القوى السياسية العراقية حائرة بين دعم السوداني والخوف منه

وسط الرهان على تحسن المناخ الإقليمي

جانب من قمة جدة (رويترز)
جانب من قمة جدة (رويترز)
TT

القوى السياسية العراقية حائرة بين دعم السوداني والخوف منه

جانب من قمة جدة (رويترز)
جانب من قمة جدة (رويترز)

الأجواء التي تهيمن على المشهد السياسي العراقي بعد نحو 7 أشهر على تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، تمضي باتجاهات مختلفة تتناقض أحياناً فيها المواقف والرؤى والتطلعات التي كثيراً ما تتناقض بين دعم السوداني من جهة والخوف منه من جهة أخرى. وبين الموقفين المتباينين حيناً والمتناقضين حيناً آخر يبقى موقف زعيم التيار الصدري غامضاً إلى حد بعيد، لا سيما بعد ظهور جماعة دينية متطرفة مذهبياً، هي جماعة «أصحاب القضية». وفي ما يخص موقف الصدر، الذي كان انسحب من البرلمان العام الماضي مع أنه فاز بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات أواخر عام 2021، فإنه يرتبط بمواقف قوى الحراك المدني و«قوى تشرين» التي لا تزال تنتظر ما يمكن أن يصدر من الصدر من موقف حيال ما يجري لكي تحدد مسارها اللاحق. ولكن يتضح من خلال ما يجري، أنه بينما تجنّب السوداني إجراءات التغيير التي أحدثها في مختلف مؤسسات الدولة الكوادر الإدارية التي تنتمي إلى التيار الصدري، فإن الصدر لم يأمر هذه الكوادر، ومن بينهم موظفون كبار في الدولة بالانسحاب من الحكومة، مثلما أمر نوابه الانسحاب من البرلمان.

محمد شياع السوداني خلال القمة (رويترز)

طوال الأشهر السبعة الماضية، وعلى الرغم من المواقف العديدة التي اتخذها السيد مقتدى الصدر حيال قضايا عراقية مختلفة - كانت في الغالب دينية واجتماعية وفكرية وسياسية - فهو، على مستوى أدنى، لم يتبن موقفاً واضحاً من حكومة محمد شياع السوداني لا سلباً ولا إيجاباً، وإن كان أشار غير مرة إلى الفساد والفاسدين، الذين يقصد بهم خصومه من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي... باستثناء السوداني.

واستناداً إلى هذه المؤشرات وسواها الكثير، يبدو السوداني في عجلة من أمره لإحداث تغيير كبير في مختلف الميادين والمجالات طبقاً للبرنامج الحكومي الذي شُكّلت حكومته بموجبه. ومع أن رئيس الحكومة يدرك أنه أمام تحديات كبيرة، لا سيما في ما يتعلق بالانتخابات المقبلة. وللعلم، انتخابات مجالس المحافظات مقرّرة بنهاية العام الحالي، أما انتخابات البرلمان فينتظر أن تُجرىَ في وقت لم يحدد بعد، لكنه قابل للتحديد من قِبل الأطراف السياسية طبقاً لما يرتبط بمصالحها الخاصة.

السوداني، بدا جاداً وصارماً في تطبيق برنامجه الحكومي، الذي بدأ الكثير من مفرداته - خصوصاً بالجانب الخدمي - يرى النور ويتحوّل مصدر قبول لدى المواطن العراقي، إلا أن ما يمكن أن يغدو منجزات بارزة للعيان وملموسة في الشارع ولدى المواطن، قد لا يكون بالضرورة مقبولاً ومرضياً عنه لدى الطبقة السياسية.

إن رئيس الحكومة العراقية الذي يسعى لاستثمار أجواء الهدوء في المنطقة، وبالأخص، بعد التفاهم الأخير بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين، يدرك أن أجواء الهدوء باتت بالنسبة للقوى السياسية سلاحاً ذا حدين. فمن جهة تساعد هذه الأجواء في إمكانية استعادة الثقة بين المواطن والطبقة السياسية؛ وهو ما يمكن أن يعزّز رصيد هذه الطبقة في الشارع. غير أنه في المقابل سيرفع رصيد رئيس الحكومة؛ ما يضع قيد الاختبار تلك القوى السياسية، ولا سيما الشيعية منها، التي تولّت ترشيحه للمنصب بوصفها الكتلة البرلمانية الأكبر عدداً.

الرؤية التي تنطلق منها هذه القوى، التي تنضوي تحت تسمية قوى «الإطار التنسيقي الشيعي»، أن رصيد السوداني الجماهيري لن يؤثر على المكوّنين السني والكردي من منطلق أن السوداني الذي يتزعم تياراً ناشئاً اسمه «تيار الفراتين» حاز مقعدين في الانتخابات الماضية، لكنه سيأكل كثيراً من جرف هذه القوى في المناطق والمحافظات الشيعية.

واستناداً إلى هذه الرؤية، فإن التأييد الوطني الذي سيحظى به السوداني في مختلف محافظات العراق سينعكس عليها سلباً، لا سيما أن السوداني في حال شارك في أي انتخابات سيحصل على مقاعد كثيرة. وهذا أمر لا يقلق السنّة والكرد، لكنه يقلق حلفاءه الشيعة.

«الدبلوماسية المُنتجة»

في الحقيقة، منذ تولّى محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة، لوحظ أنه رسم طريقاً في التعامل مع المحيط العربي والإقليمي والدولي عبر ما أسماه «الدبلوماسية المنتجة». وهي دبلوماسية تقوم على أساس استثمار الأجواء العامة في المنطقة والعالم بطريقة تجعل من أي تحرك يبنى على قاعدة من التفاهمات الصحيحة التي تؤدي في النهاية إلى مُخرجات سليمة.

وبناءً عليه؛ في ضوء تنامي العلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران بعد توقيع الاتفاق بينهما الذي كان لبغداد دور بارز، أكد السوداني عبر اتصال هاتفي مع ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، على أهمية استثمار أجواء الهدوء السياسي الذي تمر به المنطقة، والذي يسمح بإمكانية طرح مشاريع كبرى. وهذا بالضبط ما فعله أثناء مشاركته في «قمة جدة» أخيراً، حين دعا إلى تشكيل تكتل اقتصادي عربي. وكذلك دعا في جدة إلى تطبيق ما أسماه «طريق الحرير»، الذي جرى بالفعل الإعلان عنه الأسبوع الماضي عبر مؤتمر لوزراء النقل لدول الخليج العربي ودول الجوار الجغرافي للعراق.

بشأن مدى ما يمكن أن تحققه الدبلوماسية المنتجة من نتائج إيجابية للعراق والمنطقة، حاورت «الشرق الأوسط» الأكاديمي العراقي الدكتور إحسان الشمّري، رئيس مركز التفكير السياسي. وممّا قاله الشمري أن «دبلوماسية الهاتف تأتي في إطار تنسيق المواقف بين العراق من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى، خصوصاً أن العراق بات يستشعر الاستقرار في المنطقة نتيجة المصالحة ما بين السعودية وإيران... المملكة العربية السعودية تقدم حزم مبادرات من أجل استقرار المنطقة، وهذا يصب في مصلحة العراق بشكل مباشر وغير مباشر، من منطلق أن استقرار المنطقة سيساهم على استقرار داخلي في العراق على كل المستويات».

وأضاف الشمّري «هناك أمر آخر يؤكد مواصلة العراق العمل على بناء علاقات جيدة مع المنظومة العربية، وبالذات مع المملكة العربية السعودية كدولة ضامنة. إذ لا بد للعراق أن يعتبر السعودية دولة ضامنة يمكن أن تكون مساهمة بفاعلية في إزالة الأزمات وتفكيك الأزمات الاقتصادية في الداخل العراقي».

أما أستاذ الإعلام الدولي الدكتور غالب الدعمي، فقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك هدوءاً كبيراً في المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط؛ وهو ما يساعد العراق على لعب دور في سياق استثمار هذا الهدوء عبر بناء علاقات متوازنة». وأردف الدعمي «في هذا الوقت، بالذات، يمثل العراق نقطة اللقاء بين المنطقة العربية وإيران... ذلك أنه يملك علاقات جيدة مع إيران، وكذلك لديه علاقات بدأت تتحسن مع الدول العربية، ولا سيما الدول الخليجية منها. وبالتالي، فإن الطريق الأقرب لنمو هذه العلاقات تمر عبر العراق، ومن ثم، فهدوء العراق واستقراره إنما هما جزء من هذا الهدوء».

وفي سياق متصل، اعتبر الدعمي أن تحسن العلاقات بين دول الخليج العربي إيران ينعكس إيجاباً بالعراق. وقال إنه «عندما يتحقق الاستقرار يبدأ الاستثمار... حيث تنطلق المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها من المشاريع الكبرى. ونحن في العراق بأمس الحاجة إلى ذلك... وعلى وجه الخصوص، في مناطق البصرة والمثنى ونينوى وديالى وصلاح الدين، وغيرها من المناطق والمحافظات في العراق».

التنمية «طريق حرير» عراقية الهوية

على صعيد ثانٍ، في بغداد، لبّت عشر دول عربية وشرق أوسطية ممثلة بوزراء النقل فيها، هي دول الخليج العربي الست، ودول «الجوار الجغرافي» للعراق - أي سوريا والأردن وإيران وتركيا - الدعوة التي أطلقها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

السوداني كان قد أطلق في جدة، من خلال كلمته أمام «القمة العربية» الأخيرة، دعوة إلى عقد مؤتمر لوزراء النقل في هذه الدول الخليجية و«الجوارية» العشر؛ وذلك بهدف إطلاق ما أسماه مشروع «طريق التنمية» أو القناة الجافة. وهذه الطريق - أو القناة الجافة - التي تمتد على مسافة 1200كم من ميناء الفاو الكبير بمحافظة البصرة في أقصى الجنوب العراقي إلى أقصى الشمال العراقي من جهة محافظة نينوى. ومن محافظة نينوى إلى تركيا ومن إلى أوروبا.

وتشمل هذه «الطريق - القناة» خط سكك حديدية وطريقاً برّية لنقل البضائع تضاهي إلى حد كبير مبادرة «الحزام والطريق» الصينية... ولكن بنسخة عراقية. ومما ذكره السوداني خلال كلمته في قمة جدة أن «العراق سيستضيف مؤتمرات عدةً، منها مؤتمر (بغداد 2023) للتكامل الاقتصادي والاستقرار الإقليمي». وذلك قبل أن يدعو القادة العرب جميعاً، إلى عقد القمة العربية لعام 2025 في بغداد، «التي تتطلع إلى احتضان الأشقّاء العرب في بلاد الرافدين».

رئيس الحكومة العراقي أورد في مقاله الذي نشرته «الشرق الأوسط» قبل يومين من عقد القمة العربية، القول «... بدأنا العملَ على مشروع طريق التنمية الاستراتيجي لربط ميناء الفاو مع الحدود التركية، ومنها إلى أوروبا. وتستعد بغدادُ لاحتضان اجتماع يضمُّ وزراءَ نقلِ دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا وسوريا والأردن أواخر هذا الشهر؛ لبحث هذا المشروع الاستراتيجي وتنفيذه لما فيه من ترسيخ لآفاق التعاونِ الاقتصادي الإقليمي، وخدمةٍ لمصالحِ هذه البلدان وشعوبها». وبيّن أن «كل هذا التعاون الاقتصادي والسياسي والرياضي مع محيطنا العربي يدلُّ على رغبةِ العراق الصادقة في الالتحام مع أشقائه العرب، بما يضمن السلامَ والرخاء لنا جميعاً، ولشعوبنا التواقة للاستظلالِ بمظلة واحدة تجمعها من جديد».

مؤتمر المستثمرين...

أيضاً، قبل بضعة أسابيع أكد السوداني خلال مؤتمر للمستثمرين العرب والأجانب أن «الحكومة تعمل بشكل جادّ لتحرير العراق من الاقتصاد الأحادي، من خلال تفعيل باقي القطاعات، لا سيما الزراعة والصناعة لدعم الاقتصاد». إلا أنه أشار في الوقت ذاته إلى أن الحكومة «لن تلجأ إلى خصخصة تجلب آثاراً اجتماعية وسياسية، ولن تثقل كاهل المستثمر بسبب العمالة المتوفرة». وشدد رئيس الحكومة على أولوية «الإصلاح الاقتصادي»؛ إذ قال «لا يمكن أن نبقى أسرى للاقتصاد الأحادي الذي يعتمد على إيرادات النفط، ولا بدّ أن نفكر في قطاعات أخرى، وأهمها الصناعة والزراعة... لأن العراق بلد صناعي تتوفر فيه البنى التحتية والموارد الطبيعية غير المستغلة».

وعن قدرات العراق الصناعية وثرواته الطبيعية التي يجب أن تستثمر، قال إن البلاد هي «الأولى على مستوى احتياطي الكبريت، والثاني على مستوى الفوسفات، ثم أن السيليكا متوافرة بنقاوة 98 في المائة»، قبل أن يذكّر الحضور والمستمعين بأن العراق يزخر بـ«كفاءات وخبرات وموارد طبيعية وبشرية تجعله قادراً على خلق صناعة وطنية متطورة».

الحائرون بين الدعم والخوف

وسط هذا كله، غير مرة خاضت القوى السياسية والبرلمانية مع السوداني «اختبار قوة» بهدف معرفة أين يمكن أن يصل في مجال المضي بتنفيذ ما كان قد طرحه من برنامج حكومي طموح. والمعروف، أن القوى السياسية العراقية اعتادت في الماضي على برامج حكومية تبدو مماثلة من حيث المفردات والخطط، لكنها غالباً تبقى مجرد كلام إنشائي لا يُنفَّذ منه شيء. أما السبب خلف تعذّر التنفيذ، فغالباً ما يتعلق بمبّررات مثل قوى الإرهاب مرة والمؤامرات الداخلية والخارجية مرة أخرى، ومعها الذريعة المتكررة التي هي «قلة التخصيصات»، ناهيك من الغول الدائم... أي الفساد المالي والإداري في البلاد.

في أي حال، يبدو أن طُموح السوداني الطَّموح جداً يدفعه للتعامل مع مفردات البرنامج الحكومي بطريقة تختلف عن المرات السابقة. وهكذا، بات رئيس الحكومة، بالإضافة إلى طرحه رؤى مستقبلية تبدو قابلة للتطبيق، باشر حقاً في تنفيذ العديد من المشاريع الخدمية التي بدأ المواطن يلمسها بشكل واضح في عموم المناطق، وبالأخص، المناطق والأحياء الشعبية.

وفي ضوء هذا الواقع، انقسمت القوى السياسية العراقية بين فئتين:

- الفئة الأولى، التي تريد الاستمرار بدعمه من منطلق أنها هي التي رشحته، وبالتالي فإن نجاحه يُحسب لها.

- الفئة الأخرى، التي تضم القوى الأخرى، لعلها الغالبية، التي تعتقد - أو يعتقد بعضها - أن مواصلة دعمه من دون شروط موضوعة على السوداني ستجعله يتمرد تماماً، خصوصاً أن الناس تؤيد «الحاكم القوي» القادر على تحقيق منجزات ومتابعة ما يجري بدقة وحزم.

والواقع، أن السوداني أعلن - مثلاً - نيته إجراء تعديل وزاري، وقبلها إعادة النظر بالمديرين العامين في دوائر الدولة. وبالفعل، أقال اكثر من 60 مديراً عاماً بعد ثبوت تقصيرهم، بينما ينتظر الوزراء والمحافظون إعادة النظر بهم، وهذا الأمر يحصل للمرة الأولى. ولعل الأهم هنا، أنه سبق لرئيس الحكومة أن أطلق تصريحات تعهّد فيها بألا يجامل أي زعيم أو حزب بالتعديل الوزاري... «ومن يريد أن يرفض فليرفض». وبالتالي، بينما تستمر حيرة القوى السياسية بين دعم السوداني من جهة والخوف منه من جهة أخرى، يُربك الاتفاق على إجراء انتخابات مجالس المحافظات بنهاية العام الحالي المشهد السياسي وخريطة التحالفات السياسية.

السيد مقتدى الصدر (أ.ف.ب)

من ملامح ارتباك المشهد السياسي العراقي

> من أبرز ملامح الارتباك في المشهد السياسي العراقي هو الكيفية التي ستخوض بموجبها مختلف الكتل انتخابات مجالس المحافظات (الانتخابات المحلية) المرتقبة. وبسبب الغموض الواضح يتوقع المتابعون فتح البعض معارك تبدو جانبية لأول وهلة، لكنها سرعان ما تتحول إحدى العلامات الفارقة في خريطة التحالفات والتحولات السياسية.

هذه الانتخابات لمجالس المحافظات ستكون إلى حد كبير بديلاً عن الانتخابات البرلمانية التي يبدو أنها لن تنظّم قبل نهاية الدورة الحكومية الحالية (ثلاث سنوات ونصف السنة على الأقل).

ولذا؛ فإن القوى السياسية البرلمانية؛ من أجل المحافظة على أوزانها، والتحضير من خلال عدد مقاعدها في مجالس المحافظات المقبلة لأي انتخابات برلمانية مقبلة، ستعمل على التأهب للمعركة الانتخابية من زوايا مختلفة.

واحدة من هذه الزوايا المعركة داخل البرلمان بشأن الميزانية. إذ على الرغم من الخلافات المعروفة داخل البرلمان بشأن الميزانية سواءً لجهة العجز أو سعر صرف الدولار أو أسعار النفط أو كونها ثلاثية (للسنوات الثلاث المقبلة)، ثمة خلافات تتعلق بالمناقلات بين الوزارات والمحافظات؛ وهو ما يعني حاجة القوى السياسية من كل الأطراف والأطياف إلى الحصول مبكراً على أموال إضافية لهذه المحافظة أو تلك تخضيراً لتلك الانتخابات.

جانب آخر يمثل خطورة قائمة بحد ذاتها، هو ما أعلنه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أخيراً عن أن الخلاف بينه وبين خصومه «انتقل من الشق السياسي إلى العقائدي». ولعل ما يقصده الصدر بهذا الكلام هو أن الذين يلقَّبون بـ«أصحاب القضية» - الذين يصرّون رغم تكفيرهم من قِبله على أنه هو «المهدي المنتظر» - يهدفون إلى إبعاده عن المشهد السياسي في حال فكر بالعودة إليه ثانية، وذلك عبر الانشغال العقائدي بقضية خطيرة عند الشيعة. وللعلم، يعتبر الصدر أن هؤلاء مدفوعون من قِبل خصومه في بعض الفصائل المسلحة التي يسميها هو «الميليشيات الوقحة»، ولكن من دون أن يحدد هويتها بالضبط. ومع أن الصدر كرّر مراراً أنه ليس مرجعاً ولا مجتهداً ولا معصوماً، لم ينفعه كل هذا في دحض ما يدعيه هؤلاء بين فترة وأخرى بأنه هو «المهدي المنتظر».

منذ تولّى محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة لوحظ أنه رسم طريقاً في التعامل مع المحيط العربي والإقليمي والدولي عبر ما سمّاه «الدبلوماسية المنتجة»


مقالات ذات صلة

العراق: «كتائب سيد الشهداء» توقف عملياتها و«الفتح» يرفض حل «الحشد»

المشرق العربي عرض عسكري للجيش العراقي و«الحشد الشعبي» في الموصل مؤخراً (أ.ف.ب)

العراق: «كتائب سيد الشهداء» توقف عملياتها و«الفتح» يرفض حل «الحشد»

في حين أكدت كتائب «سيد الشهداء»، أحد الفصائل المسلحة المنضوية في «محور المقاومة»، توقف هجماتها ضد إسرائيل، رفض تحالف «الفتح» الذي يقوده هادي العامري حل «الحشد».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي المشهداني لدى استقباله السفير السعودي في بغداد (البرلمان العراقي)

المشهداني يدعو إلى تعزيز التعاون بين بغداد والرياض

دعا رئيس البرلمان العراقي الدكتور محمود المشهداني إلى إيلاء التعاون مع المملكة العربية السعودية أهمية قصوى في هذه المرحلة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي جنديان عراقيان مع آلية يقفان عند نقطة حراسة على الحدود العراقية - السورية 5 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

العراق: مساعٍ لتطوير المؤسسة العسكرية

كشفت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عن الحاجة لتطويع عشرات الآلاف بالجيش وسط تحديات أمنية إقليمية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي تحذيرات عراقية من عودة «داعش»

تحذيرات عراقية من عودة «داعش»

تخشى بغداد أن يعيد «داعش» تنظيم صفوفه بعدما استولى على كميات من الأسلحة نتيجة انهيار الجيش السوري.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس وزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

السوداني يعلن استئناف عمل بعثة العراق الدبلوماسية في دمشق

أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مساء الخميس أن البعثة الدبلوماسية العراقية «فتحت أبوابها وباشرت مهامها في دمشق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».