أميركا على مشارف عام من الانقسامات الداخلية والأزمات الدولية

مسؤولون حاليون وسابقون يقيّمون السياسات ويطرحون توصيات

بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)
بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)
TT

أميركا على مشارف عام من الانقسامات الداخلية والأزمات الدولية

بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)
بايدن وترمب في مناظرتهما الأولى عام 2020 (أ.ب)

في 25 أبريل (نيسان) الماضي، ظهر الرئيس الأميركي جو بايدن على شاشات الأميركيين، وحسم شكوك الكثيرين: الرئيس الأكبر سناً في التاريخ الأميركي سيترشح لولاية ثانية. فرغم أرقام استطلاعات الرأي التي تظهر تدهوراً مستمراً في شعبية بايدن، البالغ من العمر 81 عاماً، فإن رهانه، ورهان حزبه يتمحوران حول هدف واحد: هزيمة خصمه المحتمل دونالد ترمب، و«الحفاظ على ديمقراطية أميركا» التي تعيش تقلبات خارجية وانقسامات داخلية يحذر البعض من زعزعتها لنسيج المجتمع وهيكلية النظام في موسم انتخابي حامٍ مشبع بالتجاذبات والتحديات.

ولعلّ التحدي الأبرز والمعضلة الكبرى بالنسبة لكثيرين، يتمثلان في شخص الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي، وعلى عادته، تحدى التوقعات والتكهنات مستمراً في حشد دعم مناصريه وتصدّر استطلاعات الرأي رغم القضايا القانونية التي يواجهها في المحاكم الأميركية، والتي ستلقي بظلالها على أحداث العام المقبل.

فترمب دخل التاريخ من أبوابه العريضة ليكون أول رئيس يتم عزله مرتين في مجلس النواب، وأول رئيس سابق يتم توجيه تهم جنائية بحقه في التاريخ الأميركي.

تحديات داخلية بين محاكمات وهفوات

يستبعد النائب الجمهوري السابق عن مجلس فيرجينيا دايفيد رمضان أن يصبح ترمب رئيساً للولايات المتحدة، رغم تقدمه في استطلاعات الرأي، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «على الأرجح أن يكون هو المرشح الجمهوري، لكن من غير المرجح أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، مع أن هذا معقول. فولاية جديدة لترمب ستكون خطرة على البلاد في هذه المرحلة، وخطوة غير مسبوقة. فهو بمواجهة 91 تهمة جنائية، ولدى حصول الانتخابات، الأرجح أن تكون قد تمت إدانته».

رسم للرئيس السابق دونالد ترمب خلال محاكمة بالاحتيال ضد منظمة ترمب في المحكمة العليا لولاية نيويورك (رويترز)

ومن هذا المنطلق، يكثف الديمقراطيون حملاتهم الداعمة لبايدن، بمعزل عن الأرقام غير المشجعة له في استطلاعات الرأي، وهفواته العلنية المتكررة. فهم يعدّونه المرشح الوحيد الذي يستطيع هزيمة ترمب في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل. ويتحدث جايسون ستاينبوم المدير السابق لموظفي لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب عن أسباب دعم الديمقراطيين لبايدن، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس بايدن حصد سجل إنجازات كثيرة خلال ولايته، إذ تمكن من إخراج البلاد من زمن وباء كورونا بنجاح وحقق اتفاقات على مشروعات ضخمة للبنى التحتية والرعاية الصحية والطاقة وعنف السلاح في الكونغرس».

لكن التحديات الداخلية، على كثرتها، ليست الوحيدة التي تواجه الرئيس الأميركي، الذي وصل إلى الرئاسة وبجعبته أجندة طموح ترتكز بشكل أساسي على مواجهة الصين، ليصطدم بوابل من الأزمات الدولية بدءاً من أوكرانيا، مروراً بإيران والسودان، ووصولاً إلى غزة.

تحديات خارجية: حرب أوكرانيا وغياب الاستراتيجية

هيمنت حرب أوكرانيا على معظم فترة ولاية بايدن، فقد بدأت هذه الحرب بعد عام تقريباً من وصوله إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، ليقضي معظم ولايته الأولى وهو يتعامل مع تداعياتها خارجياً عبر مساعي حشد دعم الحلفاء لتمويل الحرب، وداخلياً من خلال التصدي لمعارضة مزدادة في الكونغرس لإقرار التمويل. وتقول آنا بوريشسيفسكايا كبيرة الباحثين في معهد الشرق الأدنى، إنه رغم أن بايدن «يستحق الثناء لأنه وحّد موقف الغرب حول هذه القضية، فإنه لم يضع استراتيجية واضحة. فإدارة بايدن تفاعلت مع الملف عبر توفير المساعدات وفرض عقوبات على روسيا، لكن هذه ليست استراتيجية، بل خطوات تكتيكية».

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون إثر انتخابه بعد أسابيع من الفراغ التشريعي (رويترز)

وذكرت بوريشسيفسكايا في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أن المعارضة الداخلية لتمويل الحرب سوف تزداد في الموسم الانتخابي، مشيرة إلى أن «الكرملين يراقب الانتخابات الأميركية عن كثب، وأن استراتيجية بوتين هي الانتظار كي يتخلى الغرب عن أوكرانيا وكي يصل ترمب إلى الرئاسة، لأنه في حال حصول ذلك سيتحقق السيناريو الذي يراهن عليه الرئيس الروسي»، في إشارة إلى تصريحات ترمب العلنية والرافضة لدعم كييف. وختمت بوريشسيفسكايا بلهجة يشوبها الاستياء: «بايدن حرص على عدم خسارة أوكرانيا. لكن هذا لا يعني أنه حرص على فوزها».

حرب غزة و«شيك على بياض» لإسرائيل

وكأن هذه التجاذبات السياسية حول أوكرانيا لم تكن كافية لزعزعة توازن بايدن، لتباغته أزمة أخرى من منطقة اتهمه كثيرون بتجاهلها طوال فترة رئاسته: الشرق الأوسط. فاندلاع حرب غزة وصور الدمار والضحايا المدنيين سلّطا الأضواء على دعم الإدارة الأميركية غير المشروط لإسرائيل، وزاد من حدة الجدل الداخلي حول سياسة «الشيك على بياض» تجاه تل أبيب. ما أدى إلى تعالي أصوات الناخبين الشباب والعرب والمسلمين ضد الرئيس الأميركي، مذكرين بأن أصواتهم هي التي أسهمت في فوزه بولايته الأولى، ومحذرين من سحب الدعم له في ولاية ثانية إن لم يغيّر من مواقفه.

في هذا السياق، تحدث وائل الزيات، المستشار السابق للمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمنظمة «ايمغايج» المعنية بتنسيق جهود الناخبين المسلمين، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا نظرتم إلى الناخبين الشباب عموماً، فإن أغلبيتهم يدعمون وقف إطلاق النار ولا يوافقون على السياسة الداعمة لإسرائيل، كذلك الأمر بالنسبة للناخبين العرب والمسلمين. هناك 200 ألف ناخب مسجل منهم في ميشيغان و200 ألفاً في بنسلفانيا. إن لم يصوتوا أو صوتوا لصالح حزب ثالث، فهذا سيؤثر حتماً على نتيجة الانتخابات. هذا ما نقوله للبيت الأبيض: دعمكم لإسرائيل قد يسلم البلاد لجمهوريي ماغا (الداعمين لترمب)».

ومع ازدياد أعداد الناخبين الرافضين للتصويت لبايدن بسبب موقفه الداعم لإسرائيل، يحذر الزيات من أن «رئاسة ترمب كانت لتكون أسوأ بـ100 مرة من رئاسة بايدن خلال النزاع»، وفسّر موقفه قائلاً: «ترمب هو من قطع تمويل الأونروا، وترمب هو الذي نقل السفارة إلى القدس، وترمب هو الذي اعترف بضم هضبة الجولان... ترمب كان واضحاً بأنه لن يضع أي قيود على ما تقوم به إسرائيل وأنه سيمنع اللاجئين الفلسطينيين من الدخول إلى أميركا».

إيران و«السياسة الفاشلة»

انعكاسات حرب غزة ولّدت تحديات من نوع آخر لإدارة بايدن، تمثلت بهجمات من وكلاء إيران على القوات الأميركية في المنطقة، ما دفع بالمعارضين لسياسته مع طهران إلى التذكير بمساعيه للعودة إلى الاتفاق النووي معها، والتوصل إلى اتفاق لتبادل السجناء نجم عنه الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية، ما أثار حفيظة المنتقدين، وعلى رأسهم كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جيم ريش الذي وجّه انتقادات لاذعة للسياسة الأميركية تجاه إيران، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن اختصار سياسة بايدن مع إيران بكلمة واحدة: فاشلة. فالإدارة شاركت في مفاوضات نووية غير مثمرة ورفعت تجميد الأصول وتجنبت فرض العقوبات المرتبطة بالنفط، وفشلت في الترويج للردع الإقليمي، ما قوّى وكلاء إيران الإرهابيين». وعدّ السيناتور البارز أنه «حان الوقت كي تغيّر الولايات المتحدة جذرياً سياستها حيال طهران».

وقدّم ريش الذي يترأس الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية المعنية بالإشراف على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مجموعة من التوصيات لإدارة بايدن في تعاطيها المستقبلي مع طهران، فقال: «يجب أن نعود إلى سياسة العزل الاقتصادي، وأن نحرم النظام من الموارد التي يوظفها لدعم الإرهاب الإقليمي».

ويفسر ريش: «هذا يتضمن الحرص على فرض العقوبات الموجود على إيران وتجميد الأصول الإيرانية بشكل دائم حول العالم. يجب أيضاً أن نعمل على استرداد الردع. فالهجمات من المجموعات المدعومة من إيران على القوات الأميركية تخطت 190 اعتداء منذ عام 2021. لا يمكننا تحمل تكلفة الاستمرار بإرسال رسائل متناقضة». وختم السيناتور بتهديد مبطن: «أتطلع قدماً للعمل مع شركاء وحلفاء يشاركونني هذه الآراء لعزل النظام الإيراني في الأشهر المقبلة».

السودان و«سياسة من دون هدف»

يسعى النظام الإيراني جاهداً لبسط نفوذه وتأثيره في مواجهة النفوذ الأميركي، فعمد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى الدفع لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع بلد يشغل بال الإدارة ويتحدى نفوذها: السودان.

ففي 15 أبريل 2023، وبعد عامين تقريباً من الإطاحة برئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، اندلعت مواجهات بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، ما أدى إلى ازدياد المخاوف من أي احتمال لعودة السودان إلى مسار الحكم المدني، الذي أسهمت الولايات المتحدة بشكل أساسي في تعزيزه بعد رفع البلاد عن لائحة الإرهاب وإعطائه الحصانة السيادية، بالتزامن مع مساعي الرئيس الأميركي حينها دونالد ترمب توسيع جهود التطبيع مع إسرائيل. في تصوّر تجاهلته إدارة بايدن كلياً بعد وصوله إلى الرئاسة، بحسب توصيف الجمهوريين.

جو بايدن ونجله المدان بالفساد هانتر يصلان إلى نيويورك في 4 فبراير 2023 (أ.ف.ب)

وسعت الإدارة جاهدة إلى احتواء الأزمة وسط تخوف من انعكاساتها المدمرة على السودان ومحيطه، فعمدت إلى التعاون مع السعودية لعقد محادثات جدة في مايو (أيار) من العام نفسه، من دون انفراجات تذكر، ما أدى إلى فرض سلسلة من العقوبات الأميركية على «أفراد ومؤسسات أسهموا في زعزعة الاستقرار».

ويقول كاميرون هادسون كبير الموظفين السابق في مكتب المبعوث الأميركي الخاص للسودان، إن «السياسة الأميركية حيال السودان كانت بشكل عام من دون هدف، وينقصها أي نوع من التركيز الاستراتيجي». وتابع هادسون في حديث مع «الشرق الأوسط»: «منذ لحظة اندلاع الصراع الذي فاجأ الولايات المتحدة، وهي تسعى للحاق بمجريات الأحداث، لكنها لم تجارِها بعد». والمبادرات الدبلوماسية كمحادثات جدة أو توظيف العقوبات لم يتم دعمها من خلال أي انخراط رفيع المستوى، ما أدى إلى تجاهل دور واشنطن بشكل كبير».

وعن احتمال انخراط الولايات المتحدة في جهود فعالة لإنهاء الأزمة في عام 2024، يستبعد هادسون كلياً أن تركز أميركا على النزاع بالشكل اللازم، مشيراً إلى وجود نزاعات في غزة وأوكرانيا ينخرط فيها مسؤولون أميركيون بشكل مستمر، «ويترك نزاعات كالسودان بيد دبلوماسيين ذات مستوى متواضع ليست لديهم السلطة ولا الرؤية لتحريك النفوذ الأميركي الذي يرسم نهاية للصراع وينفذ الأرواح». وختم هادسون بلهجة تشاؤمية: «أتوقع الأمر نفسه من واشنطن في عام 2024: الاستمرار في استنكار الجرائم المرتكبة وفعل القليل لوقفها».

الصين و«منطاد الأزمات»

ومع تشعب الصراعات وتوسعها، سعى الرئيس الأميركي جاهداً إلى إعادة التركيز على المنافسة الأبرز التي تواجهها بلاده: الصين، فمن الصعب عليه أن يتغافل عن الملف في عام حلّق فيه «المنطاد» الشهير فوق رؤوس الأميركيين لأيام عديدة، قبل إسقاطه من قبل الولايات المتحدة في 4 فبراير (شباط) 2023، ما أشعل أزمة دبلوماسية جديدة بين البلدين، تمكنا من تخطيها جزئياً في لقاء تاريخي جمع بين رئيسيهما لأول مرة على أرض أميركية في 15 نوفمبر، حين التقيا على هامش قمة «أبيك» في ولاية كاليفورنيا.

الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ مع كبار مساعديهما في سان فرانسيسكو في 15 نوفمبر الحالي (د.ب.أ)

ووصف سوراب غوبتا كبير الباحثين في معهد الدراسات الصينية - الأميركية الاجتماع بالناجح، مذكراً بأبرز ما تم التوافق عليه كاستئناف قنوات التواصل العسكري التي قطعتها الصين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان، والتعاون لمكافحة أزمة مخدر الفنتانيل. ويقول غوبتا لـ«الشرق الأوسط»: «تعزيز العلاقات هذا من شأنه أن يكون مفيداً في عام 2024، لصد أي توتر سوف ينجم عن عام انتخابي حامٍ». ويعدّ غوبتا أن «بايدن هو المرشح الأفضل لتوازن العلاقات الأميركية - الصينية، فالحزب الجمهوري هو حزب لديه نظرة متشددة أكثر حيال بكين، والآن مع انهيار منظومة التعاون الدولي وتراجع الأصوات الداعمة للتبادل التجاري داخل الحزب سيكون هناك قليل من الأسس المشتركة للتعاون مع الجمهوريين».

ومع تراكم الأزمات وتشعبها، يحبس العالم أنفاسه بانتظار نوفمبر 2024 موعد الانتخابات الرئاسية التي سترسم مستقبل الولايات المتحدة وتحدد معالم الصراعات المزدادة في عالم متعدد الأقطاب.


مقالات ذات صلة

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

المشرق العربي الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

مع بدء الدورة العشرين لمجلس النواب الأردني، الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
شمال افريقيا ممثلو دول أوروبية داخل مركز العدّ والإحصاء التابع لمفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)

ليبيا: إجراء الانتخابات المحلية ينعش الآمال بعقد «الرئاسية» المؤجلة

قال محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي» إن إجراء الانتخابات المحلية «مؤشر على قدرة الشعب على الوصول لدولة مستقرة عبر الاستفتاءات والانتخابات العامة».

جمال جوهر (القاهرة)
الولايات المتحدة​ الملياردير إيلون ماسك (رويترز)

هل يمكن أن يصبح إيلون ماسك رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل؟

مع دخوله عالم السياسة، تساءل كثيرون عن طموح الملياردير إيلون ماسك وما إذا كان باستطاعته أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزير الداخلية جيرالد دارمانان (اليمين) متحدثاً إلى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (رويترز)

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي، إلا أن البديل جاهز بشخص رئيس «حزب التجمع الوطني» جوردان بارديلا.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا جلسة برلمانية في «البوندستاغ»... (إ.ب.أ)

أكثر من 100 برلماني يتقدمون باقتراح لحظر حزب «البديل من أجل ألمانيا»

تقدم أكثر من 100 نائب ألماني باقتراح لرئيسة البرلمان لمناقشة حظر حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف.

راغدة بهنام (برلين)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.