أحداث فرنسا: عزّزت مواقع اليمين المتطرف... وأساءت إلى صورة البلاد والحُكم

بطالة وفقر وتهميش و40 سنة من السياسات الفاشلة في الضواحي

ساحة حرب في أحد شوارع باريس (أ.ف.ب - إيبا)
ساحة حرب في أحد شوارع باريس (أ.ف.ب - إيبا)
TT

أحداث فرنسا: عزّزت مواقع اليمين المتطرف... وأساءت إلى صورة البلاد والحُكم

ساحة حرب في أحد شوارع باريس (أ.ف.ب - إيبا)
ساحة حرب في أحد شوارع باريس (أ.ف.ب - إيبا)

ما كادت فرنسا تخرج من أزمة قانون إصلاح المعاشات حتى دخلت في دوامة أخرى، إذ شهدت ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، ولا سيما نانتير (شمال غربي العاصمة) أحداث عنف واسعة تخللتها مشاهد حرق ونهب ومناوشات بين الشرطة وشباب من سكان هذه الضواحي. الأحداث أسفرت عن حصيلة ثقيلة، تمثلت في إصابة أكثر من 700 شرطي وتوقيف 3700 شخص، ثلثهم من القصر، بالإضافة إلى تدمير نحو 1000 مبنى، منها 71 مركزاً للشرطة، وإحراق 5000 سيارة، كما أعلنت نقابة أرباب العمل عن خسائر إجمالية قدرت بأكثر من مليار يورو. الأزمة، وإن لم تكن الأولى في تاريخ فرنسا، كشفت في الواقع عن حالة من الاحتقان المتراكم بسبب التهميش والتمييز العرقي اللذين يعاني منهما سكان هذه الضواحي، ومعظمهم من المهاجرين. ولكن فيما يخص المستقبل وما يمكن أن يحمله في ظل الاحتقان السياسي والعرقي، يرى كثيرون أن «أحداث نانتير» عززّت أيضاً خطاب اليمين المتطرف الذي يربط بين انعدام الأمن والهجرة، ويطالب بوقفها.

الأحداث الأمنية الأخيرة في فرنسا قد اندلعت - كما هو معروف - على خلفية مقتل فتى قاصر من أصول جزائرية اسمه «نائل» برصاص شرطي في ضاحية نانتير بشمال غربي باريس. وقد أثارت هذه الحادثة غضباً واسعاً في عموم فرنسا وتساؤلات حول ميل الشرطة إلى العنصرية واستخدام العنف، خصوصاً تجاه شباب الهجرة.

ومن ناحية ثانية، توالت تصريحات المسؤولين بين التنديد ودعوات التهدئة. وكان الرئيس إيمانويل ماكرون أول من عبّر عن استنكاره حين أعلن عقب وفاة الشاب «نائل» أن الأمر لا «يغتفر»، وأردف أن «العدالة بدأت تأخذ مجراها على الفور، وآمل أن تقوم بعملها بسرعة وهدوء»، أما وزير الداخلية جيرالد درمانان فقد اعتبر ما حدث «دراما مؤلمة» كما وصف مقاطع الفيديو بـ«الصادمة». وفيما يخص رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، فإنها دعت إلى الهدوء، وقالت إنها تأمل أن «تسمح مطالبتنا بالحقيقة بتغليب التهدئة على الغضب».

بالمناسبة، لوحظ أن هذه هي المرة الأولى التي لم يظهر فيها تضامن المسؤولين الرسميين مع رجال شرطة متورّطين في تجاوزات، إذ جرت العادة أن تسارع الحكومة إلى الدفاع عن الشرطة في مثل هذه الحالات، لكن مقاطع الفيديو التي انتشرت لم تدعُ مجالاً للشّك. وخلال اليومين الأولين تناوب موقف الحكومة ما بين الدعوة إلى الهدوء والتنديد بالعنف بطريقة «الشد والإرخاء». رئيسة الوزراء بورن صرحّت في بيان حكومي بأنها «تتفهّم التأثر، لكن لا شيء يبرّر العنف الذي حدث». والخطاب نفسه تبنّاه الوزير المنتدب للعمران والسكن، أوليفيه كلين، إذ صرّح متسائلاً: «إن الغضب والحزن شرعيان، لكن لماذا تدمير المرافق العامة للأحياء؟».

وفي حين أدلى أوليفي فيران، الناطق الرسمي باسم الحكومة، بدلوه، فناشد الشباب على موجات إذاعة «آر إم سي» بتجنّب المساس برموز الجمهورية، متعهداً بأن «العدالة ستأخذ مجراها إزاء هذه الحادثة المأساوية... لكن لا داعي لمحاكمة الجمهورية، لا تدمِّروا المدارس»، حثَّ وزير العدل إيريك دوبان موريتي العائلات «على ضبط أطفالها»، مذكراً بأن القانون يعاقب كل مَن يترك طفلاً قاصراً يتورط في أحداث شغب بسنتي سجن وغرامة 4 آلاف يورو، وتوعَّد كل المراهقين الذين يشجّعون هذه الأحداث عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعقوبات قاسية.

اليسار يساند المتظاهرين... ويطالب بإصلاحات

في هذه الأثناء، تفاعلت أحزاب اليمين واليسار الفرنسية بطرق متباينة مع «أحداث نانتير». وكان رد الفعل الأبرز ذلك الصادر عن تيار اليسار المتطرف وحزب «فرنسا غير الخاضعة» التي رفض قادتها الدعوة إلى الهدوء، عادّين الأحداث «تعبيراً عن الظلم والتمييز» اللذين تتعرض لهما هذه الأقليات.

وقال الزعيم اليساري المتشدد جان لوك ميلونشون إنه «لن يدعو للتهدئة» بل إلى تطبيق «العدالة». وذكّر بأن نقابات رجال الشرطة، في مُعظمها، منتمية لتيارات اليمين المتطرف ومسؤولة عن عدة تجاوزات في حق شباب الضواحي. كذلك عمدت النائبة ساندرين روسو في تعليقها إلى الربط بين فقر سكان الضواحي وعمليات النهب التي ميّزت هذه الأحداث، مُعلقة في حسابها على «تويتر»: «ماذا لو كانت لعمليات النهب علاقة بالفقر؟»، أما الاشتراكيون وحزب «الخضر» فقد ناشدوا الحكومة بالتعجيل في «تقديم حلول للوضعية المُزرية» التي يعيشها سكان هذه الضواحي، كما قدموا مع زملائهم الشيوعيين اقتراحاً بإلغاء قانون «كازنوف» الذي يلقبه البعض بـ«تصريح بالقتل»، وهو القانون الذي صودق عليه إبّان ولاية الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند، والذي يسمح لرجال الشرطة بإطلاق الرصاص على أي شخص يرفض توقيف سيارته عند نقطة تفتيش.

اليمين المتطرف: المستفيد الأول

مقابل مواقف اليسار، اغتنم اليمين الفرنسي - وبالأخص اليمين المتشدد - فرصة هذه الأحداث لحشد الصفوف وتبرير سياساته الأمنية المتشَددة ومواقفه الرافضة للهجرة.

معظم الساسّة الذين ينتمون لهذا التيار ربطوا بين الهجرة وانعدام الأمن والفوضى التي عمّت الضواحي خلال «أحداث نانتير»، ومن بين هؤلاء إيريك سيوتي، زعيم كتلة الجمهوريين (يمين محافظ معتدل) الذي حمّل سكان الضواحي المسؤولية في أحداث الشغب، وطالب بقطع المعونات الاجتماعية عن العائلات التي تورّط أبناؤها في هذه الأحداث. كذلك، دافع سيوتي عن الشرطة، نافياً اتهامات التمييز العنصري ومطالباً بزيادة عدد السجون، لأن «كثيراً من الأحكام لا تنفذ بسبب نقص الأماكن» حسب قوله.

أما اليمين المتطرف، الذي يُعد المستفيد الأول من هذه الأحداث، فقد سارع قادته إلى تحميل مسؤولية الأحداث على الهجرة «الخارجة عن السيطرة» وفشل النموذج الفرنسي في احتواء الأجانب. وبطبيعة الحال، تحدّث إيريك زمّور، رئيس حزب «روكونكيت» (أو الاستعادة) المناوئ للمهاجرين والمسلمين، عما وصفه بـ«الحقد الذي تحمله هذه الأجيال ضد فرنسا». وتابع زمّور أن ولاء المهاجرين وأولادهم لأوطانهم الأصلية أكبر منه لفرنسا، وبالتالي فـ«إدماجهم في المجتمع الفرنسي قد فشل».

تخريب ونيران ورجال أمن (أ.ف.ب - غيتي)

وفي اتجاه مماثل، تحدث رئيس حزب «التجمع الوطني» جوردان بارديلا، الذي كان كثير الحضور في وسائل الإعلام، عن «الحرب» التي يريد «البعض» إشعالها في فرنسا، داعياً إلى «ضرورة ترحيل كل أجنبي مُتورط في أحداث شغب وإسقاط الجنسية الفرنسية عن الآخرين».

ومن جهتها، انتقدت مارين لوبن، زعيمة «التجمع الوطني»، إحجام الرئيس ماكرون عن «التضامن مع شرطي نانتير»، لكنها فضّلت، كوالدها عام 2005، التزام الصمت والانتظار إلى أن يحين قطف الثمار في الانتخابات المقبلة، وبخاصة أن كل الدراسات تتوقع فوزها في حالة ترشحها للانتخابات الرئاسية، كذلك بيّنت الدراسات الأخيرة ارتفاعاً لشعبية «التجمع الوطني» بعد هذه الأحداث.

إضرابات المعاشات... يليها مأزق الضواحي

في الحقيقة، يمكن القول إنه ما إن خرجت الحكومة من أسابيع طويلة من الاحتجاجات الشعبية ضد قانون إصلاح المعاشات حتى وجدت نفسها أمام أزمة الضواحي.

طبعاً، يتذكر كثيرون أن ولاية ماكرون لم تكن منذ البداية «نزهة هادئة». إذ عرف الرئيس الفرنسي فضيحة حارسه الشخصي ألكسندر بنالا، ثم تفجّرت «أزمة السترات الصفراء»، ثم هزت فرنسا والعالم جائحة «كوفيد 19»، وتلتها الحرب الروسية الأوكرانية، بجانب التضخم وارتفاع الأسعار... وها هو «العهد الماكروني» يهدَّد بدوامة العنف في الضواحي.

الأزمات إذن تتوالى واحدة تلو أخرى، وكل منها تنذر بإضعافه أكثر. وهو إن كان قد انتقد إبان أزمة المعاشات بالتسلط وفرض الإصلاحات بالقوة، فالمطلوب منه الآن إظهار القوة والصرامة تجاه المتورطين في أعمال الشغب. وفي هذا الصدد، كتب جان غريغ، الباحث في العلوم السياسية، على موقع «هافينغتون بوست» الإخباري، قائلاً: «سيُحكم على ماكرون بناءً على قدرته على إخماد التوتر. الخطر بالنسبة إليه هو أن يبدو ضعيفاً ومفتقراً إلى العزيمة والتصميم». وبخصوص مُهلة الـ100 يوم، التي كان ماكرون قد أعلن عنها لوضع ولايته في طريق جديدة، رأى الباحث برونو كورتيس أن الرئيس قد «اعتمد على رهانات خاسرة»؛ حيث يكتب في مقال بعنوان «الآمال الأخيرة لمهمة التهدئة لماكرون تذهب أدراج الرياح مع أعمال الشغب في الضواحي» ما يلي: «إنه نبأ سيئ جداً لرئيس الدولة واستراتيجيته القاضية بترك أجندة الحكومة تنساب نحو 14 يوليو (تموز)، والمراهنة على هدوء شهر أغسطس (آب) لإجراء تعديلات وزارية وإغلاق مرحلة نظام التقاعد نهائياً...».

اهتزاز صورة فرنسا في الخارج...

ومما لا شك فيه أن «أحداث نانتير» لم تسئ لمكانة ماكرون فقط، بل أيضاً لصورة فرنسا في الخارج. إذ إن مشاهد الفوضى وعمليات النهب والحرق التي شاهدها العالم بأسره أعطت إحساساً بانفلات الوضع الأمني وانتشار الفوضى. وهو ما أفضى إلى ردود فعل على مستويات دولية رفيعة.

رئيس الوزراء البولندي اليميني ماتيوش مورافسكي، مثلاً، نشر على حسابه في «تويتر» شريط فيديو يعرض فيه تصوّره لأوروبا، مستغلاً مقاطع من حوادث الشغب في الضواحي الفرنسية لتقديم نموذج لما يعده سلبيات الهجرة وانتقاد السياسات التي تطبقها أوروبا.

أما منظمة الأمم المتحدة فقد أعربت عن قلقها بعد مقتل الشاب «نائل»، داعية فرنسا إلى مكافحة ظاهرة التمييز العنصري عند رجال الشرطة. ثم إن دولاً أخرى، كالولايات المتحدة وبريطانيا والصين، دعت رعاياها إلى تجنب السفر إلى فرنسا، وكذا إلى روسيا، التي لم تتردد في انتقاد موقف الحكومة الفرنسية التي طالما أعطتها دروساً في احترام حقوق الإنسان. بل في العاصمة الروسية موسكو، دعا نائب مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف الرئيس ماكرون إلى «الوقوف إلى جانب شعبه»، مضيفاً أن «الأموال التي أُنفقت على دعم كييف وتسليحها كانت ستكون أكثر فائدة للفرنسيين».

وذهب أبعد من ذلك، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي طالما انتقد في مناسبات سابقة «الإسلاموفوبيا» المنتشرة في فرنسا. إذ أرجع إردوغان في حديث نقله التلفزيون التركي «أحداث نانتير» إلى «العنصرية والماضي الاستعماري لفرنسا»، وأضاف أن «كل هؤلاء الذين يعيشون في الضواحي الفقيرة ويعانون الفقر هم في معظمهم مسلمون».

وفيما يخص الإعلام الدولي، فقد حظيت أحداث الضواحي باهتمام واسع في وسائل الإعلام الدولية، وظهرت مشاهد الحرق والنهب على شاشات تلفزيونات العالم، وكأن فرنسا في حالة «حرب أهلية» فعلية. وتكلمت صحيفة «إلباييس» الإسبانية عن «الضواحي» بوصفها «جرح فرنسا القديم» الذي استيقظ من جديد، وعن أماكن فقيرة تتمركز فيها أجيال الهجرة وشباب يشعرون وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. ومن جهتها، عدت الـ«نيويورك تايمز» الأميركية في تعليق لها أن إشكاليات الهوية والعرق تفرض نفسها بقوة في فرنسا رغم الخطاب الرسمي الذي يرفض «القومية». وتابعت: «فرنسا لا تريد أن ترى نائل... وهو فرنسي جزائري أو فرنسي مغربي».

أما الصحافة الألمانية فقد ركزت اهتمامها على الانفلات الأمني، وتطرقت صحيفة «دي فيلت» إلى الضواحي المشتعلة والجدل حول عنصرية الشرطة. واختارت صحيفة «دي تسايت»، بمناسبة أحداث فرنسا وتهم العنصرية، قضية الأميركي جورج فلويد. أما صحيفة «بيلد» الشعبية فقد كتبت عن «تحرر كمّ هائل من العنف يعبّر عن غضب مكبوت». وخلص المحلّل الصحافي إيف تريار إلى أن هذه الأحداث «أساءت لصورة فرنسا في الخارج وأظهرت شماتة الأعداء».

وداخل فرنسا، في عمود بصحيفة «لوفيغارو»، تحت عنوان «تحطم السفينة الفرنسية»، كُتب ما يلي: «للمرة الثانية في ظرف 4 أشهر، تُلغى زيارة دبلوماسية للرئيس ماكرون. المرة الأولى مع ملك بريطانيا تشارلز الثالث بسبب الإضرابات ضد قانون المعاشات، وها هو الآن يتغيب عن زيارة مهمة لألمانيا بسبب انتفاضة الضواحي». وأضاف: «صحيح أن الفرنسيين معروفون بأنهم شعب صعب الإرضاء، ويثور ضد كل أشكال الظلم، لكن تطور الأوضاع الحالية أصبح مصدراً للقلق. بتنا نحس بالخجل وكأن العالم ينظر إلينا ساخراً من تفككنا.... من غرق سفينتنا».

مع هذا، ووسط تسارع الأحكام والتعليقات، حاول وزير الاقتصاد والصناعة الفرنسي برونو لومير مخاطبة العالم وطمأنة السّياح والمستثمرين، عبر حوار خصّ به قناة «سي إن إن»، شدد فيه على أن «فرنسا بلد آمن، وأن اقتصادها قوي وبصّحة جيدة».

الضواحي الفرنسية... 40 سنة من السياسات الفاشلة!

ماكرون مع رؤساء بلديات المدن المتضررة (أ.ف.ب - غيتي)

قبل أسبوع من اندلاع «أحداث نانتير»، كان الرئيس إيمانويل ماكرون في مدينة مارسيليا (جنوب فرنسا) لتقديم خطة جديدة لعلاج مشكلات الضواحي الفقيرة. وتلك ليست المرة الأولى، فمنذ السبعينات شهدت فرنسا أكثر من 10 مخططات للنهوض بهذه الأحياء الفقيرة، في إطار ما سمي «سياسة المدينة». أولها كان في عهد الرئيس فاليري جيسكار ديستان عام 1977.

بعدها، في 2017 دقّ مسؤولون محليون ناقوس الخطر حول تردّي أحوال هذه المناطق وسكانها عبر نداء أطلقه أكثر من 100 عمدة، سمّي «نداء غرييني»، دعوا فيه الحكومة إلى التحرك قبل أن تنفجر الأوضاع. وإثر هذا النداء، قدّم الوزير السابق جان لوي بورلو مخطّط تنمية، سرعان ما تقرر التخلي عنه بسبب الميزانية الكبيرة (84 مليار يورو).

جدير بالذكر أن الضواحي التي يقطن فيها نحو 6 ملايين شخص، تسجّل معدلات بطالة تصل بعضها، مثل لاسان سان دونيه، إلى 40 في المائة، وهي مناطق تعاني التهميش الاجتماعي، وانتشاراً لتجارة المخدرات، كما أن 60 في المائة من سكانها يعيشون الفقر والعزلة، ومعظمهم من المهاجرين. ولقد أجمع المراقبون على أن هذه السياسات، وإن كانت قد نجحت إلى حد ما في تحديث السكن وتحسين وسائل النقل، حيث خُصصت لها بحسب الوكالة الوطنية للتحديث الحضري ميزانية 12 مليار يورو بين 2003 و2020، فإنها ما كانت كافية لاحتواء المشكلات الاجتماعية والإنسانية والتمييز العرقي، خاصة ذلك الذي تمارسه الشرطة تجاه الشباب ذوي الأصول المهاجرة. وحقاً، أظهرت دراسات كثيرة لمنظمات حقوقية أن الشرطة تحقق في هوية شباب الضواحي بمعدل 20 مرة أكثر من الآخرين. وأفاد سيباستيان روشي، وهو باحث متخصّص في إشكاليات الضواحي، من خلال دراسة له، أن حالات إطلاق الرصاص عند رجال الشرطة قد تضاعفت 3 مرات، بعد صدور «قانون كازنوف»، وأن 13 شاباً قتلوا برصاص الشرطة عام 2022. وعلى سبيل المقارنة، يقارن هذا بحادثة واحدة فقط شهدتها ألمانيا في العام ذاته.

واليوم، وسط سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة لاحتواء عجز الميزانية وتضخم الديون، فإن التوجه السائد لا يأخذ بعين الاعتبار مخططات جديدة. ورغم تمكن سلطات الأمن الفرنسية من إخماد العنف هذه المرة، فإن مشكلات التهميش والعزلة التي يعاني منها سكان ضواحي المدن الفرنسية لم تعالج بعد، وستظل كقنبلة موقوتة تهدد بالانفجار في كل مرة.

تاريخ حافل بأحداث الشغب

لقد أعادت «أحداث نانتير» الأخيرة إلى الذاكرة الاضطرابات التي شهدتها الضواحي الفرنسية عام 2005، إذ قبل 18 سنة انتفض سكان هذه الضواحي، ومعظمهم من أصول مهاجرة مغاربية أو أفريقية، للتعبير عن غضبهم إثر وفاة الشابين بونا وزيدان (15 و17 سنة) صعقاً بالكهرباء، بعدما لاحقتهما الشرطة في ضاحية كليشي سو بوا، شمال العاصمة الفرنسية.

وما صبّ الزيت على النار موقف نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية آنذاك، الذي دافع عن رجال الشرطة، نافياً مسؤوليتهما رغم إفادات الشهود العيان، ثم قرار العدالة بتبرئة الشرطيين المتورّطين من كل مسؤولية في موت المراهقين.

وبعد 12 يوماً من الاضطرابات، قررت الحكومة إعلان حظر التجول، وكانت تلك المرة الخامسة في تاريخ فرنسا، التي يُعلن فيها قرار من هذا النوع، وكانت المرة السابقة عام 1955 إبان «حرب الجزائر».

أحداث عام 2005 كانت سيئة بالفعل، وأسفرت عن حرق 10 آلاف سيارة وتدمير 300 مبنى وإيقاف 13000 شخص. ولم ينتهِ الأمر هنا، بل بعد سنتين شهدت ضاحية فيلي لو بال في شمال العاصمة حوادث عنف أخرى استمرت أسبوعين بعد مقتل مراهقين من أصول مهاجرة إثر ملاحقة الشرطة لهما. وتلتها حادثة أخرى في إحدى ضواحي سانت إتيان (جنوب فرنسا) خلال يوليو (تموز) 2009 حين عثر على الشاب محمد بن مونة وهو ميت خنقاً داخل مركز للشرطة. وإثر انتشار إشاعات عن تورّط رجال الشرطة في موته، شهدت المنطقة مناوشات استمرت أسبوعاً وأسفرت عن حرق مركز تجاري وتوقيف العشرات.

الأحداث نفسها عادت من جديد في يوليو 2010، وهذه المرة في إحدى ضواحي غرونوبل (جنوب شرقي فرنسا) حيث قتل الشاب كريم بودودة في اشتباك مع رجال الشرطة، وتلتها اضطرابات أخرى أعوام 2015 و2017 و2018، ومعظمها اندلع بعد قتل أو إصابة شباب من أصول مهاجرة على يد رجال الشرطة في أحداث شغب أو عند نقاط التفتيش.



تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)
TT

تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)

تكشف تصريحات قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وبلاغات الأحزاب السياسية، عن تركيز على مطلب «تنقية المناخ السياسي والاجتماعي» في تونس و«تنظيم حوار وطني قبل الانتخابات»، كما ورد على لسان نور الدين الطبوبي، الأمين العام لـ«الاتحاد» وقياديين في «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة مثل الزعيم اليساري عز الدين حزقي، والمحامي احمد نجيب الشابي، والحقوقية شيماء عيس والأكاديمي رياض الشعيبي. بل إن قياديين في أحزاب تعد قريبة إلى «السلطة» يطالبون ايضاً بـ»الحوار بين الأطراف الاجتماعية والسياسية» بينهم المرشحان للرئاسة الوزير ناجي جلول، الوزير السابق وأمين عام «حزب الائتلاف الوطني»، وزهير المغزاوي، أمين عام حزب الشعب القومي الناصري.

بل إن المحامي العروبي خالد الكريشي وعدداً من القياديين البارزين في حزب الشعب القومي الناصري، الذي يعتبر «الأقرب سياسياً» إلى قصر قرطاج الرئاسي، أدلوا أخيراً بـ«تصريحات سياسية نارية» انتقدت السلطات السياسية واتهمتها بـ«الفشل في تحقيق الشعارات التي رُفعت يوم حراك 25 يوليو (تموز) 2021» وقرارات حل البرلمان والحكومة السابقين.

نورالدين الطبوبي...ابرز الشخصيات النقابية (آ ف ب)

انتعاش الخطاب الشعبوي

خالد الكريشي قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه ورفاقه الذين كانوا قد دعموا بقوة الرئيس سعيّد سابقاً، أصبحوا يدعمون ترشيح زعيم حزبهم زهير المغزاوي، ويعطون أولوية للإصلاحات السياسية «حرصاً على مصداقية الانتخابات الرئاسية المقبلة». وفي السياق ذاته، أعلن المغزاوي خلال مؤتمر صحافي في أحد فنادق العاصمة تونس أنه قرّر الترشح للرئاسة؛ لأن مشروع برنامجه الانتخابي يتضمّن بالخصوص «إقامة نظام ديمقراطي والتصدّي لسيناريو حكم الفرد». أما ناجي جلول فذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ تعهد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بـ«توظيف خبراته السياسية وتجاربه السابقة في المعارضة، ثم في الحكومة وفي قصر قرطاج في عهد الرئيس الباجي قائد السبسي لإخراج البلاد من أزماتها في ظرف 6 اشهر فقط».

واعتبر مراقبون أن هذه التصريحات تكشف الآن عن مدى انتشار «الخطاب الشعبوي» في أوساط عدّة داخل تونس بسبب اقتناع «النخب» باستفحال معاناة الطبقات الشعبية من البطالة والفقر وغلاء الأسعار.

إصلاحات سياسية فورية

في سياق متصل، صدرت داخل الجامعات ومقار نقابات الصحافيين والمحامين والقضاة نداءات من كبار خبراء القانون الدستوري والعلوم السياسية تطالب رئاستي الجمهورية والحكومة ووزارة الداخلية ببدء «إصلاحات سياسية جريئة»، بينها تحرير الإعلام والإفراج عن الإعلاميين والموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية.

واعتبر الأكاديمي أمين محفوظ، وهو أستاذ جامعي للعلوم السياسية والقانونية والدستورية، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس «مهمة جداً، بل قد تكون الأهم والأخطر منذ 15 سنة». ودعا محفوظ الـ8 ملايين ناخب تونسي إلى تجنب مقاطعة انتخابات 6 (تشرين الأول) المقبل كما قاطعوا الانتخابات النيابية والمحلية خلال العامين الماضي، ومثلما امتنع معظمهم عن المشاركة في الاستفتاء على دستور 2022 احتجاجاً على أوضاعهم المعيشية وعلى «غلطات النخب».

من جهته، أورد عماد الدايمي، الوزير والمستشار السابق في رئاسة الجمهورية، الذي أعلن مبدئياً ترشحه للرئاسة أنه سيعمل على إقناع عموم المواطنين بنجاعة «الرهان مجدداً على أن التغيير يكون عبر صندوق الاقتراع». واعتبر الدايمي أن «الانتخابات الرئاسية المقبلة يمكن أن تخرِج البلاد من أزماتها السياسية والأمنية، ثم الاقتصادية والاجتماعية، وأن تدفع في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية».

غير أن معارضيه اتهموه بدورهم بـ«الشعبوية» وأطلق من وصفوا أنفسهم بـ«أنصار الرئيس سعيّد» حملة ضده، وذكّروه بأنه كان وزيراً مستشاراً ومديراً لمكتب الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي ما بين 2011 و2014.

وفي سياق موازٍ، تضمن البرنامج الانتخابي لمنذر الزنايدي، الوزير السابق للتجارة والسياحة والنقل والصحة قبل 2011، تعهداً بالقيام بإصلاحات سياسية فورية، بينها «إعادة تحقيق المصالحة الوطنية بين التونسيين بمختلف انتماءاتهم وبصرف النظر عن خلافات الماضي». ويعتبر الزنايدي عملياً المرشح المبدئي الأقرب لـ«الحزب الدستوري» الذي كان في الحكم إبان عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. لكنه ومجموعة أخرى من المرشحين يوجدون خارج البلاد، بينهم الأميرال كمال العكروت، المستشار العسكري للرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي.

الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في صدارة الجدل السياسي والانتخابي. (إيبا)

الورقة الاقتصادية الاجتماعية

في المقابل، تكشف تصريحات الأميرال كمال العكروت عن تحاشي التركيز على الملفات السياسية مقابل محاولة مواكبة «المشاغل المعيشية للطبقات الشعبية». وأعلن الأميرال رهاناً متزايداً على «إنقاذ البلاد من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية» التي استفحلت منذ جائحة «كوفيد - 19» عامي 2020 - 2021، وكذلك تضرر البلاد من الحرب في أوكرانيا. وللعلم، كانت تونس تستقبل سنوياً قبل اندلاع الحرب الأوكرانية نحو 800 ألف سائح روسي وأوكراني، كما كانت تعتمد في توفير حاجياتها من الحبوب والمحروقات بأسعار تفضيلية على وارداتها من روسيا وأوكرانيا.

من جانبه، تعهد الإعلامي والكاتب العروبي أحمد الصافي سعيد، الذي يتهمه خصومه أيضاً بـ«الشعبوية»، بأن تكون على رأس أولوياته الاقتصادية والاجتماعية «تنويع الشراكات الاقتصادية للبلاد عربياً ودولياً»، واستحداث «مدن ذكية» وأقطاب تكنولوجية في العاصمة وفي الجهات؛ ما يؤدي إلى توفير موارد رزق لمئات آلاف الشباب العاطل عن العمل وبينهم عشرات آلاف من خريجي الجامعات والمهندسين الشبان.

واعتبر الصافي سعيد في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «إصلاح الأوضاع الاقتصادية ممكن... ولجوء مزيد من الشباب إلى الحلول اليائسة، مثل الهجرة غير النظامية، يمكن معالجته عبر تنويع فرص التنمية وخلق الثروة وتحسين شروط التفاوض مع الاتحاد الأوربي وشركاء البلاد الإقليميين والدوليين حول ملفات كثيرة»، منها «تشديد مراقبة تونس لسواحلها وحدودها البرية كي لا تكون معبراً لعشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً».

التغيير آتٍ

في هذه الأثناء، ترفع النخب السياسية والشخصيات التي أعلنت مبدئياً الترشح لانتخابات 6 أكتوبر المقبل شعارات كثيرة ذات صبغة اقتصادية اجتماعية سياسية، منها «الشعبوي» ومنها «التغييري». لكن الخبراء الاقتصاديين المستقلين، مثل رضا الشكندالي، لا يترددون باتهام هؤلاء بـ«الشعبوية» و«اللاواقعية». ويفسّر بعض الخبراء أزمات تونس الحالية بعوامل عدة، من بينها «حصيلة السلطات المتعاقبة منذ اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في 2008، وتضرر صادرات البلاد ومداخيل سياحتها وفرص الاستثمار والتوظيف» نتيجة «الانكماش الاقتصادي العالمي، وبخاصة داخل البلدان الأوروبية التي تعدّ الشريك الأول لتونس بنسبة تفوق الـ70 في المائة».

وعودة إلى الوزير السابق عماد الدايمي، فإن الملفات الاقتصادية والاجتماعية هيمنت على خطابه، ولقد برّر شعاره «التغيير قادم» بثلاثة أسباب تهم السياسات الاقتصادية للدولة وأولويات القطاع الخاص.

ويشرح الدايمي، فيقول إن السبب الأول هو كون «المنوال التنموي للبلاد وصل إلى نهاية الطريق، وصار عاجزاً تماماً عن تأمين حلول للمشاكل» المتراكمة منذ عقود. والسبب الثاني هو أن «بنية الدولة التونسية ومؤسساتها تقادمت وتهالكت، ولم ترضخ للتجديد، فباتت على درجة كبيرة من البيروقراطية والتكلس وانعدام الفاعليّة». ولأن منظومة المؤسسات والمنشآت العمومية الواسعة أضحت كلها تقريباً مفلسة وحوكمتها مدمّرة، خرّبها الفساد والمحسوبية و«بلطجة النقابات». وأما السبب الثالث والأخير، فهو واقع «البنية الريعية» للاقتصاد التونسي، «الذي تزايد اعتماده على عدد قليل من العائلات ورجال الأعمال الذين يحتكرون الثروة ويهيمنون على كل القطاعات رغم ضغوط المستثمرين الشبان والشركاء الأجانب».

اهتمامات الرئيس سعيّد

ولكن، هذا التركيز على الملفات الاقتصادية والاجتماعية ليس محصوراً بالمرشحين المحسوبين على المعارضة بمختلف ألوانها، بل يهم كذلك الرئيس قيس سعيّد، الذي استأنف زياراته للأسواق الشعبية وللجهات الداخلية المهمشة وللمؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات، بما في تلك في قطاعات الصحة والمياه والكهرباء والبنوك.

ولئن برز سعيّد قبل نجاحه في انتخابات 2019 بمداخلاته السياسية والقانونية والدستورية في وسائل الإعلام، فإنه منذ وصوله قصر قرطاج قبل خمس سنوات صار يعطي أولوية مطلقة للمشاغل الاجتماعية والاقتصادية للطبقات الشعبية. ومن ثم، يتهم «عصابات التهريب والاحتكار» بتحمّل مسؤولية ارتفاع الأسعار ونسب البطالة والفقر، وبالتسبب في تعطيل عمل شبكات نقل المياه والكهرباء.

وحقاً، مع اقتراب موعد انطلاق الحملة الانتخابية الرسمية كثّف سعيّد تحركاته في محافظات عدة متفقداً أوضاع الطبقات الشعبية، وكاشفاً للشعب عبر الفريق الإعلامي المرافق له عن ما يراه من «حجم الدمار والتخريب» الذي حمّل مسؤوليته إلى أجيال من السياسيين والإداريين منذ عهدي الرئيسين بورقيبة (1956 - 1987) وبن علي (1987 - 2011) ثم في حكومات ما بعد «انتفاضة يناير 2011» الشبابية والاجتماعية. وعلى الرغم من وجود سعيّد في الحكم منذ سنوات، فإنه لا يزال يتبرأ في الكلمات التي يتوجه بها إلى الشعب من «تقصير أجيال من المسؤولين» ومن «التخريب الذي يقوم به متآمرون على الأمن القومي» إلى حد تعمّد احتكار مواد الاستهلاك والترفيع في الأسعار وتخريب شبكات الماء والكهرباء. سعيّد يحمّل النخب الحاكمة منذ 70 سنة مسؤولية تردي الأوضاع

الاهتمام بالشأن السياسي متراجع تحت الضغوط الاقتصادية والمعيشية

> في ظل التركيز الشديد من قِبل أنصار الرئيس قيس سعيّد ومعارضيه على الصعوبات الاقتصادية والمعيشية وغلاء الأسعار والبطالة، تراجع الاهتمام بـ«الشأن السياسي»، وبالملفات السياسية والدستورية والجيو استراتيجية التي كانت حاضرة بقوة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية التي نظمت منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2011. بل إن التقارير المفصلة لبعض المنظمات المستقلة، التي تحصل على دعم مالي من عواصم غربية، مثل «منظمة بوصلة»، أصبحت تتحدث بوضوح عن كون التحضيرات للانتخابات المقبلة تجري في «مناخ لا سياسي». رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين الأسعد الذوادي، قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن تياراً واسعاً من الشارع التونسي دعم الخطوات التي قام بها قيس سعيّد عندما فتح بعض «ملفات الفساد المالي» الكبرى، وأمر بإيقاف مجموعة من رجال الأعمال والمسؤولين السابقين عن البنوك والشركات العمومية ومصادرة أملاك بعضهم. ومن جهة ثانية، دعا عدد من الزعماء السياسيين والخبراء الاقتصاديين والنقابيين المستقلين إلى ضرورة ألا يتسبب تزامن التحقيقات القضائية مع «المتآمرين على أمن الدولة» ومع «الفاسدين مالياً» مع العملية الانتخابية في عملية «تصفية حسابات». ورأى هؤلاء أن «الأسباب العميقة للصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تمرّ بها تونس أسباب هيكلية»، ولقد تعقّدت بعد سنوات من الجفاف و13 سنة من الاضطراب السياسي والإداري. وهنا يتساءل البعض عما إذا كانت انتخابات 6 أكتوبر ستساهم في تحسين فرص استرجاع ثقة ملايين الناخبين والمواطنين بصناديق الاقتراع، أم ترى سيتجدد سيناريو «امتناع» نحو 88 في المائة عن المشاركة في التصويت كما حدث خلال السنتين الماضيتين، وهذا بينما يضغط ملف الصعوبات الاقتصادية على كل من مرشحي السلطة ومعارضيهم.