دمشق تتعلم الفارسية والروسية في سنوات الهيمنة

موسكو فرضت لغتها على المناهج الحكومية... ومعاهد طهران تثير قلق السوريين

صورة أرشيفية لكلية الشريعة في جامعة دمشق (الشرق الأوسط)
صورة أرشيفية لكلية الشريعة في جامعة دمشق (الشرق الأوسط)
TT

دمشق تتعلم الفارسية والروسية في سنوات الهيمنة

صورة أرشيفية لكلية الشريعة في جامعة دمشق (الشرق الأوسط)
صورة أرشيفية لكلية الشريعة في جامعة دمشق (الشرق الأوسط)

«احتلال اللغة هو السبيل الأقصر لاحتلال الوعي، وبالتالي احتلال القرار المستقل، وتهتيك المجتمعات ومحو هويتها»، هذا ما قالته عقيلة الرئيس السوري أسماء الأسد، لطلاب الدراسات العربية في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين خلال زيارتها مع الرئيس السوري إلى الصين نهاية صيف 2023.

الاهتمام الذي أبدته الأسد بالتمسك باللغة الأم في ذلك اللقاء، جاء مع دخول فرض روسيا تعليم اللغة الروسية ضمن مناهج المدارس الحكومية السورية عامها التاسع. يأتي ذلك وسط تنافس حثيث مع إيران على التغلغل في المجتمع السوري، والهيمنة على التعليم في مناطق سيطرة الحكومة، كأداة لإنشاء بيئة حاضنة، وتدعيم النفوذ العسكري بركائز ثقافية واجتماعية في ظل تردي العملية التعليمية، ومن ضمنه تعليم اللغة الأم، أي العربية.

الغلبة للروسية

مع أن طهران سبقت روسيا بسنوات في محاولة نشر تعليم الفارسية في سوريا، فإن الغلبة كانت لموسكو بتسللها إلى قطاع التعليم الحكومي، بالترافق مع التدخل العسكري عام 2015. ونجحت روسيا في فرض لغتها لغة ثانية اختيارية إلى جانب الإنجليزية والفرنسية في مراحل التعليم الأساسي. واليوم، بعد 9 سنوات يمكن القول إن موسكو قطعت شوطاً بعيداً. فعندما انطلق مشروع تعليم الروسية، تجريبياً عام 2015، تم تطبيقه على نحو 400 تلميذ في منطقة الساحل، ثم عممت التجربة لتشمل 217 مدرسة موزعة على 12 محافظة في مناطق سيطرة الحكومة، مع إتمام العام السابع، وتجاوز عدد الطلاب 35 ألف طالب، وعدد مدرسين بلغ 200 مدرس، بحسب تقارير حكومية سورية.

غزو التعليم الحكومي

حاولت إيران السير على خطى روسيا وفرض إدخال الفارسية إلى مناهج التعليم الحكومي تنفيذاً لاتفاقية بين طهران ودمشق، تتعلق بتبادل الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والتعليمية والتربوية وتقديم الخدمات الفنية والهندسية وترميم المدارس. وفي عام 2021، تمكنت طهران من فرض تعليم الفارسية في المدارس الحكومية التي رممتها وأعادت تشغيلها فقط. وترافق ذلك مع تعزيز التوجه نحو التعليم الجامعي الحكومي، وشهدت السنوات الخمس الأخيرة افتتاح مراكز لتعليم الفارسية في جامعات دمشق والبعث في حمص، والكلية العسكرية السورية، لتضاف إلى المراكز التابعة لحوزة الخميني وفروعها في المحافظات السورية، وحسينية المهدي في حي زين العابدين بدمشق وجامعة السيدة رقية ومركز «الحجة» في محافظة طرطوس وغيرها، وذلك بالإضافة إلى افتتاح فروع لعدد من الجامعات الإيرانية؛ مثل جامعة «تربية مدرس»، وجامعة «المصطفى» وجامعة «الفارابي» وجامعة «أزاد إسلامي» وكلية المذاهب الإسلامية. كذلك ركزت إيران نشاطها في محافظة دير الزور، لا سيما في مناطق نفوذها بمدينتي البوكمال والميادين المحاذية للحدود مع العراق، الذي يعد منطقة نفوذ إيراني سياسي وثقافي واجتماعي.

بوابة الفقر

منذ عام 2018 وبعد طرد تنظيم «داعش» من المنطقة، شهدت مدن دير الزور والميادين والبوكمال، افتتاح كثير من المدارس ورياض الأطفال والمراكز الثقافية التي تعنى بتعليم الفارسية والفكر الديني الإيراني، كتلك التي سبق وافتتحتها المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق واللاذقية ومدن الساحل. وأفاد تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان في أيار (مايو) الماضي، بأن تدهور المنظومة التعليمية ونقص الكوادر التدريسية جراء تدني الرواتب والفساد، في محافظة دير الزور، حفز طهران على التسلل إلى قطاع التعليم. وبحسب المرصد، تشهد المراكز التعليمية الثقافية الإيرانية انتعاشاً «يثير القلق» بالنظر إلى تأثيرها الكبير على الناشئة. مع الإشارة إلى أن الحرب أدت إلى تدمير عدد كبير من مدارس دير الزور، في حين تفتقد مدارس أخرى للمرافق الأساسية مثل قاعات الدروس الملائمة والمختبرات العلمية والمكتبات.

استقطاب الأطفال والشباب

وأفادت مصادر محلية في دير الزور باستغلال طهران لحالة الفقر والأزمة المعيشية في مناطق سيطرتها شرق سوريا، لتستقطب الأطفال والناشئة، عبر تقديم منح مالية ورواتب شهرية ووجبات طعام وسلال غذائية ورحلات ترفيهية، كما تقيم دورات مجانية تعليم مهني كالتمريض والإسعافات الأولية وصيانة الأجهزة الكهربائية ودورات محاسبة وإدارة أعمال تجارية، وغير ذلك من دورات تقيمها مراكز متخصصة بـ«تمكين الشباب».

وبحسب المصادر نفسها، التي فضلت عدم كشف هويتها، هناك 3 مدارس في مدينة البوكمال وواحدة في مدينة الميادين للأطفال من سن 9 إلى 15، تضم أكثر من 500 تلميذ، بالإضافة إلى مراكز تدريس اللغة الفارسية في ريفي دير الزور والرقة بمناطق سيطرة الحكومة، منها مركز «النور الساطع» في الميادين، ومركز «الأخوة» في البوكمال. ولفتت المصادر إلى أن إيران تأتي بمدرسين من عرب وإيرانيين شيعة يتقنون العربية، بينهم معممون، للتدريس في تلك المراكز، كما تقيم دورات لتدريب مدرسين سوريين على تعليم الفارسية في إيران أو سوريا. وهذا دأب روسيا أيضاً، إذ توفد مدرسين سوريين إلى موسكو لتعلم الروسية وطرائق تعليمها، لسد الحاجة لمعلمي الروسية في المدارس السورية. وتهدف طهران من خلال النشاطين الثقافي والاجتماعي، إلى «تكوين حاضنة اجتماعية محلية تكون بمثابة خزان بشري يرفد ميليشياتها بمجندين محليين».

أنشطة دينية ودورات مهنية

يقول حازم (17 عاماً) من دير الزور، إن الحرب أخرت دراسته ونال هذا العام شهادته الإعدادية، وهو واحد من نحو 130 طالباً وطالبة ممن حصلوا على الشهادة الإعدادية العام الحالي ويستفيدون من خدمات المركز الثقافي الإيراني، بمدينة دير الزور. ويعلم المركز الإنجليزية إلى جانب الفارسية، بالإضافة إلى إقامة دورات صيانة أجهزة الكهربائية وحدادة للذكور ودورات لتعلم الفنون الجميلة والطبخ والخياطة للإناث. وقال حازم إن المركز يقدم منحة مالية شهرية للمتعلمين لديه تقدر بـ30 ألف ليرة سورية (أقل من 3 دولارات)، وهي وإن كانت «ضئيلة، لكن الأهم هو التعليم المجاني». وبالتوازي مع التعليم، تنظم المراكز الإيرانية ندوات وأنشطة ثقافية دينية يقول حازم إنه يحضرها أحياناً مع كثر ممن يستفيدون من الخدمات والمساعدات الإيرانية.

وتتعاون المراكز الثقافية الإيرانية مع المنظمات الرديفة لحزب البعث كـ«الشبيبة» و«الطلائع»، لحضّ تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات على المشاركة في الأنشطة الثقافية، كالمسابقات والرحلات، وحضور مناسبات واحتفالات دينية شيعية.

الغذاء مقابل التعليم

الأهالي من أبناء العشائر العربية في دير الزور يبدون مخاوف من تسلل إيران إلى تعليم أبناء المنطقة عبر بوابة الفقر، ويقول محمد من الموحسن في ريف دير الزور، إن «البعض يقبل بتعليم أولاده في المدارس الإيرانية، بهدف الحصول على المساعدات، لا حباً بالثقافة الإيرانية»، لكن ذلك لن يمنع غسل الأدمغة الذي تمارسه المؤسسات الإيرانية على الأطفال والناشئة.

مصادر أخرى في دمشق قللت من فرص نجاح إيران في نشر ثقافتها بالمحافظة الشرقية، لأن البيئة هناك «معادية للثقافة الفارسية تاريخياً»، كون غالبية الأهالي من العرب السنّة. فبحسب هذه المصادر، «لا يمكن أن يشكل هؤلاء بيئة حاضنة اجتماعية سليمة وآمنة لإيران»، خصوصاً مع دخول روسيا على خط المنافسة بمجال التعليم. ولفتت المصادر إلى تقديم روسيا مع بداية العام الدراسي الحالي، 3 أطنان من المساعدات للمعلمين في دير الزور تضمنت قرطاسية وكتباً لتعليم اللغة الروسية للمعلمين، إلى جانب المواد التموينية، استفاد منها نحو 300 معلم ومعلمة.

الروسية تتقدم على الفارسية

وقارنت المصادر بين تجربة إيران التعليمية وتجربة روسيا في الساحل السوري، وقالت: «المدارس الشرعية الإيرانية (مدارس وثانويات الرسول الأعظم) التي افتتحتها إيران في ريف الساحل السوري خلال سنوات الحرب، باءت بالفشل، وتم إغلاقها عام 2017، لاشتراط وزارة الأوقاف السورية تدريس المناهج الشرعية السورية الرسمية بعد تذمر الأهالي من نشر التشيع». وبذلك، تميل كفة المقارنة لصالح تجربة تعليم الروسية التي تشهد إقبالاً نسبياً في المدارس والمراكز التعليمية، مع تفاوت النسب طبعاً بين منطقة وأخرى. فترتفع تلك النسب في الساحل، حيث تتمركز القوات الروسية ويكثر الاحتكاك بين الأهالي والعسكريين الروس سواء في الأسواق والأماكن العامة. وكذلك الأمر في حلب بصفتها مدينة صناعية وتجارية، يجد طلّابها في اللغة الروسية، عاملاً مساعداً للحصول على فرصة للسفر إلى روسيا لإكمال الدراسة أو العمل في الموانئ والمطارات والاستثمارات الصناعية الروسية داخل سوريا نفسها.

في المقابل، يتراجع الإقبال على تعلم الروسية في ريف دمشق والسويداء جنوب البلاد، حيث يوجد العسكريون الروس في نقاط ومواقع محددة، وينظر إليهم بأنهم قوة «احتلال» ولم ينخرطوا في الحياة اليومية كثيراً، رغم تفضيل وجودهم على الوجود الإيراني. فالعداء لإيران لا يقارن بالتوجس من روسيا، وإن كان يصح على كلا الطرفين ممارسة ما تحدثت عنه عقيلة الرئيس الأسد في بكين، من أن «احتلال اللغة هو السبيل الأقصر لاحتلال القرار المستقل وتهتيك المجتمعات ومحو هويتها»، مع تأكيدها «أننا جميعاً نواجه محاولات طمس الثقافات الوطنية للشعوب».


مقالات ذات صلة

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال أمن وإنقاذ في موقع استهدفته غارة إسرائيلية في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

تحذير أممي من انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي واسع»

رأت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد «خطراً عميقاً»، ودعت إلى «عمل حاسم» لمنع انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي صورة من موقع غارة إسرائيلية على معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا - 20 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

«المرصد السوري» يعلن ارتفاع عدد قتلى الهجوم الإسرائيلي على تدمر إلى 92

قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، اليوم (الجمعة)، إن عدد قتلى القصف الأخير الذي شنَّته إسرائيل على مدينة تدمر، في ريف حمص الشرقي بوسط البلاد هذا الأسبوع ارتفع

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.