إردوغان أم كليتشدار أوغلو... مَن يحسم مقعد الرئيس الثالث عشر؟

تركيا على أطراف أصابعها انتظاراً لساعة الحسم

 إردوغان يخاطب جمهوره (إ.ب.أ)
إردوغان يخاطب جمهوره (إ.ب.أ)
TT

إردوغان أم كليتشدار أوغلو... مَن يحسم مقعد الرئيس الثالث عشر؟

 إردوغان يخاطب جمهوره (إ.ب.أ)
إردوغان يخاطب جمهوره (إ.ب.أ)

ساعات ويقول الناخبون في تركيا كلمتهم ويحسمون هوية الرئيس الثالث عشر لجمهوريتها التي أُسست منذ 100 سنة. غداً يتوجه الناخبون مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع في جولة إعادة في انتخابات رئاسية تحدث للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الحديثة.

وكانت تركيا قد قطعت نصف استحقاق الانتخابات بعدما اقترع ناخبوها، الذين يفوق عددهم 64 مليوناً، لاختيار نواب البرلمان في دورته الـ28 في حين بقيت انتخابات الرئاسة معلقة للحسم في جولة الإعادة التي تُجرى غداً (الأحد)، بين مرشحَين اثنين هما مرشح تحالف «الشعب» الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان، ومرشح تحالف «الأمة» المعارض رئيس حزب «الشعب الجمهوري» كمال كليتشدار أوغلو. وكان الاثنان قد حصلا على أعلى الأصوات في الجولة الأولى التي أُجريت مع الانتخابات البرلمانية في 14 مايو (أيار) الحالي.

كليتشدار أوغلو... فرصة أخيرة؟ (رويترز)

كما هو معلوم، لم يتمكن أيٌّ من مرشحي الرئاسة التركية من حسم المعركة في الجولة الأولى، إذ كان يتعين على أي مرشح الحصول على نسبة «50 في المائة» زائد «1» من أجل الفوز بمنصب الرئيس الـ13 لتركيا.

ولكنّ مرشحَي الصدارة المتقدمَين إلى الجولة الثانية، رجب طيب إردوغان وكمال كليتشدارأوغلو، نالا على التوالي 49.51 في المائة و44.88 في المائة من الأصوات، في حين حصل سنان أوغان، مرشح تحالف «أتا»، (الأجداد)، على 5.71 في المائة. وكان رئيس حزب «البلد» محرم إينجه، قد انسحب قبل الانتخابات بثلاثة أيام فقط على خلفية مزاعم تتعلق بفضيحة أخلاقية، واحتُسبت له أصوات بلغت 0.4 في المائة.

استراتيجيات الإعادة

كثّف إردوغان وكليتشدار أوغلو تحركاتِهما استعداداً لخوض جولة الإعادة، وإن بدا الرئيس الذي أمضى في السلطة 21 سنة (رئيساً للوزراء ورئيساً للجمهورية) واثقاً من الفوز، بعدما أعلن سنان أوغان، دعمه له في جولة الإعادة.

في المقابل، حصل كليتشدار أوغلو على دعم حزبَي «النصر» برئاسة أوميت أوزداغ، و«العدالة» برئاسة وجدت أوز، وهما أكبر حزبين في تحالف «أتا» الذي انحل بعد الجولة الأولى للانتخابات، مما سيؤدي، حسب محللين، إلى حصول كليتشدار أوغلو على القسم الأكبر من الأصوات التي حصل عليها أوغان في الجولة الأولى.

كذلك، أكدت أحزاب تحالف «العمل والحرية»، وفي مقدمتها حزبا «الشعوب الديمقراطية»، و«اليسار الأخضر»، المؤيدان للأكراد، مواصلة دعمها لكليتشدار أوغلو في جولة الإعادة كما في الجولة الأولى.

ولقد أجرى كليتشدار أوغلو تغييرات في فريق حملته الانتخابية، على ضوء ما حدث في الجولة الأولى، فأقال كلاً من أكان أبدولا وعلي كيراميتشي أوغلو، اللذين أدارا حملته الانتخابية خلال الفترة الماضية، وعيّن بدلاً منهما رئيسة فرع حزب «الشعب الجمهوري» في إسطنبول جنان قفطانجي أوغلو، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، لإدارة الحملة بجولة الإعادة.

واتضحت معالم حملة كليتشدار أوغلو لجولة الإعادة، التي عنونها بـ«قرر من أجل تركيا»، متخلياً عن شعار الجولة الأولى «أَعِدُك... الربيع قادم من جديد». وأيضاً تخلى عن النبرة الهادئة التي اتّبعها في الجولة الأولى قبالة أسلوب إردوغان الهجومي المعروف، فضلاً عن تعديل خطابه لاستمالة «التيار القومي»، الذي بدا أن «الغالبية الصامتة» المعوّل عليها في حسم هوية الرئيس الـ13 لتركيا تتركز داخل هذا التيار، الموجود داخل جميع التحالفات.

أما إردوغان فقد حسم خياره بالتركيز على الشباب وعلى ناخبي مناطق زلزال 6 فبراير (شباط) المدمِّر، الذين شكّل تصويتهم الكثيف له مفاجأة لم يتوقعها هو، كما لم تتوقعها المعارضة، بعدما أشارت استطلاعات مختلفة إلى أن استياء الناخبين في تلك المناطق من أداء الحكومة خلال الكارثة -الذي اعترف إردوغان ذاته بأوجه القصور فيه- سيكون مؤثراً في التصويت.

وجه مختلف

حقاً، كشف كليتشدار أوغلو في الأيام الأخيرة عن وجه مختلف، ووجّه رسائل نارية، تضمّنت هجوماً حاداً على إردوغان. قائلاً إنه هو مَن جلس على طاولة المفاوضات مع حزب «العمال الكردستاني»، المصنف منظمةً إرهابيةً، وهو مَن فتح الطريق لدخول حزب «الدعوة الحرة»، (هدى بار)، ذراع «حزب الله» التركي (الإرهابي) إلى البرلمان الجديد، متهماً إياه بـ«قتل الأبرياء بطريقة (رباط الخنزير)، إذ كان يقيّد أياديهم خلف ظهورهم ويتركهم بالأيام حتى يموتوا بالبطيء، والذين يهددون نساءنا الآن بالقتل بهذه الطريقة المروّعة»، وكذلك بفتح المجال لحركة فتح الله غولن وتغذيتها حتى تسللت إلى مفاصل الدولة.

أيضاً اتهم كليتشدار أوغلو إردوغان بـ«إهانة الجيش التركي والوقوف جنباً إلى جنب مع مَن تآمروا عليه، في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016». ولفت إلى أنه تعامل بأخلاق خلال حملته في الجولة الأولى «بينما اعتمد إردوغان أسلوب الكذب والافتراء والقذف»، و«أن الثقافة السياسية لتركيا تلطخت مرة أخرى بسبب هذا الأسلوب». ورأى أنه «نتيجة لذلك، لم تُمنح أمتنا السلطة في الجولة الأولى. وأظهرت بوضوح سخطها على هذا النظام والعقلية، وأعطت رسالة عميقة ومؤثرة جداً. بعض مواطنينا لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، والبعض ذهب على مضض ليعطي صوته لإردوغان». وأضاف: «نحن تلقينا رسالة أيضاً من نحو 25 مليون مواطن تعكس إرادتهم في التغيير والعدالة والوفرة والسلام».

وتعهّد الزعيم المعارض بإعادة أكثر من 10 ملايين لاجئ (جلّهم من السوريين) إلى بلادهم حال توليه الرئاسة: «إردوغان لم يحمِ حدود البلاد، التي هي شرف الأمة، ولو استمر فإنه سيجلب 10 ملايين آخرين، وسيواصل بيع الجنسية التركية في المزاد من أجل الحصول على أصوات مستوردة».

ونظراً للتركيز على أصوات القوميين المتشددين، الذين يُرجَّح أن يكونوا قوة مؤثرة في الانتخابات، قفز ملف اللاجئين السوريين والمهاجرين الأجانب في تركيا إلى الواجهة، فبات محوراً للتراشق والمزايدات بين المرشحين الرئيسين.

لا غالبية برلمانية

من ناحية اخرى، كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية عن استمرار هيكل البرلمان الأخير من حيث احتفاظ تحالف «الشعب» بقيادة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بالغالبية رغم خسارته 7 في المائة من أصوات مؤيديه و28 مقعداً، وإعادة توزيع المقاعد بين التحالفات والأحزاب وتوسّع قاعدة البرلمان بانضمام أحزاب جديدة بأعداد أكبر من النواب.

النتائج أظهرت فشل أي تحالف في ضمان غالبية مريحة تمكّنه من التحرك بمفرده لتعديل الدستور أو إقرار القوانين. ومع أن صلاحيات رئيس الجمهورية الواسعة في ظل النظام الرئاسي، الذي بوشر بتطبيقه منذ عام 2018، انتقصت بشكل ما من دور البرلمان، فإن ضمان تحالف «الشعب» الغالبية في الدورة السابقة أوجد تناغماً بين الرئيس والبرلمان، كونهما من التحالف ذاته، فحدّ من قدرة المعارضة على التأثير عند مناقشة مشاريع القوانين والتعديلات الدستورية.

وبالتالي، ثارت تساؤلات حول ما يمكن أن تكون عليه الحال إذا فاز مرشح المعارضة غداً، بينما الغالبية البرلمانية ظلت لتحالف «الشعب».

والحال، أنه رغم تفوق تحالف «الشعب» (أحزاب «العدالة والتنمية»، و«الحركة القومية»، و«الوحدة الكبرى» و«هدى بار» و«اليسار الديمقراطي» و«الرفاه من جديد») فإنه حصل على 49.4 في المائة، محققاً 322 مقعداً، أي أقل من غالبية الثلثين (400 مقعد)، وثلاثة أخماس (360 مقعداً). أما تحالف «الأمة» فنال نسبة 35.1 في المائة، محققاً 231 مقعداً، و«تحالف العمل والحرية» على 10.5 في المائة ضمنت له 62 مقعداً.

وللعلم، يتطلب تمرير التعديلات الدستورية في البرلمان غالبية الثلثين (400 صوت)، أو تصويت ثلاثة أخماس عدد الأعضاء (360 نائباً) من أجل طرح التعديلات للاستفتاء الشعبي.

خريطة الأحزاب

حصل حزب «العدالة والتنمية» على 42.56 في المائة من الأصوات في انتخابات 2018 حاصداً 295 مقعداً. وانخفضت هذه النسبة بنحو 7 في المائة إلى 35.4 في المائة في الانتخابات الأخيرة ليخرج بـ266 مقعداً.

وحصل حزب «الشعب الجمهوري» عام 2018 على 22.56 في المائة من الأصوات ضمنت له 146 مقعداً، وزادت النسبة إلى 25.4 في المائة هذا العام فحصل على 168 مقعداً. أما حزب «الحركة القومية» فجمع 11.1 في المائة من الأصوات عام 2018 رابحاً 49 مقعداً، وفي الانتخابات الأخيرة نال 10.06 في المائة بعدد مقاعد 51 مقعداً.

وعن القوى الأخرى، دخل حزب «الشعوب الديمقراطية»، المؤيد للأكراد، الانتخابات الأخيرة من قوائم حزب اليسار الأخضر بسبب قضية إغلاقه المنظورة أمام المحكمة الدستورية، وحصل على 62 مقعداً بنسبة 8.78 في المائة من الأصوات، بينما حصل شريكه في تحالف «العمل والحرية»، حزب «العمال» التركي، على 1.7 في المائة من الأصوات و4 مقاعد، ليكون عدد مقاعد التحالف 66 مقعداً. وتشكل هذه النسبة تراجعاً في أصوات «الشعوب الديمقراطية»، ما أرجعه محللون إلى الضغوط التي تعرض لها الحزب في السنوات الخمس الأخيرة.

أما حزب «الجيد» فحصل عام 2018 على 9.96 في المائة و43 مقعداً، وفي الانتخابات الأخيرة على 44 مقعداً بنسبة 9.84 في المائة من الأصوات.

وحصل حزب «السعادة» على 10 مقاعد من نسبة 1.34 في المائة من الأصوات. وضمن «الديمقراطية والتقدم» 15 مقعداً و«المستقبل» 26 مقعداً، و«الحزب الديمقراطي» 3 مقاعد (والأحزاب الثلاثة خاضت الانتخابات على قائمة «الشعب الجمهوري»)، بينما حصل «هدى بار»، (خاض الانتخابات على قوائم «العدالة والتنمية»)، على 4 مقاعد من 0.31 في المائة من الأصوات. وحاز «الرفاه من جديد»، (ضمن تحالف «الشعب»)، نسبة 2.85 في المائة و5 مقاعد.

قلق إردوغان

المحلل السياسي مراد صابونجو، علّق بأن العامل القومي لعب دوراً مؤثراً جداً عند التحالفات الثلاثة التي دخلت البرلمان، مهما أغفلته جميع شركات استطلاعات الرأي، وهي «وإن تكلمت عن دور الغالبية الصامتة في الحسم، لم تكتشف أنها ستكون قومية». وأردف أن «(العدالة والتنمية) مُني بخسارة كبرى بفقدانه 7 في المائة من أصواته خلال 5 سنوات وتحقيق نسبة هي الأدنى على مدار 21 سنة، كما يُعد اليسار الأخضر الخاسر الثاني». ورأى أن حزب «الشعب الجمهوري» أكبر الرابحين على الرغم من عجزه عن إقناع قواعده بفكرة التحالف مع أحزاب إسلامية الجذور مثل «السعادة» و«الديمقراطية والتقدم» و«المستقبل».

وتوقع خبراء قانونيون أن يتسبب التشكيل الحالي للبرلمان في أزمة قد تقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة بسبب انعدام الغالبية الحاسمة لدى كل من تحالفَي «الشعب» و«الأمة». ورأوا أن الأمر لن يختلف سواء فاز إردوغان أم كليتشدار أوغلو، لأنه ستكون هناك صعوبات في إقرار التعديلات الدستورية والقوانين.

إلى هذا، اعترف إردوغان بتراجع حزبه، وطالب رؤساء فروعه في الولايات التركية ورؤساء البلديات التابعة له، خلال اجتماع معهم (الأربعاء) في أنقرة، بالعمل المكثف لاستعادة شعبية الحزب وترجمة ذلك في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، والانتخابات المحلية المقبلة في مارس (آذار) 2024. ثم نبّه إلى أهمية أن تكون الغالبية البرلمانية «متناغمة» مع الرئيس بعد جولة الإعادة.

ولفت إلى أن «هناك بعض الأمثلة في الماضي عندما كان البرلمان مختلفاً عن الحكومة والرئيس، والنتيجة كانت دائماً التوجه إلى الانتخابات المبكرة. أتمنى أن يكون يوم 28 مايو مختلفاً تماماً. أعتقد أننا سنستيقظ يوم 29 مايو بطريقة مختلفة تماماً».

حقائق

حزب «العدالة والتنمية» تكبّد خسائر لم يشهدها في 21 سنة...

وسط مخاوف من انتخابات مبكرة لا ضمانات إزاء اتجاه أصوات أوغان


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.