غانا ...«نموذج ديمقراطي» ملهم أفريقياً

نانا اكوفو آدو
نانا اكوفو آدو
TT

غانا ...«نموذج ديمقراطي» ملهم أفريقياً

نانا اكوفو آدو
نانا اكوفو آدو

بخلاف جوار يتمتع بـ«سيولة انقلابية»، وانتخابات يشوبها «التلاعب» وأعمال العنف، اعتادت غانا خلال العقود الأخيرة على «انتقال سلمي ديمقراطي» للسلطة. هذه الظاهرة الإيجابية اللافتة، جعلتها تُوصف بأنها «نموذج للديمقراطيات الأفريقية الناشئة»، كما يقول رئيس الوزراء الكيني الأسبق رايلا أودينغا، الذي يتابع إنها «تمثل نموذجاً استثنائياً نادراً لنجاح الممارسة الديمقراطية في القارة السمراء». كذلك، قال عنها بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، إن غانا «مثال باهر ومثير للإعجاب... مصدر هذا التميز والإبهار؛ كون الانتخابات عادة ما تتسم بالشفافية والنزاهة».

جيري رولينغز

في الحقيقة، رغم رغم تنوع غانا الإثنى والديني والثقافي واللغوي، شهدت هذه الجمهورية الواقعى في أفريقيا الغربية انتقالاً سلمياً للسلطة مرات عدة منذ عام 1992، على خلاف جيرانها في غرب أفريقيا، مثل بوركينا فاسو ومالي وغيرهما. أما انتخابات 2024 المقبلة، فتعد الانتخابات التاسعة من نوعها منذ تحوّل البلاد إلى نظام التعددية الحزبية عام 1992. ولقد سبق أن وقّع الرئيس الحالي نانا أكوفو أدو وجون ماهاما، اللذان تواجها ثلاث مرات في تنافسهما على الحكم، «ميثاق سلام» للحفاظ على حسن سير العملية الانتخابية والحفاظ على الاستقرار واحترام نتائج الاقتراع.

تطل غانا - الشهيرة إبان الحقبة الاستعمارية باسم «ساحل الذهب» - على خليج غينيا والمحيط الأطلسي. وتحدها بوركينا فاسو من الشمال، وتوغو من الشرق، وكوت ديفوار من الغرب. وكانت عندما استقلت عن بريطانيا عام 1957، أول دولة في «أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى» تحصل على استقلالها عن الاستعمار الأوروبي.

غير أنها بدأت أولى خطوات عملية الإصلاح السياسي عام 1992 بعقد استفتاء شعبي على توصيات المفوضية الوطنية للديمقراطية، وتضمّنت التوصيات جدولاً زمنياً للانتخابات الرئاسية والتشريعية، تحققن الموافقة عليها بنسبة 92 في المائة. وخلال تلك الفترة تنحى الرئيس العسكري جيري رولينغز (حكم غانا بين أواخر 1981 ومطلع 1993، ثم بين مطلع 1994 و2001) عن منصبه العسكري، وأسس حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (NDC)، في حين أسس ألبرت بواهن «الحزب الوطني الجديد» (NPP).

خلال السنوات التالية انتقلت السلطة من دون أي مظاهر عنف بين الرؤساء، تبادل فيها الحزبان الكبيران، وهما «الحزب الوطني الجديد» (يمين الوسط) و«المؤتمر الوطني الديمقراطي» (يسار الوسط) مقاليد السلطة. في الوقت ذاته، لعبت الأحزاب الأخرى الصغيرة دوراً سياسياً محدوداً. وبالتالي، تمكنّت غانا من التحول إلى نظام التعددية الحزبية بعدما عانت الاستبداد وسيطرة العسكريين على نظام الحكم لعقود طويلة.

وفي أول انتخابات رئاسية في ديسمبر (كانون الأول) عام 1992، فاز الضابط السابق رولينغز بنسبة 58 في المائة، ومع أن قوى المعارضة شككت في نزاهة تلك النتائج، فإن المراقبين الغربيين والمحليين أقرّوا بصحة الانتخابات. وبالمناسبة، وفقاً للدستور الغاني يُعدّ نظام الحكم رئاسياً؛ إذ يتولى رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة عقب فوزه بغالبية مطلقة 50 + 1 في المائة.



الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.