عثمان سونكو... «رمز التغيير» في السنغال

«مُلهم الشباب» قد يفقد فرصة المنافسة على الرئاسة بسبب حكم قضائي

عثمان سونكو... «رمز التغيير» 
في 
السنغال
TT

عثمان سونكو... «رمز التغيير» في السنغال

عثمان سونكو... «رمز التغيير» 
في 
السنغال

ربما كان الرئيس السنغالي ماكي سال وحده في «الكادر» حين أعلن سابقاً هذا الأسبوع أنه لن يترشح لولاية رئاسية ثالثة، إلا أن السنغال كلها والمتابعين لشؤونها في العالم كانوا يرون ويعلمون أن شخصاً آخر كان خلف الصورة. ذلك الشخص هو المعارض البارز عثمان سونكو الذي عادة ما يوصف بـ«ملهم الشباب» في الدولة المعتاد اقترانها بالديمقراطية والاستقرار السياسي مقارنة بمحيطها الأفريقي الدائم الاضطراب. إعلان سال، الذي يتولى السلطة منذ 2012، ربما كان مفاجئاً لكثيرين، لأن كل التطورات كانت تشير إلى رغبته في الاستمرار في السلطة. بيد أن صورة أخرى كانت في خلفية المشهد يملؤها الملايين من أنصار سونكو من الشباب الغاضب المستعد للتضحية بحياته كي لا يحدث ذلك الترشح الذي كان محتملاً، وكي يترشح زعيمهم في الانتخابات المقبلة. هذا الجيل الجديد يرى في سونكو «الزعيم المخلص» و«الرجل النظيف» الذي تدبر له المكائد من النظام على قدم وساق، لأنه وفقاً لوجهة نظرهم «بطلهم» المحارب للفساد والفقر والتهميش المستشري في البلاد.

تُعرَف السنغال بكونها نموذجاً للاستقرار والتداول السلمي للسلطة في أفريقيا طيلة 60 سنة أعقبت استقلالها. إذ نادراً ما شهدت البلاد نزاعات، ما ساهم في تحقيق استقرار دستوري وسياسي واقتصادي. لكن الأمر تغيّر منذ إجراء الانتخابات التشريعية في يوليو (تموز) 2022، حين بدأت الأوساط السياسية في السنغال تناقش سباق الانتخابات الرئاسية المقرر عام 2024، وذلك بعدما تسربت شائعات عن نية الرئيس ماكي سال الترشح لولاية ثالثة. وفي إثره، أعلن سونكو نيته الترشح للرئاسة.

الواقع أن سونكو استبق خطاب الرئيس الأخير بالدعوة إلى مزيد من المظاهرات في جميع أنحاء السنغال في حال أعلن سال عزمه على الترشح. ولكن في الشهر الماضي، حكم على سونكو بالسجن لسنتين بتهمة «إفساد الشباب»، وهو حكم يرجَّح أن يفقده فرصة خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.

الحكم القضائي أثار اضطرابات

أدى هذا الحكم القضائي إلى اضطرابات ومسيرات شعبية، كانت الأخطر في تاريخ السنغال، إذ سقط فيها 16 قتيلاً، وفق التقارير الحكومية، و24 حسب منظمة العفو الدولية، و30 وفق المعارضة.

من هنا يُطرح السؤال؛ من هو عثمان سونكو، الذي كشف صعوده الوجه الآخر لطبيعة نظام السنغال السياسي الذي أصبح استقراره محل شكوك وتساؤلات بالنسبة للمواطنين، وأيضاً بالنسبة للعالم الذي يشاهد حراكاً غير مسبوق في البلاد؟

النشأة والبيئة

ولد عثمان سونكو يوم 15 يوليو (تموز) 1974 في مدينة تييس، التي تبعد حوالي 70 كيلومتراً عن العاصمة داكار. وأمضى سنوات من طفولته في منطقة سيبيكوتاني (45 كيلومتراً شرق العاصمة)، حيث كان والده موظفاً في الدوائر الحكومية. وهو ينتمي إلى طبقة اجتماعية بسيطة، وتلقى بدايات تعليمه في مدارس سنغالية مختلفة، قبل أن يستقر في إقليم كازامانس، بأقصى جنوب البلاد، حيث حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1993.

بعد ذلك، انتقل سونكو إلى جامعة غاستون بيرجيه في مدينة سان لوي، شمال غربي السنغال، وتخرّج فيها بشهادة الميتريز (4 سنوات بعد الثانوية العامة) في القانون العام 1999. وفي السنة ذاتها، شارك في مسابقة دخول «المدرسة الوطنية للإدارة»، وأحرز المرتبة الأولى على مستوى البلاد، وتخرّج فيها عام 2001 بوظيفة مفتش في المالية والضرائب.

وفي العام 2003، حصل على شهادة الدراسات المعمّقة في المالية العامة والضرائب من جامعة الشيخ أنتا جوب في العاصمة داكار، كما نال فيها أيضاً الماجستير في الإدارة العامة والمالية من المعهد العالي للمالية. ومن ثم، تابع التحضير لشهادة الدكتوراه في القانون الاقتصادي والضرائب من جامعة جان مولان - ليون الثالثة في فرنسا.

ينتمي سونكو عرقياً إلى قومية الجولا (الديولا)، وهم أحد شعبي إقليم كازامانس، الذي تفصله شمالاً عن الأراضي السنغالية جمهورية غامبيا. ويعرف عن هذا الإقليم أنه ذو نزعة انفصالية، وقد تبنّى حركيوه العمل المسلح ضد الحكومات السنغالية المتعاقبة، منذ ثمانينات القرن الماضي. هذا الإقليم الواقع بين غامبيا شمالاً وغينيا بيساو جنوباً، كان يعد من أثرى الأقاليم السنغالية، قبل أن يتعرض – وفقاً لبعض الخبراء والمحللين - للإهمال والتهميش له بعد الاستقلال. ويحظى سونكو بشعبية واسعة في هذا الإقليم، وإن كان عاش أغلب مراحل حياته في تييس وسان لوي، حيث يلقى فيهما أيضاً دعماً من المعارضة السياسية للأنظمة المتعاقبة.

التهميش بلوَر توجهاته

المحلّل السنغالي عبد الأحد أمبينغ قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن نشأة سونكو في بيئة مهمشة ومعارضة أسهمت في تكوين ذهنيته وتوجهاته السياسية وسعيه للتغيير الجذري. وأردف أن تلك الذهنية «لم تعش التهميش فحسب، بل تعودت على رؤية محاولات لمواجهته... ولهذا دأب سونكو على المواجهة بشجاعة من دون خوف، لكن عبر القنوات السياسية والديمقراطية المشروعة... ما أكسبه (كاريزما) حقيقية تجذب الفقراء والمهمشين والشباب الطامح بطبيعته للتغيير والمواجهة».

بدايات التجربة السياسية

باكراً، أثناء دراسته الجامعية انخرط عثمان سونكو في العمل النقابي والسياسي، حيث نشط في «جمعية التلاميذ والطلاب المسلمين». وبعدها، بدأ اهتمامه بالشأن العام يظهر عندما أسس «اتحاداً مستقلاً للوكلاء الضريبيين» عام 2005، وهو موقع أهّله للكشف عن كثير من التجاوزات المالية وسوء الإدارة في السنغال.

وبعد سنوات من العمل في الوظيفة العمومية وتأسيس نقابة للوكلاء الضريبيين والماليين، وتسليط الضوء على الفساد المالي على مستوى الضرائب وتنفيذ الميزانية، أسّس سونكو حزب «الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة» المعروف اختصاراً بـ«باستيف». وخلال فترة وجيزة صار الحزب قبلة أنظار الكفاءات الشابة في عموم السنغال. ثم إنه ضم في هيئاته القيادية وجوهاً جديدة على ممارسة السياسة، كما أصبح ملاذاً وقِبلة للناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي.

غير أن تأسيس سونكو لحزب «باستيف»، وتركيز خطابه على فساد الحكومة في القضايا المالية، وانتقاده الدؤوب للبرلمانيين وأجهزة الدولة، كانت أموراً جعلت منه خصماً للسلطة ومصدر إحراج لرموز النظام، فقرّر الرئيس ماكي سال تجريده من الوظيفة بتهمة «انتهاك حقّ التحفظ».

بعد قرار التجريد من الوظيفة، قرّر سونكو خوض الانتخابات التشريعية على رأس قائمة لحزبه. وحقاً فاز ودخل البرلمان بعد انتخابات 2017، التي شهدت فوز الحزب الحاكم، ولكن بغالبية ضئيلة جداً، وفي عملية انتخابية ادّعت قوى المعارضة أنها «كانت الفائزة فيها، إلا أن النتائج الرسمية تعرّضت للتزوير».

أول تحدٍ رئاسي

ولاحقاً، يوم 16 سبتمبر (أيلول) 2018 تقدّم عثمان سونكو بملف ترشحه لانتخابات الرئاسة 2019. وخاض المعركة، إلا أنه حل ثالثاً خلف الرئيس ماكي سال، والسياسي إدريس سك، حاصلاً على نسبة 15.67 في المائة من أصوات الناخبين السنغاليين.

من الناحية العملية، يعتبر سونكو الآن زعيماً للمعارضة السنغالية، وذلك في أعقاب تعيين المعارض السابق إدريس سك رئيساً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي. وبالتالي، صار جزءاً من النظام الحاكم.

وعودة إلى ما سبق التلميح إليه، يعتقد محمد الأمين ولد الداه، الخبير الموريتاني في الشؤون الأفريقية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «النشاط السياسي المبكر في مرحلة الجامعة ساهم في تكوين شعبية سونكو الكبيرة في جيله والجيل الذي تلاه، كما أن الوظيفة التي شغلها وأهّلته للاطلاع على تفاصيل الفساد، ثم شجاعته في كشفه وكشف المتورطين فيه، ولفته نظر الشعب الذي يعاني من خطره، كلها كانت عوامل حاسمة في جمع الناس حوله وحول مبادئه وشعاراته، إضافة إلى عاملي البلاغة والكاريزما الشخصية التي يتمتع بها بشكل فطري».

الطموح لبلوغ القمة

بعد احتلال سونكو المرتبة الثالثة في انتخابات 2019، بدأ بإصرار مرحلة التحضير لانتخابات 2024 التي أعلن عن نيته خوضها، وذلك بدعم من تحالف «أنقذوا الشعب» (يوي أسكاي وي) الذي يضم شخصيات وازنة من المعارضة مثل عمدة داكار السابق خليفة سال. وبالفعل، اتهم سونكو الرئيس الحالي السنغالي ماكي سال بالسعي لتغيير الدستور من أجل ضمان ولاية رئاسية ثالثة.

وهكذا، في محاولة لوقف ترشّح سال المحتمل لولاية ثالثة، حشدت المعارضة السنغالية، في وقت سابق من العام الحالي، أكثر من 120 حزباً وجماعة سياسية ومنظمة مجتمع مدني، ووقّع الكل ميثاق حركة «إف 24» ضد الترشح المحتمل، وكان سونكو من أبرز خصوم الرئيس الذين حضروا إطلاق التحالف.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدستور السنغالي ينص على أنه «لا يمكن لأحد أن يخدم أكثر من فترتين متتاليتين»، لكن ماكي سال يعتبر أن هذا النص لا ينطبق عليه، بحجة أنه خدم ولايته الأولى قبل التعديل الدستوري.

معارك قضائية

على صعيد آخر، تعود بداية المعارك القضائية الحالية التي يواجهها عثمان سونكو إلى يوم 3 مارس (آذار) 2021، حين مثل أمام المحكمة في العاصمة داكار بتهمة الاغتصاب. إذ كانت عاملة في أحد صالونات التدليك الصحي قد رفعت شكوى ضده، لكنه نفى كل التهم الموجهة إليه، واعتبرها وأنصاره مؤامرة كيدية هدفها منعه من الترشح للرئاسة وتشويه سمعته والنيل من مكانته. وتزامناً مع محاكمته، خرجت مظاهرات حاشدة من أنصاره في داكار وبعض المدن السنغالية، سقط فيها عدد من القتلى والجرحى.

ويرى عبد الأحد أمبينغ أن الإصرار الحالي على استبعاد سونكو من سباق الرئاسة، حتى لو خلا ذلك السباق من الرئيس سال، أو كان ذلك عبر أحكام قضائية، سيقابل بالرفض من قاعدة شعبية ضخمة للغاية من أنصار سونكو. بل سيكون بمثابة لغم قد يفجر أي عملية انتخابية، وتهديد دائم للسلم والأمن الاجتماعي.

وأضاف المحلل السنغالي أن الشباب المتديّن والقيادات الدينية الكبرى ذات النفوذ في البلاد تؤيد ما يعتبرونه «نهج سونكو الإصلاحي الهادف للتخلص من الفساد والإرث الاستعماري المتراكم في أجهزة الدولة ونظامها».

من جانبه، يؤكد الأمين ولد الداه أن «مشروع سونكو لا يهدف فقط إلى تولي المناصب وتغيير القيادات، بل هو مشروع ثوري اجتماعي عميق، صارت قطاعات كبيرة ومختلفة الأفكار والتوجهات تتبناه وتتعاطف معه. لذلك، لن تفلح معه المقاربات الأمنية، لأن الشباب أنصار سونكو متحمسون ومخلصون للمشروع بصدق، ولديهم دائماً استعداد للمواجهة والتضحية. ويعتقد ولد الداه أن ما يحدث الآن في المشهد السنغالي «ثمرة عمل متراكم من سونكو وأنصاره من أسفل إلى أعلى على مستوى المجتمع السنغالي كله، ولاقى هذا الجهد القبول والإيمان، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة، في ظل نظام سال».

يُعتبَر سونكو الآن زعيماً للمعارضة السنغالية،

وذلك في أعقاب تعيين المعارض السابق

إدريس سك رئيساً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي

يُعتبر سونكو الآن زعيما للمعارضة السنغالية وذلك في أعقاب تعيين المعارض السابق إدريس سك رئيساً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي

السنغال... «نموذج أفريقي» بارز في التحوّل الديمقراطي

في دراسة للباحث محمد سالم ولد محمد، المهتم والمتخصص بالشأن السنغالي، تحت عنوان «الديمقراطية السنغالية... أزمة سونكو وأسئلة الثورة الكامنة والمأمورية الثالثة»، يرى ولد محمد أن ما حدث مع عثمان سونكو يظهر أن السنغال، التي عادة ما يروّج لها كواحة للديمقراطية في القارة، تعيش «أزمات كامنة كانت تنتظر الفتيل للاشتعال».

الباحث يوضح أن سونكو يعتمد في خطابه نهجاً ثورياً يلقى القبول الشعبي بشعاراته البراقة، كما يعتمد خطابه على «التشخيص الحاد لأزمات السنغال». ثم يضيف: «عمد سونكو إلى استخدام لغة نقدية حماسية في انتقاد الفساد والتبعية للغرب، وهو ما يلقى قبولاً لدى القطاعات الشبابية من العاطلين وطلاب الجامعات وشباب المهجر، الذين يركز سونكو في خطابه الموجه إليهم على قضايا التعليم والتشغيل، والحريات العامة».

عبده ضيوف

ولد محمد يلحظ أيضاً أن خطاب سونكو يتأثر كذلك بـ«مسحة دينية» جعلته مقرّباً من التيارات الدينية السلفية. وفضلاً عن ذلك، «يُظهر سونكو ارتباطاً بالطريقة المريدية ذات النفوذ الكبير في البلاد، من خلال علاقته الوثيقة بالمرجع الروحي للطريقة خليفة خدي إمباكي، ما كوّن لدى سونكو قاعدة كبيرة من الأنصار المتدينين من توجهات مختلفة».

من جانب آخر، بين العوامل التي رصدتها الدراسة التي عرضت لأسباب صعود سونكو، كان «التفرّد بالساحة المعارِضة»، وذلك «بعد الأحكام القضائية التي جرّدت السياسيين، خليفة سال وكريم واد، من ممارسة حقوقهما الدستورية، والتحالف الضمني بين الرئيس ماكي سال وزعيم الاشتراكيين إدريس سك، وهو - وفقاً لولد محمد - ما مهَّد لسونكو زعامة مطلقة في المشهد السياسي المعارض في السنغال».

ليوبولد سنغور

في المقابل، يرى الباحث أن مشروع سونكو السياسي يشمل أيضاً «نقاط ضعف» رغم شعبيته. أبرزها؛ حداثة التجربة السياسية، إذ «عمره السياسي يقل عن 8 سنوات، كما أنه لا توجد في حزبه قيادات أو وجوه سياسية نخبوية». وثمة عامل آخر يراه الباحث مكمن ضعف، هو حدَّة الخطاب السياسي الذي «قد يعقّد مسألة تحالفه مع الرموز والزعامات السياسية المعارضة العريقة في المشهد السياسي»، فضلاً عن النخب المحسوبة تقليدياً على النظام الحاكم.

محطات وأرقام

نالت السنغال استقلالها عن فرنسا عام 1960. ومنذ الفترة من 1957 إلى 1963، كان لدى السنغال نظام برلماني ذو غرفتين، وكان رئيس مجلس السنغال وقتها مامادو ديا في منصبه منذ عام 1957 مسؤولاً عن السياسة الاقتصادية والداخلية للبلاد كرئيس للحكومة، في حين كان رئيس الجمهورية هو المسؤول عن السياسة الخارجية. ولكن في عام 1963 استعيض عن النظام البرلماني بنظام رئاسي، ومارس الرئيس منذ ذلك الحين مهام رئيس الدولة ورئيس الحكومة.

 

رؤساء السنغال

كان أول رئيس لجمهورية السنغال المفكر والمثقف ليوبولد سنغور، من «الحزب الاشتراكي السنغالي» الذي حكم البلاد حتى عام 1980.

تولى الحكم بعد سنغور الرئيس عبده ضيوف، الذي كان ينتمي إلى الحزب نفسه، وانتهت رئاسته في عام 2000.

بعد عام 2000، تولى المنصب الرئيس عبد الله واد، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي السنغالي، وانتهت رئاسته عام 2012.

الرئيس الحالي ماكي سال، الذي خلف عبد الله واد عام 2012، ينتمي إلى حزب التحالف من أجل الجمهورية. وبعد تكهنات حول احتمالات ترشحه لـ«عهدة ثالثة»، أعلن سال أخيراً أنه لن يترشح للمنصب مجدداً، بعدما جُوبه برفض واسع من المعارضة التي حذّرت من إقدامه على الترشح باعتبار ذلك انتهاكاً للدستور الذي ينص على حصر حكم الرئيس بفترتين متتاليتين.

ماكي سال

على أي حال، بخلاف جيران السنغال من الدول الأفريقية الغربية، ساهم إحجام القوات المسلحة عن التدخل في الشؤون السياسية في ضمان استقرار السنغال منذ الاستقلال. وحالياً، يوجد في السنغال أكثر من 80 حزباً سياسياً، وتعرف تجربة البلاد السياسية بأنها من أنجح النماذج في التحول الديمقراطي في القارة بعد استقلالها. وحقاً، تتمتع السنغال بمكانة جيدة في كثير من المنظمات الدولية، وكانت عضواً في مجلس الأمن للأمم المتحدة في 1988 - 1989 و2015 - 2016. وتقليدياً، تتمتع داكار بعلاقات ودية مع القوى الغربية، ولا سيما فرنسا وأميركا.


مقالات ذات صلة

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

حصاد الأسبوع الدمار في غزة (أ ب)

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع كاثلين هيكس (آب)

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي

«الشرق الأوسط» (اشنطن)
حصاد الأسبوع العلم السويدي يخفق وسط الشرطة والمدنيين (د ب آ)

السويد... عقد من الترحيب ينتهي بقيود صارمة على الهجرة

في مشهد سياسي أوروبي متحول، تقف السويد اليوم شاهدة على أحد أكثر التحولات الجذرية في سياسات الهجرة واللجوء. فالبلد الذي فتح أبواب الهجرة لأكثر من 160 ألف طالب

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع علم "المجلس النوردي" (المجلس النوردي)

تحذيرات في أوساط الاقتصاديين والحقوقيين

> يحتفي الائتلاف الحاكم في السويد بما يعتبره «إنجازاً» في تراجع أعداد طالبي اللجوء، بعدما سجل عام 2024 أدنى مستوى له منذ عام 1985، بواقع 6250 طلباً فقط.


كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)
TT

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن)»، كما قال الناطق بلسان الجيش. وخلال الشرح المتحمس عن هذه الزيارة، سمح الناطق لنفسه بأن يقول إنهم جاؤوا لكي يتعلموا منه العديد من العمليات الحربية. وقال إن بين هذه الجيوش حضر مندوبون من كل من الجيوش؛ الأميركي والألماني والهندي والكندي والتشيكي والبولندي، وغيرها. وعرض عدة مجالات، قال إن جيشه أبدع فيها واستحدث طرقاً حربية سيصار إلى تدريسها في الكليات الحربية في العالم، خصوصاً المعركة ضد الأنفاق والتدمير ومسح الأبنية في قطاع غزة وتخريب الحقول الزراعية والسيطرة التامة على سماء إيران والاغتيال الجماعي لقادة «حماس» و«حزب الله» وقيادة سلاح الجو الإيرانية وعملية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان لقادة «حزب الله» (البيجر والوكي توكي) وغيرها.

لأول وهلة، يُحسب أن الرسالة - أعلاه - موجهة إلى العالم، لكن من يتابع الأوضاع في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين، يدرك أن هذا النشر هو جزء من الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على «الجبهة الثامنة».

إنها الحرب التي تعدّ الأكثر إيلاماً للجيش، لأن «العدو» فيها للجيش الإسرائيلي هو الحكومة واليمين العقائدي الذي يقودها.

يخوض اليمين هذه الحرب منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2009، وفي حينه حاول فرض حرب على إيران، لكن قادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية اعترضوا. فغضب، وراح يحاربهم، في البداية بهدوء وسريّة، لكن الحرب غدت علنية شيئاً فشيئاً. وكان فيها مسؤولون في الحكومة وباحثون وخبراء يهاجمون الجيش ويتهمونه بالتبذير، والجنرالات ينشرون المقالات التي تظهر الحكومة فاشلة وفاسدة.

أيضاً لعبت الشرطة والنيابة والمحكمة دوراً نشيطاً في كشف تورّط نتنياهو في قضايا فساد... وقدمته إلى المحاكمة. فاستعرت المعركة لتتحوّل إلى «حرب شاملة» بين الطرفين، ما جعل اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عضو رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، يقول، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» يوم 8 يونيو (حزيران) 2025: «لدينا قيادة فقدت البوصلة، في الحكومة وفي الجيش». ويضيف: «السياسة الحمقاء المتغطرسة التي يتبعانها، ستشجع أعداءنا على الاستعداد لحرب أخرى ضدنا، وكل هذا بسبب جماعة فقدت طريقها وعقلنتها وحكمتها».

نتنياهو وسموترتش (رويترز)

سموتريتش... والميزانية

أحد أبرز السياسيين في هذه الحرب هو بتسلئيل سموتريتش، الذي مع تشكيل الحكومة أصر على تولي حقيبة وزارة المالية وحقيبة أخرى هي وزير ثانٍ في وزارة الدفاع. وسموتريتش هو الممثل المباشر لليمين العقائدي. لديه أجندة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية وتهجير الفلسطينيين. ومنذ تسلمه مهامه، يخوض حرباً علنية على الجيش بلغت حد رفض العديد من طلبات زيادة الميزانية العسكرية. ثم إنه يتهم قادة الجيش بالتبذير وصرف رواتب عالية، وقام بنشر قائمة الرواتب لنحو 50 قائداً أساسياً، فاتضح أنهم يقبضون رواتب أعلى من رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما قرر الجيش رفع عدد جنود الاحتياط الدائم من 6 إلى 60 ألف جندي، سنة 2026، وطلب تمويلاً من المالية (كل جندي يكلف الجيش 300 دولار في اليوم ومعدل الخدمة لكل جندي يصل إلى شهرين في السنة المقبلة، وهذا البند وحده يكلف مليار دولار)، رفض سموتريتش، قائلاً إن على الجيش إيجاد التمويل من تقليص مصاريفه الأخرى. ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قادة الجيش «يشعرون بالمهانة وهم يستجدون وزير المالية»، علماً بأنه على صعيد شخصي يبدو صبيانياً، ومن الناحية الجماهيرية يفقد الجمهور الذي انتخبه، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه سيسقط إذا أجريت الانتخابات اليوم.

للعلم، سموتريتش هذا حاقد على الجيش. فعام 2005، عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، بينما عمل الجيش على إخلاء مستوطنات قطاع غزة، جاء سموتريتش مع ألوف المستوطنين لمحاربة الإخلاء. ويومذاك، بطش به الجنود وجرّوه على الأرض عندما اعتقلوه. وهو جزء من الحركة التي قامت في حينه لمنع تشكيل حكومة في إسرائيل تقرّر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية مثلما حصل في غزة. وهو يستذكر هذه الحادثة تقريباً في كل خطاب سياسي له، منذ ذلك الحين. ويعدّ رأس حربة في معركة اليمين لتحجيم مكانة الجيش ونفوذه في البلاد.

انتقاد المهنية العسكرية

في إطار هذه المعركة، تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة نشر ضخمة تنتقد الجيش وتظهره فاشلاً مهنياً. ويجنّد اليمين لهذا الغرض مجموعة كبيرة من الجنرالات السابقين، قسم منهم يكتب في معاهد الأبحاث التابعة لليمين، وقسم آخر ينشر مقالاته في وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية.

وأدناه نماذج من هذه المعركة:

العميد أورن سولومون، الذي عيّن رئيساً للجان التحقيق الداخلي في الجيش حول إخفاقات 7 أكتوبر (تشرين الأول) كشف في تقرير للقناة «14» عن أن قيادة الجيش «تتستر على الحقائق وليس صحيحاً الانطباع بأنها أول من تحمل المسؤولية». بل «أخفت الفشل الحقيقي لكونها اتبعت تكتيكاً حربياً خاطئاً منذ البداية... وبدلاً من أن تأمر سلاح الجو بقصف عناصر حماس في أثناء مهاجمتهم البلدات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر 2023، فتشلّ حركتهم وتوقف تقدّمهم، قرّرت شنّ عملية انتقامية لاغتيال قادتها وتدمير مقراتها في شتى أنحاء غزة. وبذا فشلت في حماية مئات من الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس ومئات المخطوفين».

وذكر سولومون أيضاً في التقرير، أنه طلب لقاء رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي والحالي إيال زامير لعرض استنتاجاته، لكنهما تهرّبا من لقائه. ومن ثم راحا يحرّضان عليه، لدرجة أنه قرّر إخفاء تقاريره والوثائق التي اعتمدها بهدف الحفاظ عليها في حال جرى له أي سوء. ورداً على سؤال طرحه عليه صحافي معروف بقربه من نتنياهو: «هل تخشى على حياتك؟ هل تعتقد أن هناك مَن قد يقتلك بسبب هذا التحقيق؟». فأجاب «نعم».

من جهة ثانية، تطرّ ق الصحافي والمؤرخ اليميني عكيفا بيغمان، صاحب كتاب «كيف حوّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، كشف في موقع «ميدا» (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن نتائج تحقيق أجري في لجنة فرعية سريّة للجنة الخارجية البرلمانية، خلال الشهرين الماضيين، تفيد بأن هناك «خللاً بنيوياً» في عملية تأهيل الضباط في الجيش الإسرائيلي. وممّا جاء في تقريره أن الضباط لا يتلقّون تدريبات عسكرية لأكثر من يومين في الأسبوع، بينما يتمتعون بـ«امتيازات دلال لا تلائم جيشاً مقاتلاً»، وأنه في كثير من دورات التعليم التي يمرّون بها ثمة ازدواجية وتناقضات لأن هذه الدورات لا تدار بشكل مهني.

زامير (الجيش الإسرائيلي)

مرحلة بنيامين نتنياهو...استخفاف بالجنرالات وطعن بهم علناً وفي الخفاء

عدوانية متزايدة في عدة اتجاهات

الصحافة الإسرائيلية، أيضاً، تنشر باستمرار تصريحات لوزراء يهاجمون بها قادة الجيش ويهينونهم في جلسات «الكابنيت» (مجلس الوزراء المصغّر)، الذي يقود الحرب، بينما كان نتنياهو صامتاً. ولكن، في يناير (كانون الثاني) 2025 تجرأ وأوقف الجلسة التي هاجم فيها الوزيران إيتمار بن غفير وميري ريجف رئيس الأركان هاليفي، على قراره تشكيل لجان تحقيق داخلية حول أداء الجيش.

وفي شهر مايو (أيار) تعرّض زامير لـ«بهدلة» مماثلة، لكنه ردّ على الهجوم بكلمات قاسية ونابية، ما جعل نتنياهو يلفت نظره ويوقفه عن الكلام في جلسة الحكومة. وحقاً، زامير نفسه لم يسلم من الانتقادات. وعندما اقترح صرف النظر عن إعادة احتلال غزة في نهاية الصيف، اتهمه غلاة اليمين بالتراجع عن وعوده في «تغيير نهج الجيش القتالي وجعله جيشاً هجومياً أكثر». وقالوا إن «الدولة العميقة الليبرالية تمكنت من السيطرة عليه وتدجينه».

في هذه الأثناء، هناك ما تشهده الضفة الغربية من اعتداءات. وهنا لا نقصد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين، بل الاعتداءات اليهودية على اليهود، التي تتصاعد باستمرار وفيها يهتف «شبيبة التلال» الاستيطانية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي «يهود نازيون».

أيضاً، أحد كبار الجنرالات، وكان مسؤولاً عسكرياً يعمل في وظيفة رفيعة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7 نوفمبر 2025)، يقول: «يبدو لي الوصف (فتيان التلال) أو (شبيبة التلال)، رومانسياً بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتكلّم عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسّسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم. إنهم يتصرّفون كما لو كانوا في الغرب (الأميركي) المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجوّلون بقمصان كُتب عليها (شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا)».

وتابع الجنرال: «إنهم لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تماماً للصهيونية، ويرسمون شعارات صهيونازية على الجدران، ويتلقون دعماً من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا ماكينة عمل محكمة وحقيقية. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ بينما يُشعل فتيان آخرون النار في المركبات. ما عاد هؤلاء يكتفون بالاعتداءات على الفلسطينيين، بل أضحوا يعتدون بعنف وكراهية حاقدة على جنودنا وضباطنا، حتى ونحن نحميهم. وكذلك يعتدون على المواطنين اليهود، وليس فقط اليساريين منهم الذين يأتون إلى هنا للتضامن مع الفلسطينيين، بل يعتدون على مستوطنين ممّن كانوا ذات يوم شبيبة تلال لأنهم لا يوافقون اليوم على أساليبهم. وأنا لا أتكلم عن اعتداء واحد أو اثنين. لقد شكا عشرات المستوطنين الذين يتعرضون للاعتداءات منهم. ومن ثمّ، شعوري أن عدوهم الأول هو الجيش».

الرد لا يقل حدة

في المقابل، نجد أن الجيش أيضاً يملك جهاز دعاية يهاجم الحكومة بقوة شديدة ولديه مجموعة كبيرة من الكتّاب والناطقين باسمه، الذين يحذّرون من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها، ويرون أنها «تُضعِف الجيش وتشجع العدو على تكرار الهجمات الشبيهة بهجمة حماس في 7 أكتوبر». كذلك ينتقد هؤلاء الحكومة بشكل لاذع على «فشلها المهني»، ويحمّلونها، رئيساً ووزراء، مسؤولية أساسية عن إخفاقات 7 أكتوبر، ويقولون إنها أدارت الحرب بشكل سيئ وفرضت على الجيش «إطالة الحرب لأغراض بعيدة عن الحسابات الأمنية والاستراتيجية، هدفها سياسي وحزبي للبقاء في الحكم». «وحقاً، الأمر الجوهري الذي يهاجمونها عليه هو: أنها لم تعرف كيف تستثمر المكاسب العسكرية التي وفّرها لها الجيش في مكاسب سياسية».

وهكذا يكتب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في تل أبيب، يوم 17 نوفمبر 2025: «لقد نجح الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن في توجيه ضربة قاصمة لتحالف الشر في جميع جبهات القتال السبع. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى استراتيجية لإرساء أمن طويل الأمد. حتى الآن، فشلت الحكومة الإسرائيلية في صياغة سياسة لما بعد (اليوم التالي)، ما أدى إلى خلق فراغ، ملأته الإدارة الأميركية بكل قوتها».

وأردف جلعاد: «من جهة، لهذا الأمر نتائج إيجابية تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وعملية إعادة الرهائن القتلى، ووقف الحرب في غزة، وتوطيد العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، واحتمال تحقيق انفراج دبلوماسي مع الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التطور إلى أضرار جسيمة، مثل نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بمشاركة دول معادية بقيادة محور تركي - قطري داعم لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار وجود حماس بصيغة جديدة في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال الإضرار بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال نقل قدرات عسكرية غير مسبوقة إلى الدول العربية. في الخلفية، تُبذل جهودٌ من إيران وحزب الله لاستعادة القدرات العسكرية المتضررة خلال الحرب. ولكن الأنكى هو أنه على الصعيد الداخلي، تشهد إسرائيل بقيادة الحكومة سلسلةً من العمليات الهدامة التي تُلحق الضرر بالمناعة الوطنية والاجتماعية، التي تشكل ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. ويشمل ذلك استمرار الانقلاب القضائي وإلحاق الضرر بالمؤسسات القضائية، والحرب على وسائل الإعلام في البلاد، والتدخل في أنشطة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، وغيرها».


إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
TT

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة «البنتاغون» (وزارة الحرب الأميركية) عام في 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجاً جديداً تماماً عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأميركية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسؤول الذي يُمسك عملياً بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأميركي، من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي، رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية قبطية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، بدءاً من شركة «تيل مي نيتوورك»، مروراً بـ«كلاوت»، ووصولاً إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في آن واحد.

تعيين إميل مايكل وكيلاً لـ«البنتاغون» للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل كسرٌ لخطٍ طويل من الشخصيات المنتمية تقليدياً إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أنّ الرئيس دونالد ترمب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في الحكومة الأولى - يعدّ آخرون أنّ ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأميركية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار، وليس فقط تنظيره. وأدناه نبذة عن مسيرة مايكل نحو هذا المنصب، وتكوينه السياسي ومسارة المهني ومنطق تعيينه وتأثير خلفيته القبطية المصرية في شخصيته ودوافعه.

مهاجر في قلب سردية النجاح

ولد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكّرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة.

وعام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي، بولاية فلوريدا.

الانتماء القبطي ليس تفصيلاً هامشياً، بل جزء أساسي في تكوينه السياسي وطريقة تفكيره. وفي شقّ من الهوية القبطية، عند البعض في مصر، ثمة بالهامشية السياسية والبحث عن الحماية عبر «المؤسسات القوية». وهذا انعكس لاحقاً على توجهات مايكل في السياسة الأميركية، وخاصة في علاقة الأقليات بالدولة الحديثة، وقيمة وجود دولة مركزية قادرة على فرض النظام.

وكان مايكل يشير دائماً في مقابلاته القليلة حول خلفيته، إلى أنّ تجربة الهجرة منحته ثقافتين من زاويتين: إيماناً أميركياً تقليدياً بالفرصة الفردية، وحسّاً «واقعياً» في فهم أخطار انهيار الدول وضعف مؤسساتها، وهو أمر لا يمرّ عادة في تكوين المسؤولين الأميركيين الذين يترعرعون داخل «الاستقرار المؤسساتي» الأميركي.

هذه الخلفية تفسّر أيضاً شغفه المبكر بالدفاع الوطني. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت غيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجيستية، في مسار غير شائع إطلاقاً.

جمهوري من هارفارد... إلى ستانفورد

درس إميل مايكل في جامعة هارفارد العريقة، وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنّه فور تسلمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر لجمهوريي هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرة سياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقاً في إدارة الشركات.

بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا.

هناك ازداد تماهيه مع التيار البراغماتي داخل الحزب الجمهوري، الذي يركّز على الاقتصاديات الحديثة والابتكار، وليس فقط على خطاب «القيَم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يميناً اقتصادياً وابتكاراً تكنولوجياً، كان أساسياً لاحقاً في فهم لماذا رأى ترمب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية.

المسيرة المهنية

على امتداد 25 سنة، بنى إميل مايكل سمعة استثنائية في عالم الشركات العالية النمو، حيث بدأ مسيرته المهنية مستشاراً استراتيجياً في شركة «كونفيرجينغ» التابعة لشركة «جيميني» للاستشارات. وبعد تخرجه في كلية الحقوق، عمل مايكل مساعداً في مجموعة الخدمات المصرفية الاستثمارية للاتصالات والإعلام والترفيه في «غولدمان ساكس» بنيويورك حتى عام 1999. ثم عمل في مشاريع استشارية للاندماج والاستحواذ العدائي، وفي تمويل الأسهم والديون المصرفية. ومن 1999 حتى 2008 شغل مايكل منصباً تنفيذياً في شركة «تيل مي نتوركس» الناشئة للاتصالات عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات. وكانت تلك الشركة رائدة في تقنيات التعرف على الصوت، وبيعت لـ«مايكروسوفت» بـ800 مليون دولار عام 2007.

بعدها، عام 2012، أصبح رئيساً للعمليات وعضواً في مجلس إدارة شركة «كلاوت»، منصة تحليل النفوذ الرقمي (التي سبقت عصر البيانات الضخمة)، ليغادرها عام 2013، للانضمام إلى شركة «أوبر». وحقاً، بيعت «كلاوت» إلى شركة «ليثيوم» مقابل نحو 200 مليون دولار في أوائل عام 2014.

ثم انضم مايكل إلى «أوبر» نائب رئيس أول للأعمال، وكان بمثابة الذراع اليمنى لرئيسها التنفيذي، ترافيس كالانيك، وساعد الشركة على جمع ما يقرب من 20 مليار دولار. وللعلم، كان مايكل لاعباً رئيساً في تطوير جهود «أوبر» في الصين، حيث استثمر ملياري دولار لتصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار عام 2016. كذلك عمل على بناء شراكات مع «بايدو» وشركات صينية أخرى. وعام 2016 قاد مايكل عملية دمج «أوبر الصين» مع منافستها المحلية «ديدي تشوكسينغ». وفي 2021، جمعت شركة «ديدي» 4.4 مليار دولار في طرحها العام الأولي.

تقدير قدراته التسويقية

عام 2014 اختير مايكل واحداً من «أكثر الأشخاص إبداعاً في مجال التسويق» وواحداً من «أكثر 100 شخص إبداعاً في مجال الأعمال» من قِبل شركة «فاست».

وفي عام 2017، ساعد مايكل في التفاوض على صفقة مع «ياندكس»، أكبر شركة تكنولوجيا وأشهر محرّك بحث على الإنترنت في روسيا – هي المعروفة باسم «غوغل روسيا» - حيث امتلكت «أوبر» 36.6 في المائة من كيان مشترك لمشاركة الرحلات في روسيا. واستثمرت «أوبر» 225 مليون دولار، واستثمرت «ياندكس» 100 مليون دولار.

رأس المال «المخاطر» يدخل «البنتاغون»

عام 2014، عُيّن إميل مايكل وثمانية آخرون في «مجلس أعمال الدفاع» التابع لـ«البنتاغون». انضمّ الثمانية إلى خمسة عشر عضواً من أعضاء المجلس، الذي أُسس عام 2002 لتقديم استشارات مستقلة بشأن القطاع الخاص. وكان مايكل الوحيد من بين المعيّنين الجدد الذي يتمتع بخبرة في مجال الشركات الناشئة.

وبالفعل، لعبت خلفيته في الاستثمار بشركات الذكاء الاصطناعي، و«البلوك تشين»، واللوجيستيات، والأنظمة الرقمية... وتحديداً، في المجالات التي تُعدّ اليوم قلب المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دوراً كبيراً في جعله - في نظر فريق ترمب - «المختبر العملي» لقيادة سباق التكنولوجيا العسكرية، وهو ما أغرى ترمب بوضعه في رأس منظومة الابتكار العسكري.

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أعلن ترمب - وكان لا يزال رئيساً منتخباً - عن نيته ترشيح مايكل لمنصب وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، وأكد مجلس الشيوخ ترشيحه في مايو (أيار) 2025. وفي أغسطس (آب)، أصبح قائماً بأعمال «مدير وحدة الابتكار الدفاعي».

واليوم، يُعد منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة أخطر منصب تكنولوجي في الحكومة الأميركية. فهو الذي يحدّد اتجاهات الاستثمار التكنولوجي، وأولويات «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وبرامج الأسلحة الاستراتيجية، وتوازن القدرة الأميركية مقابل الصين وروسيا.

ولفهم أسباب اختيار ترمب لمايكل، يرى البعض أنه يجب النظر إلى سمات الشخصية مقابل حاجات المرحلة. وفي ظل الحاجة إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»، ويُنظر إليه كمن يستطيع اختصار سنوات من الدورة البيروقراطية في وزارة الحرب.

وفي عهد فتح الأبواب للقطاع الخاص، اتجه ترمب أيضاً خلال ولايته الثانية إلى جعل الابتكار العسكري يعتمد على الصناعة الخاصة لا على مختبرات الدولة فقط، وهو بالضبط ما يجسده مايكل في هذا النهج. وطبعاً، يضاف إلى ما سبق أن خبرته العالمية، ولا سيما مع الصين وروسيا، منحته نظرة دقيقة على نماذج الابتكار لدى الخصوم.

مع هذا، يثير تعيين مايكل في منصبه جدلاً داخل واشنطن. فبعض الأصوات ترى في تعيين رجل أعمال بهذا الانغماس في رأس المال المخاطر، خطوة قد تعمّق نفوذ الشركات على حساب القرارات الدفاعية. ثم إن موقفه الحازم من الصين - بعدما حذر من أنها تهدف إلى «احتكار الذكاء الاصطناعي العسكري» خلال 10 سنوات - قد يدفعه إلى قرارات سريعة وغير تقليدية، بعضها يزعج التيارات التقليدية.

خلفيته ورؤيته لـ«البنتاغون»

من جهة ثانية، مع أن مايكل لا يقدّم نفسه بوصفه «سياسياً هوياتياً»، ورغم أنه شخصية محافظة سياسياً، فإنّ تأثير هويته واضح. ذلك أن خلفيته بصفته قبطياً مهاجراً جعلته، بحسب مقرّبين، أقرب لفهم أهمية «توازن القوة» في المجتمعات الهشّة، ما جعله يؤمن بأن التفوّق العسكري الأميركي هو أحد صمامات استقرار الأقليات حول العالم.

هذا البعد له تأثير ضمني لكن مفهوم في قراره بالدخول إلى قطاع الأمن القومي، وينعكس في دعمه لبرامج الدفاع غير التقليدية، ولتطوير تقنيات يمكن أن تمنع الحروب قبل وقوعها. وعلى عكس كثير من التكنولوجيين الأميركيين الذين يملكون حسّاً «ليبرالياً » تجاه الأمن القومي، ينظر مايكل إلى الجيش كـ«قوة استقرار»، وليس فقط كمجرد مؤسسة عسكرية.

ومن ثمّ، من الآن وحتى 2030، تشير كل المؤشّرات داخل وزارة الحرب إلى أنّ مايكل يخطط لثلاثة محاور حاسمة:

- تفعيل «نظام الابتكار السريع»، عبر تحويل «البنتاغون» إلى بنية مشابهة لشركات التكنولوجيا، في اتخاذ القرارات السريعة، وتجارب متكررة، ونسخ أولية، ثم تصنيع.

- إعادة توجيه وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) نحو الذكاء الاصطناعي العسكري الكامل، ليس فقط كأداة دعم، بل كمكوّن قتالي مستقل.

- عسكرة البيانات، عبر تطوير أنظمة ميدانية تعتمد على بيانات اللحظة، بما يشبه نموذج «أوبر» في مراقبة الحركة البشرية، لكن في ساحات الحرب.

ولهذا بالضبط، نجده اليوم في رأس الهرم التكنولوجي للولايات المتحدة، في لحظة تتقرر فيها ملامح القرن الأميركي أو نهايته.


كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)
TT

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي شو وديفيد هوني وكاثلين هيكس، الذين شكّلوا المسار المؤسسي التقليدي خلال العقد والنصف الماضيين.

مايكل غريفين (2018 - 2020) العالم الصاروخي، هو نموذج «العالم الكلاسيكي» داخل المؤسسة الدفاعية الأميركية. فيزيائي صواريخ، ومدير سابق لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ورجل قائم على المدرسة البحثية الثقيلة.

كان تركيزه على الفضاء، والصواريخ، والأنظمة الفرط صوتية، وتطوير أنظمة الردع الاستراتيجي. والفارق الجوهري بينه وبين مايكل يكمن في الخلفية: غريفين ابن المؤسسات الأكاديمية والعسكرية التقليدية، بينما مايكل آت من شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، ما يجعله أكثر ميلاً للسرعة والمخاطرة وتبني الابتكار التجاري.

هايدي شو (2020 - 2023) سيدة المنظومات الدفاعية، جاءت من خلفية إدارية - تكنولوجية تمتد لعقود داخل «البنتاغون»، مركّزة على الدفاع الصاروخي والسيبراني، ومثّلت «الاستمرارية» أكثر من التغيير، بينما يجسد مايكل «القطيعة» مع الإرث المؤسسي. إذ إنه لا ينتمي لتقاليد «البنتاغون»، بل لثقافة استثمارية عالمية، ما يجعله أقرب إلى مقاربة «الابتكار المفتوح» مع الشركات الناشئة.

ديفيد هوني (2023 - 2025) المهندس البيروقراطي، يُعدّ خبيراً في البيروقراطية الدفاعية، عارفاً بتعقيدات الهياكل الداخلية ودوائر الاستحواذ. وظيفته كانت تحسين الانسيابية لا تغيير الفلسفة. أما مايكل فيقدّم رؤية انقلابية: تسريع القرارات، ونقل تقنيات القطاع الخاص مباشرة إلى ساحة القتال، وتخفيف دور البيروقراطية لصالح دينامية الشركات.

كاثلين هيكس (2021 - 2025) نائبة وزير الدفاع، تعد العقل الاستراتيجي المدني، ومع أنها لم تشغل الموقع نفسه، لكنها قادت بحكم موقعها، الإشراف على ملفات التكنولوجيا والتحوّل الدفاعي.

أيضاً مثلت هيكس المدرسة الاستراتيجية الليبرالية - التقليدية في الأمن القومي، ويمثل مايكل المدرسة المحافظة - التجارية، المتمحورة حول المنافسة مع الصين والتفوق الصناعي.

أخيراً، في حين يمثل الأربعة المذكورون خط الاستمرارية المؤسسية، يأتي إميل مايكل من خط الاختراق التكنولوجي التجاري. فهو أول من جمع بين خبرة وادي السيليكون والعمل المباشر في ساحات الدفاع، ما يجعل تعيينه انتقالاً من «عقود البحوث البطيئة» إلى «سباق الزمن التكنولوجي» في مواجهة الخصوم الدوليين للولايات المتحدة.