مآلات الانتخابات الليبية في ظل الحرب السودانية

تباطؤ سياسي وسط تعويل على «المصالحة الوطنية»

المنفي مع باتيلي
المنفي مع باتيلي
TT

مآلات الانتخابات الليبية في ظل الحرب السودانية

المنفي مع باتيلي
المنفي مع باتيلي

فرض الوضعُ الراهنُ في السودان تحدياً جديداً على دول «الجوار»، وفي مقدمتها ليبيا، خصوصاً لجهة الاهتمام بالملف الأمني والحدود المشتركة. وهذا الأمر أعاد طرح السؤال على النخب الليبية المتعارضة حول مدى إمكانية عقد الانتخابات المُنتظرة، في ظل الأجواء المضطربة بالخرطوم، وهل طبيعة الأزمة الليبية، حالياً، أمنية أم سياسية؟

جانب من النخبة السياسية، التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» بدت متفائلة، بإمكانية إجراء الانتخابات إذا ما «توفرت الإرادة»، لكن هذا تَقاطعَ مع آراء آخرين اعتبروا أن ذلك «صعب» لأسباب عدة، من بينها المعضلة الأمنية، وبقاء الأجسام السياسية - التي يُنظر إليها على أنها سببٌ في إفشال الاستحقاق السابق - على حالها دون تغيير.

وفي أول لقاء لمبعوث الولايات المتحدة وسفيرها لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، مع محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، منذ اندلاع الحرب السودانية - وإن جاء عبر تقنية «زوم» - لم يخلُ من بحث مخاطرها جميعها، ما دفعهما إلى الاتفاق على «أهمية تشكيل قوة مشتركة لتسيير دوريات على الحدود الجنوبية، وضمان ألا تُستخدم ليبيا منصةً للتدخل في السودان». كذلك تطرق نورلاند والمنفي، إلى مناقشة الاستقرار الإقليمي، ودور «المصالحة الوطنية» في التقارب المأمول قبل الذهاب إلى الانتخابات المرجوّة، بجانب تحسين عملية إدارة الإيرادات لضمان استفادة الليبيين جميعاً من ثروة بلادهم. وأكد نورلاند دعم واشنطن العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة لتنظيم استحقاق مبكر في ليبيا.

هنا يرى عارف النايض، رئيس «تكتل إحياء ليبيا»، أن «النكبة السودانية المؤلمة تذكير لهم بضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات الليبية، بشكل عاجل، العام الحالي». واعتبر النايض، في حوار مع «الشرق الأوسط» ما سماها «الفتنة المسلحة» الدامية بين الأشقاء في السودان، دليلاً آخر على أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المباشرة، هي «السبيل الوحيد» لتجديد الشرعية المستمدة من الإرادة الشعبية من خلال صناديق الاقتراع، وأيضاً «دليلاً على خطورة المماطلة في الاحتكام إلى الإرادة الشعبية الحرة، ومحاولة الالتفاف حول تلك الإرادة من خلال الصفقات والتفاهمات والاقتسامات».

عارف النايض

ولكن، هنا تتباين رؤى الليبيين حول طبيعة أزمة بلادهم بين مَن يراها أمنية، في مواجهة مَن يعتبرها سياسية. وهناك أيضاً مَن اعتبر أن الحديث عن إجراء انتخابات نهاية العام - دون تحسين ملموس بالجانب الأمني- ليس إلاّ مجرد «رفع لسقف الطموح والآمال وامتصاص للغضب الشعبي».

وعلى صعيد آخر، من دون إعلان رسمي، نقلت مصادر إعلامية قريبة من «الجيش الوطني الليبي» أن قائده المشير خليفة حفتر وجه فور اندلاع الحرب في السودان بإغلاق الحدود المشتركة معه، وأرسل تعزيزات عسكرية إلى مدينة الكفرة، جنوب شرقي البلاد.

ماذا عن لجنة «6 + 6»؟

لا يخفي كثيرون من الليبيين دهشتهم لانقضاء قرابة نصف العام، وبقاء شهر واحد يفصلهم عن الموعد المحدد لانتهاء لجنة «6 + 6» من إعداد القوانين اللازمة للانتخابات - قبل نهاية يونيو (حزيران) - من دون أن تثمر اللقاءات المحدودة شيئاً إلاّ «تقارباً في وجهات النظر». ولذا يقول عبد الرؤوف بيت المال، رئيس حزب «ليبيا النماء» إن «الواضح لنا عدم وجود أي نية لإجراء الانتخابات»، قبل أن يستدرك فيقول: «ولكن إذا توافرت الإرادة الحقيقية من الليبيين والأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في القرار المحلي، فستُجرى».

بيت المال يفترض في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه إذا قرّرت هذه الأطراف إجراء الاستحقاق، «فسيكون ذلك بعد 6 إلى 8 أشهر، بما يعني نهاية العام الحالي، أو بداية 2024»، وتابع: «أتمنى بعد هذه المدة أن تكون الحرب السودانية قد انتهت. فالربط بين ما يحدث هناك وإجراء الانتخابات الليبية ليس في محله».

هذا، ويُنظر إلى اللجنة المعنية بإعداد قوانين الانتخابات على أنها «تتحرك ببطء»، فهي لم تعقد منذ تشكيلها سوى 3 اجتماعات، آخرها كان منتصف الأسبوع الماضي، مع عماد السائح رئيس المفوضية العليا للانتخابات، الذي استمع إلى ملاحظاتها الفنية حول القوانين لـ«أخذها بعين الاعتبار»، بحسب ما صرح به عبد الله بليحق، المتحدث باسم مجلس النواب. وسبق لعبد الله باتيلي، المبعوث الأممي إلى ليبيا، إعلان «خريطة طريق» جديدة وواضحة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، بحلول منتصف يونيو المقبل. وهو الموعد الذي يفترض أن تكون لجنة «6 + 6» قد انتهت خلاله من أعمالها. وقال باتيلي «إن الأجسام السياسية (المنتهية ولايتها) والحكومات المتعاقبة هي سبب عدم الاستقرار في ليبيا وتعرِّض الوضع للخطر».

وكانت اللجنة قد اجتمعت في الثالث من مايو (أيار) الحالي، في مقر فرع ديوان مجلس النواب بمدينة طرابلس، وجرى الاتفاق، حينذاك، على آلية عملها بما يشمل التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية، وقال بليحق، إن اجتماعها «شهد تقارباً في وجهات النظر بين أعضائها». يشار إلى أن مجلس النواب أعلن في 20 مارس (آذار) الماضي، تسمية 6 أعضاء ممثلين له في اللجنة المشتركة مع «الأعلى للدولة» (6 + 6)، المكلفة إعداد القوانين لإجراء الانتخابات المنتظرة.

«السلام الهش»... والجيش «المنقسم»

بموازاة التحركات التي تجريها لجنة «6 + 6» - حتى وإن بدت محدودة - هناك مسارات أمنية، وكذلك جهود لتوحيد المؤسسة العسكرية المنقسمة، وكلها تهدف إلى التمهيد لإجراء الانتخابات، وفق الرؤية الأممية. وخلال الأسابيع الماضية كثرت اجتماعات كبار القادة العسكريين بالجيش الليبي، بين شرق البلاد وغربها على نحو غير مسبوق، منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، مدفوعة بدعمين دولي وأممي كبيرين. وعلى الأثر تجددت لقاءات الفريق أول عبد الرازق الناظوري، رئيس أركان قوات القيادة العامة لـ«الجيش الوطني الليبي» ونظيره رئيس أركان القوات التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة الفريق أول محمد الحداد، تلتها لقاءات على مستوى رؤساء الأركان النوعية.

واعتبر سياسيون هذه اللقاءات «خطوةً جادةً» على طريق «توحيد» الجيش المنقسم، وتفتح الباب أيضاً أمام مصالحة وطنية جادة، ومن ثم المضي باتجاه الانتخابات، التي يرى رئيس «تكتل إحياء ليبيا» أن عقدها «ليس فقط أمراً ممكناً، بل هو أمر ضروري لصيانة السلام الهش في ليبيا، وإعلاء السيادة الوطنية، وتوطيد وحدة البلاد، وترميم النسيج الاجتماعي، من خلال المصالحة الوطنية الشاملة».

وعلى هذا النحو رأى عبد الله اللافي، النائب بالمجلس الرئاسي، أن «طريق الانتخابات الحرة والنزيهة، تبدأ من نجاح مشروع المصالحة الوطنية، للعبور إلى مرحلة الاستقرار، وبناء دولة ديمقراطية». وأردف اللافي، خلال لقائه رئيس وأعضاء «تجمع ليبيا والانتخابات» أن مشروع المصالحة الوطنية يعد «السبيل الوحيد لضمان تحقيق السلم الأهلي لليبيا وشعبها»، مؤكداً عزم مجلسه على الاستمرار في استكمال كل مساراته.

في المقابل، يلاحظ ليبيون محدودية تحركات المبعوث الأممي، لا سيما بعد اندلاع الصراع السوداني، بينما تتمحور رؤيته في العموم حول ضمان الأمن في ليبيا أثناء الانتخابات العامة والفترة التي تليها. ولذا أقدم على تيسير سلسلة من الاجتماعات في تونس وطرابلس وبنغازي وسبها جمعت اللّجنة العسكرية المشتركة ( 5 + 5)، والجهات الأمنية والعسكرية من الأقاليم الثلاثة في ليبيا، وهي الخطوة التي أثنى عليها النايض، لجهة حصوله على «تعهدات منهم بحماية الانتخابات ونتائجها».

المسار الأممي

النايض، وهو مرشح رئاسي، يرى أن الصراع السوداني «لن يفسد الانتخابات الليبية، بل يؤكد ضرورة إجرائها». ويقول إن على المبعوث الأممي إحراز «تقدم ملحوظ» في الملف الليبي، بخطوات «في غاية الأهمية، مع تمسكه بإجرائها حتى لو تطلب الأمر تجاوز مجلسي النواب و(الأعلى للدولة) إذا لم يتعاونا»، بالإضافة إلى «التواصل مع النسيج الاجتماعي والمجتمع المدني، لتأكيد وجود حاضنة داعمة وضامنة للانتخابات». وأضاف النايض أن الأوضاع الأمنية والقانونية والاجتماعية في ليبيا، هي الآن «في أفضل حالاتها لإجراء الانتخابات»، وأن الحل في ليبيا والسودان واحد، وهو «اللجوء إلى صناديق الاقتراع، بدلاً عن صناديق الذخيرة».

ملف «المرتزقة»

بموازاة الجانب المتفائل، رأى عدد من الساسة الليبيين أن الحرب في السودان تضيف عبئاً جديداً على بلادهم، إلى جانب عقبات أخرى، من بينها «الأجسام الراهنة». ويتخوف هؤلاء من تعطّل ملف إخراج «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب من البلاد، بالإضافة إلى توجّسهم أيضاً من تسرّب «محتمل» للمقاتلين والإرهابيين عبر الصحراء الليبية المترامية. وكان باتيلي، أجرى زيارة إلى الخرطوم نهاية مارس الماضي، التقى خلالها رئيس «مجلس السيادة الانتقالي» في السودان، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بحضور وزير الخارجية المكلف، السفير علي الصادق، وبحث معه ملفات عديدة من بينها «المرتزقة»، ومساعي الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية.

ومعلوم أن عناصر «المرتزقة» الموجودة في ليبيا من جنسيات عدة تلقي بظلالها القاتمة على المشهد في البلاد، في ظل مخاوف من تصاعد نفوذ شركة «فاغنر» الروسية، واستثمارها في هذا المناخ المضطرب بحسب متابعين. إلى ذلك كشفت السفارة الأميركية في طرابلس أن مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، تحدثت مع المشير حفتر حول «الحاجة الملحة لمنع الجهات الخارجية، ومن بينها مجموعة (فاغنر) الروسية، المدعومة من الكرملين، من زيادة زعزعة استقرار ليبيا أو جيرانها، بما في ذلك السودان». والمخاوف ذاتها عبّر عنها عيسى عبد المجيد، رئيس الكونغرس التباوي، واعتبر في تصريح صحافي أن الوضع في السودان سيؤثر في الأمن القومي الليبي.

ويرى الأكاديمي الليبي حافظ الغويل، وهو زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، أن ما يحدث في السودان «سيعرقل ما يحدث في ليبيا، وسيكون له تأثره في دول المنطقة». وأردف الغويل في لقاء مع «الشرق الأوسط» أنه من «الصعب جداً» إجراء انتخابات في ليبيا هذه السنة، وأنه لا يرى أن «الأجسام السياسية الموجودة في البلاد منذ 2012، وسبق لها عرقلة كل الإجراءات والمحاولات الدولية في عقد الانتخابات الماضية... ستتغير». وبشأن لجنة «6 + 6» لفت الغويل إلى أنه «لم ينتج عنها شيء حتى الآن (...) لقد اقتربنا من منتصف العام. ولا أرى أي فرص حقيقية لإجراء الانتخابات (...) ولو فُرضت بطريقة أو بأخرى، فلن تكون نزيهة أو شفافة».

حافظ الغويل

من جهة أخرى، من الذين يرون أن الحرب السودانية «سيكون لها تأثير كبير في الأوضاع بليبيا»، طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب، الذي قال عقب اندلاعها، إن لجنته ستعرض على جلسة مجلس النواب المقبلة تقريراً مفصلاً يتعلق بما يجب اتخاذه لحماية الحدود بين البلدين. وفي ظل انعدام الإحصائيات الرسمية عن عدد السودانيين الذين دخلوا ليبيا، قالت الأمم المتحدة على لسان رؤوف مازو، مساعد المفوض السامي لشؤون العمليات بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن نحو 73 ألفاً فروا بالفعل إلى الدول المجاورة للسودان، من بينها ليبيا، بالإضافة إلى جنوب السودان وتشاد ومصر وإريتريا وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. وسجلت مصفوفة تابعة للمنظمة الدولية للهجرة رصد نزوح ما يقرب من 700 شخص إلى الكفرة هرباً من الاضطرابات الأمنية في بلادهم.

الرئيس التشادي ديبي مع السفير نورلاند

 

  
مفاوضات ومبادرات... «دفتر أحوال» ليبيا منذ رحيل القذافي

أمضى الليبيون ما يزيد على 12 سنة منذ رحيل الرئيس الراحل معمر القذافي في البحث عن حل لمعضلة بلدهم، في ظل نزوع بعض الساسة والعسكريين للوصول إلى السلطة، بعقد «الصفقات السياسية» و«التفاهمات الجهوية». وما بين هذا وذاك، شهدت البلاد جهوداً أممية ومحلية عديدة على مدار السنوات التي تلت «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011، لتفكيك هذه المعضلة، إما بطرح المبادرات والمفاوضات، أو باللجوء للحرب أحياناً، لكن كل ذلك انتهى إلى لا شيء، ليحفل «دفتر أحوال ليبيا» بتفاصيل عديدة، هنا أهمها:
- أطاحت «ثورة فبراير» بنظام القذافي بعد 42 سنة من حكمه باستناد إلى ضربات لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو).
- انفتحت ليبيا تماماً أمام التدخلات الأجنبية بكل أجهزة استخباراتها، بينما شهدت البلاد سنوات من الاشتباكات والاقتتال الدامي انعدمت معها سبل الحياة الآمنة كلها، وانتشرت الجريمة والعمليات الإرهابية بأشكالها المختلفة.
- لسنوات عديدة، والأمم المتحدة تدفع بمبعوثيها، بداية من عبد الإله الخطيب وزير الخارجية الأردني الأسبق، وحتى عبد الله باتيلي، المبعوث الحالي، إلى ليبيا؛ أملاً في تفكيك المعضلتين السياسية والأمنية.
- كانت السنوات الدامية التي تلت «ثورة فبراير» كفيلة بتفكيك سلطة الدولة الموحّدة، لتسيطر عليها حكومتان: الأولى في العاصمة طرابلس، والثانية في مدينة طبرق (أقصى شرق البلاد). ولتشهد البلاد مزيداً من التدخلات الخارجية بقصد حماية وفرض مصالحها. 
- شهدت ليبيا منذ 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 حتى العام الحالي تولّي 8 حكومات، بداية من عبد الرحيم الكيب، وعلي زيدان... ومروراً بحكومة فائز السراج في طرابلس، وأخرى موازية بقيادة عبد الله الثني في شرق ليبيا، ووصولاً إلى حكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا المتنازعتين على السلطة. 
- حاول عديد المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة جمع الأطراف المتنازعة على طاولة المفاوضات، ونجحت المحاولات في نهاية المطاف في عقد مؤتمرين عن ليبيا في برلين (بين عامي 2020 و2021) نظمتهما ألمانيا.
- في فبراير من عام 2021، اتفق الفاعلون الليبيون على حكومة مؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ضمن السلطة التنفيذية التي تضم محمد المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، مهمتها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته. 
- فشلت السلطة التنفيذية، في عقد الانتخابات الرئاسية والنيابية، لتدخل ليبيا مرة ثانية دوامة الانقسام السياسي بين حكومتي الدبيبة، التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، وباشاغا «المستقرة» بين مدينتي سرت وبنغازي.
- تقول البعثة الأممية إلى ليبيا برئاسة عبد الله باتيلي، إن السنوات الـ12 الماضية شهدت أزمة لم تستثنِ أحداً من الليبيين، غير أنها أكدت كذلك تطلع الشعب للديمقراطية والسلام والعدالة. ولا تزال هذه الآمال قائمة، لكن دخول البلاد في دوامة من المراحل الانتقالية، فاقم من صعوبات الحياة اليومية للناس على المستويات كلها. 
- ترى البعثة أن الاقتصاد الليبي بات غير مستقر، والخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء، غير منتظمة، بالإضافة إلى أن الرعاية الصحية تعاني من نقص حاد في الموارد، وتلفت إلى أن الإجراءات القضائية باتت شبه معطلة، كما أن حقوق الإنسان غير مكفولة وسط مخاوف أمنية.
- لا يزال عديد من أزمات البلاد من دون حل، من بين ذلك توحيد مؤسسات الدولة، خصوصاً المؤسسة العسكرية المنقسمة بين شرق ليبيا وغربها، بالإضافة إلى وجود عديد من التشكيلات المسلحة التي لا تزال تعمل في البلاد، وتجد الحماية والإسناد من قوى سياسية وعسكرية على الأرض.
- انتهت البعثة الأممية إلى أنه لا يزال من الممكن الاستجابة لتطلعات الشعب الليبي وتحقيق سلام مستدام. لكن يتوجب على قادة ليبيا وضع مصالحها فوق مصالحهم الشخصية، ووضع حد للجمود السياسي الراهن، وتمكين الليبيين من اختيار قادتهم، خلال عام 2023، من خلال انتخابات شاملة وحرة ونزيهة.  عناصر «المرتزقة» الموجودة في ليبيا من جنسيات عدة تلقي بظلالها القاتمة على المشهد في البلاد، في ظل مخاوف من تصاعد نفوذ شركة «فاغنر» الروسية.



صواريخ «العمق الروسي» تتحدّى «خطوط بوتين الحمراء»

بوتين (رويترز)
بوتين (رويترز)
TT

صواريخ «العمق الروسي» تتحدّى «خطوط بوتين الحمراء»

بوتين (رويترز)
بوتين (رويترز)

هل يقترب العالم من حافة المواجهة الكبرى؟ سؤال تردّد كثيراً، خلال الأيام الأخيرة، بعدما وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذيراً عُدَّ الأقوى في لهجته للغرب. لم يتردّد الكرملين في إعلان «نفاد صبر» روسيا، وهو يتكلم عن «القرار الغربي» الذي «طُبخ» خلف أبواب مغلقة، وينتظر اللحظة المناسبة لإعلانه رسمياً. ولقد بدت موسكو واثقة، الأسبوع الفائت، بأن حلف شمال الأطلسي «ناتو» منح عملياً كييف «الضوء الأخضر» لاستهداف العمق الروسي باستخدام صواريخ أميركية وبريطانية الصنع، حتى لو يُذكَر ذلك علناً. ومع أن الكلام الروسي عن «انخراط مباشر» للغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، تكرَّر كثيراً خلال الأشهر الماضية، فإن الجديد هنا تمثَّل في عنصرين: أولهما إطلاق بوتين تهديداً مباشراً بأن المواجهة ستكون مباشرة مع الغرب، هذه المرة، وثانيهما اشتعال المنصات الإعلامية الروسية بتصريحات نارية أطلقها «صقور الحرب» الذين لوّحوا طويلاً بأنه حان وقت «المواجهة الحاسمة» مع الغرب. وهكذا، وقف ديمتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، مهدّداً بـ«محو أوروبا»، وقال إن صبر روسيا «قارب على النفاد» ملوِّحاً بقدرات نووية قادرة على «صَهر» مدن أوروبية. هذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها مدفيديف باستخدام السلاح النووي. وهي عبارات كرَّرها مسؤولون آخرون؛ بينهم سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية والخبير الأبرز في روسيا بشؤون الأمن الاستراتيجي والعلاقات مع واشنطن، الذي تخلّى عن حذره الدبلوماسي المعتاد، وهدّد بـ«رد وحشي» لموسكو إذا سمح الغرب لكييف باستهداف العمق الروسي بصواريخه.

صورة من التوغل الأوكراني في كورسك (رويترز)

اللهجة الحادة من جانب «الصقور» في موسكو عكست حقاً اقتراب الكرملين من تبنّي خيارات حازمة في حال جرى تجاوز آخر «الخطوط الحمراء» التي حدّدها سيد الكرملين.

خلال العام الأخير، بالتوازي مع نجاح موسكو في توسيع سيطرتها بمناطق الدونباس، واجهت موسكو اختراقات واسعة أسقطت عدداً من «خطوطها الحمراء» التي وضعت في وقت سابق. وبالتالي، غدا استهداف المنشآت العسكرية ومراكز البنى التحتية ومستودعات الطاقة في القرم ومناطق عدة أخرى تنتهك «الأراضي الروسية»، وفقاً للتعريف الروسي للحدود، حدثاً يكاد يكون يومياً. كذلك حمل التوسع باستخدام المُسيّرات، ووصولها إلى مناطق بعيدة عن الحدود داخل العمق الروسي، انتهاكاً جديداً رسم ملامح جديدة لقواعد الاشتباك.

في هذه الأثناء، نفّذ الغرب وعوده بمواصلة إمداد أوكرانيا بتقنيات عسكرية متطوّرة، متجاهلاً كل تحذيرات الكرملين في هذا الإطار. وكان الأبرز توغّل كورسك، في أغسطس (آب) الماضي، ومنظرُ تجوّل الدبابات الألمانية والآليات الأميركية والبريطانية داخل الأراضي الروسية، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، كان مُوجعاً جداً للروس.

ستولتنبرغ (روينرز)

«ضوء أخضر» يهزّ «الخطوط الحمراء»

لقد اختبر الغرب بقسوة، عبر تلك التطورات، مستوى «الصبر الاستراتيجي» لبوتين، وردّات فعله على الانتهاكات المتكررة للخطوط الحمراء التي وضعها لنفسه.

وأخيراً، جاء الكلام عن إعطاء كييف «الضوء الأخضر» لضرب مواقع في العمق الروسي بصواريخ «أطلسية» ليضع الكرملين أمام حسابات صعبة وهو يواجه اختراقاً محتملاً لآخِر «خطوطه الحمراء».

خيارات بوتين

كان لافتاً أن الكرملين، رغم تحذير بوتين الصارم، لم يبادر إلى التلويح بتحركات حازمة، بل علّق الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف على التصريحات النارية التي أطلقها عدد من المقرّبين للرئيس الروسي، بالإشارة إلى أن بوتين «يتلقّى توصيات من عدد من الخبراء البارزين، لكنه يعتمد التروّي في اتخاذ قراراته النهائية».

ويبدو أن هذه العبارات فُهِمت في الغرب بشكل متسرّع، إذ جاءت تصريحات ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لـ«ناتو»، في مقابلة مع صحيفة «التايمز» البريطانية، لتزيد الغضب عند الروس، فقد قال المسؤول الأطلسي إن «السماح لكييف بشن ضربات صاروخية بعيدة المدى في عمق روسيا لن يكسر خطاً أحمر فيؤدي إلى التصعيد». وأردف أنه يدعم الدول - ومنها بريطانيا وفرنسا - التي دعت إلى إعطاء كييف الإذن باستخدام الصواريخ الطويلة المدى.

على الفور، جدّد الكرملين تحذيره، ورأى بيسكوف أن رغبة قيادة كتلة «ناتو» في تجاهل كلمات بوتين حول عواقب الهجمات التي تشنها الأسلحة الغربية على روسيا «أمر خطير للغاية واستفزازي»، واتهم الحلف بأنه ينطلق من «رغبة متفاخرة بألّا تأخذ تصريحات الرئيس الروسي على مَحمل الجِد... وهذه خطوة قصيرة النظر وغير مهنية، على الإطلاق».

وهكذا، بين تحذيرات بوتين و«ثقة» الغرب بأن روسيا لن تستطيع القيام بخطوات فعالة لمواجهة الاستحقاق الخطير، يدرس الكرملين الخيارات المُتاحة للردّ، وسط ازدياد كلام داخل روسيا عن احتمال اللجوء إلى أسلحة غير تقليدية إذا ما تعرّضت روسيا، فعلياً، لهجمات من شأنها أن تهدد سيادتها وسلامة أراضيها.

للتوضيح، فإن هذه العبارة تحديداً «تهديد السيادة وسلامة الأراضي» هي التي تحدد شرط استخدام كل القدرات الروسية التقليدية وغير التقليدية، وفقاً لاستراتيجية الأمن القومي لروسيا.

صواريخ «ناتو» ولكن... هل تشكل الصواريخ خطراً جدياً؟

هذا السؤال يبرز بشكل واسع حالياً في تحليلات الخبراء الروس والغربيين. والكلام يدور بالدرجة الأولى حول نظاميْ «أتاكامز» الأميركي، و«ستورم شادو» البريطاني - الفرنسي، إذ يصل مدى الصاروخين إلى نحو 300 كيلومتر، في أحسن الأحوال. وهذا المدى لا يسمح بتهديد الجزء الأعظم من المناطق الروسية، بل يضع في دائرة الخطر فقط مساحة محددة على طول الحدود لا تصل حتى إلى العاصمة موسكو.

بهذا المعنى، ستكون منطقة القرم كلها ومحيط مدن كورسك وبيلغورود وروستوف وبعض المدن المهمة الأخرى في مرمى نيران كييف، وهي أصلاً تقع في المرمى حالياً، مع فارق القوة التدميرية للصواريخ الغربية. والنقطة الأبرز هنا تتمثل في القدرة المباشرة على استهداف منشآت حساسة للغاية، بينها مراكز «القيادة والسيطرة» في روستوف، مثلاً، التي منها تُدار العمليات الحربية في أوكرانيا.

إلا أن الأهم بالنسبة إلى الكرملين أن التغاضي عن تطوّر من هذا النوع سيشجع الغرب على مزيد من الانتهاكات اللاحقة، وربما تطوير قدرات أوكرانيا على ضرب مواقع أكثر حساسية لموسكو.

والحال أن أوكرانيا نجحت حقاً في توجيه ضربات مُوجعة إلى مناطق حساسة باستخدام مُسيّرات طُوّرت وزيد مداها لتتجاوز في بعض الحالات 700 أو 800 كيلومتر، لذا فإن التهديد مع الصواريخ الغربية يغدو أكبر، وفقاً للخبراء.

النقطة الثانية المهمة هنا هي المقصود بعبارة «العمق الروسي». فعندما تطلب أوكرانيا من الغرب العون في استهداف مناطق في الداخل الروسي، يظهر على الفور تباين لدى الأوساط الغربية بين السماح بتوجيه ضربات «إلى مناطق أوكرانية محتلة»، أو مناطق «ينطلق منها الخطر على الأراضي الأوكرانية»، دون الإشارة بشكل مباشر إلى استهداف المدن الكبرى والمواقع الحساسة للغاية والبعيدة عن خطوط التَّماس، وفق الفهم الأوكراني القائم على توفير معادلة «ردع متكافئ». والمعنى المقصود أن استهداف المدن الأوكرانية ومنشآت البنى التحتية في مدن بعيدة عن خطوط التَّماس يجب أن يقابله «وصول نيران المعارك إلى المدن الروسية».

لذا ترى موسكو أن إعطاء الغرب «الضوء الأخضر» يعني الانخراط بشكل مباشر في الحرب. وهذا أمر أوضحه بوتين بعبارة إن «الناتو لا يناقش فحسب إمكانية استخدام القوات المسلّحة الأوكرانية أسلحة غربية بعيدة المدى، بل يناقش المشاركة المباشرة في الصراع». وبالنسبة له، فإن أوكرانيا تضرب، بالفعل، الأراضي الروسية بطائرات دون طيار ووسائل أخرى. لكن عندما يتعلّق الأمر باستخدام أسلحة غربية عالية الدقة وبعيدة المدى، «ينبغي أن يكون مفهوماً أن مثل هذه العمليات تجري بمشاركة أفراد عسكريين من دول التحالف، ذلك أنهم وحدهم يمكنهم المشاركة في مهام إطلاق أنظمة الصواريخ وتوجيهها».

تغيير جوهر الصراع

في ضوء ما سبق، يرى الكرملين أن الحرب الأوكرانية قد تكون مُقبلة على تغيير مباشر في جوهر الصراع، وأيضاً في رقعته الجغرافية. وهو يقول بوضوح إن موسكو ستتخذ قراراتها «بناء على التهديدات التي تظهر أمامها».

هذه العبارة بالغة الوضوح لجهة أن موسكو سترى أي البلدان ستعطي «الضوء الأخضر» لأوكرانيا، وستُقْدم على تزويدها بالمُعدات اللازمة لذلك، وأيضاً البلدان التي ستُؤمّن التسهيلات اللوجستية المطلوبة لوصول هذه الإمدادات وتشغيلها على الأراضي الأوكرانية. وفي هذا السياق، لا تُخفي موسكو أنها تدرس خيارات الرد بناءً على تلك المعطيات، ومن هنا جاء التلويح الروسي بأن «ساحة الصراع قد تنتقل إلى أوروبا بشكل مباشر».

إن الخيارات التي يضعها الكرملين لا تستثني، بطبيعة الحال، الردّ النووي في حال دعت الحاجة القصوى لذلك. ولا بد من التذكير بأن بوتين كان قد أمر، خلال الصيف، بإجراء تدريبات غير مسبوقة على السلاح النووي التكتيكي. وشملت التدريبات عدة مراحل تعكس مستوى الجدية والتأهب، بينها عمليات نقل الرؤوس النووية، وتخزينها في مناطق قريبة من خطوط التَّماس المفترضة، ثم تفجير رؤوس نووية تكتيكية؛ أي محدودة الحجم... بما يكفي - مثلاً - لتدمير مدينة صغيرة.

طبعاً، تلك التدريبات استهدفت عدوّاً وهمياً أو افتراضياً. لكن اللافت، خلال اليومين الماضيين، أن قيادة هذا السلاح وجّهت رسالة علنية إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة «أي بوتين» تؤكد أنها باتت على أعلى درجات التأهب والاستعداد.

وإذا كانت هذه الرسالة لا تعكس، بالضرورة، تأهباً من جانب الكرملين لاستخدام السلاح النووي بشكل مباشر، فهي - بلا شك - تدخل ضمن الضغوط الروسية على الغرب، وإظهار مستوى الجدية لدى الكرملين للتعامل مع أي تطوّر منتظَر.

3 خيارات لموسكو للرّد على التحديات

بينها فتح جبهات جديدة

قبل أن تنزلق الأمور على الجبهة الروسية - الأوكرانية نحو استخدام السلاح غير التقليدي، وفقاً لرغبات معسكر «الصقور» الروسي، الداعي إلى حسم المواجهة سريعاً، تبرز أمام «الكرملين»، وفقاً لخبراء، رزمة من الخيارات الأخرى التي يبدو أنها قد تُبلور المراحل الأولى من التعامل الروسي مع التهديدات الجديدة. خبراء عسكريون يشيرون، اليوم، إلى ثلاثة مستويات من الرد الروسي المحتمل، يمكن أن تكون مترافقة ومتزامنة، أو يُنتقى بعضها تدريجياً. غير أنها جميعاً لا تستثني مواصلة ضغط الكثافة النارية على كل الجغرافيا الأوكرانية، مع تركيز أساسي على مواقع تجمُّع الأسلحة والخبراء الأجانب ومنشآت الطاقة والإمدادات المختلفة. المستوى الأول يتمثل في تنشيط استهداف الناقلات الغربية التي تحمل الإمدادات إلى أوكرانيا. وهذا يعني استهداف السفن والطائرات وغيرها من الناقلات على الأراضي الأوكرانية، وفي أجواء أوكرانيا ومياهها الإقليمية، خلال المرحلة الأولى. وربما لاحقاً إذا دعت الحاجة إلى استهدافها في مناطق عدة أخرى. والمستوى الثاني يقوم على توجيه ضربات محددة إلى «مناطق انطلاق الخطر». والمقصود هنا مناطق في محيط أوكرانيا تُستخدم لتخزين ونقل المُعدات الغربية إلى كييف، أو قد تُستخدم بصورة مباشرة محطاتِ انطلاق لبعض الهجمات. ووفق خبراء عسكريين، فإن هذا المستوى من الرد محفوف بمخاطر الانزلاق نحو مواجهة مباشرة مع «ناتو»، لكنهم يدافعون عن هذا الخيار بالإشارة إلى أن الضربات الروسية يجب أن تكون محددة ودقيقة، وأن تكون ذرائعها واضحة أيضاً. وهنا لا بد من التذكير بالسجال الذي أثاره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عندما دعا الغرب أخيراً إلى المساعدة المباشرة في أنظمة الحماية الجوية لأوكرانيا؛ بمعنى أن ينخرط الغرب في تشكيل مظلة جوية تحمي أجواء بلاده. وهذا قد يتطلب إطلاق دفاعات جوية من مناطق مجاورة لأوكرانيا، مثل بولندا ورومانيا. وهنا، لا تُخفي بولندا - مثلاً - تأييدها خطوات من هذا النوع، ولقد برَّرت موقفها بالقول إن عليها «التصدي لصواريخ روسية قد تخترق الأجواء الأوكرانية، وتسقط على أراضي بولندا». لكن مثل هذا المدخل يوفر لموسكو الذرائع الكافية لتبنّي أحد خيارات الرد على التهديد المتصاعد، وفقاً لوجهة نظرها. أخيراً، المستوى الثالث للرد الروسي يقوم على نقل التهديد بتسليح خصوم واشنطن، إلى دائرة التنفيذ العملي، وكان بوتين قد لوَّح بذلك الخيار قبل أشهر. وراهناً يرى خبراء أن موسكو تستطيع مساعدة خصوم واشنطن، وحليفاتها على إيقاع ضربات مُوجعة بالولايات المتحدة في مناطق عدة من العالم. وفي هذا الإطار، يرى بعض الخبراء أن مناطق، مثل سوريا والعراق، قد تشهد تصعيداً قوياً ضد مصالح واشنطن، فضلاً عن مناطق أخرى عدة.