ثقافتنا في مواجهة العصر

راقصون يؤدون رقصة «جوروبو» الكولومبية والفنزويلية التقليدية خلال عرض تقديمي للاحتفال بإدراجها كتراث ثقافي غير مادي للبشرية من قبل «يونيسكو» في بوغوتا في 6 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)
راقصون يؤدون رقصة «جوروبو» الكولومبية والفنزويلية التقليدية خلال عرض تقديمي للاحتفال بإدراجها كتراث ثقافي غير مادي للبشرية من قبل «يونيسكو» في بوغوتا في 6 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)
TT

ثقافتنا في مواجهة العصر

راقصون يؤدون رقصة «جوروبو» الكولومبية والفنزويلية التقليدية خلال عرض تقديمي للاحتفال بإدراجها كتراث ثقافي غير مادي للبشرية من قبل «يونيسكو» في بوغوتا في 6 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)
راقصون يؤدون رقصة «جوروبو» الكولومبية والفنزويلية التقليدية خلال عرض تقديمي للاحتفال بإدراجها كتراث ثقافي غير مادي للبشرية من قبل «يونيسكو» في بوغوتا في 6 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

إن موضوع الثقافة يمتاز بكونه حيّاً وراهناً؛ كيف لا ونحن نفتخر بثقافتنا دوماً معياراً لأصالتنا وتمجيداً لتراثنا. ولكثرة ما نتباهى بالثقافة ونحمّلها معظم الأحيان أوزار تفاهتنا واصطناعيتا وازدواجيتنا، أضحى معنى الثقافة مقيماً في مجال التتفيه ويقع تحت قوانين الاستهلاك. في الواقع، يجري الحديث في بلادنا عن الثقافة والمثقفين ضمن مستويات تختلف باختلاف منطلقات وغايات المتحدثين، حيث يضيع المعنى ويصبح موضوعاً لمونولوجات الطرشان.
قبل أن ندخل في موضوعنا، لا بد لنا من التوقف عند مسألة تعريف الثقافة. نبدأ بما ورد في قاموس «لالاند» الفلسفي، حيث نجد ثلاثة معان للثقافة: 1 - المعنى الضيق، حيث تكون الثقافة عبارة عن تنمية بعض ملكات الروح أو الجسد من خلال تمرين خاص. 2 - المعنى العام، حيث تكون الثقافة، أولاً، ميزة لشخص متعلم نمى ذوقه وحسه النقدي وقدرته على التمييز في الأحكام، وثانياً، تكون هي نفسها التربية التي تساهم في إنتاج هذه الميزة. 3 - أما المعنى الثالث فيعتبر الثقافة مرادفاً للحضارة.
أما قاموس «وبستر» فيعتبر أن الثقافة هي مجموعة معينة من الاعتقادات والآراء والإنجازات والتقاليد التي تؤلف خلفية مجتمع ما.
أما هيغل فيعتبر أن الثقافة هي شكل أو صورة الفكر وفعل الفكر. والإنسان المثقف هو الذي يعرف أن يطبع كل أعماله بخاتم الكلية أو الكونية والذي تخلى عن خصوصيته ويفعل بحسب مبادئ كلية.
ويورد كلود ليفي - ستروس في كتابه «الأنثروبولوجيا البنيوية» تعريف تايلور للثقافة، ويعتبره أول من عرَّف الثقافة بشكل يجعل من الأنثروبولوجيا الاجتماعية والأنثروبولوجيا الثقافية ملتصقتين ومتجاورتين. يعرّف تايلور الثقافة بأنها: ذلك الكل المركب الذي يضم المعرفة والاعتقاد والفن والأخلاقيات والقانون والعادة والعرف وأي كفاءات أو إمكانيات وسلوكات وأعراف ومظاهر أخرى مكتسبة من قِبل الإنسان كعضو في المجتمع.
ويعتبر هربرت مركيوز في «ملاحظات حول تحديد جديد للثقافة»، أن الثقافة هي عملية أنسنة تمتاز بالسعي المشترك نحو دوام الحياة البشرية وتهدئة الصراع من أجل الحياة – أو على الأقل حصره في حدود يمكن مراقبتها – وتدعيم نظام المجتمع الإنتاجي وتنمية القدرات الفكرية عند البشر وتخفيف التعديات والعنف والبؤس.
من خلال هذه التعريفات للثقافة يتضح لنا اتجاهان بارزان: اتجاه يميز الثقافة عن الحضارة، وآخر يميل إلى اعتبارها مرادفاً للحضارة.
ولا شك أن الاتجاه الذي ساد بين فلاسفة وأنثروبولوجيي العصر الحديث، وخاصة في أميركا وإنجلترا وألمانيا كان يدمج الثقافة بالحضارة؛ وهذا ما أدى إلى سيطرة القيم التقنية وتراجع القيم الفكرية. ويميز مركيوز بين الثقافة والحضارة فيعتبر أن الثقافة تعود إلى مستوى عالٍ من استقلال الإنسان وتكامله؛ في حين تخص الحضارة ميادين الحاجة والسلوك... حيث يكون الإنسان فيها تبعياً متعلقاً بالظروف والحاجات الخارجية. ولا تصبح الحضارة ثقافة إلا عندما تصل البشرية إلى مرحلة تستطيع فيها أن تبني تقنياً عالم السلام الخالي من البؤس والخوف والاستغلال.
إذن، إن الحضارة التقنية جعلت الإنسان في سباق نحو إشباع الحاجات المتزايدة ونحو البقاء. وبالتالي أصبحت الثقافة النظرية والفكرية تُباع وتُشترى، وأصبح البعد الفكري مجرد تابع للبعد التقني العملي والاستهلاكي.
إذن، من زاوية الأزمة القائمة في علاقة الثقافة بالحضارة التقنية سوف نبدأ بتلمس أزمة ثقافتنا.
في الواقع، يبدو أن أزمة ثقافتنا تظهر من جهتين: 1 - من جهة العلاقة مع الخارج، حيث نتخبط بين منطقين: منطق التماثل ومنطق الاختلاف. فنحن حين ننبهر بتقنية العالم الغربي وثقافته ينبري قوم منا فينادي بالتماثل المطلق مع الحضارة التي سبقتنا واستقوت علينا. وحين نشعر بعدم قدرتنا على مجاراة العصر التقني ونعي أن أحادية السيطرة على العالم قد تمحو هويتنا وثقافتنا، ينبري قوم منا فينادي بالاختلاف المطلق مع الآخر. 2 - أما من جهة الداخل، نحن نعاني من تمزقات سياسية ودينية وآيديولوجية على مدى العالم العربي ككل. هذه التمزقات تضع هويتنا الثقافية على المحك وتجعلنا في حالة قصور عن إمكانية انتمائنا إلى مستوى الروح الكلية أو الكونية.
وإذا أردنا تحديد إشكالية الثقافة عندنا فإننا نجد هذه الثقافة في أزمة من زاويتي تعريف الثقافة بشكل عام؛ فإذا اعتبرناها مرادفاً للحضارة نجد أنفسنا أمام سيطرة الحضارة التقنية على العالم؛ وأمام عجزنا عن اللحاق بها، كوننا مستهلكين غير منتجين لها، نرى أنفسنا في مأزق لا نُحسد عليه، حيث تسيطر قيم السوق والاستهلاك على فكرنا ونصبح أرقاماً في غرف انتظار الحضارة التقنية، نترقب ما تصنعه لنا كي نستهلكه ونبيعه ونشتريه ونبقى تجاراً وسماسرة. أما إذا اعتبرنا الثقافة من منظار تنمية مواهب الأفراد وتربيتهم لاكتساب الحس النقدي السليم، فإننا نجد دون هذه المهمة عوائق كثيرة تعود بمجملها إلى مسألة الفكر والسلطة، حيث نلاحظ أن الفكر في المجتمعات المتخلفة اقتصادياً وسياسياً وديمقراطياً لا يستطيع أن يتجلى في الثقافة؛ لأن تربية الحس النقدي عند الأفراد لا تلائم أبداً السلطات المسيطرة في المجتمع.
إن مشكلة ثقافتنا إذن تكمن في كونها ثقافة أزمة. نحن لا نقول، إن ليس لدينا ثقافة، بل نقول، إن ثقافتنا هي في مستوى أزمتنا؛ وبالتالي هي تعكس لحظة ومستوى انتمائنا إلى الروح الشاملة أو الكونية. وعليه، فإن أزمة الثقافة عندنا ناتجة من مراوحة فكرنا في مستويات دون مواقع السيادة في الروح الشاملة المتسلحة بالعلم والتكنولوجيا والحرية. يعني أن ثقافتنا تقف عند حدود مراوحة فكرنا الذي يتخبط في مكانه مجتراً إشكالياته القاصرة تجاه الزمن المعاصر.
الثقافة في غرفة الانتظار والفكر عاجز عن الظهور في الثقافة. وأزمة الثقافة هذه تجعلنا في إنتاج متجدد لثقافة الأزمة فنعيش في أزمة العلاقة بين الفكر وتجليه الروحي - الثقافي.
والآن سنحاول، بإيجاز شديد، رصد تجليات التداخل بين أزمة الثقافة وثقافة الأزمة في مظاهر حياتنا. إن أول مظهر من مظاهر أزمة الثقافة يتجلى في تحول مجتمعاتنا إلى الحكم على أي نشاط بشري بالقياس إلى مدى الريع المادي الذي يوفره. وبما أن ريع النشاط الفكري يأتي متأخراً، لا، بل أحياناً كثيرة يبقى كامناً في روح المجتمع، فإن بضاعته لا يستثمرها ولا يراهن عليها سوى قلة من الناس. من هنا، فإن قوانين العرض والطلب السائدة تُتَرجَم في ثقافة التجارة؛ ويصبح التعامل مع الثقافة كسلعة تجارية وتنشأ تجارة الثقافة التي تبقى من أفشل التجارات.
وتتجلى الأزمة أيضاً في مجال التربية والتعليم، حيث نرى برامجنا التعليمية والتربوية تراوح مكانها فتتأخر عن العصر الذي بدأ منذ سنوات عديدة بتجارب جديدة قد لا نستطيع تمثلها إذا استمررنا في المراوحة. وهذا الواقع ينتج لنا أجيالاً من حاملي ثقافة الأزمة، لن نستطيع في المستقبل مطالبتهم بتحمل أعباء قيادة المجتمع إلى القرون الآتية على إيقاع التقنية المتطورة وتحالف قوى التقنية والعلم. وحين تأتي لحظة مواجهة العالم الجديد سيشعر أبناؤنا بالخواء ولن نستطيع عندئذٍ مساعدتهم ولن يستطيعوا تحقيق أحلامنا بالاختلاف، بل سيكرسون تبعيتنا المتجددة بفضل ثقافة الأزمة التي نشأوا عليها وترعرعوا بين أحضانها.
أما على صعيد الفن الذي يعتبره هيغل لحظة أساسية في أعلى مثلث من مثلثات الروح المطلق، فإننا نشهد تجليات أزمتنا الروحية في تهافت وعقم الإنتاج الفني. وأزمة الفن ناتجة من عدم وعينا لأزمتنا. فالفن هو تجسيد لمعاناة الروح في إحدى لحظاتها؛ وعندما لا تخرج معاناة الروح وتتجسد في عمل فني، هذا يعني أنها ليست في سيرورتها نحو الروح المطلق الذي يتطابق فيه الفكر والواقع في حقيقة مطلقة. هذا يعني، أن أزمة الفن هي دلالة على قصور الروح عندنا عن حركتها الجدلية في سبيل تجسدها في الحقيقة المطلقة. وهذا الواقع القاصر يُنتج فن أزمة يستبيح ذوقنا ويكبلنا في سجن الروح السائدة التي لم تتجاوز تناقضاتها وإشكالياتها إلى الآن.
وعلى صعيد الدين، فإن الأزمة تتجلى في إشكالية النظر إلى الدين ودوره في المجتمع. وتتحول الإشكالية إلى أزمة عندما لا يتم تجاوزها. ومن أهم عناصر هذه الإشكالية: قضايا الأصولية والتسامح والطائفية والمذهبية، دور الدين في السياسة، الولاء الديني والولاء الوطني والقومي. ولا حاجة بنا إلى البرهان على تأزم هذه الإشكالية بعد ما رأيناه وما زلنا من صراعات وتناحرات في هذا المجال. وبما أن الدين، أيضاً، يجسد اللحظة الوجدانية في أعلى مثلث من مثلثات الروح المطلق عند هيغل، فإن ثقافتنا في هذا المجال هي تعبير عن روحنا السائدة في هذه اللحظة من تاريخنا. ولا شك أن هذه المراوحة في أزمة وجداننا الديني تعني أننا نُنتج ثقافة أزمة تُبقي أجيالنا القادمة خارج حدود الروح الشاملة، أي خارج الحقيقة المطلقة الكونية السائدة. أما التجلي المباشر لأزمة الثقافة فنراه في المثقفين، في علاقتهم بالسلطات وفي علاقتهم بالسياسة. أولاً، هناك فهم خاطئ وشائع يعتبر المثقفين كتلة متجانسة لها مصالح وغايات واحدة. في الواقع، إن المثقفين ينتمون إلى فئات مختلفة ويمثلون الوعي الاجتماعي لهذه الفئات. ويتميز المثقف عن غيره من أفراد طبقته أو شريحته الاجتماعية بكونه قادراً على تمثل وعي ومصالح فئته الاجتماعية، وبالتالي عاملاً على تصوير هذا الوعي وهذه المصالح على أنها كلية، أي على أنها تمثل مصلحة ووعي المجتمع ككل. من هنا، فإن المثقف قد يلجأ إلى ممارسة الدعارة الثقافية من خلال بيعه قدراته الفكرية التنظيرية من أجل تبرير مصلحة معينة. ولكن ما الذي يُسهل ممارسة الدعارة الثقافية؟ إنها أزمة الروح السائدة في المجتمع. فحين تسيطر قيم المال والسلطة على المجال السياسي، وحين يُقاس نشاط البشر على أساس الريع المادي المباشر، وحين تصبح الثقافة الفكرية سلعة في بازار السلطة المالية، فإن المثقف يجد نفسه تابعاً للسياسي ولصاحب السلطة متناقضاً بذلك مع وظيفته الكلية. وما الذي يُنتجه مثقف في أزمة سوى ثقافة الأزمة؟
وتتجلى الأزمة في المفارقة التي يقع فيها السياسي؛ فهو، رغم قوته وجبروته وسلطته، يبقى في حاجة ماسة إلى المستشار الثقافي. السياسي يُذل المثقف بالعمل على إبقائه في موقع التابع، من جهة، ومن جهة أُخرى لا يمكنه الاستغناء عنه؛ لأنه بواسطته يستطيع الانتماء إلى عالم الكليات. والخروج من هذه المفارقة لا يتم سوى بإغناء الثقافة بمضامين الفكر وبالتالي بتجاوز أزمة العلاقة بين الحضارة التقنية وسيطرة نظام الحاجات من جهة، وبين الأبعاد الفكرية والنظرية في الثقافة. هذا ما قد يؤدي إلى توليف جديد بين الثقافة والسياسة، حيث تنتقل الروح العامة للمجتمع إلى مرحلة الحقيقة.
وإذا كان لا بد من استنتاج فإننا نستنتج بالتساؤل التالي: ما دامت كل ثقافة هي ثقافة حقيقية بقدر ما هي تعبير عن لحظة روحية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفنياً ودينياً، هل يبقى من معنى لقولنا بأزمة الثقافة؟ وبالتالي، ألا يعني ذلك أن ثقافة الأزمة هي أيضاً حقيقية، وهي ما نستحق في لحظتنا؟ أليس مؤسفاً أن ثقافتنا التي نبروِزها ونبررها بكلمة «أزمة» هي فعلاً ثقافة حقيقية وعينية ومن صميمنا؟ فهل نعي هذه الحقيقة ونتجاوزها؟

* باحث وأستاذ جامعي لبناني



فلسطينيو الضفة يتنفسون من رئة إسرائيل ويخشون عقاباً جماعياً

TT

فلسطينيو الضفة يتنفسون من رئة إسرائيل ويخشون عقاباً جماعياً

فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)
فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)

لا يتمنى الفلسطينيون في الضفة الغربية، ربما بخلافهم في قطاع غزة، حرباً مفتوحة بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني. فهم يدركون بخبرة العارفين بعقلية إسرائيل ومن باب التجربة السابقة في الحروب والانتفاضات، بما في ذلك الحرب الحالية على القطاع، أنهم سيدفعون ثمناً كبيراً، سياسياً واقتصادياً يمسّ حياتهم وحقوقهم واحتياجاتهم اليومية الرئيسية. وبعد أن يتحولوا معتقلين في سجن الضفة الكبير، لا شيء قد يثني إسرائيل عن قتلهم واعتقالهم وملاحقتهم.

في السيناريو الأبسط لحرب محتملة بين إسرائيل و«حزب الله»، ستنعزل إسرائيل وتغلق حدودها غير المعروفة، وستكون في حاجة إلى عزل الفلسطينيين في الضفة بشكل تام، انطلاقاً من حاجتها إلى كبح جماح جبهة ثالثة محتملة. هذا يعني بلا شك، تقييد الحركة ومنع السفر وتوقف تدفق البضائع إلى أسواق الضفة، وسيشمل ذلك وقف إسرائيل إمداد الفلسطينيين بالكهرباء والماء والوقود، انطلاقاً من أنها ستحتفظ لنفسها بأي مقدرات كهذه، بعد أن يقصف «حزب الله» شركات الكهرباء والمياه والمطارات، مرسلاً إسرائيل إلى أزمة غير مسبوقة، سيدفع الفلسطينيون أيضاً ثمنها بلا شك.

لكن إذا كانت إسرائيل دولة يمكن لها التعامل مع أزمات من هذا النوع، وهذا ما زال غير واضح إلى أي حد، فالسلطة الفلسطينية غير قادرة على ذلك وهي التي تعيش أزمات عميقة اليوم، مالية واقتصادية وأمنية، وفي حقيقة الأمر وجودية.

وليس سراً أنهم في إسرائيل يستعدون لسيناريوهات تتعامل مع شلل كامل، سيتضمن ظلاماً دامساً وطويلاً في مطار بن غوريون، وانهيار مبانٍ وجسور وإصابة طرق رئيسية، وانقطاعاً في الكهرباء والماء الوقود، ونقصاً في المواد الأساسية.

جثمان الطفل غسان غريب 13 عاماً محمولاً على الأكتاف وكان قتل برصاص إسرائيلي قرب رام الله في يوليو الحالي (أ.ف.ب)

وقف مقومات الحياة

ولم تكن تصريحات المدير العام لشركة إدارة الكهرباء الحكومية الإسرائيلية شاؤول غولدشتاين، الأخيرة حول إسقاط شبكة الكهرباء في إسرائيل في حالة حرب مع «حزب الله» مجرد جرس إنذار في إسرائيل، بل أيضاً في الضفة الغربية التي تشتري الكهرباء من إسرائيل.

وقال غولدشتاين: «نحن في وضع سيئ ولسنا مستعدين لحرب حقيقية (...) خلاصة القول هي أنه بعد 72 ساعة لن يمكنك العيش في إسرائيل. إسرائيل لن تكون قادرة على ضمان الكهرباء في حالة الحرب في الشمال بعد 72 ساعة»، مضيفاً: «لسنا مستعدين لحرب حقيقية».

وما ينسحب على الكهرباء ينسحب على المياه والوقود.

فحتى قبل حرب مفترضة مع بداية الصيف الحالي، بدأ الفلسطينيون يعانون العطش، بعدما أخذت شركة «ميكروت» الإسرائيلية قراراً بتقليص كمية المياه الواردة إلى مناطق الضفة، كنوع من عقاب تعوّد عليه الفلسطينيون.

مسنّ فلسطيني وأطفال يشربون من عبوات تبرعت بها جمعيات لبلدات في الضفة الغربية قطعت عنها إسرائيل مياه الشفة (غيتي)

وبحسب أرقام رسمية، فإن متوسط استهلاك الفرد اليومي من المياه في إسرائيل، بما في ذلك المستوطنات، يبلغ 247 لتراً، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط استهلاك الفرد الفلسطيني اليومي في الضفة الغربية، والذي يبلغ 82.4 لتر، وفي التجمعات الفلسطينية غير الموصولة بشبكة مياه، يصل إلى 26 لتراً، فقط.

تخزين طحين ودواء وسولار

لا يمكن تخيل وضع معظم الفلسطينيين في الضفة الذين يتلقون اليوم (أي قبل الحرب) مياهاً جارية أقل من 10 أيام في الشهر؛ لأن الحصة المتبقية من المياه ينعم بها الإسرائيليون.

وفي إحصائيات السنوات الماضية، وصل إجمالي استهلاك الإسرائيليين من المياه عشرة أضعاف إجماليّ ما استهلكه الفلسطينيون في الضفة الغربية، وهي أرقام ستتغير لصالح الإسرائيليين هذا العام.

ويفهم الفلسطينيون في الضفة أنهم لن يجدوا أي قطرة ماء مع اندلاع الحرب المفترضة، التي ستتركهم أيضاً بلا كهرباء ولا دواء ولا وقود، وهو ما يخلق قلقاً وإرباكاً الذي يتسلل إليهم اليوم، وحمل بعضهم على تخزين الكثير من الطحين والمعلبات والمياه المعدنية.

وقال سعيد أبو شرخ: «لم أود الانتظار أكثر. اشتريت بعض الطحين والمعلبات والمياه».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «بعد دقيقة واحدة من الحرب سيدبّ هلع كبير. ستصبح الأسعار جنونية، ثم سنفقد البضائع. وقد نعيش التجربة القاسية التي اختبرها الغزيون في القطاع».

وعانى قطاع غزة فقدان الكهرباء والمياه والدواء والمواد الأساسية، ووصل الأمر إلى حد مجاعة حقيقية أفقدت الناس حياتهم.

وبالنسبة إلى أبو شرخ، فإنه يفضّل أن يكون مستعداً، أسوة بالكثير من أصدقائه الذين لجأوا إلى شراء كميات أكبر من الطحين والمعلبات وصناديق المياه، وحتى كميات من البنزين أو السولار، كخطة احتياطية.

وفي اختبار قصير سابق، عندما انطلقت المسيّرات والصواريخ الإيرانية، تجاه إسرائيل، لم يكن ممكناً الوصول إلى البقالات بسهولة، وهرع الناس لشراء ما يجنبهم انقطاع الطعام الرئيسي، أما محطات الوقود ففقدت مخزونها لأيام عدة، في «بروفة» لما يمكن أن يحدث في حرب حقيقية.

ولا يريد عبد العظيم عواد، أن يضع نفسه في اختبار آخر.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم أجد بعد ساعة واحدة من انطلاق المسيّرات الإيرانية الكثير من المواد الغذائية. لم أجد وقوداً لأيام عدة. وخفت أن تندلع الحرب فعلاً. لم يكن لدي أي استعدادات».

وعلى الرغم من ذلك، يُمنّي عواد النفس بألا يضطر إلى عيش التجربة مرة أخرى على نحو أصعب، ولا يريد أن يرى حرباً أخرى.

وأضاف: «تعبنا من الحرب. الوضع صعب. الأشغال تضررت، الاقتصاد منهار. لا توجد رواتب والعمال لا يذهبون إلى إسرائيل. والتجار يشكون. حرب أخرى طويلة مع لبنان ستعني دماراً حقيقياً هنا. أعتقد سيكون وضعاً كارثياً».

ضائقة اقتصادية غير مسبوقة

وعانت الضفة الغربية وضعاً اقتصادياً معقداً ستحتاج معه إلى فترة ليست قصيرة من أجل التعافي.

وقال وزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العامور، إن الاقتصاد الفلسطيني يواجه صدمة اقتصادية «غير مسبوقة»، تصاعدت حدتها، بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

عمال مياومة فلسطينيون ينتظرون عند معبر إسرائيلي ليتم إدخالهم للعمل (غيتي)

وأكد العامور معقّباً على تقرير للبنك الدولي حذَّر فيه من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر «انهيار في المالية العامة»، وأن العدوان، والإبادة الجماعية والحصار المالي والاقتصادي والسياسة المتطرفة التي تنفّذها حكومة الاحتلال تتسبب في انكماش اقتصادي وتعطل الحركة التجارية.

وتوقع أن يصل الانكماش إلى 10 في المائة.

وبحسبه، فإن الاقتصاد يخسر يومياً نحو 20 مليون دولار في جزئية توقف الإنتاج بشكل كلي في قطاع غزة، وتعطله في الضفة الغربية، إلى جانب تعطل العمالة، والتراجع الحاد في النشاط الاقتصادي والقوة الشرائية.

وكان البنك الدولي، قد حذّر في تقرير الشهر الماضي، من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر «انهيار في المالية العامة»، مع «نضوب تدفقات الإيرادات» والانخفاض الكبير في النشاط على خلفية العدوان على قطاع غزة.

وأكد البنك الدولي أن «تدفقات الإيرادات نضبت إلى حد كبير؛ بسبب الانخفاض الحاد في تحويلات إسرائيل لإيرادات المُقَاصَّة المستحقة الدفع للسلطة الفلسطينية، والانخفاض الهائل في النشاط الاقتصادي».

وبحسب التقرير، فإن «الاقتصاد الفلسطيني فقد ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ 7 أكتوبر، يشمل ذلك فقدان ما يُقدَّر بنحو 200 ألف وظيفة في قطاع غزة، و144 ألف وظيفة في الضفة الغربية، و148 ألفاً من العمال المتنقلين عبر الحدود من الضفة الغربية إلى سوق العمل الإسرائيلية».

وأكد التقرير أيضاً ارتفاع معدل الفقر، موضحاً: «في الوقت الحاضر، يعيش جميع سكان غزة تقريباً في حالة فقر».

وبحسب تقارير دولية سابقة، فقد أدت الحرب في غزة إلى إغلاق الاقتصاد فعلياً هناك، بعدما تم تدمير الأساس الإنتاجي للاقتصاد في القطاع والذي انكمش بنسبة 81 في المائة في الربع الأخير من عام 2023.

وتضرر الاقتصاد أيضاً في الضفة الغربية وانكمش كذلك، بسبب الحصار السياسي والمالي للسلطة والفلسطينيين.

مأزق السلطة

تعاني السلطة في الضفة وضعاً مالياً حرجاً اضطرت معه منذ بدء الحرب إلى دفع نصف راتب فقط لموظفيها.

ومنذ عامين تدفع السلطة رواتب منقوصة للموظفين في القطاعين المدني والعسكري؛ بسبب اقتطاع إسرائيل نحو 50 مليون دولار من العوائد الضريبية، تساوي الأموال التي تدفعها السلطة لعوائل مقاتلين قضوا في مواجهات سابقة، وأسرى في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى بدل أثمان كهرباء وخدمات طبية.

وعمّقت الحرب على غزة هذه الأزمة بعدما بدأت إسرائيل باقتطاع حصة غزة كذلك.

مظاهرات داعمة لغزة في رام الله نهاية مايو الماضي (غيتي)

وإضافة إلى موظفي السلطة، فقد أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة مصدر دخلهم الوحيد منذ السابع من أكتوبر الماضي، بعدما جمّدت إسرائيل تصاريح دخولهم إلى أراضيها أسوة بنحو 20 ألف عامل من قطاع غزة أُلغيت تصاريحهم بالكامل.

وساعد منع العمال من دخول إسرائيل في تدهور أسرع في الاقتصاد في الضفة الغربية، مع الوضع في الحسبان أن أجورهم كانت تصل إلى نحو مليار شيقل شهرياً (الدولار 3.70) مقارنة بفاتورة رواتب موظفي السلطة الشهرية التي تبلغ نحو 560 مليون شيقل شهرياً.

وقال مروان العجوري، أحد العمال الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 9 أشهر لم يدخل لي شيقل واحد. لقد استنفدنا».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ننتظر بفارغ الصبر انتهاء الحرب في غزة، هل تعرف ماذا يعني حرب جديدة مع «حزب الله»؟ يعني على الدنيا السلام. دمار دمار. ما ظل إلا الهجرة بعدها». وتابع: «لا إسرائيل بتتحمل ولا إحنا».

ويخشى الفلسطينيون فعلاً أن إسرائيل قد تستخدم أدوات ضغط كبيرة عليهم في الضفة الغربية من أجل حثّهم على الهجرة، مستغلة انشغال العالم في حرب كبيرة مع لبنان.

مصادرة أراضٍ ودفع للهجرة

وخلال الأشهر القليلة الماضية، فتكت إسرائيل بالضفة الغربية بكل الطرق، حصار مالي وقتل واعتقالات ودفعت خططاً لتغيير الوضع القائم باتجاه إحباط أي أمل لإقامة الدولة الفلسطينية.

وفي الرابع من الشهر الحالي صادقت إسرائيل على مصادرة 12.7 كيلومتر مربع من أراضي الضفة الغربية، في مصادرة وصفتها منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية بأنها الأكبر منذ ثلاثة عقود وتمثل ضربة جديدة للسلام بين الجانبين.

وبحسب «السلام الآن»، فإن الأراضي التي حوّلتها إسرائيل «أراضي دولة» تقع في منطقة غور الأردن، وهي الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو 1993.

وبهذه المصادرة، ترتفع مساحة الأراضي التي أعلنتها إسرائيل «أراضي دولة» منذ بداية العام إلى 23.7 كيلومتر مربع.

بعد ذلك بأيام عدة صادرت إسرائيل أراضي أخرى قرب مستوطنات في الضفة.

وتسيطر إسرائيل على الضفة الغربية منذ عام 1967، وأقامت الكثير من المستوطنات التي يعيش فيها من دون القدس الشرقية أكثر من 490 ألف إسرائيلي مقابل ثلاثة ملايين فلسطيني.

وهؤلاء المستوطنون بدأواً حرباً، خاصة في الضفة، مستغلين الحرب على قطاع، في محاولة لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة، فقتلوا فلسطينيين وهاجموا قرى وصادروا المزيد من الأراضي، تحت حماية الحكومة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن الحاكم الفعلي للضفة الغربية اليوم هم رؤساء المجالس المحلية للمستوطنات. متهماً رئيس المجالس الاستيطانية كافة، يوسي داغان، بقيادة الفوضى التي صاحبت حالة الحرب.

ولا ينحصر تأثير داعان في معرفته باعتداءات المستوطنين ودعمه توسعهم بكل الأشكال القانونية وغير القانونية، وإنما يمتد أيضاً إلى مجال إقناع السلطات الإسرائيلية والجيش برعاية هذه الاعتداءات أو غض النظر عنها.

وعملياً، ترعى الحكومة الإسرائيلية هؤلاء المستوطنين، ولا تخفي أنها في حرب على جبهة الضفة.

وقتلت إسرائيل نحو 600 فلسطيني منذ السابع من أكتوبر واعتقلت ما يقارب الـ10 آلاف ودمّرت بنى تحتية في طريقها لإضعاف السلطة الفلسطينية ومنعها من إقامة دولة.

واعترف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأنه لا يفعل أي شيء سري، وإنما يعمل بوضوح من أجل منع إقامة «دولة إرهاب فلسطيني» و«تعزيز وتطوير الأمن والاستيطان».

وجاء تصريح سموتريتش تعقيباً على ما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، حول خطة حكومية رسمية سرية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية دون الحاجة إلى الإعلان رسمياً عن ضمها.

خطة لتغيير حكم الضفة

وكان تسجيل مسرّب لسموتريتش فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية، بحسب تقرير نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز».

فلسطينيون يشاهدون تجريف أراض وتدمير منازل في الضفة الغربية (رويترز)

ونقل عن سموتريتش: «أنا أقول لكم، إنه أمر دراماتيكي ضخم. مثل هذه الأمور تغير الحمض النووي للنظام».

وتحكم السلطة الفلسطينية اليوم المنطقة «أ» في الضفة الغربية وتشارك الحكم في المنطقة «ب» مع إسرائيل في حين تسيطر إسرائيل على المنطقة «ج» التي تشكل ثلثي مساحة الضفة.

وكان يفترض أن يكون هذا الإجراء مؤقتاً عند توقيع اتفاق أوسلو بداية التسعينات، حتى إقامة الدولة الفلسطينية خلال 5 سنوات، لكن تحول الوضع إلى دائم، قبل أن تتخذ إسرائيل خطوات ممنهجة ضد السلطة أدت إلى إضعافها بشكل كبير.

وفي خطوة مهمة وحاسمة ضمن خطة سموتريتش، صادق جنرال عسكري كبير على تحويل مجموعة من الصلاحيات في الضفة الغربية إلى مدير مدني هو هيليل روط، في مؤشر على أن الحكومة الإسرائيلية زادت من سيطرتها المدنية على المنطقة في خطوة أخرى نحو الضم الفعلي.

ووصف الناشط المناهض للاستيطان يهودا شاؤول هذه الخطوة بأنها «ضم قانوني»، مضيفاً أن «الحكم المدني الإسرائيلي امتد إلى الضفة الغربية» تحت إشراف سموتريتش.

وتشمل الصلاحيات المفوضة لروط السلطة على معاملات العقارات، والممتلكات الحكومية، وترتيبات الأراضي والمياه، وحماية الأماكن المقدسة (باستثناء الحرم الإبراهيمي وقبر راحيل وقبر صموئيل)، والقوانين المتعلقة بالغابات، والسياحة، والحمامات العامة، وتخطيط المدن والقرى والبناء، وبعض عمليات تسجيل الأراضي، وإدارة المجالس الإقليمية، وغير ذلك الكثير.

واليوم على الأقل لا يوجد داخل الحكومة الإسرائيلية، أي خلاف بشأن ضم المناطق «ج»، حتى أن مسؤولين يرون أنه واحدة من الحلول للضغط على «حماس» نفسها في غزة.

واقترح النائب ألموج كوهين من «عوتسماه يهوديت» الذي يتزعمه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير خلال مقابلة مع «i24NEW» ضم المناطق حتى يعود المحتجزون في غزة. وأضاف: «الأراضي مقابل المختطفين، الأمر بسيط للغاية».

وقال الخبير في الشأن الإسرائيلي كريم عساكرة إن اندلاع حرب بين «حزب الله» وإسرائيل، سيجلب تداعيات خطيرة على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، لا سيما من الناحيتين الإنسانية والسياسية.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «سيفتكون بالضفة بلا شك. حيث يتوقع أن يستغل اليمين في الحكومة الإسرائيلية الحرب، وانشغال العالم بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لتنفيذ مخططات الضم والتهويد التي ستجعل من الضفة الغربية ملحقاً لإسرائيل لا يمكن أن يكون مكاناً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة».

وتابع: «التحريض الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووجود دعم إيراني لتحريك العمل العسكري في الضفة، ربما أيضاً يكون ذريعة لعقاب جماعي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، فتزيد من القمع والحصار والتنكيل بهم لدرجة يصل فيها الفلسطينيون إلى مرحلة لا يستطيعون العيش في ظل تلك الظروف، التي تسعى إسرائيل إلى أن تنتهي بترحيل قسم من الفلسطينيين إلى خارج وطنهم.»

أما على الجانب الإنساني، فيرى عساكرة «أن ارتباط الفلسطينيين في الضفة بإسرائيل في نواحي الحياة كافة، سيؤدي إلى تأثرهم بشكل كبير، خاصة في مجال الطاقة والمياه، وفقدان الاستقرار الغذائي نتيجة لتضرر الموانئ الإسرائيلية، وربما سيكون وضع الفلسطينيين أكثر صعوبة من الإسرائيليين؛ لعدم وجود سلطة قادرة على تقديم أي مساعدة طارئة للمواطنين، على عكس إسرائيل التي تدرس كل جوانب التأثير الإنساني للحرب لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين».

وهذا الوضع لا تغفله السلطة الفلسطينية التي تدرك حجم الضرر المتوقع، وتبدو آخر كيان يريد لهذه الحرب أن تشتعل.

وقال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «حتى قبل حرب محتملة مع لبنان. إنهم يسعون لتفكيك السلطة وانهيارها، ولديهم مخطط واضح لدفع الفلسطينيين على الهجرة. ليس فقط في قطاع غزة وإنما الضفة. هذا اليمين المجنون لن يفوّت حرباً كهذه قبل أن يحقق حلمه بالسيطرة والاستيطان والتخلص من الكينونة الفلسطينية».

ويعترف المسؤول بأنه ليس لدى السلطة القدرة على مواجهة تداعيات حرب كهذه، وهي تواجه قبل ذلك خطر الانهيار.

باختصار شديد، خلف «حزب الله»، توجد إيران وفصائل في العراق وسوريا واليمن، وفي النهاية الدولة اللبنانية التي خلفها توجد دول، وخلف إسرائيل توجد الولايات المتحدة ودول وقوى أخرى عظمى. اما الفلسطينيون في الضفة الغربية فخلفهم سلطة محاصرة وضعيفة لا حول لها ولا قوة، وتقريباً لا بواكي لهم أو لها.