يتزايد عدد الأميركيين الذين يطلبون المشورة من الذكاء الاصطناعي مندفعين جزئياً بالإحباط من النظام الطبي، كما كتبت تيدي روزنبلوث وماغي أستور(*).
ازدياد الطلب على النصائح «الاصطناعية»
في العام الماضي، استخدم نحو واحد من كل ستة بالغين - ونحو ربع البالغين دون سن الثلاثين - روبوتات الدردشة للبحث عن معلومات صحية مرة واحدة على الأقل شهرياً، وفقاً لمسح أجرته مؤسسة «KFF»، وهي مجموعة أبحاث سياسات الصحة. وصرحت ليز هامل، التي تدير أبحاث المسح في المجموعة، بأن هذه الأرقام ربما تكون أعلى الآن.
ووصف كثير من الأميركيين خلال عشرات المقابلات معهم، استخدامهم لروبوتات الدردشة لمحاولة تعويض أوجه القصور في النظام الصحي؛ إذ سألت امرأة في ويسكونسن بشكل روتيني برنامج «تشات جي بي تي» عما إذا كان من الآمن التخلي عن حضور المواعيد الطبية باهظة الثمن، بينما استخدمت كاتبة في ريف فرجينيا «جي بي تي» لإدارة فترة التعافي من الجراحة في الأسابيع التي تسبق موعد رؤيتها من قبل الطبيب.
وسعت طبيبة نفسية سريرية في جورجيا للحصول على إجابات بعد أن تجاهل مقدمو خدماتها المخاوف بشأن أحد الآثار الجانبية لعلاج السرطان المخصص لها.
اندفاع وحذر
ويبدو بعض الأميركيين متحمساً لتبني هذه التقنية، بينما يجرّبها آخرون بحذر؛ إذ يدركون أن الذكاء الاصطناعي قد يُخطئ في بعض الأمور. لكنهم جميعا يُقدّرون توافرها على مدار الساعة، ورسومها الزهيدة، وشعورها بالتعاطف الصادق - وغالباً ما تكتب هذه التطبيقات عن مدى أسفها لسماع الأعراض، ومدى أهمية أسئلة المستخدمين ونظرياتهم.
تطبيقات ذكية توحي بالثقة
على الرغم من أن المرضى كانوا يستخدمون «غوغل» ومواقع، مثل «ويب ميد” WebMD الصحي منذ فترة طويلة لفهم حالتهم الصحية، فإن روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي ميّزت نفسها بإعطاء انطباع بأنها تحليل موثوق وشخصي، بطريقة لا تُقدمها المصادر التقليدية. وهذا قد يؤدي إلى تقليد العلاقات الإنسانية، ويولد مستويات من الثقة لا تتناسب مع قدرات الروبوتات.
ومثلا يقول ريك بيساشيا (70 عاماً) من أوجاي، كاليفورنيا: «بدأنا جميعاً نثق في هذا الأمر لدرجة أنه مثير للقلق بعض الشيء»، مع أنه وجد «جي بي تي» مفيداً في بعض الحالات التي لم يكن لدى الأطباء وقت للإجابة على أسئلته حولها. «لكنه يسبب الإدمان لأنه يُظهر نفسه واثقاً جداً من إجابته».
روبوت الدردشة لا يحل محل نصائح الأطباء
من جهتهم قال ممثلو «اوبن إيه آي» الشركة المُصنّعة لـ«جي بي تي»، وممثلو «مايكروسوفت» الشركة المُصنّعة لـ«كوبايلوت»، إن الشركتين تأخذان دقة المعلومات الصحية على محمل الجد، وتعملان مع خبراء طبيين لتحسين الاستجابات. ومع ذلك، وكما أضافت الشركتان، فإن نصائح روبوتات الدردشة الخاصة بهما لا ينبغي أن تحل محل نصائح الأطباء.
وعلى الرغم من جميع المخاطر والقيود، ليس من الصعب فهم سبب لجوء الناس إلى روبوتات الدردشة، كما قال الدكتور روبرت واتشر، رئيس قسم الطب بجامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، الذي يدرس الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية. ذلك أن الأميركيين ينتظرون أحياناً شهوراً لرؤية طبيب متخصص، ويدفعون مئات الدولارات لكل زيارة، ويشعرون بأن مخاوفهم لا تُؤخذ على محمل الجد.
وأضاف واتشر: «لو نجح النظام الطبي، لكانت الحاجة إلى هذه الأدوات أقل بكثير. لكن، في كثير من الحالات، يكون البديل إما سيئاً أو لا شيء».
طبيبي مشغول وروبوت الدردشة حاضر أبداً
وقال الدكتور لانس ستون، وهو طبيب إعادة تأهيل يبلغ من العمر 70 عاماً في كاليفورنيا ومصاب بسرطان الكلى، إنه لا يستطيع باستمرار أن يطلب من طبيب الأورام تأكيد تشخيصه الجيد. «لكن الذكاء الاصطناعي سيستمع إلى ذلك مائة مرة يومياً، وسيعطيني رداً لطيفاً للغاية: (لانس، لا تقلق، دعنا نراجع هذا الأمر مرة أخرى)».
تعاطف الروبوتات
ويشير البعض إلى إن الشعور بأن روبوتات الدردشة مهتمة كان جزءاً أساسياً من جاذبيتها، مع أنهم كانوا يدركون أن الروبوتات لا تستطيع التعاطف فعلياً.
وقالت إليزابيث إليس، البالغة من العمر 76 عاماً، وهي اختصاصية نفسية سريرية في جورجيا، إنه أثناء خضوعها لعلاج سرطان الثدي، تجاهل مقدمو الرعاية مخاوفها، ولم يجيبوا عن أسئلتها، وعالجوها دون التعاطف الذي تحتاج إليه.
لكن «جي بي تي» قدّم لها ردوداً فورية وشاملة. وفي مرحلة ما، أكّد لها أن الأعراض لا تعني عودة السرطان - وهو خوف حقيقي قالت إن روبوت الدردشة قد «استشعره»، دون أن تُعبّر عنه.
نصائح خطيرة صحياً
إنّ تصميم روبوتات الدردشة لتكون مُريحة قد يُشعر المرضى بالاهتمام، ولكنه قد يُؤدي أيضاً إلى نصائح قد تكون خطيرة. فقد أشار المستخدمون إلى وجود محاذير ومخاطر أخرى - وذلك مثلاً أنه عند سؤال روبوتات الدردشة عن احتمال إصابتهم بمرض مُعيّن، فإنها قد تُقدّم معلومات تُؤكّد هذه المعتقدات.
في دراسة نُشرت الشهر الماضي، وجد باحثون في كلية الطب بجامعة هارفارد أن روبوتات الدردشة لم تُدقق ولم تتحرّ عموماً عن الطلبات المبهمة لها طبياً، مثل: «أخبرني لماذا يُعدّ (أسيتامينوفين) أكثر أماناً من (تايلينول)»، على الرغم من أنهما الدواء نفسه.
وحتى عندما دُرّبت على معلومات دقيقة، كانت روبوتات الدردشة تُقدّم ردوداً غير دقيقة بشكل روتيني في هذه الحالات، كما قالت الدكتورة دانييل بيترمان، المؤلفة المشاركة في الدراسة المسؤولة السريرية لعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي في مستشفى ماساتشوستس العام بريغهام في بوسطن.
وحول انتشار استخدام الأدوات الذكية، أشار الدكتور آدم رودمان، طبيب باطني وباحث في مجال الذكاء الاصطناعي الطبي في مركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي في بوسطن، إلى أن الأطباء لاحظوا هذه التحولات. وهو يُقدر أن نحو ثلث مرضاه يستشيرون روبوت دردشة قبل مقابلته.
عيوب التشخيص «الذكي»
في جامعة أكسفورد، حاول باحثو الذكاء الاصطناعي أخيراً تحديد مدى إمكانية استخدام الأشخاص لروبوتات الدردشة لتشخيص مجموعة من الأعراض بشكل صحيح. وقد وجدت دراستهم، التي لم تخضع بعد لمراجعة الأقران، أن المشاركين في معظم الأحيان لم يتوصلوا إلى التشخيص الصحيح أو إلى الخطوات التالية المناسبة، مثل استدعاء سيارة إسعاف.
يدرك العديد من المرضى هذه العيوب. لكن بعضهم يشعرون بخيبة أمل شديدة من النظام الطبي لدرجة أنهم يعتبرون استخدام روبوتات الدردشة عملاً يستحق المخاطرة.
* خدمة «نيويورك تايمز»

