توجيه ملكي باعتماد تصميم جامعة الملك سعود لتوسعة المسجد الحرام

«الشرق الأوسط» تنشر القصة... والأمير نايف كرَّم كلية العمارة والتخطيط

TT

توجيه ملكي باعتماد تصميم جامعة الملك سعود لتوسعة المسجد الحرام

الدولة السعودية عملت على رعاية المسجد الحرام والاهتمام بالتطوير العمراني والمشاريع العملاقة بهوية إسلامية (واس)
الدولة السعودية عملت على رعاية المسجد الحرام والاهتمام بالتطوير العمراني والمشاريع العملاقة بهوية إسلامية (واس)

بعد نشر «الشرق الأوسط» للسلسلة التوثيقية التي رصدت فيها عمارة المسجد الحرام خلال 1400 عام، والتي ورد في الجزء الرابع والأخير منها دور جامعة الملك سعود في تصميم التوسعة السعودية الثالثة، وما أثاره الموضوع من تفاعل، ونظراً للاستفسارات التي وردت إلى الصحيفة حول الموضوع، ولأهمية توثيق قصة التصميم ودور الجهات المشاركة فيه، تنشر «الشرق الأوسط» هذا التقرير التوثيقي الذي أعده الكاتب والباحث السعودي بندر بن عبد الرحمن بن معمر عن قصة تصميم التوسعة السعودية الثالثة. ويعتمد التقرير على الوثائق المتمثلة في الأوامر السامية والإصدارات التوثيقية من وزارة التعليم العالي في السعودية، وهي الجهة التي أُسند إليها عام 1429هـ - 2008م تولي مهمة دراسة مشروع التوسعة، إضافة إلى مجموعة من التقارير والوثائق والمستندات الأخرى، التي تحتفظ «الشرق الأوسط» بنسخ منها. قصة تصميم التوسعة السعودية الثالثة ليست قصة أفراد، أو جامعات، أو شركات أو استشاريين أسهم كل منهم بدوره وجهده، ولكنها قصة عمل مهني مشرف، وقبل ذلك وبعده قصة قيادة نذرت نفسها لخدمة الحرمين الشريفين ودولة سخرت مواردها لأمن وسلامة وراحة قاصديهما واستثمرت في الإنسان الذي أسهم في عمارتهما، وقدم الفكرة التصميمية لثالث التوسعات بعد حوالي 75 عاماً من تصميم أول توسعة سعودية للحرمين الشريفين.

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز متشرفاً بغسل جدار الكعبة المشرفة (واس)

تصميم التوسعة والقصة التي لم تُروَ

هنا قصة لم تُروَ من قبل، ولم تنشر مفاصلها وتفصيلاتها التي تستحق أن يُعرّف بها، وأن يطلع عليها كل من له علاقة بإدارة المشروعات الكبرى التي تنفذ اليوم في طول المملكة العربية السعودية وعرضها، ليس لأنها قصة تصميم فقط؛ بل لأنها أنموذج فريد في منهجية إدارة المشاريع العملاقة وإدارة وتطبيق العمل الجماعي التكاملي integrated teamwork يمكن أن يؤسس عليه ويستفاد منه في هذه المرحلة تحديداً، وفي المشاريع الكبرى داخل السعودية وخارجها.

علاوة على أن هذه القصة تؤكد حجم الرعاية والعناية والدعم اللامحدود التي يحظى بهما الحرمان الشريفان من القيادة السعودية. فمنذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز، أولت السعودية الحرمين الشريفين جل اهتمامها وعظيم عنايتها وكان شرف خدمتهما أولوية من أهم أولوياتها وأحد ألقاب ملوكها، حتى اتخذه الملك فهد بن عبد العزيز في عام 1407هـ - 1986م لقباً رسمياً بدلاً من جلالة الملك.

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان يوليان اهتماماً كبيراً بالحرمين الشريفين وخدمتهما (واس)

وهنا جزئية تتطلب أن ينوه بها وهي أن الله تعالى اختص بفضله جميع قادة المملكة العربية السعودية، الملوك عبد العزيز وسعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله وسلمان، بشرف خدمة الحرمين الشريفين ومواجهة تحديات هذه الخدمة التي لم يشهد حجمها وتعقيداتها الحرمان عبر التاريخ الإسلامي كله، وكان لكل ملك من ملوك هذه الدولة إسهامه في توسعة وعمارة وخدمة الحرم المكي والحرم النبوي والمدن والمشاعر المقدسة، وهذا شرف لا يضاهيه شرف، وذلك من فضل الله الذي يختص به من يشاء، ومن توفيقه الذي يؤتيه من يريد.

الأمير محمد بن سلمان في زيارة للمسجد الحرام ويطلع على مشاريع التوسعة (واس)

ما قبل التفاصيل

منذ بداية عمارات وتوسعات الحرمين الشريفين في العهد السعودي كان لتلك المشاريع اهتمام ومعاملة خاصة وآلية عمل مختلفة عن باقي المشروعات. بدأت بتكليف «مدير العمائر والإنشاءات الحكومية»، وقتذاك محمد بن لادن، تنفيذ الأعمال والإشراف عليها دون عقود تنفيذ أو تكاليف محددة مسبقًا، بل يتم الصرف على مشروعات الحرمين من قبل وزارة المالية حسب ما يقدمه بن لادن من تكاليف ويتقاضى عليها نسبة مئوية محددة. وكان (المعلم) ابن لادن كما يسمى في ذلك الوقت هو من يتولى التعاقد مع كل من يتطلب عمله في تلك المشروعات بما في ذلك المصممون والاستشاريون. واستمرت تلك الطريقة متبعة حتى بعد وفاته وتحول مؤسسته وتطورها إلى «مجموعة بن لادن السعودية» بكافة شركاتها وأذرعها وتحالفاتها الاستشارية والتصميمية، ومنذ بداية التوسعات السعودية كان للحرمين الشريفين هويتهما المعمارية الخاصة ضمن سياقهما العمراني المتفرد وخصوصيتهما التي لا نظير له.

الملك عبد الله بن عبد العزيز مستقبلاً الشيخ صالح الحصين

وحين جاءت الحاجة لتوسعة المسجد الحرام في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، كان قد بُدء في نزع ملكيات الأحياء الشمالية للمسجد الحرام (الشامية وما جاورها) والبدء في تنفيذ توسعة الساحات الشمالية، إلا أنه تقرر أن يتحول المشروع من مجرد توسعة ساحات إلى توسعة بنائية للمسجد الحرام.

وعملت مجموعة بن لادن السعودية من خلال أذرعها الاستشارية على تصميم مقترح لمبنى التوسعة، وعقدت عدة اجتماعات بين الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي ممثلة آنذاك في الرئيس العام الشيخ صالح الحصين - رحمه الله - وفريقه الفني، ومجموعة بن لادن ممثلة في المهندس بكر بن لادن وفريقه، لمناقشة معطيات وجوانب التصميم المقترح من مجموعة بن لادن.

وكانت «رئاسة الحرمين» ترى أن التصميم المقدم للاعتماد لا يلبي احتياجات الحرم كاملة وفق المعطيات والمستجدات الحالية والمستقبلية نظراً لتغير المتطلبات المتعلقة براحة المصلين ومستجدات خدمتهم وإدارة سلامتهم وجوانب التشغيل الأخرى للمسجد الحرام.

وبعد عدة محاولات لتطوير التصميم من قبل مجموعة بن لادن لمقترحهم، لم يتحقق المطلوب في نظر الرئاسة، فاقترح الشيخ الحصين أن يُرفع محضر مشترك بين الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ومجموعة بن لادن السعودية إلى المقام السامي يتضمن التوصية بعرض مقترح تصميم التوسعة على فريق من المتخصصين من أساتذة الجامعات السعودية لدراسته وتقييمه وتقديم الملاحظات عليه إن وجدت، وهو ما وافق عليه المقام السامي ووجَّه بتحقيقه.

من إصدارات وزارة التعليم العالي التوثيقية عن المشروع

ووفقاً للإصدار التوثيقي المهم والمعنون بـ«دراسة مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتوسعة المسجد الحرام»، الذي أصدرته وزارة التعليم العالي (تم دمجها مع وزارة التربية والتعليم في وزارة واحدة باسم وزارة التعليم عام 1436هـ - 2015م) عن المشروع في مجموعة كتب. إضافة إلى عدد من التقارير الصادرة عن فرق العمل في المشروع والوثائق الخاصة به، والتي استندتُ إليها مع مستندات ومصادر أخرى في توثيق هذه القصة، أنقل لكم هنا بعضاً من قصة التوسعة وتصميمها ومقتطفات ولمحات عن خلفياتها وكواليسها، وقصص عدد من جنودها المجهولين، مورداً في سردها بعض ما جاء في هذه الوثائق والمصادر بتصرف، علماً أن ما أرويه هنا هو ملخص للقصة فحسب، بل هنالك الكثير من المعلومات:

البداية بالتوجيه السامي

صدر التوجيه السامي رقم 6555/م ب في 26 شعبان 1429هـ - 27 أغسطس 2008م بأن تقوم وزارة التعليم العالي بتكوين فريق عمل من المختصين المؤهلين يتولى دراسة مشروع مقترح مجموعة بن لادن للتوسعة الجديدة من جميع الجوانب المعمارية والهندسية والتشغيلية والفنية والأمنية مع الاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة، وأن يتم ذلك وفق منهجية علمية ومهنية عالية والاستفادة من كل الخبرات المحلية والعربية والإسلامية وغيرها.

وحدد التوجيه السامي إطار المشروع وآليته التي مكنت الوزارة من الاستعانة بالمتميزين من أساتذة الجامعات السعودية والخبراء العرب والمسلمين والاستشاريين العالميين وبيوت الخبرة المختصة، على أن تعرض الوزارة النتائج على المقام السامي خلال 3 أشهر، كما تضمن التوجيه الأهداف والغايات من هذه الدراسة، والتي شملت:

دراسة التصميم المقترح من مجموعة بن لادن للتوسعة بشكل دقيق وشامل للتأكد من مدى وجودة الجوانب الآتية:

1- تحقيق مبادئ الشمولية والتكامل في التصميم المقترح من جميع الجوانب المعمارية والتشغيلية، والفنية والأمنية والاستدامة.

2- تسهيل حركة السير في ساحات المسجد الحرام وأروقته وما يجاوره.

3- الاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة لخدمة المسجد الحرام وقاصديه.

4- تخفيف المشقة على قاصدي بيت الله الحرام وتيسير أدائهم للعبادات.

5- تلافي أي ملحوظات على التوسعة الأولى والثانية نتيجة المتغيرات الزمانية والتشغيلية ومتطلباتهما.

6- الاستفادة من مخرجات دراسة وتقويم التصميم المقترح لترشيد التوسعات المستقبلية للمسجد الحرام أو تعديلات تحسين الوضع القائم.

نطاق عمل الدراسة

شمل نطاق الدراسة عدة جوانب منها الجوانب المعمارية مثل: تصميم المباني والنواحي العمرانية المرتبطة بها حول المسجد الحرام. والجوانب التشغيلية مثل: أعمال الصيانة والإدارة، وشؤون التشغيل، وأنظمة الأمن والسلامة، وحركة الحشود. والجوانب البيئية وهي مثل:-

الآثار البيئية بجميع عناصرها كالاستدامة والحفاظ على مياه زمزم وجودة الهواء، والأنظمة الكهربائية ومستوى الاستهلاك، والأنظمة الميكانيكية وجودة التكييف. والجوانب الأمنية مثل: أنظمة المراقبة، وإدارة الحشود، وقضايا السلامة والطوارئ. والجوانب التقنية ومنها الاستفادة من التقنيات الذكية وغيرها من الجوانب الأخرى.

الملك عبد الله خلال تجوله في المعرض الذي أقامته وزارة التعليم العالي بمقر كلية علوم البحار في أبحر بمدينة جدة يوم الجمعة 28 نوفمبر 2008 يرافقه الأمير مقرن بن عبد العزيز والشيخ صالح الحصين ويقود مركبة الغولف كار وزير التعليم العالي خالد العنقري (الشرق الأوسط)

المنهجيات والاستكشافات ثم الرؤى والبدائل

باشرت وزارة التعليم العالي تنفيذ توجيه المقام السامي، وتطلب ذلك أمران هما:

1- البدء بتكوين نواة لفريق الجامعات المتخصص والتي ستوكل له هذه المهمة الحساسة.

2- تطوير منهجية عمل فاعلة ومرنة تراعي توفير كوادر التخصصات الفنية الدقيقة في وقت قياسي وديناميكي.

وتم في وقت قياسي تشكيل فرق متخصصة بكفاءات عالية من داخل المملكة وخارجها بقيادة كفاءات وطنية من جامعات المملكة، ويمكن تلخيص هيكلة العمل ومساراته في هذه المرحلة في الآتي:

1- اللجنة التوجيهية: ويرأسها وزير التعليم العالي حينذاك الدكتور خالد العنقري، ومن أعضائها نواة فريق الوزارة الفني مع عدد من المختصين وتتولى اللجنة بالتشاور مع الفريق الفني تحديد القضايا التي يشملها المشروع وتكوين الفرق العلمية المختلفة لدراسة تلك القضايا وتوجيه مسارات الفرق ومتابعة أعمالها، وتلقي التقارير الفنية من الفرق التخصصية، والموافقة على ورش العمل اللازمة، وإقرار الوثائق والتوصيات الصادرة عن فرق العمل. مع إيضاح أن «الفريق الفني للوزارة»، تعددت تسمياته في الوثائق والتقارير المختلفة مثل: (الفريق) أو (فريق الدراسة) أو (الفريق الأساس) أو (فريق الوزارة)، كما سيلاحظ في ثنايا هذا التقرير، كما تم تشكيل لجنة إدارية ومالية لمساندة فرق العمل في النواحي الإدارية والمالية واللوجستية.

2- محاور العمل الرئيسة: اقتضت المهمة تشكيل ثمانية محاور عمل رئيسية لتنفيذها وهي كالآتي: محور تقييم الوضع الراهن، ومحور المراجعة المحلية، ومحور المراجعة الدولية، ومحور الرؤية المعمارية، ومحور الرؤية التقنية، ومحور التطبيق، ومحور الإنتاج، ومحور المعرض.

3- الفرق الفنية التخصصية: شكلت الفرق التخصصية الفنية التابعة لـ«الفريق الفني للوزارة» للعمل ضمن إطار المشروع، حسب احتياجات كل مسار، وكلفت بإعداد التقارير اللازمة لذلك، وهي:

4- فريق الدراسات المعمارية والعمرانية.

5- فريق الدراسات الإنشائية.

6- فريق الحركة والحشود والخدمات المساندة والأمن.

7- فريق الدراسات البيئية.

8- فريق دراسات الاستدامة.

9- فريق الدراسات الخدمية والكهروميكانيكية.

سعت هذه الفرق من خلال تخصصاتها الفنية الدقيقة وعبر منهجية العمل الجماعي التكاملي وبروح الفريق الواحد إلى دراسة الوضع الراهن للمسجد الحرام وما حوله، وكذلك التصميم المقترح من مجموعة بن لادن من خلال جمع المعلومات وتحليل البيانات في النواحي التصميمية والفنية والتشغيلية، وتقويمها في الوضع الراهن، وذلك للتوصل إلى أهم القضايا التي يجب معالجتها ومراعاتها. مع الإيضاح بأن عبارة (الوضع الراهن) الواردة في ثنايا التقرير يقصد بها وضع المسجد الحرام وقت إعداد الدراسات عام 1429هـ - 2008م.

وقد بلغ عدد من شارك في هذه الأعمال من فرق تخصصية رئيسية وفرعية وفرق لوجستية مساندة، نظراً لأهمية المهمة ولقصر مدة التكليف بهذه المهمة الحساسة، عدة مئات من الأشخاص بمختلف مهماتهم ومسؤولياتهم الإدارية والفنية واللوجستية، عملوا خلال ثلاثة أشهر في مراحل مختلفة.

مسارات الدراسة الفنية لمقترح مجموعة بن لادن لمشروع التوسعة:

قامت الفرق المشاركة بالعمل على عدد من المسارات والعمل فيها بشكل متزامن ومتوازٍ في آن واحد، وذلك لإنجاز الدراسة بشكل متكامل ومهني ضمن المدى الزمني القصير جداً، حيث يركز كل مسار على قضايا جوهرية معينة كالآتي:

مسار تقويم الوضع الراهن للمسجد الحرام:

كأساس جوهري لتقويم أي مقترح للتوسعة، كان من المهم عمل دراسة للوضع الراهن للحرم للوصول إلى معرفة دقيقة جداً لتحديات تشغيل الحرم الواقعية وتحديد النقاط الحرجة في الاستخدام والتشغيل والسلامة ونحوها للتوصل إلى أهم القضايا التي يجب حلها ومراعاتها في أية توسعات جديدة. والانتهاء إلى تحديد معايير موضوعية وواقعية موجهة للتقويم لمقترح التوسعة المشار إليه بالخصوص.

ركزت دراسة الوضع الراهن على تحليل النواحي التصميمية والفنية والتشغيلية وتقويمها في الوضع الرهن للمسجد الحرام، وأنجزت من خلال فرق العمل التخصصية للمشروع بعقد ورش عمل مكثفة مع الجهات المعنية مباشرة بالحرم على اختلاف مهامها (الأمني والمدني والفني والإداري) وبعمل مسح ميداني لقاصدي الحرم (بالاستعانة بطلاب بعض الجامعات المحلية وبإشراف مباشر من الفريق)، وقامت مجموعة بن لادن السعودية خلال هذه المرحلة بتزويد الفريق بكافة المخططات والوثائق والرسومات والمعلومات المطلوبة، واطلع فريق العمل من كثب عن آلية التشغيل، كما أُجريت مقابلات مع عدد كبير من قاصدي المسجد الحرام وغير ذلك من الأعمال التي تقتضيها المهنية الفنية، إضافة إلى مشاهدة عدد كبير من الأفلام الخاصة بالحشود في الحرم، وغيرها من جوانب التشغيل.

كما عُمل على تحليل الجوانب المرتبطة بالنواحي العمرانية، والإنشائية، والحركة والحشود والخدمات المساندة والأمن، والبيئة، والاستدامة، إضافة إلى النواحي الخدمية، وذلك من خلال التركيز على الأهداف الآتية:

1- تحديد المميزات والخصائص الإيجابية للنواحي التصميمية الراهنة.

2- تحديد أبرز القضايا الحاسمة Crucial issues للنواحي التصميمية الراهنة للمسجد الحرام.

3- المتطلبات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان لأي تصميم أو توسعة مستقبلية.

4- التوصيات المتعلقة بتحسين الوضع الراهن.

5- مسار تقويم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن - المراجعة المحلية:

بناء على مخرجات مسار الوضع الراهن ومعطيات فنية أخرى والمعايير التقويمية المستخرجة من ذلك، ركز هذا المسار على تحليل وتقييم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن للتوسعة، وذلك بهدف الوصول إلى التقويم المهني لأهم القضايا المتعلقة بجوانبه التصميمية والفنية والتشغيلية، وبما يراعي تحليل نقاط القوة ونقاط الضعف والتوصيات المقترحة، وجرى تقويم الخصائص التصميمية والفنية وفقاً لمجالات الفرق التخصصية وذلك من حيث:

1- المميزات والخصائص الإيجابية للتصميم.

2- الجوانب السلبية للنواحي التصميمية.

3- مدى النجاح والإخفاق في نواحي التصميم.

4- التوصيات المتعلقة بالتصميم المقترح.

وخلصت هذا المراجعة إلى عدم الكفاءة الكاملة للتصميم المقترح وأن هناك مجالاً واعداً للوصول إلى بدائل أكمل.

وحرصاً على تحقيق الموضوعية كان هناك مسار موازٍ لمسار المراجعة المحلية، وهو مسار المراجعة الدولية والتي قصد منها أن تتم المراجعة الدولية بمعزل عن المراجعة المحلية تحقيقاً لموضوعية النتائج، والتحقق من موثوقية المراجعتين المحلية والدولية.

التصميم المقترح للتوسعة السعودية الثالثة من مجموعة بن لادن السعودية (الشرق الأوسط)

مسار تقويم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن - المراجعة الدولية

لتنفيذ المراجعة الدولية المستقلة، قامت وزارة التعليم العالي بالتعاقد مع شركة إيكوم لإجراء تقويم للتصميم المقترح من مجموعة بن لادن لتوسعة المسجد الحرام استناداً لمخرجات مسار الوضع الراهن، والتوضيحات التامة له.

وبعد تطوير مجموعة من مؤشرات الأداء استخدمتها لقياس التصميم المقترح وتقويمه، وإجراء الدراسات اللازمة؛ قدمت شركة إيكوم AECOM التقرير النهائي في جزئين، الأول بعنوان: تقويم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن، والذي استند على مجموعة من المجالات للتقويم، منها: الأنظمة الميكانيكية والكهربائية، والأنظمة الجيوتقنية والزلزالية، والاستدامة، والأمن، وتقنية المعلومات، وقضايا البيئة، وأنظمة إدارة النفايات الصلبة، وحركة الحشود.

وخلص هذا الجزء إلى نفس ما خلصت له المراجعة المحلية وبتقارب كبير في النتائج مما عزَّز مصداقية التقويم المحلي والدولي للتصميم المقترح. وجاء الجزء الثاني بعنوان: الفرص والبدائل، حيث ناقش الفرص والبدائل للتطوير المستقبلي لتوسعات المسجد الحرام.

مسار الرؤى التقنية

وتعزيزاً للوصول إلى البديل الأمثل للتوسعة تم رسم هذا المسار والذي كان يعمل بالتوازي مع مسار المراجعة المحلية والدولية، وذلك لإيجاد رؤية تقنية متقدمة للحرم ومن هنا جاءت مشاركة معهد ماساتشوستس للتقنية MIT لتحقيق هذا المجال في دراسة مشروع توسعة المسجد الحرام وتم التركيز على الموضوعات الآتية: الاستدامة من الجانبين المعماري والتشغيلي، والسلامة والأمان للحجاج والعاملين، والسلاسة في حركة مرتادي المسجد الحرام، والمتطلبات الاستهلاكية والنفايات وإدارتها.

ونظر فريق الدراسة إلى المسجد الحرام على أنه منشأة ذات وظائف متعددة، خضعت لتطور مستمر عبر التاريخ. فقد مرَّ المسجد الحرام خلال توسعاته بتطويرات متلاحقة ويمكن تعزيز مسار هذا التطور من خلال تطبيق رؤية تقنية متقدمة، وإضافة أبعاد تطويرية جديدة باستخدام تقنيات وأنظمة متقدمة وذكية كالمراقبة الأكثر تطوراً، وتسيير الحركة اعتماداً على المعلومات الواردة في ذات اللحظة Real-time Information.

لقد اعتمدت الرؤية التشغيلية لفريق الدراسة على نوع من التشبيه بين المسجد الحرام وبين كائن حي له صفة الاستدامة ويتكون من هيكل عظمي، ودورة دموية، وجهاز عصبي يشبه جسم الإنسان. وبهذا التشبيه بالإمكان النظر للمسجد الحرام من خلال الأبعاد الثلاثية الآتية:

1- نظام المراقبة (الجهاز العصبي)، وذلك للتزود بالمعلومات ذات الصلة عن المسجد الحرام ومحتوياته ومحيطه.

2- نظام التدفق أو الحركة (الدورة الدموية)، وذلك لمراقبة حركة الهواء والناس والنفايات والتجهيزات والمعدات من وإلى المسجد الحرام ومحيطه.

3- النظام الإنشائي البنائي (الهيكل العظمي)، ومهمته تماسـك بنيان منطقة المسجد الحرام، وإبراز طابعه الجمالي، والتحكم في التأثيرات المناخية

وخلصت الرؤية التقنية إلى أن المسجد الحرام يشبه إلى حدٍ كبيرٍ نظاماً بيولوجياً مستداماً متطوراً من حيث قدرته وأنظمة التحكم والحركة والتدفق الخاصة به، إلى جانب نظامه البنائي، وهذا التشبيه يؤدي إلى تطوير المسجد الحرام باعتباره نظاماً مستداماً. لذا يجب أن يتم التعمق في دراسة الأفكار المطروحة بشكل يتجاوز الرؤية التقنية السائدة، ليبقى المسجد الحرام نموذجاً أمثل في التطور والاستدامة، وتقديم مجموعة من الحلول القائمة على الرؤية التقنية والمعالجة الشاملة.

مسار الحلول والرؤى المعمارية والمستقبلية

كانت كل المخرجات السابقة أساساً مرجعياً لتحليل الفجوات وتحديد نقاط القوة والضعف والتحديات والمخاطر في التصميم المقترح، وعليه قام (الفريق الأساسي) للوزارة بإعداد المعايير الهندسية، والاعتبارات التصميمية، والخطط المستقبلية، والشروط المرجعية للتصميم.

وعندما بدت بوادر عدم كفاءة (التصميم المقترح) كان القرار هو المسارعة ضمن إطار التوجيه السامي بتوجيه الدعوة إلى عدد من المكاتب والشركات الاستشارية العالمية والمحلية ورواد العمارة العالميين، إضافة إلى كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود وكلية تصاميم البيئة في جامعة الملك عبد العزيز لتقديم عروضهم، وذلك وفق مسارين:

الرؤى المعمارية لتوسعة جديدة تتناسب مع الوضع الحالي للحرم المكي

الرؤى المستقبلية: لتقديم مقترحات مستقبلية بعيدة المدى وتتعامل مع الحرم المكي ومحيطه دون قيود أو محددات سوى المحددات الشرعية وثبات المعالم المهمة في الحرم كالكعبة وحدود المسعى وزمزم ونحو ذلك.

وتم ترشيح واختيار المكاتب العالمية المشاركة وفق معايير موضوعية ومحددة، منها أن تكون هذه المكاتب من أفضل المكاتب العالمية أو من مكاتب الرواد المعماريين العالميين، كما تم اختيار مكاتب متميزة في العمارة الإسلامية من تركيا وماليزيا، ومكاتب عربية وسعودية كذلك. وتم في البداية عقد ورش عمل بين فرق وزارة التعليم العالي وهذه المكاتب وتزويدهم بالبيانات والمعلومات المطلوبة، كما زار الفريق المعني بهذا المحور المكاتب المعمارية وبيوت الخبرة العالمية والمحلية المشاركة لمراجعة الأعمال والتأكد من عدم وجود معوقات وتوجيههم لضمان أن يكون عملهم وفق المسار الصحيح.

الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال جولة في المعرض الذي أقامته وزارة التعليم العالي بمقر كلية علوم البحار في أبحر بمدينة جدة يوم الجمعة 28 نوفمبر 2008 (الشرق الأوسط)

النتائج والمقترحات أمام الملك عبد الله

وقبيل انتهاء المدة التي حددها التوجيه السامي لوزارة التعليم العالي بـ3 أشهر، عُرضت نتائج تحليل دراسة الوضع الراهن للمسجد الحرام ونتائج تقييم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن، إضافة إلى الرؤى المعمارية والأفكار التصميمية والرؤى المستقبلية المقدمة من المكاتب الاستشارية والجامعات السعودية، في سرادق أقامته الوزارة بمقر كلية علوم البحار في أبحر بمدينة جدة يوم الجمعة 29 ذي القعدة 1429هـ - 28 نوفمبر 2008م.

وعرضت الوزارة منهجية عمل فريقها ونتائج الدراسات الفنية ونتائج تقييم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن (المراجعة المحلية والدولية) أمام الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله والمسئولين المعنيين مباشرة بالأمر، كما عرضت مقترحات المكاتب والجامعات التي قدمت رؤاها المعمارية والمستقبلية كالآتي:

أولاً: الرؤى المعمارية

قدمت عدد من بيوت الخبرة المعمارية العالمية والمحلية والتي بلغ عددها 12 بيت خبرة، رؤى ومقترحات معمارية وعمرانية تعين على فتح الآفاق العمرانية لتوسعة المسجد الحرام بحلول وأفكار تطبيقية ملموسة. وشملت المكاتب وبيوت الخبرة المعمارية العالمية والمحلية المشاركة كل من :-

1- إنجنهوفن أرشيتكتن Ingenhoven Architekten

التصميم المقترح من إنجنهوفن أرشيتكتن (الشرق الأوسط)

2- جنسلر Gensler

التصميم المقترح من شركة جنسلر (الشرق الأوسط)

3- جينيشي / أفشي / أروب ÇINICI / AVCL / ARUP

تصميم جينيشي أفشي أروب

4- هيجاس كستوري Hijass Kasturi

التصميم المقترح من هيجاس كستوري (الشرق الأوسط)

5- جامعة الملك سعود King Saud University

تصميم جامعة الملك سعود الأساس الذي عُرض أمام الملك عبد الله في المعرض الذي كان محل الأمر السامي بالاعتماد كأساس للتطوير

6- أرشتكتور ستوديو Architecture Studio

التصميم المقترح من أرشتكتور ستوديو (الشرق الأوسط)

7- البيئة مخططون معماريون ومهندسون Al-Beeah

تصميم البيئة

8- أتكنز ATKINS

تصميم أتكينز

9- جامعة الملك عبد العزيزKing Abdul Aziz University

تصميم جامعة الملك عبد العزيز

10- نیکن سیکیه Nikken Sekki

التصميم المقترح من نیكن سیكیه (الشرق الأوسط)

11- النعيم للاستشارات العمرانية Al-Na'eem

تصميم النعيم للاستشارات

12-نورمان فوستر Norman Foster

التصميم المقترح نورمان فوستر (الشرق الأوسط)

ثانياً: الرؤى المستقبلية (المعمارية والعمرانية)

ولتحفيز الأفكار (خارج الصندوق) التي يمكن أن تدعم مقترح التوسعة الجديد رؤي أن يطلب من بعض رواد العمارة العالميين تقديم رؤى مستقبلية للحرم. وعقدت ورش عمل مع هؤلاء الرواد، ورتبت زيارات لفرق العمل للاجتماع معهم في مقار عملهم ومناقشة الأفكار لضمان جودة فهم المشروع وصحة مسار التفكير فيه.

وتضمن هذا المسار وضع رؤى عمرانية لحل شامل وأمثل للمسجد الحرام على المدى البعيد، وذلك من خلال آفاق فكرية عمرانية دون قيود، وذلك بهدف اكتشاف آثار إيجابية في النظرة الشمولية لما يحتاجه المسجد الحرام من إضافات وتحسينات تؤدي لحلول مستقبلية أمثل وتقدم سبعة من رواد العمارة العالميين برؤاهم المقترحة وهم:

1- تاداو أندو Tadao Ando

تصميم تاداو أندو

2- شيغيرو بان Shigeru Ban

التصميم المقترح من شيغيرو بان (الشرق الأوسط)

3- تشارلز كوريا Charles Correa

تصميم تشارلز كوريا

4- زها حديد Zaha Hadid

التصميم المقترح زها حديد (الشرق الأوسط)

التصميم المقترح زها حديد (الشرق الأوسط)

5-محمد مايت Muhammad Mayet

تصميم محمد مايت

6- عبد الحليم إبراهيم عبد الحليم Abdulhalim CDC

تصميم عبد الحليم إبراهيم عبد الحليم

7- سانتياغو كالاترافا Santiago Calatrava

تصميم سانتياغو كالاترافا

حقائق

الملك عبد الله بن عبد العزيز

يكون التصميم المقترح من قبل جامعة الملك سعود لتوسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للمسجد الحرام أساساً لانطلاق أعمال التصميم، لكونه التصميم الأقرب للتكامل مع الوضع الحالي للمسجد الحرام ..على أن يتم تطويره بما يستجيب للرؤى التطويرية والتشغيلية والتصميمة لفريق الدراسة ويمكن لمجموعة بن لادن السعودية تبنيه وتنفيذه."


وبعد اطلاع الملك عبدالله والمسؤولين المعنيين على الدراسات الدقيقة والشاملة والتصورات والرؤى المعمارية والعمرانية والفنية والتقنية للمشروع، وإستماعهم لشرح المقترحات المقدمة ومناقشة الفريق الفني والتشاور مع المسؤولين المختصين، تم اختيار التصميم المقترح من جامعة الملك سعود كأساس لتصميم التوسعة الجديدة، ووثق هذا الاختيار بالتوجيه السامي رقم 1692 وتاريخ 26 صفر 1430هـ - 21 فبراير 2009م.

نص الخطاب الملكي باختيار التصميم المقترح من جامعة الملك سعود كأساس لتصميم التوسعة الجديدة (الشرق الأوسط)

ووثقت وزارة التعليم العالي الفكرة التصميمية لجامعة الملك سعود في إصداراتها عن المشروع، واحتفت جامعة الملك سعود بهذا الإنجاز وأعلنت عنه في حينه، وكرم الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية حينذاك، وأثناء رعايته للمؤتمر العالمي الأول للتقنية والاستدامة في العمران الذي عقد في شهر محرم 1431هـ - يناير 2010م، كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود على ما حققته من إنجازات في تلك المرحلة.
وكان منها فوزها بالمركز الأول في مسابقة تصميم وقف الملك عبدالله لوالديه في المدينة المنورة، واختيار فكرتها التصميمية أساسًا لانطلاق أعمال تصميم توسعة الملك عبدالله للمسجد الحرام. إضافة إلى مشاركتها قبل وبعد ذلك في تصميم عدد من المشروعات الكبرى منها مشروع مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة بالتعاون مع نيكين سيكيه العالمية.

الأمير نايف بن عبد العزيز خلال تكريمه للدكتور عبد العزيز المقرن عميد كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود (الشرق الأوسط)

مما لا يدع مجالا لأي ادعاء بعد ذلك حول (أساس) أو (فكرة التصميم) تحديداً، أما القول بأن (الفكرة المعمارية) لا تشكل سوى جزء يسير أو نسبة ضئيلة من حجم التصميم، فهذا ربما يصدق فقط عند الحديث عن الوقت الذي قد تستغرقه عملية توليد الأفكار ضمن مراحل التصميم، بينما في الواقع هي تمثل القيمة الأساسية للمنتج المعماري ككل، وتعد (الفكرة المعمارية) الجزء المهم والأساسي ضمن عملية التصميم المعماري، ودورها جوهري في تحقيق نتاجات متميزة وفريدة، كما تمثل الطريق إلى روح المشروع، وعملية تشكيلها يتطلب جهودًا مكثفة وإبداعية.

أما عن تطوير التصميم انطلاقًا من الفكرة التصميمية الأساسية المقدمة من جامعة الملك سعود، فقد تولى تلك المهمة مجموعة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية برئاسة رئيس الفريق المعماري للمشروع، وبالتضامن مع الفريق الفني للاستشاري (دار الهندسة) والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكان على الفريق الالتزام التام بمضامين التوجيه السامي خلال العمل في تطوير ذلك التصميم، إضافة إلى التزام رئيس وغالبية أعضاء الفريق التزامًا أدبيًا وأخلاقيًا ومهنيًا بهذه المهمة النبيلة وما يرد إليهم من توجيهات، وهذا ما سنتناوله مع غيره من التفاصيل في فصل آخر من فصول هذه القصة.


مقالات ذات صلة

الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام

خاص الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام play-circle 01:52

الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام

في الحلقة الأخيرة من مذكراته، يوضح رجل الدولة السعودي الشيخ جميل الحجيلان، حقيقة الدور الفرنسي في جهود تحرير الحرم المكي الشريف من مجموعة جهيمان العتيبي.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر (الرياض)
تحقيقات وقضايا لأكثر من 100 عام... نجاحات سعودية في إدارة الحج play-circle 05:39

لأكثر من 100 عام... نجاحات سعودية في إدارة الحج

على مدى أكثر من 100 عام، تعهدت الدولة السعودية بخدمة الحجاج، ونجحت في إدارة الحشود المليونية التي كانت قبل العهد السعودي لا تصل إلى 4 آلاف حاج من الخارج.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر
المشرق العربي زوار يطلون من جبل الزيتون على المسجد الأقصى في القدس القديمة (أرشيفية - أ. ب)

«دائرة الأوقاف» في القدس تحذر من مضاعفة اقتحامات المستوطنين للأقصى

حذر مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية من خطط مضاعفة عدد المقتحمين من المستوطنين وطمس المعالم العربية والإسلامية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
يوميات الشرق وصل البث المباشر لآخر حدود الصين واليابان شرقاً والأميركيتين الشمالية والجنوبية غرباً (واس)

بعد 4 عقود من نقل صلاة التراويح... كيف يبدو البث التلفزيوني في الحرمين؟

كان أول بث مباشر على التلفزيون السعودي لصلاة التراويح وختمة القرآن الكريم من المسجد الحرام في «العشر الأواخر» من شهر رمضان عام 1397هـ.

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق أضحى وصول ملايين المسلمين إلى مكة المكرمة في وقت واحد متيسراً بفضل تطور الخدمات من المغادرة حتى البلوغ (هيئة العناية بالحرمين)

«دروب مكة»... عناصر ثقافية وكنوز تراثية وحضارية عبر العصور

تقود السعودية مشروعاً لتوثيق دروب مكة المكرمة وعناصرها الثقافية التي شكلت هوية المكان، والمساجد التاريخية والصناعات الثقافية التي تطورت وتبلورت عبر الزمن.

عمر البدوي (الرياض)

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!