إليكم حقيقتان مهمتان لفهم حاضر ومستقبل الروبوتات: أولاً: إننا نريد أن تعمل الروبوتات لصالحنا. وثانياً: فيما يتعلق بالعمل. لدى البشر ثلاثة مسارات تاريخية لتوظيف العمالة: الحيوانات من خلال عملية التدجين؛ واستخدام البشر الآخرين من خلال التوظيف، ولكن أيضاً من خلال الخضوع والاستعباد المباشر؛ والآلات من خلال تطوير أنظمة فيزيائية لأداء الحركات، كما كتب ديفين ليدل(*).
ما أهمية هذا لفهم حاضر ومستقبل الروبوتات؟ في حين أننا ابتكرنا تنوعاً مذهلاً من الآلات بالمعنى الأوسع، إلا أن المسارين الأولين لتوظيف العمالة -الحيوانات والبشر- قد هيمنا حتى الآن على مفهومنا عن الروبوتات.
الروبوتات الحالية... امتداد بيولوجي للإنسان
واليوم، تُعتبر روبوتاتنا الأكثر شهرة، وجميعها من روائع التصميم والهندسة، تطويرات آلية للحيوانات والبشر. يمكنك أن ترى أصداء حيوانات الجرّ تلك التي جندناها للعمل منذ آلاف السنين، بل وحتى الكلاب تتجسد في شكل روبوت لكلب مثلاً، ويمكنك أن ترى إعجابنا بالروبوتات الشبيهة بالبشر في روبوتات «ديجيت» Digit من Agility Robotics، و«أطلس» Atlas» من Boston Dynamics، و«أوبتيموس» Optimus من Tesla، و«جي1» G1 من Unitree.
تشبيه الآلات بصفات بشرية
هناك أسباب واضحة لذلك. أولاً: لقد بذلنا بوصف أننا نوع بشري جهداً كبيراً في تصميم العالم لنا ولمساعدينا من الحيوانات، لذا من المنطقي تصميم روبوتات تشبهنا، وتلك الحيوانات للعمل في تلك المساحات. على سبيل المثال، صُمم روبوت شبيه بالبشر من «يو سي آر» Under Control Robotics (UCR) للعمل جنباً إلى جنب مع البشر في أماكن العمل البشرية، مثل المستودعات، ومواقع البناء، وهو تحسين آلي لقدراتنا الشبيهة بالبشر.

ثم إن لدينا ميلاً فطرياً في نفسيتنا نحو التشبيه. أدمغتنا مُبرمجة من خلال التكيف التطوري لتمييز الإشارات الاجتماعية المعقدة. وأحد أهم انعكاسات هذا التكيف هو ميلنا إلى تشبيه الأشياء من حولنا بصفات بشرية، وإلصاق صفات بشرية بأشياء غير بشرية. ولهذا يُطلق الكثير من الناس أسماء على سياراتهم مثلاً.
المحور القادم: روبوتات «الفضاءات غير البشرية»
إليكم المحور القادم: هناك مساحات مهمة في مستقبلنا لم تُصمم لنا. فقد صُممت الروبوتات المُجسّدة على هيئة حيوان وإنسان لمحاكاة القدرات البشرية والحيوانية، لكن هذه القدرات تستند إلى فسيولوجيات لا تتمتع بالمزايا المطلوبة مثلاً للعمل في الفضاء الخارجي، أو في المحيطات، أو على شفرات توربينات الرياح، أو داخل البراكين.
روبوتات تعتمد على نفسها
في حين أن الطبيعة تمتلك بالتأكيد العديد من التكيفات عالية التخصص، فإن فسيولوجيات البشر والحيوانات ببساطة ليست مصممة للمناورة داخل أنابيب الغاز والماء؛ ولا يمكن إسقاطها من الطائرات من دون مظلات، أو إلقاؤها في ساحات القتال؛ إذ إنها غير مناسبة تماماً لمكافحة حرائق بطاريات الليثيوم داخل مكب النفايات.
وكما تميل الروبوتات ذات الأشكال البشرية والمستوحاة من الحيوانات إلى أن تكون معقدة، وتستهلك طاقة كبيرة، ومكلفة -وهي سمات غير مفيدة لحجم العمل الذي سنحتاج إليها للقيام به.
أما لهذا النوع من العمل الجديد فإن مستقبلنا يحتاج إلى روبوتات غريبة. وهذا يعني روبوتات تعتمد على نفسها بشكل جذري بأشكال غير تقليدية، ومصممة للعمل في بيئات قاسية.
روبوتات غريبة... للفضاء والبحار
إليكم ثلاثة روبوتات غريبة ومبتكرة سنحتاج إليها في المستقبل القريب.
* كرة فضائية. تعمل العديد من الشركات حالياً على بناء محطات فضائية في مدار أرضي منخفض ستواصل عملية إدامة الوجود البشري في الفضاء بعد إيقاف تشغيل محطة الفضاء الدولية المخطط له في عام 2030.
وتعد هذه المساعي التجارية بفرص كبيرة لإجراء تجارب علمية في الفضاء للصناعات التي تطور مواد متقدمة، وأدوية، وتقنيات أخرى. وهي تجارب تتطلب -في ظروف انعدام الهواء أو الغلاف الجوي- روبوتات قادرة على المناورة في ظل انعدام الجاذبية، والعمل في درجات حرارة تتراوح بين -85 درجة فهرنهايت و257 درجة فهرنهايت (-65 إلى 165 درجة مئوية).
كيف سيبدو ذلك؟ إنه روبوت كروي الشكل، يُطبّق قوى كهروستاتيكية لتثبيت نفسه على الأسطح، ومزود بمجموعة بارعة من المقابض الدوارة، وأجهزة الاستشعار والكاميرات التي تظهر عندما لا يكون في وضع التدحرج من مكان إلى آخر.
هنا على الأرض، قد يُساعد هذا النوع من الروبوتات فرق البحث والإنقاذ يوماً ما في الاستطلاع والرصد من خلال التدحرج عبر تضاريس شديدة الانحدار ووعرة في أي طقس، وفي الليل -وهي ظروف لا يكون فيها العمل آمناً للفرق البشرية والكلاب.
أبحاث البحار وإصلاح الجسور
* أداة بذّارة قاع البحر. تلعب مروج الأعشاب البحرية، التي تُعدّ أحواضاً فعّالة للغاية لامتصاص «الكربون الأزرق»، دوراً مهماً في حماية السواحل من العواصف، وتحسين جودة المياه، ورعاية الثروة السمكية التجارية. وستزداد أهمية هذه الأدوار مع سعينا للتخفيف من آثار تغير المناخ.
لقد فقدنا بالفعل على الصعيد العالمي ما يقرب من 30 في المائة من مروج الأعشاب البحرية، ونخسر حالياً نحو 7 في المائة سنوياً. ويتطلب عكس هذا الوضع من خلال إعادة التأهيل، وزراعة ما يقارب مساحة ملعبي كرة قدم من الأعشاب البحرية كل ساعة.
تتطلب زراعة الأعشاب البحرية المحلية، مع إزالة أنواع الأعشاب البحرية الغازية، روبوتات قادرة على العمل في التضاريس تحت الماء في تيارات ديناميكية لفترات طويلة. كيف سيبدو ذلك؟ إنه أصيص مائي بأرجل استشعار مستقلة، يعلوه توربين حلزوني الشكل تحت الماء لتوليد الطاقة ذاتياً من التيارات.
قد يقوم هذا النوع من الروبوتات بدوريات في المجاري المائية الحضرية، ويزيل القمامة والنفايات البلاستيكية قبل أن تصل إلى محيطاتنا.
* روبوتات صغيرة لإصلاح الجسور. يوجد أكثر من 600000 جسر في الولايات المتحدة، ونحو ثلثها مُصنّف اعتباراً من عام 024، على أنه «معطوب هيكلياً». يعبر هذه الجسور 168.5 مليون سائق يومياً. وبالمعدل الحالي للإصلاح، سيستغرق إصلاح هذه الجسور أكثر من 50 عاماً، لذا سنحتاج إلى الكثير من المساعدة.
في حين أن معظم الأبحاث المتعلقة بالروبوتات السائلة المدرعة بالجسيمات تُركّز على التطبيقات الطبية الحيوية، فإن خصائصها الفريدة -القادرة على اختراق الشقوق الدقيقة في الخرسانة وغيرها من المواد، وتحمّل الظروف القاسية، وقابليتها للتشوه- تعني أنه يمكن استخدامها في نهاية المطاف مع الجسور لفحصها، ووضع الطلاءات عليها، وإزالة الملوثات.
كيف سيبدو ذلك؟ تصميم من آلاف الكتل الصغيرة المدرعة تعمل، في الغالب بشكل غير مرئي، لمساعدة الجسور، وغيرها من البنى التحتية الكبيرة، على التعافي ذاتياً.
في المستقبل، قد ينظف هذا النوع من الروبوتات سقف منزلك ونوافذه وجوانبه باستمرار، ويعمل على مدار السنة لإزالة الطحالب والأوساخ -دون الحاجة إلى سلالم.
* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

