، انتهزت باريس الفرصة لتعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية مع نيودلهي، في بادرة لها صداها لدى مؤسسة السياسة الخارجية الهندية حتى الآن. وبعد فترة وجيزة من منح مجموعة المورّدين النوويين (NSG) إعفاءً خاصاً بالهند في سبتمبر (أيلول) 2008 للمشاركة في التجارة النووية المدنية، كانت فرنسا أول دولة توقع اتفاقية نووية مدنية مع الهند لمشروع جايتابور للطاقة النووية.

وفي حين، كان مثيراً للاهتمام أن البرلمان الأوروبي تبنى - بينما كان مودي يزور فرنسا - قراراً ينتقد الحكومة الهندية بسبب العنف في ولاية مانيبور الهندية، ذات الغالبية المسيحية، والانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان وقضايا حرية الدين، لم تُناقش أي من هذه القضايا أو تُثار بين الزعيمين الفرنسي والهندي. كما لم تُشر الهند أيضاً إلى أعمال العنف في فرنسا بعد مقتل فتى مراهق من أبناء الجالية الجزائرية.

تطورات العقد الماضي

اكتسبت الشراكة الفرنسية - الهندية ثقلاً واضحاً خلال العقد الماضي، مع بدء التعاون الوثيق، ثم تعزيزه، في مجموعة واسعة من القضايا، تشمل مجالات حساسة وسيادية، مدعوماً بالتعاون التجاري الدفاعي المزدهر الذي جعل فرنسا ثاني أكبر مورِّد للأسلحة إلى الهند بعد روسيا. وعلّق الصحافي والبروفسور الهندي راجا موهان بأن «عند البلدين ما يمكن وصفه بالتطابق في سعيهما المشترك إلى الاستقلال الاستراتيجي وسط ديناميكيات القوة العالمية». وأردف شارحاً أن شعار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «متحالفون غير منحازين» يعكس إصرار وزير الخارجية الهندي الدكتور س. جايشانكار على أن الهند «مؤهلة لأن يكون لها موقفها الخاص». ويتجسّد هذا الموقف بصورة أفضل في مفهومٍ كانت العاصمتان تستخدمانه بانتظام، ألا وهو «الاستقلال الاستراتيجي»، الذي يُعرّفُ بأنه القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة عن الضغوط الخارجية، لا سيما من القوى العظمى، في مجالات السياسة الرئيسية.

ويتابع موهان: «سواءً كان رفض معاقبة نيودلهي في أعقاب التجارب النووية عام 1998، أو منع الصين من إدراج مسألة كشمير على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي بعدما غيّرت الهند الوضع الإقليمي الراهن في الإقليم في أغسطس (آب) 2019، أثبتت باريس أنها الحليف الأكثر قيمة وثباتاً للهند»، ويستطرد: «يفيد تحليل حديث أن مودي وماكرون، مثل أسلافهما، عزّزا صلات قوية مع القوى الكبرى من دون أن يصبحا معتمدين بشكل مفرط على أي منها، وبالتالي، فهما محافظان على مسافة من المنافسة بين مختلف الكتل على غرار الحرب الباردة». وبينما تشير التطورات إلى أن «الهند بزعامة مودي لا تزال تعارض رسمياً الانضمام إلى تحالف عسكري، فإن ماكرون ينتقد بانتظام حلف شمال الأطلسي (ناتو) بطريقة ديغولية للغاية».

النظام العالمي

من جهة أخرى، اعتبر خبراء هنود أن زيارة مودي لفرنسا مهمة من حيث تغيير النظام العالمي وكذلك العلاقات الثنائية بين البلدين؛ إذ اعتبر الدكتور شيتال شارما، عضو هيئة التدريس بمركز الدراسات الأوروبية بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، أن الزيارة كانت حاسمة فيما يتعلق بثلاثة مجالات رئيسة، وأوضح: «لقد جاءت في وقتها، وهي مهمة في العديد من الجوانب، وعلينا أن نفهم أهميتها من زاوية ثلاثة مجالات بالذات هي: تغيير النظام العالمي، والعلاقات الثنائية بين الهند وفرنسا، والحرب الأوكرانية». ثم تابع أن انتقاد الهند في فرنسا أمر نادر الحدوث. وقبل أقل من سنة، انتقد الرئيس ماكرون الدول التي تقف على الحياد بشأن حرب أوكرانيا في خطابه في الأمم المتحدة، معتبراً «أن الذين يصمتون اليوم يخدمون، سواءً ضد إرادتهم أو سراً بتواطؤ معيّن، حالة إمبريالية جديدة».

وأضاف شارما: «لقد جاء ذكر مودي في خطاب ماكرون. ولكن لم يكن الهدف معاقبة الزعيم الهندي على حياد نيودلهي في حرب أوكرانيا، ولا زيادة وارداتها من النفط الروسي الرخيص في ظل سقف للأسعار فرضته العقوبات العالمية، بل بدلاً من ذلك، أشاد الزعيم الفرنسي بنظيره الهندي لإبلاغه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن «عصر اليوم ليس وقتاً للحرب» خلال «القمة» المنعقدة في أوزبكستان. ثم إن فرنسا أيضاً عضو دائم في مجلس الأمن الدولي. وتأكيداً لتناغم القوى المتوسطة، يتوجب على نيودلهي الشروع في استكشاف إمكانيات الدعم الفرنسي الثابت للهند في مجلس الأمن الدولي.

ومن جهته، يقول البروفسور غولشان ساتشديفا، من مركز الدراسات الأوروبية بجامعة جواهر لال نهرو، معلقاً: «بعيداً عن عروض الصداقة الاحتفالية، تتشارك الهند وفرنسا في نظرة مماثلة إلى الشؤون الدولية... فالدولتان تفضلان نظاماً متعدد الأقطاب يمكِّنهما من لعب دور فعال في الساحة العالمية. والدولتان تتمتعان بهويات وطنية قوية، وتسعيان إلى الحصول على الاستقلال الاستراتيجي، وإعطاء الأولوية لحرية اتخاذ القرار في مجال السياسة الخارجية، والنظر إلى العالم من خلال عدسة من الاعتزاز العميق».

المواقف من أوكرانيا وروسيا والصين

في جانب موازٍ، في حين تحافظ فرنسا والهند على التزامهما بالتعددية القطبية، فإن حرب أوكرانيا تشكل تحدياً لبعض الضرورات غير المعلنة، لكنها تشكل ضرورة أساسية لشراكتهما الاستراتيجية.

إذ ما زالت الفوارق قائمة بين فرنسا والهند فيما يتصل بوجهات نظرهما حيال الحرب في أوكرانيا، وراهناً تحافظ نيودلهي على توازن دبلوماسي بين موسكو والدول الغربية، بعدما أحجمت عن إدانة التدخل العسكري لفلاديمير بوتين في أوكرانيا، فضلاً عن ذلك، برزت الهند باعتبارها مستورداً بارزاً للنفط الروسي بأسعار مخفّضة أثناء أضخم صراع أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية. ولقد خضع حياد الهند لتدقيق متكرّر، مع امتناعها مراراً وتكراراً عن التصويت في الأمم المتحدة على إدانة العدوان الروسي في أوكرانيا.

وهنا يقول ساتشديفا: «يكمن الاختبار الحقيقي للتماسك الاستراتيجي بين فرنسا والهند في تقييم كل منهما لكيفية إشراك قوى كبرى أخرى مثيرة للمشاكل، مثل الصين وروسيا، فلطالما تطلعت نيودلهي تاريخياً إلى موسكو لاحتواء النزعة التوسعية لبكين في فنائها الخلفي الآسيوي. لكن أزمة أوكرانيا تسببت في إطلاق شرارة تحولات جيوسياسية هائلة، وهذا يشمل تغيراً في ميزان القوى بين موسكو وبكين، ما يجعل روسيا التي تُفرض عليها عقوبات وتُهمش بشكل متزايد تعتمد على الصين الناشئة... الأمر الذي يضرّ بالهند».

ثم يضيف: «لدى فرنسا تقدير أفضل من البلدان الأوروبية الأخرى لموقف نيودلهي من تلك الحرب». وأيضاً، كانت باريس من المؤيدين الدائمين للحصول على مقعد دائم للهند في مجلس الأمن، ولقد دعمت بقوة مواقف الهند بشأن كشمير والإرهاب في الأمم المتحدة، وكذا لدى هيئات مثل فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية».

ماكرون والصين

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الهند، التي دخلت في مواجهات عسكرية مع بكين في جبال الهيمالايا منذ أبريل (نيسان) 2020، تقرّ بأن علاقاتها مع الصين «غير طبيعية». وفي أبريل أثار الرئيس ماكرون جدلاً كبيراً في العواصم الغربية، لكنه حاز على الثناء من بكين عندما أعاد طرح فكرة الاستقلال الاستراتيجي بعد زيارة الدولة الرسمية لبكين.

كذلك أظهر ماكرون انفتاحاً على توسيع العلاقات التجارية مع الصين، وسعى إلى دور الصين بوصفها وسيطاً في الصراع الأوكراني. وصُورت هذه الزيارة على أنها شكل من أشكال التساهل الفرنسي تجاه بكين. ولكن بخلاف الولايات المتحدة، فإن فرنسا لا تستهدف الصين في علاقاتها بالهند، ولا تعلّق على التوترات الحدودية علناً.

ثم إن نيودلهي أحجمت عن انتقاد ماكرون لزيارته بكين هذا العام. وبدلاً من ذلك، كانت ردود الفعل الهندية معتدلة، عبر عمل نيودلهي وباريس معاً بشكل وثيق في الممارسة العملية على تحقيق التوازن بين منافستهم المشتركة، الصين، في المنطقة. ويشير تحليل نشرته شبكة «فرانس 24» الإخبارية، بقلم ليلى جانكتو، إلى أنه «نظراً لوجود العديد من المصالح المشتركة على المحك، يستطيع مودي الاعتماد على صديقه ماكرون لتفهم موقف نيودلهي من أوكرانيا... وسيطلب مودي من باريس تجنب ضغط على الهند للانضمام إلى الكتلة الغربية، وأن تكون بدلاً من ذلك أكثر حضوراً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مجموعة «كواد» (التجمع الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة). ويمضي التحليل: «إن موقف الهند التقليدي هو أن الولايات المتحدة ليست شريكاً موثوقاً به، وتتيح مساحة كبيرة لصديقٍ (أي فرنسا) تحتاج إليه. وتدرك الهند أنه إذا كان ثمة تقارب بين أوروبا وروسيا، فإن فرنسا هي التي ستقوده».

التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والفضاء

من جانب آخر، لئن كان العامل الصيني سبباً رئيساً لتوثيق العلاقات بين الهند والدول الغربية ومغازلتها للهند، فقد جاءت الحرب الأوكرانية بمثابة جرس إنذار للدول الأوروبية لجهة اعتمادها الاقتصادي الشديد على الصين. وفي المقابل، برزت الهند بوصفها سوقاً حاسمة لتجارة الأسلحة بالنسبة لفرنسا أيضاً. وفي هذه الشراكة المتعددة الأوجه، يمتد التعاون عبر مجموعة واسعة من القطاعات، بما فيها الدفاع، والمناخ، وانتقال الطاقة، والتعاون في مجال الفضاء، والاقتصاد الأزرق، والتعددية، بل حتى مكافحة الإرهاب. وعليه ليس من المستغرب أن تحتل صفقات الدفاع مركز الصدارة؛ نظراً لأن الدفاع كان تقليدياً، والركيزة الأقوى للشراكة بين الهند وفرنسا، وأن فرنسا - كما سبق - هي ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الهند بعد روسيا بنصيب كبير يبلغ 30 في المائة.

مع هذا، فإن الخطط التوسعية للتعاون الدفاعي التي أعلنها مودي وماكرون، تؤكد بُعداً جديداً مهماً لعلاقتهما الثنائية. وهو أن فرنسا تحل محل روسيا باعتبارها ركيزة «الاستقلال الاستراتيجي» للهند. وخلال زيارة مودي الأخيرة، توصل الطرفان بنجاح إلى اتفاقات تتعلق بشراء الهند 26 طائرة مقاتلة من طراز «رافال - مارين» لقواتها البحرية، فضلاً عن البناء المحلي لثلاث غواصات إضافية من طراز «سكوربين» تبلغ قيمتها نحو 10 مليارات دولار. بيد أنه من المهم ملاحظة أن هذه الشراكات لا تنطوي على إدماج القوات أو وضع خطط حربية مشتركة. كذلك يشهد التعاون في مجال انتقال الطاقة تقدماً كاملاً؛ إذ أطلق البلدان عام 2015 التحالف الدولي للطاقة الشمسية الذي تطور ليشمل 100 دولة مختلفة.

العلاقة مع واشنطن

في الوقت نفسه، تربط كل من باريس ونيودلهي علاقات معقدة كثيراً ما يُساء فهمها مع الولايات المتحدة. فالعاصمتان تطمحان إلى درجة من الاستقلال عن سياسات واشنطن، مع إدراكهما أهمية اعتمادهما على القوة الأميركية في دفاعهما وأمنهما. ووفقاً للرئيس الفرنسي، على أوروبا ألا تتورّط في مواجهة أميركا مع الصين بل تحافظ على «استقلالها الاستراتيجي»، بينما هو يحذّر من أن اعتماد أوروبا الأمني على الولايات المتحدة قد يحوّل الدول الأوروبية إلى «تابعين» لواشنطن إذا ما تصاعدت المواجهة بين أميركا والصين. ولذا عمل ويعمل على دفع فكرة أن تكون أوروبا «قوة عظمى ثالثة» مع فرنسا في الصدارة.

الحسابات المشتركة في حوضي المحيطين الهندي والهادئ

> تملك كل من الهند وفرنسا مصالح استراتيجية كبيرة في المحيط الهندي، وتتشاركان المخاوف المتعلقة بتزايد عدوانية الصين في المنطقة. ولقد تفاقم التنافس بين الصين والهند نتيجة للنزاعات الدائرة على طول الحدود في جبال الهيمالايا، الأمر الذي يدفع نيودلهي إلى تحديث قواتها المسلحة بسرعة.

من منظور جغرافي استراتيجي، أثبت مفهوم منطقة المحيطين الهندي والهادئ أنه إطار قيّم للعلاقات المزدهرة بين فرنسا والهند. وتضم هذه المنطقة أيضا 1.5 مليون مواطن فرنسي، إضافة إلى 8000 جندي متمركزين في المنطقة، بحسب وزارة الخارجية الفرنسية.

وحسب الكاتبة الصحافية أيشواريا سانجوكتا روي بروما: «تعد فرنسا، باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لديها أراض في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، شريكاً مثالياً لتعزيز الوعي بالمجال البحري الهندي في المنطقة. وإلى جانب تعزيز مشاركة الهند في «كواد»، من شأن الشراكة الهندية الفرنسية المساعدة على مراقبة الأنشطة الصينية في المنطقة عن كثب. ومع أن فرنسا قد لا تتمكن من إزالة المخاطر أو الانفصال عن الصين بسبب المصالح التجارية، فإنها ساعدت الهند في تعزيز دفاعها البحري على أساس المعاملات. تماماً كما حدث عام 2021، حين تحوّل الخلاف بين فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا حول الغواصات إلى أزمة دبلوماسية شاملة، ويومها اتصل الرئيس إيمانويل ماكرون برئيس الوزراء ناريندرا مودي هاتفياً.

قوات هندية تشارك في العرض العسكري بجادة الشانزيليزيه (آ ف.ب)

إقرار فرنسي بالمصالح الاقتصادية والجيو ــ ستراتيجية

عدَّ كيه. سي. سينغ، السكرتير السابق في الخارجية الهندية، الاستقبال الفائق لرئيس الوزراء الهندي خلال احتفالات اليوم الوطني الفرنسي، أخيراً، إقراراً بالمصالح الاقتصادية والجيو-ستراتيجية العميقة التي تربط باريس ونيودلهي.

سينغ ذكر أن العلاقة تعود إلى ستينات القرن الماضي، عندما تدخلت فرنسا لمساعدة الهند في مجال الفضاء، وعرضت اليورانيوم المخصّب على مفاعل نووي، ولم يسبق لها أن أملت نصائحها بشأن البرنامج النووي الهندي على عكس الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

كانت باريس ونيودلهي على مسار تعاوني هادئ لسنوات، استناداً إلى حس تجاري سليم وتقدير لرفض الآخرين اللعب بسياسات المعسكر. ولذا، على غرار زيارة مودي إلى الولايات المتحدة، كانت رحلته إلى فرنسا أيضاً بشأن توسيع طموح للتعاون الاستراتيجي، والبعث بإشارات مهمة في أوقات دولية عصيبة.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو
TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.