خيارات دمشق الضيقة في «وحدة الساحات» مع لبنان

هل تعتمد «الحياد» كما في غزة أم تكرر سيناريو 2006؟

لوحة إعلانية في طريق بدمشق تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو الماضي (غيتي)
لوحة إعلانية في طريق بدمشق تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو الماضي (غيتي)
TT

خيارات دمشق الضيقة في «وحدة الساحات» مع لبنان

لوحة إعلانية في طريق بدمشق تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو الماضي (غيتي)
لوحة إعلانية في طريق بدمشق تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو الماضي (غيتي)

هل يدعم النظام السوري «حزب الله» اللبناني في حال وسعت إسرائيل حربها على غزة لتشمل لبنان بعدما توعدته بـ«صيف ساخن»؟ هل يكرر النظام ما قام به خلال حرب يوليو (تموز) 2006 بدعم الحزب عسكرياً ولوجيستياً ومالياً، أم سيتخذ موقف «الحياد» كما فعل تجاه حرب غزة؟ هل تستجيب دمشق لـ«ضغوط إيرانية هائلة» بفتح جبهة الجولان وتنخرط بالحرب في إطار «وحدة الساحات» بقيادة طهران أم تواصل موقف النأي بالنفس؟

يبدو البحث عن إجابات هذه الأسئلة ملحّاً في ظل الترقب الشديد لما قد يحدث في جنوب لبنان بعد تصاعد القصف المتبادل عبر الحدود في الآونة الأخيرة من دون مؤشرات واضحة في الأفق.

وفي الوقت نفسه تتجه الأنظار لمعرفة موقف دمشق المنهمكة في مساعيها الخاصة للخروج من أزماتها العميقة وفك عزلتها، بينما يعرب مراقبون وخبراء سياسيون فيها عن اعتقادهم أنها «ستقدم دعماً لكنه لن يكون بمستوى» دعم عام 2006، لأنها «حالياً منهكة اقتصادياً وعسكرياً»، بيد أنهم يلفتون إلى أن موقف دمشق «لا يزال غير واضح حتى الآن».

دفع إسرائيلي للحرب

دخان متصاعد جراء قصف إسرائيلي على بلدة الخيام جنوب لبنان نهاية مايو الماضي (أ.ف.ب)

«فرص التسوية في جنوب لبنان تتراجع بشكل يومي»، هذا ما قاله أحد المحللين في دمشق، مفضلاً عدم كشف اسمه، مستنداً إلى ما جاء في تقييم أمني لمركز «ألما» الإسرائيلي للدراسات، قدمه تل بيري رئيس قسم الأبحاث خلال مؤتمر حول التحديات الأمنية على الجبهة الشمالية لإسرائيل، ونشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في العاشر من مايو (أيار) الماضي.

ويتابع: «ما قاله بيري الخبير في شؤون الشرق الأوسط، هو دفع لإسرائيل باتجاه شن حرب ضد (حزب الله) في جنوب لبنان قبل أن يباغتها هو، خصوصاً قوله إن أي اتفاق دبلوماسي لن يؤدي إلا إلى كسب الوقت حتى الغزو النهائي من قبل (الحزب) لإسرائيل والذي يقدَّر في موعد لا يتجاوز نهاية عام 2026». ويضيف: «إسرائيل ترى حالياً الفرصة مناسبة لتوجيه ضربة لـ(حزب الله)؛ لأن (حماس) غارقة في حرب غزة، وسوريا ضعيفة، وروسيا مشغولة بحربها في أوكرانيا وأميركا موجودة على الأرض في سوريا».

موقع دمشق

إزالة الأنقاض في المنطقة التي استهدفت فيها غارات جوية إسرائيلية مبنى سكنياً في حي كفرسوسة بدمشق في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

دمشق التي كثيراً ما وُصفت بـ«رأس الحربة» فيما يطلق عليه «محور المقاومة»، لم تعلن بشكل واضح ماذا يمكن أن تُقدم لـ«حزب الله» من دعم، واقتصر موقفها على ما قاله الرئيس بشار الأسد في الرابع من مايو (أيار) الماضي خلال الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب «البعث» بأن «كل ما يمكن لنا أن نقدمه ضمن إمكاناتنا للفلسطينيين أو أي مقاوم ضد الكيان الصهيوني سنقوم به دون أي تردد».

وبالنظر إلى تطور العلاقة بين أطراف «محور المقاومة»، فإن ما قاله الأسد يوحي بأنه لا يمكن إلا أن يدعم «حزب الله» إذا شنت إسرائيل حرباً على لبنان، لكن هذا الدعم لن يكون بحجم الدعم الذي قدمه في 2006، في حرب استمرت 34 يوماً، حين وُضع الجيش السوري في جاهزية تامة، وفتح النظام مستودعات أسلحته، كما فتح الطرقات بين سوريا ولبنان لنقل الأسلحة.

ويشرح المحلل المتابع للوضع الميداني في سوريا فيقول: «بعد انتشار الآلاف من مقاتلي (الحزب) في سوريا منذ 2011 تبلورت تدريجياً فكرة تحويل القلمون الغربي بريف دمشق إلى ظهير إقليمي للحزب، فبالنسبة له شكَّلت تجربة حرب 2006، معضلتين: الأولى ديموغرافية في نزوح سكان الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان، والثانية: لوجيستية. جرى التعامل مع المعضلة الأولى بتسهيل النظام السوري استقبال مئات الوافدين اللبنانيين في سوريا، بينما اليوم يستقبل لبنان نازحين سوريين بالآلاف، وتمثلت المعضلة اللوجيستية في قلة العمق الاستراتيجي، فجرى التعامل معها عبر التحالف الصلب مع النظام السوري».

يُذكر أن «النظام السوري حليف استراتيجي لـ(الحزب)، ويكنُّ احتراماً لمقاتليه، ومن ثم سيدعمه، لكن المشكلة في التكاليف. ففي عام 2006 كان الوضع الاقتصادي والمالي والعسكري أفضل، وكان النظام صاحب قرار، أما حالياً فليس لديه شيء، ويتدبر أمره بالمساعدات والحوالات الخارجية».

ويوضح المصدر أن هناك فرقاً كبيراً بين موقف دمشق من «حزب الله» وموقفها من «حماس» التي يرى النظام السوري أنها غدرت به منذ السنة الأولى للحرب باصطفافها إلى جانب المعارضة، ولم تشفع لها وساطة إيران و«حزب الله» لدى دمشق وزيارة قياديين منها العام الماضي العاصمة السورية.

معضلة «وحدة الساحات»

مواطن لبناني يقف أمام منزله المدمّر بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة عدلون الجنوبية ليل الجمعة - السبت الماضي (أ.ب)

وإن كانت دمشق قد نأت بنفسها عن محور «وحدة الساحات» الذي انخرطت فيه منذ 40 عاماً في موضوع غزة، ورفضت فتح جبهة الجولان المحتل رغم الضغوط الإيرانية، فإن موقفها حتى الآن غير واضح بشأن «وحدة الساحات» مع لبنان.

فإذا كانت إيران قد أخفقت إلى حد بعيد في التعامل مع دمشق في حرب غزة، وراحت تطالبها بإيفاء ديونها البالغة 50 مليار دولار من دون أن تفلح هذه الضغوط بفتح جبهة الجولان، فكيف ستكون الحال مع جبهة جنوب لبنان لا سيما أن «حزب الله» أساسي للبلدين على حد سواء؟

ولا يخفى اليوم أن إرسالية البنزين باتت تتأخر 15 يوماً حتى تصل، بينما خلت شوارع حمص من السيارات، وشوارع دمشق تراجعت فيها حركة السير بنسبة كبيرة.

ويرى كثيرون أن «المسألة معقدة جداً». فإذا انخرط النظام بالحرب فستضرب إسرائيل الجيش السوري هذه المرة، وستحدث مزيداً من الأضرار والدمار في البنى التحتية المتضررة أصلاً؛ فغالبية الضربات الإسرائيلية الجارية حالياً في سوريا تستهدف مواقع إيران وميليشياتها وقادتها، فإذا انخرط النظام في الحرب فسيصبح الجيش (السوري) بين مطرقة الضغوط الإيرانية وسندان الضربات الإسرائيلية.

إضافة إلى ذلك، فإن إيران ليست الفاعل الدولي الوحيد على الأرض في سوريا، فهناك الولايات المتحدة وتركيا وروسيا التي مكّنت الجيش السوري من استعادة مساحات شاسعة من البلاد، لكن ذلك كان أيضاً في مرحلة ما قبل انخراط روسيا في الحرب الأوكرانية.

ومع استمرار الحرب في غزة وعمليات القصف المتبادل بين «حزب الله» وإسرائيل وارتفاع وتيرته استقبلت دمشق نهاية أبريل (نيسان) الماضي وزير الخارجية التشيكي راديك روبيش حاملاً رسالة أوروبية تتعلق بالورقة الفرنسية للتهدئة في جنوب لبنان وفق معلومات لـ«الشرق الأوسط» من دون أي مؤشرات على احتمالات تخفيف العقوبات الأوروبية والأميركية على النظام السوري، كما كان مأمولاً؛ ما يضع دمشق تحت مزيد من الضغوط العسكرية والمالية والخيارات الضيقة والصعبة.


مقالات ذات صلة

ارتفاع حصيلة الحرب في غزة إلى 41825 قتيلاً

المشرق العربي فلسطينيون يبحثون عن ناجين محتملين وسط ركام مبنى دمره قصف إسرائيلي في خان يونس (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الحرب في غزة إلى 41825 قتيلاً

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم السبت، مقتل 41825 شخصا منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» قبل نحو عام.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (إ.ب.أ)

لبحث التطورات الإقليمية... وزير الخارجية الإيراني يصل دمشق

كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اليوم (السبت) أن الوزير عباس عراقجي وصل إلى العاصمة السورية دمشق.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)

رسائل بريد إلكتروني تُظهر مخاوف أميركية مبكرة بشأن جرائم حرب إسرائيلية في غزة

بينما كانت إسرائيل تقصف شمال غزة بغارات جوية في أكتوبر الماضي، وتأمر بإجلاء مليون فلسطيني، وجّهت مسؤولة كبيرة في «البنتاغون» تحذيراً صريحاً للبيت الأبيض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري ترمب وهاريس في المناظرة الرئاسية ببنسلفانيا في 10 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل يؤثر التصعيد في المنطقة على خيار الناخب الأميركي؟

الانتقاد الأبرزالموجّه للمرشحة الديمقراطية هاريس يرتبط بتداعيات خبرتها المحدودة في السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)
العالم العربي وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

وزير خارجية فرنسا يتوجه إلى الشرق الأوسط ويبدأ زيارته بالسعودية

يتوجه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى السعودية في مستهل جولة تستمر أربعة أيام تنتهي في إسرائيل والضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (باريس)

11 سبتمبر... ماضٍ أدمى العراق وحاضر يهدد أفغانستان

فشلت محاولتا التواصل بين نظام صدام وبن لادن لكن اتهامات التعاون طاردت العراق (أ.ف.ب)
فشلت محاولتا التواصل بين نظام صدام وبن لادن لكن اتهامات التعاون طاردت العراق (أ.ف.ب)
TT

11 سبتمبر... ماضٍ أدمى العراق وحاضر يهدد أفغانستان

فشلت محاولتا التواصل بين نظام صدام وبن لادن لكن اتهامات التعاون طاردت العراق (أ.ف.ب)
فشلت محاولتا التواصل بين نظام صدام وبن لادن لكن اتهامات التعاون طاردت العراق (أ.ف.ب)

فقدت ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة، أهميتها مع مرور السنين، لكن آثارها لا تزال حية في منطقة الشرق الأوسط وجوارها.

من دفاتر الماضي، تستعيد «الشرق الأوسط» قصة لقاء «فاشل» استخدمه الرئيس الأميركي جورج بوش في تبرير غزو العراق. اللقاء كان في الخرطوم بين أسامة بن لادن، زعيم تنظيم «القاعدة»، وفاروق حجازي، رئيس العمليات الخارجية في مخابرات الرئيس العراقي صدام حسين، وبوساطة من القيادي الإسلامي السوداني حسن الترابي.

قبله بشهور، دخل الجناح السوري لـ«الإخوان المسلمين» على خط وساطة مشابهة، انتهت إلى «تكفير» بن لادن نظام «البعث» العراقي. صحيح أن موقفه في اللقاء مع حجازي لم يكن بالحدة ذاتها، لكن محاوره استنتج صعوبة «إدارة» علاقة مع رجل بطباع بن لادن، ونقل ذلك إلى صدام في بغداد، لينتهي المسعى. غير أن ذلك لم يمنع انضمام اللقاء إلى قائمة ذرائع الغزو الأميركي.

ومن وقائع الحاضر، ترصد «الشرق الأوسط» نذر تكرار لتجربة «القاعدة» في جبال تورا بورا بأفغانستان، في ظل النسخة الثانية من حكم حركة «طالبان». صحيح أن التنظيم يبدو عاجزاً عن شن هجمات ضخمة بحجم «غزوتي نيويورك وواشنطن»، أو الإعلان عن هوية زعيمه الجديد خلفاً لأيمن الظواهري، رغم مرور أكثر من سنتين على مقتله، لكن تقارير أممية حديثة تؤكد أن التنظيم يقوم حالياً بإعادة بناء صفوفه بعدما أقام سلسلة معسكرات تدريب ومدارس دينية في أفغانستان، مما يشكل تهديداً جديداً للبلاد.