«حماس» تجدد مخاوف لبنان من تحويله «ساحة صراع إقليمي»

نكأت جراح المسيحيين... وتوجّس من تخطّي «إعلان فلسطين 2008»

قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
TT

«حماس» تجدد مخاوف لبنان من تحويله «ساحة صراع إقليمي»

قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)

جدّد إعلان حركة «حماس» عن تأسيس «طلائع طوفان الأقصى» في لبنان الهواجس اللبنانية من تحويل البلاد ساحة صراع إقليمي مرة أخرى، بعد 33 سنة من انتهاء الحرب اللبنانية. وأيضاً نكأ جراح الذاكرة اللبنانية التي استعادت مرحلة المقاومة الفلسطينية في لبنان بعدما شرعنها «اتفاق القاهرة» عام 1969، وأدّت في نهاية المطاف إلى اشتعال الحرب اللبنانية عام 1975، ولم تنتهِ بالغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978 لإبعاد الفلسطينيين من الحدود، ولاحقاً عام 1982 التي أدت إلى ترحيل منظمة التحرير إلى تونس. الإعلان تراجعت عنه «حماس» في بيان توضيحي، بقولها إنه يسعى لربط الشباب الفلسطيني بالقضية والعمل من أجلها والدفاع عنها، وإنه «لا يرتبط بتوجهات استراتيجية لها علاقة بالرجوع إلى الوراء نحو التجربة الفلسطينية السابقة». إلا أنه، مع ذلك، لقي رفضاً لبنانياً واسعاً أدى الى وأده قبل أن يولد، ولم يقتصر الرفض على المسيحيين - وهم الاكثر توجساً من إعلان مشابه - بل طال أيضاً المستوى الرسمي، وذلك بإعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن «هذا الأمر مرفوض نهائياً ولن نقبل به»، في حين أكدت «حماس»، في المقابل «احترام سيادة لبنان، والالتزام بقوانينه، والحرص على أمنه واستقراره، وعدم التدخل بشؤونه الداخلية».

 

 

أحدث إعلان حركة «حماس» يوم الاثنين الماضي، خضّة في الأوسط السياسية اللبنانية التي تنقسم مخاوفها إلى مستويين:

المستوى الأول إعادة عقارب الساعة إلى «اتفاق القاهرة» في عام 1969 الذي وقعه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني (يومذاك) العماد إميل البستاني، وضم نقاطاً حول تنظيم العلاقة اللبنانية – الفلسطينية، والسماح للمقاومة الفلسطينية بإنشاء قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني، وخصوصاً، في منطقة العرقوب والقطاع الأوسط والشرقي وممارسة العمل السياسي داخل المخيمات. وفي ذلك الوقت، تحول الجنوب إلى منطقة عمليات عسكرية، وتضاعفت على أثره الاعتداءات الإسرائيلية بذرائع متصلة بالرد على الفدائيين، وصولاً إلى اجتياح إسرائيل لجنوب الليطاني في 14 مارس (آذار) عام 1978، بذريعة إبعاد الفلسطينيين من الحدود. واليوم يتوجس المستوى السياسي اللبناني من تكرار تلك المرحلة، ما سينهي الهدوء الذي اختبره جنوب لبنان من عام 2006، ويطيل أمد الحرب حتى بعد انتهاء الحرب في غزة.

أما المستوى الثاني، فيتصل بتشريع التسلّح غير اللبناني في البلاد، في وقت لا يحظى سلاح «حزب الله» بإجماع القوى السياسية اللبنانية كافة، ولو أنه مغطى رسمياً في بيانات وزارية متعاقبة. وراهناً يقول خصوم الحزب، الذي يُتهم بأنه سهل وصول «كتائب القسام» وقوى أخرى إلى المنطقة الحدودية خلال الأسابيع الماضية لإطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه أهداف إسرائيلية، إن تشريع تسليح «حماس» قد يجدد المخاوف من تسليح قوى سياسية أخرى في لبنان. ويكرّر، تالياً، مرحلة الحرب الأهلية، بل ويمكن أن يمثل انقلاباً على «إعلان فلسطين» الصادر في عام 2008، الذي نصّ على:

- «تجاوز الماضي بأخطائه وخطاياه».

- «الالتزام الفلسطيني الكامل بلا تحفظ، بسيادة لبنان واستقلاله، في ظل الشرعية اللبنانية بجميع مكوناتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن دون أي تدخل في شؤونه الداخلية».

- «رفض جميع أشكال التوطين والتهجير».

- «خضوع السلاح الفلسطيني في لبنان، لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقا لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرفه وترعاه السلطات الشرعية».

وينص أيضا على تمسك الفلسطينيين «بحقوقنا الأساسية، بصفتنا لاجئين مقيمين قسراً ومؤقتاً في لبنان، وبصفتنا جزءا من شعب فلسطيني يكافح من أجل حريته واستقلاله على أرضه... وحقوقنا هذه غير مشروطة بقضية السلاح، ولا نفكّر في أي معالجة بأسلوب المبادلة».

مخاطر سيادية

في الحقيقة، تتجاوز تداعيات إعلان «حماس» المسألة السيادية اللبنانية والضوابط المتعلقة بحصرية سلطة الدولة اللبنانية في ضبط أمن الحدود. ويرى الوزير الأسبق ونقيب المحامين الأسبق رشيد درباس أن إعلان «حماس» هذا «يتضمن طعناً بالشرعية الفلسطينية أيضاً»، شارحاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن حدث 7 أكتوبر (تشرين الأول) «دخل على الوجدان العربي العام، وأعاد القضية الفلسطينية إلى عروبتها ورونقها، وهو أمر يسري على اللبنانيين أيضاً»... لكن الشعب اللبناني، وإثر إعلان حماس، بدأ يشعر بأنه مستهدف ومظلوم، بالنظر إلى أن حماس اختارت بلداً لا يتمتع بمقوّمات الصمود لتوسيع نشاطها العسكري فيه.

ويرى درباس في إعلان «حماس» من ناحية ثانية «تبديداً للأرباح بلا سبب... ولذا يُفترَض أن تكون لدينا جرأة وشجاعة لنقول لا حرصاً عليها، ذلك أن عدداً إضافياً من المقاتلين في الجنوب لا يقدّم ولا يؤخر في المعركة». ويضيف أنه «عندما تبدأ بعض التنظيمات بالتأهب للحرب، بما يترتب على الأمر من تسلح وتشكيلات عسكرية، فهذا يعني أن اتفاق الطائف تلاشى... وهذا سيشرّع لكل طائفة التسلح، ومنهم بطبيعة الحال المسيحيون، كما أن كل طائفة ستبحث عن حلف أجنبي ونعيد عقارب الساعة إلى الوراء».

رفض واسع

وفعلاً، لاقت خطوة «حماس» رفضاً سياسياً واسعاً شمل جميع المسيحيين من دون استثناء، وكذلك بعض القوى السياسية من المسلمين، فضلاً عن الموقف الرسمي الرافض. ومما قال رئيس «التيار الوطني الحر» (التيار العوني) النائب جبران باسيل «نرفض في المطلق إعلان حركة حماس في لبنان تأسيس طلائع طوفان الأقصى ودعوتها الشّباب الفلسطيني إلى الالتحاق بها؛ كما نعدّ أي عمل مسلح انطلاقاً من الأراضي اللبنانية اعتداء على السيادة الوطنية». وتابع: «نذكّر بما اتفق عليه اللبنانيون منذ الـ90 في الطائف بوجوب سحب السلاح من الفلسطينيين في المخيمات وخارجها وبما أجمعوا عليه من إلغاء اتفاقية القاهرة التي شرّعت منذ 1969 العمل المسلح للفلسطينيين انطلاقاً من لبنان». إن لبنان صاحب حق يقوى «بمقاومته الوطنية» لإسرائيل دفاعاً عن نفسه، ويضعف بإقامة «حماس لاند» في الجنوب من جديد للهجوم على إسرائيل من أراضيه.

أيضاً، رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أن «هذا البيان غير مقبول لا شكلاً ولا مضموناً، وهو يمسّ بالسيادة اللبنانيّة، كما يحاول من جديد الإساءة إلى العلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين». وأردف «من الثابت أنّ حماس وسواها من المنظمات تخضع في لبنان لإمرة (حزب الله) وقراره. ومن سابع المستحيلات أن تقوم بأي تحرّكاتٍ عسكريّة من دون علم الحزب وموافقته، لا بل إن الحزب هو مَن يطلب منها إطلاق الصواريخ لاعتباراته العسكريّة، ناهيك من أنه لا إمكانية أن تصدر حماس بياناً في هذا الاتجاه، لولا التوقيع الفعلي لـ(حزب الله) عليه».

واقع الأمر، أن الرفض اللبناني الواسع ساهم بتراجع حركة «حماس» عن خطوتها، وهنا يقول النائب اللبناني السابق والخبير العسكري الجنرال المتقاعد وهبة قاطيشا إن «شبه الإجماع اللبناني الرافض لهذه الخطوة، دفع الحركة للتراجع»، في إشارة إلى معظم القوى السياسية والأحزاب اللبنانية باستثناء «حزب الله» الذي لم يصدر أي بيان حول الخطوة. ويتابع قاطيشا لـ«الشرق الأوسط» إن «(حزب الله) هو من يتحكم بالساحة الجنوبية، وبإمكانه وحده تكبيرها أو تصغيرها، رغم أنه من الناحية الشعبية، يحاول الإيحاء بأنه ليس حارساً للحدود ولا علاقة له بالساحة»، ويضيف «لكن التهيّب اللبناني من خطوة حماس، والإجماع اللبناني على رفضها، أجهضاها قبل أن تولد».

ومن جهة ثانية، يرى قاطيشا أن هدف «حزب الله» يتمثل في «الحفاظ على سلاحه... وهو ما دفعه لإطلاق معركة مع إسرائيل، وتغطية معركة الفلسطينيين من الداخل اللبناني باتجاه إسرائيل... إنه - تحقيقاً لهدفه - لا يستطيع إلا أن يشارك في المعركة».

الوزير السابق رشيد درباس (الشرق الأوسط)

بين «اتفاق الهدنة» و«اتفاق القاهرة»

ويعود قاطيشا إلى التاريخ، فيذكّر بأن الجيش اللبناني في عام 1948، خاض معارك مع الإسرائيليين ودفع ضريبة الدم في معركة المالكية التي قتل فيها الملازم محمد زغيب وعناصر آخرون، لكن منذ تثبيت اتفاق الهدنة في عام 1949 (الذي اعتمد حدود فلسطين المرسّمة، هي الحدود الدولية)، وحتى «اتفاق القاهرة» في عام 1969، «شهدت المنطقة الحدودية خروقاً ولم تشهد معارك كبيرة؛ حيث لم تترتب على المناوشات عمليات خطيرة، وكانت الأمم المتحدة تتسلم مخترقي الحدود على ضفتي الحدود»، لكنه يضيف أنه «بعدما وصل الفلسطينيون إلى الجنوب وسيطروا على منطقة العرقوب (1969) وبدأوا بالتمدد جنوباً، تضاعفت الاعتداءات مع تراجع دور الدولة اللبنانية». وهنا يرى قاطيشا أن أهل الجنوب الذين تعاونوا مع الفلسطينيين على حساب الجيش اللبناني «أسقطوا الدولة في الجنوب... وانسحب الجيش لاحقاً (بدءاً من عام 1976 مع ظهور (جيش لبنان العربي)، وصارت البلاد فالتة ولم تعد خاضعة للدولة، وهكذا استباح الإسرائيلي المنطقة... وعندما باتت الأرض بلا دولة، تحوّل الجنوب إلى ساحة للفلسطيني والإسرائيلي».

لحظة سياسية دقيقة

في أي حال، جاء إعلان «حماس» في لحظة سياسية دقيقة في لبنان، الذي يعاني من شغور رئاسي منذ أكثر من 13 شهراً، ويتمدد الشغور إلى 50 في المائة من المؤسسات حيث يصعب ملؤها في ظل وجود حكومة تصريف أعمال. وتتباين القوى السياسية حالياً حول آلية تجنب الشغور في موقع قيادة الجيش قبل إحالة قائده العماد جوزيف عون إلى التقاعد في يناير (كانون الثاني) المقبل.

في هذا الجو، لا يحصر درباس الانتقادات بـ«حماس» فحسب، إذ يؤكد أنه قبل إعلان «حزب الله» عن انخراطه في معركة الجنوب: «كان عليه أن ينتخب رئيساً ويجابه بالدولة» القادرة على مخاطبة المجتمع الدولي وتأمين المساعدات وغيرها، «أما أن يذهب الحزب إلى الحرب في ظل شغور رئاسي وحكومة تصريف أعمال ومجتمع مصاب بالوهن، فإن ذلك لا ينفع، رغم أن كل القلوب مع حماس، والناس معجبة بما فعلته لجهة استعادة القضية لرونقها، وهدم المنظومة الإسرائيلية».

تحرّكات إسرائيل

في المقابل، أنتج انخراط «حزب الله» في المعركة، وإعلان «حماس» في وقت لاحقاً، تحديات كبيرة بالنسبة لإسرائيل في المنطقة الحدودية تتمثل في إخلاء 120 ألف إسرائيلي لمناطق سكنهم في منطقة الجليل، وحسب قاطيشا «هؤلاء لن يعودوا إلا بحلّ مسألة الحدود... لن يكون الحل سوى حل عسكري حاسم عبر تطوير العمليات وتمدّد الحرب، أو اتفاقية ملزمة، لا نعرف ما إذا كان تطبيقها سيحصل على البارد أو تحت النار». ويرى قاطيشا أن «الحزب يفضل ألا تقع معركة عسكرية، لكن رغم ذلك، ليس واضحاً ما إذا كان سيقبل بفرض الشروط عليه والتقيد بالـ1701، هنا تبدو الحلول غامضة، لكن الجانب الإسرائيلي يصرّ على حل المشكلة... وهناك سيناريوهات واحتمالات، بينها فرض منطقة عازلة في جنوب الليطاني تطبق بعملية عسكرية، أو اتفاق جديد لا نعرف كيف سيصار إلى تنفيذه».

تجنب المخاطر

أخيراً، تترتب على إعلان «حماس» مخاطر كثيرة، حسبما يرى اللبنانيون. وإذ يُعرب درباس عن مخاوفه من «تطيير اتفاق الطائف والدولة والوحدة الوطنية» جراء إعلان كهذا، فإنه يؤكد أن الحل هو «بصدور موقف رسمي رافض لهذا الاتجاه، وموقف ديني من جميع رجال الدين على مختلف أسمائهم لإعلان رفضهم لهذا الإعلان، كما أن الأولى بحزب الله أن يصدر موقفاً بأن الإعلان غير مقبول». ويشير إلى «أننا دولة لم يبقَ لها صاحب، ويدفعون الناس للاعتياد على الفراغ».

ويتابع الوزير السابق بالقول إن أولى إشارات الحل، أن نستبشر بإجراء حوار «حماس» حواراً جدياً مع منظمة التحرير لتوحيد القضية، فيتوقف الجميع عن الكلام عن قطاع غزة والضفة الغربية بشكل منفصل، لافتاً إلى أن «اللعاب السائل على الضفة يقضي على كل الإنجازات». ويختتم: «حماس كيان لا يمكن القضاء عليه، لكونه دخل إلى الوجدان العام، لكن خروجه من الوجدان العام تترتب عليه مخاطر كبيرة، وتسهل القضاء عليه... وأشدد على أنه إذا كانت حماس جزءاً من المعادلة، فهذا سيكون أفضل من أن تكون أشلاء، وهذا كلام جريء علينا أن نقوله».

 

 

تتجاوز تداعيات إعلان «حماس» المسألة السيادية اللبنانية والضوابط المتعلقة بحصرية سلطة الدولة اللبنانية في ضبط أمن الحدود

النائب السابق وهبه قاطيشا (الشرق الأوسط)

قاطيشا يتذكر زيارة عرفات لمركز الجيش اللبناني في مارون الراس

> ينطلق الجنرال المتقاعد من الجيش اللبناني وهبة قاطيشا من إصابته في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي، في 25 مايو (أيار) 1970، عندما كان ملازماً يخدم في بلدة ماروس الراس الحدودية، للتذكير بزيارة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى نقطته العسكرية في ذلك الوقت. ويقول: «كنت ضابطاً برتبة ملازم، وأخبرني قائد القطاع أن ضيوفاً من قبله سيصلون إلى مركزنا، وعليّ استقبالهم، من غير الكشف عن هويتهم. وصلت سيارة مرسيدس 190 رصاصية اللون إلى المركز، وعلى متنها أربعة أشخاص. لم تكن السيارة تثير الشبهات؛ لأن نصف سيارات لبنان تقريباً كانت من ذلك الطراز. وخرج منها أربعة شبان، وكانوا فلسطينيين». استقبل قاطيشا ضيوفه لأقل من نصف ساعة، كان بينهم شاب لا يتكلم ولا يسأل ولا يشارك بالحديث، لكنْ بدا له أن وجهه مألوف، من دون أن يتيقن من هويته. وبينما كان الثلاثة الآخرون يسألون عن طبيعة الأرض، في المقابل، من المراكز العسكرية الإسرائيلية في أفيفيم وغيرها، إلى المدن والمستوطنات المقابلة، «كان الرجل الرابع يستمع ويتفرّج، وينظر إلى المناطق الحدودية على الضفة الأخرى من طاقة المراقبة العائدة للجيش اللبناني، ويتغزل بالأرض قبالته». ويضيف قاطيشا: «بعد أقل من نصف ساعة، لاحظتُ أنه غمز الشبان الثلاثة معه، فهَمّ الشبان بالمغادرة، وقدّموا شكرهم لي على استقبالهم، وجولة الأفق التي أجريناها». في تلك اللحظة «عرفتُ أن الرجل الرابع هو قائد المجموعة، وتأكدتُ من أنه ياسر عرفات، مع أنهم غادروا من دون الكشف عن هويتهم». بعد ثلاثة أيام على الحادثة، حصل اشتباك مع القوات الإسرائيلية يوم 25 مايو، وهو اشتباك سبقه آخر بعشرة أيام وقع في بلدة مروَحين (القطاع الغربي)، وقُتل على أثره ضابط بالجيش، بالرصاص الإسرائيلي، تلاه قصف إسرائيلي لأهداف في بلدة بليدا (قريبة من مدينة بنت جبيل)، يوم 10 يونيو (حزيران) 1970، وأسفر عن مقتل ضابط لبناني آخر. ويتابع قاطيشا (انتخب نائباً في البرلمان عام 2018 عن كتلة «القوات اللبنانية») أنه «في 25 مايو 1970، دخلت قوات إسرائيلية الجنوب من جهة يارون وبنت جبيل، وحاولت تطويقي في مركزي بقرية مارون الراس، وكانت القوات الإسرائيلية على بُعد 500 متر عنا في الداخل اللبناني، حين بدأ تبادل القصف بيننا، ما أدى إلى إصابتي وإصابة عناصر آخرين في المركز، واستشهاد ضابط آخر في مارون الراس».


مقالات ذات صلة

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يفحصون أنقاض مسجد شهداء الأقصى في دير البلح بعدما تعرض للتدمير في غارة إسرائيلية (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن «تطويق» جباليا في شمال قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أن قواته «تطوق» منطقة جباليا في شمال قطاع غزة بعد تقييم يفيد بأن حركة «حماس» تعيد بناء قدراتها هناك بعد أشهر من القتال.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا فلسطينيون يحملون أعلاماً ولافتات في سيدني بأستراليا خلال مظاهرة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة (أ.ف.ب)

الآلاف يتظاهرون في أوروبا دعماً لغزة بعد عام على اندلاع الحرب

تظاهر آلاف الأشخاص دعما لغزة في أوروبا وجنوب أفريقيا ومئات في فنزويلا في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال اجتماع لمجلس الأمن الأربعاء (أ.ب)

غوتيريش يدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن الإسرائيليين

دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السبت، إلى إنهاء «أعمال العنف المروعة» و«سفك الدماء» في غزة ولبنان، بعد عام من الحرب الإسرائيلية على غزة.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة (الولايات المتحدة))
المشرق العربي فلسطينيون بجوار جثث أقاربهم الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أرشيفية - رويترز)

24 قتيلاً في قصف إسرائيلي على دير البلح وسط غزة

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 24 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 93 آخرون في ضربات جوية إسرائيلية على مسجد ومدرسة يؤويان مئات النازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر
TT

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر

عادّاً قرار عودته إلى الحكومة الإسرائيلية «عملاً وطنياً صحيحاً» يأتي في «أوقات صعبة مليئة بالتحديات»، تحالف النائب الليكودي جدعون ساعر من جديد مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وانضم لنصرته في «مجلس الحرب» وزيراً بلا حقيبة، وسط تكهّنات بأن المعارض اليميني «المتشدد» الذي يلقبه زملاؤه بـ«جيدي» قد يخلف وزير الدفاع يوآف غالانت، حال استقالته من منصبه. ساعر، الذي كان قد استقال من حكومة نتنياهو قبل بضعة أشهر اعتراضاً على استبعاده من «مجلس الحرب»، قال يومذاك جملته الشهيرة «لم نأت لتدفئة الكراسي». إلا أنه تراجع عن موقفه وعاد اليوم إلى الحكومة، مبرراً ذلك خلال مؤتمر صحافي لإعلان المصالحة مع حليفه وغريمه نتنياهو، بأنه «ليس من المفيد البقاء في المعارضة، بل واجبي في الوقت الحالي أن أحاول المساهمة على الطاولة حيث تُتخذ القرارات».

أثارت عودة جدعون ساعر إلى الحكومة الإسرائيلية جدلاً واسعاً، وشكلت تناقضاً سافراً لمواقف سبق أن أعلنها في خضم خلافه المحتدم مع نتنياهو ضمن كتلة «الليكود» النيابية. وهو الأمر الذي لم ينكره ساعر، إذ قال: «أمضينا أنا وبيبي (نتنياهو) سنوات من الشراكة الجيدة والوثيقة جداً، وكانت هناك أيضاً سنوات من الخلافات الشخصية والسياسية، لكن منذ صباح 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم يعد لهذا الخلاف أهمية»، وهذا ما أقرّ به أيضاً نتنياهو عندما ردّ: «وضعنا ضغائن الماضي خلفنا».

نشأة في «كيبوتز»

ولد جدعون ساعر في تل أبيب يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) 1966. وهو الابن الأكبر لأم من يهود بُخارى (في أوزبكستان) تعمل في التدريس، وأب طبيب جاء إلى إسرائيل من الأرجنتين. ولقد نشأ جدعون في مستوطنة تعاونية (كيبوتز)، واعتاد أن يرافق والده في زيارات إلى بيت ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إذ كان أبوه الطبيب الخاص لبن غوريون.

بدأت ميول جدعون ساعر السياسية في وقت مبكر، وإبان مرحلة تعليمه الثانوي انضم إلى حركة «هتحيا»، وترأس فرع الشباب فيها، وهي الحركة التي تحوّلت فيما بعد إلى حزب سياسي يميني متطرّف بين عامي 1979 و1992، أسّسه إسرائيليون يمينيون معارضون لاتفاقية «كامب ديفيد»، وظل قيادياً ناشطاً في ذلك الحزب إلى أن التحق فيما بعد بصفوف حزب «الليكود» (التكتل) اليميني. أما في مرحلة الدراسة الجامعية، فقد حاز ساعر درجة بكالوريوس في العلوم السياسية وبكالوريوس في الحقوق من جامعة تل أبيب. وبما يتصل بخدمته العسكرية، فإنه خدم في الجيش الإسرائيلي جندي مشاة في وحدة «غولاني»، وبعد إصابته أكمل خدمته ضابط استخبارات.

محام وصحافي

عمل ساعر في مهن عدة، وتدرّج في عدة مناصب. ولقد بدأ حياته العملية في المجال الحقوقي مساعد نائب عام، ثم عمل محامياً في النيابة العامة لمنطقة تل أبيب. وفي عام 1999، عندما كان في الثانية والثلاثين من عمره عيّن أميناً لمجلس الوزراء في حكومة نتنياهو الأولى، وهو المنصب الذي شغله أيضاً في حكومة أريئيل شارون الأولى. أيضاً سبق لساعر أن عمل صحافياً في وسيلتين إعلاميتين يساريتين. وإبان «الانتفاضة الفلسطينية الثانية»، شغل أيضاً منصب سكرتير مجلس الوزراء، وترأس وفد إسرائيل إلى الأمم المتحدة مركزاً على منع تشكيل لجنة تحقيق دولية في معركة جنين ضمن «عملية الدرع الواقي» التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية من أجل القضاء على «الانتفاضة». وكان ممثلاً للحكومة في الكنيست؛ حيث روّج لتشريعات عدة متعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية الحساسة. وفي عام 2002 انتخب عضواً في الكنيست للمرة الأولى، وكان رئيساً لكتلة «الليكود» البرلمانية ورئيساً للائتلاف اليميني. هذا، وبرز ساعر في «الليكود» خلال فترة توليه السلطة، وقاده أيضاً في زمن المعارضة بعد خسارة الحزب انتخابات عام 2005. وكان من الشخصيات الرئيسية والمؤثرة في إعادة تأهيل «الليكود» للفوز في انتخابات 2009. وحقاً، في ذلك العام عيّن وزيراً للتربية والتعليم، كما صار عضواً في «مجلس الوزراء الأمني». ثم في عام 2013 عيّن وزيراً للداخلية.

استراحة أسرية

عام 2014، بعد زواجه من الإعلامية اليسارية غيئولا إيبن، قرّر ساعر أخذ استراحة من العمل السياسي وتكريس وقته لرعاية أطفاله من زواجه الأول وأطفال زوجته الجديدة، دانييلا وألونا وديفيد وشيرا. وخلال هذه الفترة، تعمّق في متابعة قضايا الأمن القومي الإسرائيلي، وصار زميلاً في «المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي»، كما عمل محاضراً في قضايا الحكومة والإصلاح في كلية «أونو الأكاديمية»، ومستشاراً خاصاً لإحدى شركات المحاماة.

وبالفعل، عاش ساعر مع أسرته، إبان هذه الفترة، في شقة بتل أبيب «مليئة بألعاب الأطفال الملوّنة والمراهقين الصاخبين»، وفق وصف صحيفة «الواشنطن بوست» في حوار أجرته معه عام 2017، كذلك نقلت الصحيفة عنه قوله إنه «يريد التركيز على عائلته ونفسه، على الأقل لفترة من الوقت، تاركاً الباب مفتوحاً لعودته للسياسة يوماً ما». وأردف: «عندما استقلت من الحكومة والكنيست في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 كان من الواضح أنني سأعود... وكان السؤال الوحيد هو متى». ثم تابع في حواره مع الصحيفة الأميركية: «لست في عجلة من أمري لكي أصبح رئيساً للوزراء، لكنني قلت بوضوح عند عودتي إنني أعتزم قيادة الحزب والبلاد في المستقبل». وبالضبط، بعد نحو خمس سنوات، قرر ساعر العودة للسياسة وانتخب على قائمة «الليكود» في الكنيست.

مواقف «متشددة»

يُعرف ساعر بمواقفه اليمينية الحادة والمعارضة، فهو رفض خطة الانسحاب من قطاع غزة، وتنازل عن منصبه في رئاسة كتلة الائتلاف في الكنيست أيام أريئيل شارون، إثر تنفيذ خطة «فك الارتباط». وأيضاً من آرائه ومواقفه المتشددة، معارضته الشديدة «حل الدولتين». وفي هذا الشأن قال في حوار مع «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» – القريب جداً من إسرائيل – عام 2021 إنه «يدعم أقصى قدر من الحكم الذاتي للفلسطينيين ليحكموا حياتهم، مع الحدّ الأدنى من القدرة على إلحاق الضرّر بأمن دولة إسرائيل». وتكلّم عن «الحاجة لعنصر إقليميّ، مع دمج الدولتَين المجاورتَين، الأردن ومصر، في الحلول نفسها»، عبر ما وصفه باتفاقيات «ثلاثية الأطراف في بعض القضايا؛ بشأن السياحة والاقتصاد والبيئة وقضايا أخرى».

وبالنسبة للاستيطان، يدعم ساعر بناء المستوطنات في الضفة الغربية مع ضم أجزاء من الضفة الغربية. وسبق أن أوضح خلال لقاء مع صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عام 2018 أن «إقامة دولة فلسطينية على بعد أميال قليلة من مطار بن غوريون والمراكز السكانية الرئيسية في إسرائيل من شأنها أن تخلق خطراً أمنياً وديموغرافياً على إسرائيل».

وحيال «حرب غزة»، حثّ ساعر حكومته على «اتخاذ إجراء عسكري أكثر قوة في غزة»، وهو ما من شأنه حسب رأيه «تقصير فترة الحرب». وعدّ في مقال نشره موقع «بوليتيكو» في نوفمبر 2023 أن «الصراع بين حماس وإسرائيل حرب للغرب أيضاً... ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، أصبح الإسلام الراديكالي منافساً آيديولوجياً للغرب الديمقراطي». وأضاف أن «الصبر والتسامح تجاه الآيديولوجية المتطرّفة التي لا تعترف بشرعية أسلوب حياتكم (أي الغرب) هما أكبر عدوّ للسلام والتعايش».

حليف نتنياهو وغريمه

في الواقع، يحمل جدعون ساعر سمات شخصية مزدوجة، وقد وصفته صحيفة «هآرتس» عام 2020 بأنه في آن معاً «علماني رائع من تل أبيب... وقومي مؤيد للمستوطنين».

ولعل تناقضات شخصية ساعر المثيرة للجدل تظهر بوضوح في علاقته بـ«بيبي» نتنياهو، الذي ظل لسنوات طويلة داعماً له بصفته عضواً في «الليكود»، أو سكرتيراً لرئيس الوزراء ووزيراً في حكومات نتنياهو المختلفة. لكن هذا التحالف سرعان ما انفضّ كاشفاً عن «ضغينة شديدة» يكنّها ساعر ضد رئيسه السابق، إذ انفصل عن «الليكود» وشكّل حزباً جديداً لمنافسة حليفه السابق في الانتخابات، ما «يضع العقل السياسي الماكر ضد معلمه السابق في معركة شخصية عميقة غارقة في مظالم الماضي»، بحسب تقرير لوكالة «الأسوشييتد برس» عام 2021. والحقيقة أن الخلاف مع نتنياهو مر بمراحل عدة، كانت الأولى عندما خاض الانتخابات التمهيدية لقيادة «الليكود» ضده عام 2019، لكنه لم يستطع يومذاك الحصول على زعامة الحزب، فقرر عام 2020 الاستقالة من الكنيست والحزب، وتأسيس حزب «تكفا هداشا» (الأمل الجديد)، الذي خاض انتخابات 2021 وحصل على 6 مقاعد في الكنيست، ومن ثمّ، لعب دوراً في تشكيل «حكومة وحدة» بديلة لإسرائيل، ليشغل في البداية منصب نائب رئيس الوزراء ووزير العدل.

وللعلم، وصف ساعر دائماً بأنه «قومي متشدد» وكان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه «وريث لقيادة حزب الليكود»، لكنه بعد تحديه الفاشل لنتنياهو في سباق الزعامة، ومن ثم حرمانه من أي منصب حكومي عقاباً له، انفصل عن الحزب وأعلن أن «هدفه هو الإطاحة بنتنياهو لتحويله حزب الليكود أداةً للبقاء الشخصي».

ولكن، في أكتوبر الماضي، وافق ساعر على طلب نتنياهو تشكيل «حكومة موسّعة»، بيد أنه سرعان ما ترك الحكومة في مارس (آذار) الماضي، بعد رفض «بيبي» السماح له بالانضمام إلى «حكومة الحرب»، وقال حينذاك إنه لن يستطيع «تحمّل المسؤولية طالما أنه ليس لدي أي تأثير، فنحن لم نأت إلى الحكومة لتدفئة الكراسي».

مع هذا، عاد ساعر مرة أخرى ليتراجع، وأعلن في29 سبتمبر (أيلول) الماضي عودته إلى الحكومة الإسرائيلية، فيما عُدّ «نُصرة» لنتنياهو تتيح له توسيع غالبيته مع دعم أربعة نواب إضافيين.